انحسار النفوذ الايراني في العراق
واثره على العملية السياسية
ادهم ابراهيم
لم يكن النفوذ الايراني في المنطقة وفي العراق على وجه الخصوص نابعا من
قوة النظام الايراني ، بل للتدخلات الدولية في الشؤون الداخلية لدول
المنطقة والذي بدأ باحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية
وحلفائها عام 2003 ، وقد كان من نتيجة هذا الاحتلال تسليم العراق فيما
بعد الى ايران في صفقة الاتفاق النووي في عهد باراك اوباما ، وقد
تشاركت ايران مع الولايات المتحدة في التوافق على تنصيب رؤساء الوزارات
العراقية منذ الاحتلال الاحتلال الامريكي للعراق الى يومنا الحاضر .
وقد كان للذين عادوا على ظهر الدبابات الأمريكية الاولوية في حكم
العراق الجديد، وهم جميعا موالين لطهران بطريقة او باخرى وقد كان
اغلبهم يعيش فيها ، أو على صلة بها . وكان البعض منهم على اتصال مع
الامريكان بنفس الوقت
.
ثم تعزز النفوذ الإيراني في العراق تدريجيا وبلغ ذروته بعد الانسحاب
الامريكي منه عام 2011 , تحت لافتة الديموقراطية المزيفة ، والانتخابات
المزورة
.
فتم انشاء منظومة حكم شكلية للمنتفعين من كل الطوائف والمكونات
العراقية بلا استثناء ، فعم الفساد في اغلب "ان لم يكن في كل" مؤسسات
الدولة والشركات المنتفعة منها
.
وفي نفس الوقت انشأت ايران كتائب عسكرية موالية لها من ميليشيات
الاحزاب والتكتلات المتحالفة معها في العراق ، وكانت باشراف الجنرال
قاسم سليماني الذي اغتيل فيما بعد بضربة جوية امريكية . وتوسعت هذه
الكتائب تحت ذريعة محاربة الارهاب او مايسمى بالمقاومة الاسلامية
.
ونتيجة للبنية الفاسدة للاحزاب الحاكمة في العراق ، ورهط المحيطين بها
من المنتفعين من كل الطوائف والقوميات ، جرى التخريب المتعمد لكل
مقومات الدولة الصناعية والزراعية والصحية والتعليمية لاكثر من 19 عاما
.
فخرج الشعب العراقي في مظاهرات وانتفاضات عديدة ضد الطبقة الحاكمة
والمحيطين بها في المحافظات كافة ، وكان آخرها انتفاضة تشرين /اكتوبر
عام 2019 في المناطق الجنوبية على وجه الخصوص ، والتي كانت الاحزاب
الفاسدة تدعي انتماءها لها، واخذوا يطالبون باسقاط النظام وكف يد ايران
عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق ، فسقط المئات من الشهداء والاف
الجرحى نتيجة العنف المفرط من قبل السلطة الغاشمة وميليشياتها . فسقطت
حكومة عبد المهدي ، وجرت انتخابات مبكرة ، منيت فيها الاحزاب والتكتلات
الولائية بهزيمة فاضخة
.
ومنذ ذلك التاريخ بدأ العد التنازلي للنفوذ الايراني
.
لقد كانت انتفاضة تشرين ونتائج الانتخابات التي اعقبتها اللبنة
الاساسية في عملية التغيير المنشودة ، رغم امتناع ملايين الأشخاص عن
التصويت . وبذلك تكشفت لعبة خداع الجماهير بشعارات طائفية لفترة غير
قصيرة من الزمن ، وبان الخراب الهائل في البنية التحتية للاقتصاد
العراقي والفساد الذي ازكم الانوف في بشاعته حتى اصبح اكثر من 30% من
الشعب العراقي تحت خط الفقر
.
فور
الإعلان عن نتائج الانتخابات ، ارتبك الموقف الإيراني في كيفية التعامل
مع اطراف العملية السياسية ، وقد حاول قاآني خليفة الجنرال سليماني
تدارك الفوضى الحاصلة بجمع الاطراف المعنية تحت مظلة واحدة دون جدوى
.
بات النفوذ الإيراني في العراق يمر بأصعب فترة له منذ إسقاط نظام صدام
حسين في عام 2003 ، خصوصا بعد انتفاضة تشرين المجيدة ، والهزيمة
النكراء التي مني بها الولائيين في الانتخابات البرلمانية العراقية في
رسائل واضحة على رفض الشارع العراقي بكل طوائفه للتدخلات الايرانية
وتاثيرها المجحف على مجمل حياة المواطنين
.
إن حكومة طهران التي تتمسك بموقف سياسي معاد ظاهريا للولايات المتحدة ،
لم تتردد يوما في عقد صفقات مشبوهة مع واشنطن في كل ما يتعلق بالوضع
العراقي ، لضمان بقائها فترة اطول ، وعلى حساب معاناة الشعب بكل
مكوناته بلا استثناء
.
ولكن الحرب في اوكرانيا قد غيرت كثيرا من قواعد اللعبة ، فلم تعد
واشنطن تثق كثيرا بنظام طهران ولا النظام الايراني على استعداد لتقديم
المزيد من التنازلات لواشنطن بعد تعثر مفاوضات العودة للاتفاق النووي
.
كما أصبحت مساحة طهران للمناورة في العراق ضيقة جدا بعد ابتعاد بعض
السياسيين التقليديين عن إيران وعلى رأسهم السيد مقتدى الصدر
.
وهكذا بعد انحسار دور العراب الايراني على مجمل العملية السياسية في
العراق ، إزداد الصراع الداخلي على السلطة بين الاحزاب والكتل السياسية
من اجل الغنائم والزعامة الى الحد الذي بات يهدد وجود النظام السياسي
باكمله ، رغم امتلاك الجميع للميليشيات المسلحة المنتشرة في كل مكان .
ونسأل الله ان لا تصل الامور الى حد الصدام المسلح
!
ان مايدور الآن في اروقة السياسة في العراق والخلافات العميقة حول
رئاسة الجمهورية وتشكيل الوزارة ، يعطي إشارات واضحة إلى أن العملية
السياسية المبنية على المحاصصة في العراق أصبحت في حلقاتها النهائية ،
خصوصا بعد انحسار النفوذ الايراني نتيجة الوعي الجمعي للشعب العراقي
.
ادهم ابراهيم
|
 |

ادهم
ابراهيم
كاتب
عراقي
محامي
، ومدير الدراسات في معهد التفط
العربي .
بكالوريوس قانون جامعة بغداد
ماستر بالادارة الحديثة . باريس فرنسا
(مقالات سابقة) |