الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

البرامج النووية بين حقوق

الشعوب وسمسرة الأنظمة

صبحي حديدي

 

لن تسمح دولة الاحتلال الإسرائيلي لأيّ برنامج نووي، تعتمده أية دولة شرق ـ أوسطية، أن يبلغ مستوىً تكنولوجياً متقدماً؛ حتى في ميادين الطاقة الصناعية الصرفة، فكيف بأن يرتقي إلى أيّ مستوى قريب من إنتاج أسلحة ذرية. وهذا قرار ستراتيجي متفق عليه، تماماً وبلا أدنى خلاف أو تباين، مع الولايات المتحدة أياً كان الحزب أو الشخص القائد في البيت الأبيض؛ ومع القوى الكبرى الأخرى، سواء انتمت إلى تراث استعماري حافل أو متوسط أو عابر، أو تشارك في هذا النسق أو ذاك من الهيمنة الكونية، السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية؛ أم تقف على هوامش تحالفية وتكتلات وائتلافات، على غرار الحلف الأطلسي.
لكن البرنامج النووي الإيراني، بصفة محددة، ينطوي على دلالات خاصة وهامة لأنه ابتدأ بموافقة أمريكية، وبالتالي بمباركة إسرائيلية، لأنه ببساطة كان يشغل مساحة حيوية داخل هندسة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وكان الحاكم في إيران هو الشاه رضا بهلوي حليف الولايات المتحدة والحلف الأطلسي والغرب عموماً. وكانت الصناعة الأمريكية، منذ العام 1975، هي صاحبة السبق إلى تزويد إيران بمفاعل نووي لا تقلّ طاقته عن 5 ميغاواط، وكان البيت الأبيض هو مانح الإذن بتوفير اليورانيوم المخصّب اللازم للتشغيل وتمكين إيران من شراء منشأة تتيح فصل البلوتونيوم (وتلك، للعلم، هي المرحلة الأعلى في برنامج تصنيع القنبلة النووية).
غير بعيد عن الشرق الأوسط، ولكن ضمن سياقات جيو ـ سياسية متقاربة ومتقاطعة، كان التمييز الأمريكي بين برنامج نووي هندي مقابل برنامج نووي باكستاني قد تجاوز، بكثير في الواقع، اعتبارات التبعية العالية التي اتصف بها ضباط الجيش والاستخبارات الباكستانيون في علاقاتهم مع نظرائهم الأمريكيين؛ فرجحت كفة الهند، الأقلّ في مقادير التبعية، لأنّ المعادلة في واشنطن اتخذت صفة الموازنة بين «قنبلة إسلامية» باكستانية مقابل «قنبلة هندوسية» هندية! ولم يكن مستغرباً أن يلجأ بعض المعلقين إلى تصنيف قنابل العالم الذرية إلى واحدة مسيحية في الولايات المتحدة وأوروبا، وثانية بوذية في الصين، وثالثة يهودية في إسرائيل، ورابعة سيخية في الهند، وخامسة مسلمة في الباكستان، وسادسة ملحدة في الإتحاد السوفييتي! كذلك كان طبيعياً أن يتذكر ذو الفقار علي بوتو، رئيس وزراء الباكستان، سنة 1974، أنّ الولايات المتحدة هي ذاتها أوّل مَن زوّد الباكستان، منذ العام 1961، بمفاعل نووي طاقته 5 ميغاواط.
التكنولوجيا النووية سياسة إذن، في المقام الأمني والعسكري الأوّل الذي يسبق كل اعتبار آخر صناعي أو تكنولوجي أو علمي أو اقتصادي أو تنموي؛ وليس البرنامج النووي الإسرائيلي سوى الدليل الظاهر الذي يفقأ الأعين حول الكيل بمكاييل شتى عند مناقشة الملفات النووية، ولن يكون مكيال تفضيل المخافر المتقدمة للإمبريالية العالمية سوى أبرزها، أو بالأحرى أكثرها افتضاحاً. وإذْ لا تجادل هذه السطور في حقّ الشعوب بامتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض صناعية وتنموية وعلمية، فإنّ الفارق كبير بين هذا المطلب المشروع، وبين طموح أنظمة استبدادية أو تسلطية إلى امتلاك السلاح النووي لأغراض تثبيت سلطة النظام أو تحسين التفاوض حول البقاء أو مقايضة القنبلة برضا القوى العظمى؛ على حساب الشعوب دائماً، وحقوقها في الغذاء والدواء والتعليم والكرامة الإنسانية.
وليس إنتاج المزيد من المياه الثقيلة في مفاعل أراك، مثلاً، أكثر أهمية من رفع الحظر على دراسة الطلبة الجامعيين الإيرانيين في الأقسام والفروع المرتبطة بالطاقة النووية، أو شراء الطائرات المدنية، أو السماح بعمليات المصرف المركزي الإيراني، أو تشغيل الشركة الوطنية للنفط، أو تفعيل نحو 800 من المؤسسات والمصارف الإيرانية الأخرى. هذه حقوق الشعب الإيراني، ولا يصحّ أن تنقلب إلى بنود سمسرة في يد آيات الله ونظام ولاية الفقيه، وهي أقرب إلى تشويه معنى التقدّم التكنولوجي بعد تزييف مضمونه وقيمته وجدواه.

 

 

صبحي حديدي

 باحث وكاتب سوري مقيم في فرنسا

يكتب في جريدة ( القدس العربي)

(مقالات سابقة)

الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا