الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا | |||||
العراق .. لماذا التحرّك في حقل ألغام؟ د. سيار الجميل
العراق باقٍ ضمن نظام يفتقد أيّ زعامة وطنية جديدة نظيفة، وبلا أيّ
برنامج مدني متقدّم يشغل الناس، فالانتخابات اليوم تعدّ مسلسلاً
عراقياً مألوفاً لنظام سياسي فاشل... يؤلّفه الحمقى، ويخرجه الساذجون،
ويعبث به المزوّرون. ما زال الناخبون يبحثون في الليل البهيم الطويل عن
قطّة سوداء في غرفة مظلمة تحرسها جوقة متوحشة من محتكري السلطة وفاقدي
الضمائر والأخلاق. يوم أمس الأحد، 10 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، كان
موعد العراقيين مع الانتخابات التشريعية المبكرة الخامسة. كالعادة
انقسم العراقيون حول مشروعيتها، وهم في حيرة من أمرهم: ناخبون مندفعون
باتجاه صناديق الاقتراع، ومشكّكون معارضون للعملية برمّتها، فمن يسعى
إليها مؤمنٌ بأنها ستنفعه أو يراها الحلّ الأوّل والأخير في خروج
العراق من أزماته وتدهوره، ومن يخالفها يجدها صورةً مستنسخةً من سلسلة
انتخاباتٍ سبقتها، مورست فيها كلّ التزويرات والفضائح والخطايا. على
الرغم من اختلاف آلية التصويت، إذ صارَ مناطقياً، صارت التخوّفات أخطر،
ليس فقط بوجود الكتل والأحزاب والتيارات السياسية نفسها، وهي تتوعّد
بعودة الوجوه البائسة المألوفة إلى السلطة، بل لأن هذه الانتخابات
ستدخلها العشائر لتصادر حقوق المدنيين، وتزيد من الارتباك والفوضى. حلّ مشكلة الكهرباء في العراق لا يأتي من خلال ربطه بالشبكة الدولية لدول أخرى، وإخضاعه لابتزاز الآخرين
نعم، واجهتم مصاعب عديدة، وورثتم الأجهزة أشلاء، ومشكلات لا تعدّ ولا
تحصى، والأخطر تأثير تركة منظومةٍ من الفاسدين ومنظومة من العصابات،
ولكنك لم تفعل شيئاً إزاءها. وكم طالبكم العراقيون الأحرار باجتثاث
مراكز القوى المتحكّمة واستئصال الدولة العميقة، بكلّ عناصرها المرتبطة
بنفوذ الآخرين، ولكنك لم تستطع أن تحرّك ساكناً، والأنكى أن هذه لم
تُمنَع من الترشيح ثانية وثالثة في الانتخابات، خصوصاً وأنها أجرمت
بحقّ العراق والعراقيين، وربما فازت اليوم وتسلّمت السلطة من بعدكم.
فما قيمة هذا المنجز؟ سيعود العراق إلى مربع الخطر. إنّ وفاءك لوطنك
والتزامك بخدمته ليس مجرّد إنشاء عابر، يمكن تسطيره أو قراءته كي يمرّ
بسهولة، إن لم يقترن بالفعل على أرض الواقع. حلّ مشكلة الكهرباء في
العراق لا يأتي من خلال ربطه بالشبكة الدولية لدول أخرى، وإخضاعه
لابتزاز الآخرين. كان لا بد من العمل سريعاً جداً على تصنيع الكهرباء
عراقياً، ومحاسبة من ضيّع المليارات على ذلك، أما المشاريع الاقتصادية
فأين هي؟ ومن العجيب أن هناك "مليوناً ومئتي ألف عراقي هم أفراد أمن
ونزلاء سجون ونازحون ساهموا بالاقتراع في الانتخابات"، والعراق يعيش
كلّ التشظيات. من واجب رئيس الحكومة أن يخدم شعبه، ولا منّة منه عليه، وأن يضبط أمن الناس واستقرارهم، ويأمر بجمع السلاح المنفلت وبعد عام وثلاثة أشهر، ما الذي تحقّق من الإجراءات الإصلاحية؟ أين "تأسيس لمنهج إصلاح اقتصادي شامل عبّرت عنه الورقة البيضاء"؟ أين "بناء المنهج الوطني أساساً للانطلاق"؟ أين الأمن والاستقرار والعدالة في العراق؟ متى بدأ "تنفيذ بعض بنود الورقة البيضاء على الأرض"؟ كيف سينتقل العراق، خلال الخمس سنوات المقبلة إلى مصاف الدول المنتجة المزدهرة في المنطقة والعالم؟ أين "فرص العمل للملايين كي تُستثمر طاقات شعبنا في الإنتاج والعمل والبناء"؟ وهل توقّف الترهّل في الدولة؟ وهل "أطلقت الآلاف من المشاريع الزراعية والصناعية والسياحية والسكنية، ومشاريع الطرق والجسور وسكك الحديد، والموانئ والتجارة، لتستوعب البطالة الكبيرة"؟ من فمك أدينك، والعراقيون يسألون عن "650 ألف قطعة سكنية للمواطنين"؟ وعن "إطلاق خطط استثمارية كبرى، عن مدن استثمارية ومشروعات صناعية ريادية بمعايير عالمية، وإطلاق مشروع بناء ألف مدرسة... إلخ". أين هذه كلها؟ قال: ستجدونها خلال الأشهر المقبلة! الكلام المعسول بالوعود لا ينفع أبداً، ويُتّهم صاحبه بشتّى الأوصاف غير اللائقة، على عكس من يكون صريحاً ويعترف بأخطائه، ذلك أن الاعتراف بالخطأ فضيلة. وسواء قبلت أم لم تقبل، فإن ثقة الناس قد تزعزعت واختلّت بالمؤسسة الأمنية، عندما سقط في الانتفاضة التشرينية البطلة مئات من القتلى والآلاف من الجرحى من دون محاسبة القتلة! من واجب رئيس الحكومة أن يخدم شعبه، ولا منّة منه عليه، وأن يضبط أمن الناس واستقرارهم، ويأمر بجمع السلاح المنفلت في ساعات، من دون توافقات، وألا يخاف من مراكز القوى، وإلا فإنه لا يصلح للحكم أبداً.
|
د. سيّار الجميل اكاديمي واستاذ جامعي وكاتب عراقي ينشر مقالاته في (العربي الجديد) اللندنية
|
||||
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا | |||||