الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

المقلوبة

 بانة القاسم *

 

طبعا، أتحدث عن الأكلة الشهيرة والتي تتفنن فيها الفلسطينية بمقادير معروفة من باذنجان ولحم وأرز. وهذه الأكلة قدمت أول مرة للفاتح صلاح الدين الأيوبي حينما دخل القدس محررا، فاحتفى به أهلها بتقديم هذا الطبق له. ولذلك اكتسبت هذه الاكلة شهرتها وقيمتها بعدما أبدى البطل الأيوبي إعجابه بفكرة الطعام المقلوب.

 

خرجت مقلوبة الفلسطيني معه عندما أجبر على الرحيل من بلاده عام ١٩٤٨، فكانت العائلات تجتمع في المخيمات على هذه الاكلة التي تعلن انقلاب الحال فيهم واختلال ظروف حياتهم من استقرار الوطن إلى ضياع المنافي.

 

وأما هنادي الحلواني أشهر امرأة ارتبط اسمها بالمقلوبة المقدسية، فهي حكاية طريفة بكل ألمها ومعاناتها، بل وصمودها العجيب. فبعد ملاحقة الاحتلال لها كونها تعلم القران الكريم في ساحات المسجد الأقصى وتقاوم تهويد الوطن والاعتداء على مقدساته عبر استجلابها لطلابها وزرع بذور التعلق بالوطن والدين والهوية فيهم. وهذا ما دعا الاحتلال لمنعها من دخول المسجد الأقصى.

تقول هنادي: "أنا أعلم أن الاحتلال سيستمر بفرض قرارات الإبعاد على الدوام، ولكني واثقة أنه زائل هو وقراراته عاجلًا غير آجل"، ومن هنا، قاومت حلواني هذا الأمر من خلال سفرها خارج البلاد حيث سُمح لها بالسفر لمدة عام، وذلك بعد أن انتهى قرار منعها الذي استمر لثلاث سنوات.

تقول: سافرت إلى عدّة دول؛ إلى تركيا، الكويت، البحرين، الأردن مرارًا، إندونيسيا، شرق آسيا، وكل ذلك في سبيل إيصال رسالة القدس والأقصى، وعقدت الكثير من النشاطات والمؤتمرات التي تدعم وتُثبت المقدسيين، وأوصلت رسالة المسجد الأقصى رغم إبعادي عن دخوله لكل العالم وأكثر مما لو كُنت جالسة في باحاته". أما الاحتلال فلم يهنأ له بال بسفرها، فمنعها من مغادرة البلاد مرة أخرى. وهنا قاومت هنادي الإبعاد عن الأقصى والمنع من السفر بصُنع المقلوبة، توضح: "بدأت بهذه الفكرة منذ عام 2015 حينها جرى إبعادي عن الأقصى، وكان لأول مرة يتم في شهر رمضان المبارك، فأصبحت أرابط أنا وأخواتي المُبعدات على باب السلسلة، وصنعت حلّة مقلوبة وقلبتها هناك"، ولماذا اخترتِ هذا المكان تحديدًا؟ تُجيب المقدسية: "اخترنا باب السلسلة كونه الباب الذي يخرج منه المستوطنون والسياح والأجانب، وارتدينا ملابس خاصة كُتِب عليها بالعربي والإنجليزي (أنا مُبعدة عن المسجد الأقصى)، وكنا نتحدث مع الأجانب ونخبرهم أن دولة الاحتلال التي تدّعي الديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان تمنعنا نحن المسلمين من دخول المسجد، وتسمح لكم كأجانب وتسمح للمقتحمين، فأوصلنا رسالة قوية جدًا”.

 

ومن هُنا كان اختيار حلواني لتقلب أول أكلة مقلوبة على بابه، ومن ثم تلتها العديد من المرات، حتى اُتُهِمت في محاكم الاحتلال الإسرائيلية بأنّها تُحرّض الناس بدعوتهم لتناول المقلوبة في المسجد الأقصى، تقول: "يحلو لي وأنا مُبعدة عن الأقصى أن أصنع المقلوبة وأقلبها في

 أقرب نقطة منه، وعندما سافرت طبختها في إندونيسيا وتركيا والأردن، وأصبحت المقلوبة رمزًا للنصر والتحدي لقرارات الاحتلال وقلب قرارته على رأسه، وأنا أعتبر مكوناتها صمودًا وتحديًا وتجذرًا في هذه الأرض، وكما نقلبها سيُقلب الاحتلال بإذن الله ويزول.

·         كاتبة وصحفية من اسرة (البلاد) لندن اونتاريو

 

 

بانة القاسم

كاتبة وصحفية من اسرة (البلاد) لندن اونتاريو

(مقالات سابقة )

الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا