الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا | |||||
أضاع حزب الله فرصاً كثيرة لإعادة بناء دولة القانون والمؤسسات (المدن)
سينصف التاريخ حزب الله.. وسيلعنه أيضاً نبيل خوري
حرّر حزب الله الأراضي اللبنانية في الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال
الإسرائيلي عام 2000. من يختلف سياسياً وعقائدياً معه يقرّ بدوره في
تحقيق هذا الإنجاز. حتى من يعاديه، أو من يختلف مع مقاربة المقاومة من
أساسها وبحد ذاتها، لا يمكنه أن ينكر تأثير العمليات المسلحة على جيش
الاحتلال، على الرغم من توظيف النظام السوري للمقاومة كورقة على طاولة
التفاوض مع إسرائيل. التحرير عام 2000، وبناء القدرة الدفاعية الردعية
التي جُرِّبَت في حرب 2006، ساهما في أن يحجز حزب الله مكاناً له في
التاريخ.
على الرغم من كل شيء، سينصف التاريخ حزب الله على دوره وفضله في
التحرير والردع. لكن هذا التاريخ سيلعن حزب الله أيضاً. وذلك بسبب دوره
في السياسة الداخلية، ولا سيما في إدارة أزمة لبنان الداخلية، التي
بدأت تخنق المواطنين إلى درجة لم تعد تُحتَمل، في حين أن الحزب لا
يتردد في تعطيل حكومة أُوكِلت إليها مهمة فرملة الانهيار وتجنب
الارتطام الكبير فقط.
كان من الممكن الاكتفاء بنقد دور الحزب ومساءلته ومحاسبته عندما ساهم
في الدفاع عن النظام اللبناني الغنائمي الفاسد بوجه الهبّة الشعبية
الساخطة في 17 تشرين الأول 2019. كان من الممكن الاكتفاء بتوجيه لوم
شديد له وإدانته على دوره المحوري في إفشال عملية تشكيل حكومة مصطفى
أديب والمبادرة الفرنسية الإنقاذية في أيلول 2020. لكن اليوم، مع تدهور
الوضع المعيشي وتعميم الفقر والبؤس وانتشار العوز، واعتيادية مشهد
إذلال المواطنين وإهانة كراماتهم الإنسانية، لم يعد من الممكن الاكتفاء
بالنقد واللوم. والتحليل لن يصل إلى خواتيمه مقتصراً على توجيه الاتهام
وتحميل المسؤولية ثم المحاسبة في صناديق الاقتراع. أما التشخيص فلا
ينطوي على تحامل أو تضليل، إذا تم تحميل حزب الله مسؤولية غياب أي
دينامية حل للأزمة، شأنه شأن كل مكونات الطبقة الحاكمة و"حزب المصارف"
ورجال الأعمال الفاسدين والتجار المحتكرين. والوضع بات خطيراً إلى درجة
لم تعد تنفع معه أجراس الإنذار التي لا يزال يقرعها بعض محبي الحزب
ومريدي الخير له بين الحين والآخر. الوضع بات بشعاً ومقرفاً ولا
إنسانياً وظالماً، على نحو بات يستحق رد فعل مفصّلاً على قياسه. لم يعد
هناك مفر من اللعنة إذاً.
أم أن سلوكه التعطيلي لعمل مؤسسات الدولة يندرج في خانة التصعيد
الإيراني في الإقليم بموازاة المفاوضات النووية في فيينا مع الولايات
المتحدة الأميركية؟ فيُضَحّي هكذا بحياة ورخاء شعب على مذبح مصالح دولة
أجنبية؟ وحتى لو كان للتعطيل دوافع داخلية بحتة، ألا توجب عواقبه
الوخيمة تسهيل الانفراج وإعادة تشغيل ماكينة الحكومة من أجل محاولة وقف
الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي أو الحد من تداعياته الكارثية؟
لكن أي حل جزئي، وأي برنامج مساعدة طارئ يضعه صندوق النقد الدولي
بالتنسيق مع الحكومة، يبقى أقل سوءاً من ترْك الناس يعانون من غلاء
المعيشة نتيجة تفلت سعر صرف الدولار، وتركهم فريسة للتجار والمحتكرين
ومافيات المياه والكهرباء في الإدارات العامة وأصحاب المولدات
الكهربائية وصهاريج المياه والمستشفيات الخاصة... معاينة التاريخ اللبناني منذ عام 2000 وحتى اليوم، ستظهر أن حزب الله أضاع فرصاً كثيرة لإعادة بناء دولة القانون والمؤسسات، دولة كاملة السيادة وغير فاسدة في لبنان. وسيحكم عليه التاريخ كما حكم على القوى السياسية التي عرقلت مسار بناء الدولة القوية لصالح هيمنة مجموعات المصالح الخاصة. وإذا كانت أسطورة كل حزب أو كل زعيم وبطولاته خلال الحرب، ستجعل التاريخ ينصفه بمكان، إلا أنها لن تحول دون أن يلعنه التاريخ بمكان آخر. فالتاريخ لا يرحم المتقاعسين والمتواطئين والمعطلين الذين ارتكبوا "جريمة متعمّدة" وأوصلوا لبنان وحياة اللبنانيين إلى كل هذا الدمار والعذاب والظلم. المصدر : (المدن) البيروتية |
|||||
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا | |||||