الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

   

 

كتب و كتاب

ضد الرأسمالية العنصرية

كتابات عن جنوب إفريقيا بعد انتهاء (الأبارتهايد)

ترجمة وعرض:

نضال إبراهيم

 

عن المؤلف

 

سليم فالي وإنفر موتالا

* سليم فالي هو أستاذ ومدير مركز حقوق التعليم والتحول في جامعة جوهانسبرج.


*
إنفر موتالا ناشط حقوقي ومربّ،وهو عضو في مركز حقوق التعليم والتحول في جامعة جوهانسبرغ.

 

 شهدت جنوب إفريقيا ما بعد مرحلة الفصل العنصري إشكاليات عدة، كان لا بد من التعامل بوعي وإرادة معها. ومن بين أبرز من تطرق إليها نيفيل الكسندر، وهو باحث ثوري ومعلم وناشط حقوقي، أمضى عشر سنوات (1964-1974) كسجين سياسي في جزيرة روبن، إلى جانب نيلسون مانديلا، وآخرين قبل أن يصبح أحد أبرز المثقفين في جنوب إفريقيا. وتعتبر كتاباته مرجعية في فهم بعض من أهم المناقشات التي دارت في ذلك البلد خلال نصف القرن الماضي.

تتناول كتابات ألكسندر بعض المناقشات المهمة التي دارت في جنوب إفريقيا خلال الخمسين عاماً الماضية، والتي يتمتع العديد منها بصدى عالمي اليوم: بدءاً من المسألة الوطنية والعلاقة بين «العرق» والطبقة؛ واستمرارية الرأسمالية العنصرية في جنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري؛ ودور وهدف التعليم المدرسي والتعليم العالي؛ وأهمية بناء الأمة والتعددية اللغوية.

 كان ألكسندر معارضاً للمسار النيوليبرالي الذي بدأته مؤسسة ما بعد الفصل العنصري في التسعينات، وكان دائماً تأملياً ومتواضعاً، لكنه لم يتردد أبداً في وصف نفسه بأنه: ماركسي غير دوغمائي، ومناصر للوحدة الإفريقية، ومناصر للأممية.

 تقدم هذه المجموعة من المقالات المنسقة جانباً من كتاباته إلى جمهور عالمي لأول مرة، وتحتوي على مقدمة شاملة بقلم كارين برس، وجدول زمني للأحداث الرئيسة في حياة الكسندر، ومقدمة بقلم سليم فالي وإنفير موتالا، ويأتي الكتاب مقسماً على أربعة أجزاء كالتالي: الأول: كتابات السجن: «جامعة جزيرة روبن» 1964-1974. الثاني: جني الزوبعة: الثمانينات. الثالث: التحول إلى الديمقراطية: 1990 إلى 1994. الرابع: مقالات ومحادثات ومقالات ما بعد عام 1994.

 حياة مفعمة بالنضال

 في 27 أغسطس/ آب 2012، فقد العالم شخصية بارزة، وهي نيفيل الكسندر الذي تركت حياته وعمله بصمة لا تمحى على تاريخ النضال من أجل التحرير في جنوب إفريقيا. كان الكسندر ثورياً، ومعلماً، وسجيناً سياسياً سابقاً، ومفكراً صاحب رؤية تستمر مساهماته في تشكيل فهمنا للقضايا الحرجة. يمتد إرثه إلى ما هو أبعد من عصره، حيث شارك في بعض أهم المناقشات في جنوب إفريقيا على مدى نصف القرن الماضي.

 لم تكن أبحاثه منفصلة عن العالم الحقيقي، بل كانت متجذّرة بعمق في نشاطه. كان ألكسندر منتقداً صريحاً للمسار النيوليبرالي الذي شرعت فيه جنوب إفريقيا في حقبة ما بعد الفصل العنصري، داعياً إلى بدائل مناهضة للرأسمالية. وأعرب عن اعتقاده بأنه لا ينبغي أن يكون هناك فصل بين المعرفة والنشاط، مؤكداً أهمية المشاركة المجتمعية. وطوال حياته، حافظ ألكسندر على نظرة طويلة المدى للتاريخ، مدفوعة بتفاؤل لا يتزعزع. لقد رأى إمكانات لمستقبل ديمقراطي حقيقي ضمن المساحات المعقدة التي تحددها اللامساواة والصراعات الاجتماعية. وشجب «نهب موارد الدولة»، وحث على العودة إلى روح التواضع والكرم التي ألهمت الأجيال السابقة.

 إن تواضع نيفيل ألكسندر واهتمامه بالآخرين والتزامه بالإنسانية الراديكالية تعرّفه كثوري متميز. ويستمر عمله هذا في إثراء حياة الأجيال القادمة من مواطنيه، ويقدم لهم بوصلة نحو مجتمع أكثر عدلاً. وتشمل كتاباته مختلف التخصصات، الفلسفة السياسية والاجتماعية والتعليم والثقافة والتاريخ والحياة الأخلاقية، حيث تظل هذه العناصر ضرورية لتحقيق التغيير الاجتماعي الجذري. امتدت مساهمات ألكسندر إلى ما هو أبعد من التفسيرات الاختزالية الطبقية للتغيير الاجتماعي والتصنيفات العنصرية. وتحدت كتاباته الطبيعة القمعية والاستغلالية للرأسمالية العنصرية وأشعلت مناقشات وطنية حول استراتيجيات مكافحتها. ورأى أن مساهمته تركز على قضايا مثل العلاقة بين العنصرية والرأسمالية، وضرورة البحث عن الحلول الاشتراكية، وبناء الأمة، وتحرير المرأة، وأهمية التعليم والثقافة لمواجهة الممارسات المثيرة للانقسام. وعلى الرغم من المعارضة والصراع، ظل ألكسندر ثابتاً في منظوره الاشتراكي، ما جعله عدواً لدوداً لنظام الفصل العنصري. بدأ نشاطه مبكراً، ولعب دوراً محورياً في تشكيل الخطاب حول التعليم كظاهرة اجتماعية.

 العلاقة بين التعليم والديمقراطية

 أعرب ألكسندر عن أسفه لنهب الموارد العامة وتآكل القيم وانتشار الرسائل الأخلاقية التدميرية للذات في عصر الرأسمالية النيوليبرالية. وعلى الرغم من هذه التحديات، حث ألكسندر المجتمع على التراجع وتقييم المسار منذ عام 1990، بهدف إلهام إعادة التفكير والحوار الوطني حول المستقبل. إن رؤية ألكسندر الطويلة للتاريخ، متأثرة بالمفاهيم الجرامشية حول «حرب المواقع»، غذت تفاؤله. وكان يؤمن بقوة الأفكار في تشكيل التنمية السياسية، ما جعله جدلياً وباحثاً ومنظماً ملتزماً. لقد رأى أن المشاركة الفكرية ضرورية إلى جانب الممارسات اللازمة لتحقيق النتائج الاشتراكية.

 وتمحورت مساهماته الرئيسية حول «المسألة الوطنية»، واللغة والتعليم والثقافة والمسائل التنظيمية في النضال ضد الرأسمالية العنصرية. ودعا ألكسندر إلى بديل جذري «غير عنصري» لمواجهة الأفكار العنصرية، وبناء حركة سياسية واجتماعية ضد الفصل العنصري. وقال إن «تفكيك الأفكار العنصرية لا يمكن فصله عن أشكال التعبئة السياسية والاجتماعية المطلوبة لمكافحة الرأسمالية العنصرية». وكان هدفه إثارة المناقشات السياسية حول بناء الدولة على خلفية الانقسام العنصري، وتحدي الوضع الراهن السائد.

 وفي قلب رحلة ألكسندر الفكرية كان هناك سؤال حول ما يشكل «نظام التعليم الديمقراطي في جنوب إفريقيا الديمقراطية». وقد تعمق في الأسس الاجتماعية والتاريخية لهذا المفهوم، متحدياً الوضع الراهن. واستكشف أصول التعليم الغربي وتناقضاته وتأثير الدين في التعليم، وسلط الضوء على تاريخه المعقد. وامتدت مشاركة ألكسندر إلى القضايا التي ظلت مركزية طوال حياته، مثل هيمنة الأفكار العنصرية في التعليم في جنوب إفريقيا، والعلاقة المعقدة بين نظام التعليم الديمقراطي والديمقراطية السياسية. وحتى في سنواته الأخيرة، ظل ملتزماً بالانخراط في الخطاب العام، لا سيما رداً على الإخفاقات التي لاحظها في جنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري.

 ورأى ألكسندر في نظام التعليم منصة للتعبئة الديمقراطية. واستكشف إمكانات «التعليم البديل» الناشئة عن الأزمة داخل النظام المدرسي. وأعرب عن اعتقاده بأن الممارسات المختلفة، بعضها قابل للتنفيذ داخل المؤسسات القائمة والبعض الآخر خارجها، يمكن أن تساهم في التعليم التحويلي. وشمل منهجه الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنظيمية والثقافية.

 وأكد على المشاركة العامة في شبكة التعليم في عام 2008، حينما شارك ألكسندر في إطلاق شبكة المشاركة العامة في التعليم تهدف إلى معالجة الإخفاقات في نظام التعليم في جنوب إفريقيا. وحدد ألكسندر الأخطاء الأساسية التي ارتكبت أثناء الانتقال من نظام الفصل العنصري إلى التعليم ما بعد الفصل العنصري، مؤكداً الحاجة إلى تصحيحات استراتيجية وتربوية.

 أما في ما يتعلق بمسألة اللغة، فكانت اللغة هي الشغل الشاغل لألكسندر بسبب علاقتها المعقدة بالتعليم والثقافة والهوية. لقد نظر إلى اللغة كعنصر أساسي في نضال التحرير الوطني ومكافحة اللامساواة الاجتماعية. كما كان منظور ألكسندر حول التعليم متجذراً بعمق في رؤيته لنوع مختلف من المجتمع. واعتبر التعليم وسيلة لتشكيل شخصية المشروع الاجتماعي المستقبلي. وكان تركيزه على الثقافة والهوية جزءاً لا يتجزأ من معالجة إرث الفصل العنصري والعنصرية. وربط تفكير ألكسندر بين الهويات الاجتماعية والمسألة الوطنية، مؤكداً دور التعليم في بناء الهويات التي تجاوزت انقسامات عصر الفصل العنصري. باختصار، كان نهج نيفيل ألكسندر في التعليم شاملاً، ولم يتناول القضايا التربوية فحسب، بل تناول أيضاً الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية واللغوية والثقافية.

 عن الهوية واللغة

 وفي استكشافه لمفهوم «الأمة»، أكد ألكسندر الحاجة إلى فهم تطور إفريقيا وفقاً لشروطها الخاصة، وليس في إطار التطور التاريخي الأوروبي. وقال إن «الدول عبارة عن بنيات أيديولوجية وسياسية، متشابكة بعمق مع تطور القوى الرأسمالية وعلاقات الإنتاج داخل مناطق محددة. تصور الطبقات المختلفة داخل المجتمع الدولة بشكل مختلف بناء على أيديولوجياتها الطبقية».

 وبالاعتماد على تحليل بنديكت أندرسون، في كتابه «المجتمعات المتخيلة»، سلّط ألكسندر الضوء على كيفية دفع التطور الرأسمالي وظهور اللغات المطبوعة إلى ولادة «المجتمعات المتخيلة» في أوروبا الغربية. لقد تجاوزت هذه المجتمعات الروابط الدينية والأسرية ومهدت الطريق للوعي الوطني الحديث. وقال إن «الأمم عبارة عن بنيات تاريخية، تعكس العمليات السياسية والأيديولوجية التي شكلتها الصراعات حول علاقات الإنتاج، بغضّ النظر عن التنوع اللغوي أو المنطقة الجغرافية».

 كما قال: «ومن المؤسف أن كلمات مثل مناهضة العنصرية ليست أكثر من مجرد شعارات سياسية يصرخ بها المرء في المواسم الانتخابية. هذا الموقف الأكثر قداسة منك جعل الناس ينسون أن كونك غير عنصري أو مناهض للعنصرية هو أكثر بكثير من عدم كونك هذا أو ضد ذاك. قلة قليلة من الناس يدركون أن كونك غير عنصري أو مناهض للعنصرية يعني أن تكون من أجل شيء ما. وفي حالتنا في جنوب إفريقيا، حتى لو كان ذلك يعني أكثر من ذلك، فهو بالتأكيد لا يعني أقل من أن نكون من أجل أمة واحدة، وبالتالي من أجل الوحدة الوطنية. الآن، إنها حقيقة أن معظم الناس لديهم فكرة غامضة إلى حد ما، ولكن مع ذلك، محددة حول ماهية الأمة. ربما يعتقد معظم الناس في جنوب إفريقيا اليوم أن الأشخاص الذين يشكلون جزءاً من الأمة يجب أن يتحدثوا نفس اللغة نفسها. إن فكرة أن الأمم هي مجموعات من الأشخاص الذين يتحدثون لغة معينة في ظل ظروف تاريخية وجغرافية معينة قد أتت إلينا من هنا».

 ويضيف: «تجربة الحركات القومية الأوروبية خلال المئتي عام الماضية أو نحو ذلك. في أوروبا الغربية - البرتغال وإسبانيا وبريطانيا العظمى وفرنسا وهولندا وغيرها - من الصحيح بشكل عام أن الأغلبية العظمى من الناس في هذه البلدان يتحدثون اللغة الوطنية، أي البرتغالية والإسبانية والإنجليزية والفرنسية، الهولندية، وما إلى ذلك. لكن دعونا نتوقف للحظة ونفكر في الآثار المترتبة على قبول وجهة النظر هذه. دعونا نترك جانباً السؤال الصعب حول ماذا تعني «لغة معينة». وبمجرد أن نسأل أنفسنا: هل يعني هذا أن شعوب معظم الدول الإفريقية ليست «أمماً»، بما أنها تتحدث لغات عدة؟ يصبح من الواضح أن هناك شيئاً خاطئاً في هذا التعريف الأوروبي المركزي ل«الأمة». ومن المؤكد أن الزامبيين والنيجيريين والكينيين والزائيريين والأنغوليين والجزائريين، هم أمم، وليسوا مجرد تجمعات لمجموعات لغوية. وبطبيعة الحال، هناك أساس حقيقي لهذا الاعتقاد السائد في أحادية اللغة، أو التفرد اللغوي للأمم. والحقيقة البسيطة في الأمر، بعد كل شيء، هي أنه إذا لم يتمكن الناس من التحدث مع بعضهم بعضاً، فلن يتمكنوا في الواقع من تشكيل أمة. لكن السؤال الحاسم هو ما إذا كان يتعين عليهم التحدث مع بعضهم بعضاً بلغة معينة حتى يصبحوا أمة. أليس الأمر في الحقيقة مسألة تواصل بالأحرى من هذه اللغة أو تلك بالذات؟ ولتوضيح الأمر بشكل مختلف: لكي نكون أمة، يجب على الأفراد الذين يشكلون تلك الأمة أن يكونوا قادرين، من بين أمور أخرى، على التواصل مع بعضهم بعضاً. ومع ذلك، لا يحتاجون إلى القيام بذلك بأي لغة محددة. كل ما هو ضروري هو أن يكونوا قادرين على التحول إلى اللغة الأكثر ملاءمة، وفق موقف معين. وهناك ما يكفي من الأدلة المتوفرة على أن هذا هو ما يحدث بالفعل في معظم بلدان العالم اليوم. معظم دول العالم الحديث هي في الواقع دول متعددة اللغات، أي أن الأشخاص الذين يشكلون هذه الأمم لديهم لغات منزلية مختلفة».

 توسيع النضال ضد العنصرية

 مساهمة ألكسندر الدائمة في نظرية الرأسمالية العنصرية نبعت من خطابه أمام اجتماع المنتدى الوطني عام 1983 في هامانسكرال، حيث أكد الحاجة الملحة لتفكيك نظام الرأسمالية العنصرية في جنوب إفريقيا. وأكد أن الفصل العنصري كان مجرد تعبير اجتماعي وسياسي عن هذا النظام، وأن معارضة الفصل العنصري كانت مجرد بداية للنضال الأوسع ضد الهياكل والمصالح التي تدعم الرأسمالية العنصرية.

 وفي تحليله للرأسمالية العنصرية، ركز ألكسندر على ثلاث ديناميكيات مترابطة: الحرمان العنصري، والاستغلال العنصري، وحجز الوظائف على أساس عنصري. وقال إن «التجريد العنصري من الملكية، المتجذر في استيلاء المستوطنين البيض على الأراضي وقوانين الدولة المستمرة التي تمنع الأفارقة من ملكية الأراضي، كان سمة هيكلية مستمرة للرأسمالية العنصرية في جنوب إفريقيا». بشكل عام، يكمن إرث نيفيل ألكسندر في التزامه الثابت بتحدي الرأسمالية العنصرية، وإعادة تصور الأمة، والدعوة إلى نضالات شاملة ضد القمع بجميع أشكاله.

(الخليج) الاماراتية

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا