الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

•           كاتبة وصحفية من اسرة (البلاد) لندن اونتاريو

 

 

المقلوبة

 

بانة القاسم *

 

طبعا، أتحدث عن الأكلة الشهيرة والتي تتفنن فيها الفلسطينية بمقادير معروفة من باذنجان ولحم وأرز. وهذه الأكلة قدمت أول مرة للفاتح صلاح الدين الأيوبي حينما دخل القدس محررا، فاحتفى به أهلها بتقديم هذا الطبق له. ولذلك اكتسبت هذه الاكلة شهرتها وقيمتها بعدما أبدى البطل الأيوبي إعجابه بفكرة الطعام المقلوب.

 

خرجت مقلوبة الفلسطيني معه عندما أجبر على الرحيل من بلاده عام ١٩٤٨، فكانت العائلات تجتمع في المخيمات على هذه الاكلة التي تعلن انقلاب الحال فيهم واختلال ظروف حياتهم من استقرار الوطن إلى ضياع المنافي.

 

وأما هنادي الحلواني أشهر امرأة ارتبط اسمها بالمقلوبة المقدسية، فهي حكاية طريفة بكل ألمها ومعاناتها، بل وصمودها العجيب. فبعد ملاحقة الاحتلال لها كونها تعلم القران الكريم في ساحات المسجد الأقصى وتقاوم تهويد الوطن والاعتداء على مقدساته عبر استجلابها لطلابها وزرع بذور التعلق بالوطن والدين والهوية فيهم. وهذا ما دعا الاحتلال لمنعها من دخول المسجد الأقصى.

تقول هنادي: "أنا أعلم أن الاحتلال سيستمر بفرض قرارات الإبعاد على الدوام، ولكني واثقة أنه زائل هو وقراراته عاجلًا غير آجل"، ومن هنا، قاومت حلواني هذا الأمر من خلال سفرها خارج البلاد حيث سُمح لها بالسفر لمدة عام، وذلك بعد أن انتهى قرار منعها الذي استمر لثلاث سنوات.

تقول: سافرت إلى عدّة دول؛ إلى تركيا، الكويت، البحرين، الأردن مرارًا، إندونيسيا، شرق آسيا، وكل ذلك في سبيل إيصال رسالة القدس والأقصى، وعقدت الكثير من النشاطات والمؤتمرات التي تدعم وتُثبت المقدسيين، وأوصلت رسالة المسجد الأقصى رغم إبعادي عن دخوله لكل العالم وأكثر مما لو كُنت جالسة في باحاته". أما الاحتلال فلم يهنأ له بال بسفرها، فمنعها من مغادرة البلاد مرة أخرى. وهنا قاومت هنادي الإبعاد عن الأقصى والمنع من السفر بصُنع المقلوبة، توضح: "بدأت بهذه الفكرة منذ عام 2015 حينها جرى إبعادي عن الأقصى، وكان لأول مرة يتم في شهر رمضان المبارك، فأصبحت أرابط أنا وأخواتي المُبعدات على باب السلسلة، وصنعت حلّة مقلوبة وقلبتها هناك"، ولماذا اخترتِ هذا المكان تحديدًا؟ تُجيب المقدسية: "اخترنا باب السلسلة كونه الباب الذي يخرج منه المستوطنون والسياح والأجانب، وارتدينا ملابس خاصة كُتِب عليها بالعربي والإنجليزي (أنا مُبعدة عن المسجد الأقصى)، وكنا نتحدث مع الأجانب ونخبرهم أن دولة الاحتلال التي تدّعي الديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان تمنعنا نحن المسلمين من دخول المسجد، وتسمح لكم كأجانب وتسمح للمقتحمين، فأوصلنا رسالة قوية جدًا”.

 ومن هُنا كان اختيار حلواني لتقلب أول أكلة مقلوبة على بابه، ومن ثم تلتها العديد من المرات، حتى اُتُهِمت في محاكم الاحتلال الإسرائيلية بأنّها تُحرّض الناس بدعوتهم لتناول المقلوبة في المسجد الأقصى، تقول: "يحلو لي وأنا مُبعدة عن الأقصى أن أصنع المقلوبة وأقلبها في

 أقرب نقطة منه، وعندما سافرت طبختها في إندونيسيا وتركيا والأردن، وأصبحت المقلوبة رمزًا للنصر والتحدي لقرارات الاحتلال وقلب قرارته على رأسه، وأنا أعتبر مكوناتها صمودًا وتحديًا وتجذرًا في هذه الأرض، وكما نقلبها سيُقلب الاحتلال بإذن الله ويزول.

·         كاتبة وصحفية من اسرة (البلاد) لندن اونتاريو

 

قصة رحاب

بانة القاسم *


الوقت : الساعة السادسة صباحا" ، الزمن : بالأمس البعيد، الأبطال: هي.
تقوم سريعا" من فراش دافىء في يوم شتوي بارد والأمطار تغمر المدينة ، تلبس سريعا" ، تتناول شايا" أو ربما لا تتناوله، تقضم لقمة أو ربما لا يسنح لها الوقت. وهناك طفلتين عليها أن تجهزهما للخروج معها سريعا" إلى المدرسة.وهناك طفلة غادرت إلى الروضة منذ قليل.
وقوفا" على قدميها خمس ساعات مستهلكة روحها في تعليم الأطفال مباديء القراءة والحساب والعلوم، ومحتملة بصبر صراخهم و شكواهم ومشاكساتهم لبعض . ينتهي الدوام وتركض إلى بيتها تقوم بواجباتها المنزلية. هي ماكينة الحياة ، خلقت لتظل تحيك أسبابا" للعيش . كانت تعود من عملها مرهقة لدرجة أن تظل صامتة ساعتين وتتعامل بلغة الإشارة والحركات. كانت تقول عن طالباتها ، أنهن بناتها. وكانت ابنتها الحقيقية تستشيط غيظا" لأنها تقاسمها مع غرباء حبها واهتمامها.
في يوم من الأيام شديدة البرودة ، اكتشفت أن هناك طالبتين أختين لا تحضران إلى المدرسة ولما سألت وتقصت ، علمت أن الفاقة الشديدة منعتهما،  فهما لا تملكان أحذية للسير ولا حتى مريول(لباس المدرسة الرسمي آنذاك) .. في اليوم التالي كانت الطالبتين اول الحضور بملابسهما وأحذيتهما الجديدة، لقد ذهبت إلى منزل عائلتها ترجو والدهما إرسالها وبأنها مسؤولة عن تيسير كل المستلزمات. وهكذا اقترحت صندوقا" مدرسيا" لدعم الطالبات ذوات الحاجة ( كما نرى اليوم في مدارس كندا).
في مكان عملها كانت شعلة ابداع وطاقة حتى أن ابنتها (اياها) كانت تموت من الغيرة عندما ترى البنات تغمرن والدتها بالعناق أو تقديم الهدايا والورود...فهي أمها لها وحدها.
في البيت هي نور الشمس الذي يملؤه حياة واطمئنان، هي رائحة الطعام اللذيذ ، ونكهة طبق الحلوى، و الذوق الراقي في ترتيب منزلها. في العمر هي أم ومعلمة وحضن كبير متسع يملأ زوايا الحياة بحنان ذو نكهة خاصة . صنعت عائلة بمزيج من الحنان الشديد والحزم وعدم التغاضي عن الأخطاء ، حتى أن ارضاءها لم يك بالأمر اليسير  .
ليس عيد المعلم ،وليس عيد الأم ،وليست كل المناسبات هي التي تذكرني بهذه التفاصيل لأكتبها ولكن، رسالة قصيرة من إحدى صديقات الفيسبوك تفتح بوابة ذاكرتها في يوم المعلم لتشاركني قصتها التالية: قالت لي : أعلنت المدرسة عن رحلة سنوية ولم أك أملك طبعا ثمن الاشتراك ويوم الرحلة طلبت من والدتي أن تسمح لي برؤية ووداع صديقاتي يركبن الباص .... خرجت الساعة الخامسة صباحا" برفقة شقيقي الكبير كي أشهد فرحتهم وتشهدن حرقتي . ولكن للقدر رؤية أخرى ، إذ رأتني المعلمة رحاب ابكي عن بعد وهي تعرفني ، ولما علمت سبب عدم اشتراكني، ارسلت أخي ليعلم الأهل بذهابي معهم وسددت من جيبها مشاركتي وطعامي. ...كيف ينسى الطفل الحروم موقفا" كهذا في حياته كله ..
رجتني أن أرسل تحيتها إلى هذه السيدة .
هذه المرأة النبيلة هي أمي ، وانا مازلت أغار من محبة طالباتها (بناتها) لها.
هي أكبر من كلماتي وأرقى من كل المعاني ، هي رحاب عشت فيه وصنع أجمل مافيي.  

هي ليست قصة شخصية، هي قصة كل واحد في قلبه رحابه التي زرعت طريقه ورودا" و روتها من مصل روحها. تفاصيل القصة تشبهني ، وأنت لك تفاصيلك، نكهة الطعام الخاصة بأمك والتي لا تستسيغ غيرها، الحضن الذي يختصر العالم والذي تصغر الدنيا ببعاده، الرائحة التي تسكن ذاكرتك أبدا" ...رحابك أنت ، لك وحدك، يفصل بينكما حبل مشيمة وتلتصق بروحك بعدد أيام العمر ...دامت أمهاتكم جميعا"

 

*صحفية وكاتبة من اسرة جريدة (البلاد) لندن اونتاريو

 

كلمة نبيلة

 

بانة القاسم *

 

طالب يدرس في روسيا يقول:


في روسيا درجة أغلب الإمتحانات على 5...
اذا لم يجب طالب على أي سؤال ووضع ورقته بيضاء يأخذ 2 من 5...
ففي أول أيامي بجامعة موسكو لم اكن أعرف هذا النظام فتعجبت وسألت الدكتور الذي يدرس لنا المادة: "أمن المعقول أنه من لم يجب على اي سؤال يأخذ 2 لماذا لا يأخذ 0 أليس هذا هو المنطق؟"
أجابني قائلا: "كيف نعطي لمخلوق بشري 0؟ كيف نعطيه صفرا وهو من كان ينهض على الساعة 7 صباحا ليحضر كل المحاضرات؟ كيف نعطيه صفرا بما أنه نهض في هذا الطقس البارد وركب المواصلات ووصل الى الامتحان في وقته وحاول حله؟ كيف نعطيه صفرا وهو من سهر الليالي ليدرس وأنفق نقوده على الاقلام والكراريس واشترى حاسوبا ليدرس به؟ كيف نعطيه صفرا وهو من تخلى عن حياته لأجل الدراسة؟
هنا يا بني لا نعطي صفرا لمجرد انه لم يعرف الاجابة فنحن على الاقل نحترم انه انسان وأن له عقلا وأنه بذل مجهودا لأن الدرجة ليست درجة الامتحان فقط بل هذه على أقل تقدير احترام آدميته...
في الحقيقة تبكمت ولم أعرف كيف أرد ... هناك عرفت قيمتي كإنسان وأنا اليوم أحكي قصتي كرسالة للمدرسين لدينا ومن أجل تغيير نظام التعليم المهترئ.
الحقيقة هذا الأمر لا ينطبق فقط على نظام تعليم، وإنما على حقيقة قيمة الجهد، قيمة ما يقوم به الإنسان ليصل إلى هدفه. قيمة التعب وقيمة من يقدر تعبك. قال لي مدير المعهد العالي للموسيقى في دمشق مرة، هل ترين ذلك الشاب الذي يحتضن آلة التشيللو؟  انه يأتي من بقعة بعيدة جدا عن المدينة، يسكن في ريف رأى الكهرباء من مدة قريبة ولا أعتقد أن الجو العائلي والاجتماعي يشجعه على العزف في الفرقة السيمفونية الوطنية. أخبرني أنه شجعه ودفعه للعمل أكثر وأمن له غرفة مدفوعة التكاليف لكي يتمكن من التواجد يوميًا والتدرب مع زملائه. قال لي انه يحضر صباحًا قبل البواب ويغادر ليلا عند إغلاق المعهد ... هذا الشاب الذي يحتضن آلته بكل شغف وحب، هل أملك له إلا كل التشجيع حتى لو كانت إمكانياته أقل من المعتاد ...أخبركم أصدقائي أني أحس بكامل السعادة كلما فتحت على الفضائية السورية واستمعت لإحدى حفلاتها السيمفونية وكان هذا الشاب الذي أصبح رجلا طويل الشعر أبيضه، يعزف بين زملائه بكل جدارة وتميز ... أعود بذاكرتي إلى مدير المعهد الذي أعطاه قشة النجاة وهو يصارع أمواج التحدي والوجود...
من يؤمن فينا، بمواهبنا، بقدراتنا حتى لو كانت بسيطة، من يقدم لنا كلمة تشجيع ونحن في حالة إثبات وجود، هو من يبقى في ذاكرتنا، وهو من يستحق لقب المعلم ...صانع الإنسان وخالق الفرص والتبرير...إن ربنا رب العالمين قد حاسبنا على ماعقدنا عليه النية، لأنه يعلم مسبقا كم عانينا لكي نحوّل النية إلى فعل ....تحية لكل من زرع كلمة أمل وقدم كلمة تشجيع وروى بقطرات وجدانه أرضا يابسة استحالت الى جنة بفضل نبله.

·         كاتبة من اسرة جريدة (البلاد) لندن اونتاريو

بدون عنوان

 

بانة القاسم *


حاولت كثيرًا أن أتهرب من فكرة هذا المقال، ولكنها للأسف مسيطرة علي كل الوقت. حاولت أن أتكلم عن عالم الطاقة الذي يسيطر على تفكيري منذ بدأت أقرأ عنه، وأتكلم عن التحكم في طاقتنا الإيجابية اذا ما تعرضت للتشويش أو (التهكير) للسيطرة عليها من قبل ذوي الطاقات السلبية الذين يمتصون طاقاتنا. حاولت أن أتهرب من مشاهد معاناة شعوبنا التي لا تفهم لغة الثلج وعليها أن تحتمله هذا الشتاء بمؤونة بسيطة من وسائل التدفئة ووسائل البقاء على قيد الحياة. الجميع في صراع وجود، تحت البرد، تحت نير احتلال، ضمن ظروف حياتية صعبة، في غربة، في حاجة مادية ...كلنا نعاني من منغصات معينة ولكننا نتابع الحياة. إلا تلك الفتاة التي ودعت الحياة عندما دقت الساعة الثانية عشرة ليلًا معلنة نهاية عام وبداية عام آخر. نحن إذًا في عام ٢٠٢٢، حيث باتت فكرة حرية المرأة والمطالبة باستقلالها المادي، و حقها في المعاملة الكريمة قبل الارتباط وبعده، من المسلمات. حقها في العيش بكرامة، في ألا تضرب وتهان ....أيضًا من المسلمات .. ولكن بوغتنا بقصة حادثة مأساوية جرت لصبية ما تجاوزت العشرين من عمرها بعد على يد من يدعى زوجها وأهله. كل التساؤلات دارت في بالي وبحثت لها عن إجابات في النت من خلال عشرات التقارير التي رافقت الحادثة. ولكن السؤال الذي طرحته ابنتي والتي تماثل الفتاة في العمر وكانت تنتظر مني إجابة بما أنني أمضيت معظم حياتي في البلد العربي نفسه الذي يشهد مقتل الفتاة ....قالت لي الصبية: ألا يوجد جهة تحتمي فيها هذه الفتاة، طالما أنها تعنف في بيت زوجها وتلاقي إهمالًا لشكواها في بيت والديها؟؟؟ ألا يوجد هناك من يحميها؟
السؤال مشروع ولكن الإجابة معقدة ...نعم تستطيع الفتاة أن تطلب الشرطة لتنقذها ولكن عليها أن تتحمل عواقب ما سيفعله بها زوجها بعد أن يوقع على تعهد عدم التعرض لها. هذا غير نظرة المجتمع التي ستجلدها باعتبارها أخرجت أسرار بيتها للخارج. للعرف في بلادنا سطوة على حياة الناس أقوى من سلطة القانون أو الدين. فمنذا الذي سيحمي امرأة من أهلها أو زوجها. من ذا الذي سيقبل أن يزوج ابنه لمطلقة صغيرة السن على يدها طفل، هل هناك جمعية تساند المرأة المعنفة في بلاد العرب قادرة أن تكفل لها حياة كريمة، أو توفر لها فرصة عمل لائقة، أو غطاءً قانونيًا يسترها من ألسنة الناس؟
الكثير من الناس يطالبني بالعودة (لحضن) الوطن خوفًا على بناتي من نظام الحياة في الغرب المستهتر الكافر الذي لا يعترف بالدين والتقاليد، ولكن إلى أين سآخذ هؤلاء الفتيات اللاتي تربّين على قيم الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، دون تسلط العرف المتخلف الذي يتدخل في لبسهن وشكلهن وتفكيرهن؟ كيف سأبحث عن إجابات لأسئلتهن الكثيرة عن الحقوق الضائعة للبنت في بلادي؟ هذا ما تفسره حالات الطلاق الكثيرة التي شهدها السوريون الذين أخذتهم زوارق النجاة إلى أوروبا، لتعلن بعض النساء رفضهن لتعسف الأزواج وسوء المعاملة والمطالبة بالحياة اللائقة تحت سطوة القانون الأوروبي العادل.
هل كانت تلك الصغيرة ستودع حياتها القصيرة مضروبة على رأسها في عالم يحكمه قانون لا يهاود لو أنها كانت في ألمانيا أو فرنسا أو أي بلد أجنبي؟؟؟..
نعم ...تتسع الهوة بيننا وبين بلادنا كلما توغلنا بأمر الحرية، وكلما تعلقنا بالقانون العادل الذي يضمن حقنا في الحياة الكريمة، تتسع المسافات التي تفصل أولادنا الذين نحاول قدر المستطاع تربيتهم على أخلاقيات الأديان الحنيفة التي تتساير مع قانون عادل في بلد يحترم فيه الإنسان...لم يعد من الممكن العودة إلى الوراء وبلادنا ليس فقط يحكمها طغاة ولكن يحكمها الجهل والتخلف و...العرف.

·         كاتبة وصحفية من اسرة (البلاد) لندن اونتاريو

 

مسافرون إلى أمل

 

بانة القاسم

 

لا أدري كيف ساقتني قدماي إلى تلك المرآة الشفافة، لأقف أمامها وأكتشف كيف مرت عشر سنوات في عالمي الجديد هذا وماذا تركت هذه العشر من ندوب على وجهي.

انتهت الامتحانات وبدأ توتر الأعصاب فمن اجتهد ينتظر ثمرة جهده ومن عمل كل الوقت ينتظر نتيجة عمله ومن أغلق على نفسه العام كله الأبواب، عله يفتح نافذة الأمل لمستقبل، يترقب نتيجة الامتحانات هذه. إلى كل هؤلاء أقول إن في لسعة الانتظار حلاوة لا يدركها فاقد الأمل. فالذي تقاعد عن الدرس لن ينتظر اي نتيجة، ومن فضلت ارتباطًا سريعًا على تحصيل شهادة دراسية ستذهب إلى ما أرادت دون حلم خاص بالنجاح او الفشل. لا تحزن ياصديقي لو أدركت نجاحا ضعيفا قد لا يحتمل طموحك، ولا تحزن لو لم يسمح لك مركب النجاح بالعبور إلى الضفة المقابلة للأمل سالمًا غانمًا. ولا تحزن لو نهضت في داخلك بذرة في حالة طموح إلى تجديد في شخصك وإعادة تصنيع ليومك القادم وفشلت. قد تفشل ولم لا؟ فالفشل حق، صنعته المحاولة، صنعته رغبتك في التغيير ومن لا يعرف الفشل قد لا يحس رعشة فرح النجاح. من لم تقتلع الرياح أحلامه الواحد تلو الآخر، فهو غير جدير بأرض يتقاسم هواءها مع آخرين يحرثونها بأرواحهم ليخرجوا منها فكرة الأمل بالحصاد غدًا.

قد أحلم بنجاح على مستوى رؤيتي، وأفقده بهبة ريح قدرية، وقد يأمل آخر بعمل في السفر ويضع كل أمنياته في سلة واحدة تهشمها لاحقًا قوانين هجرة جائزة. وقد تخبئ إمراة في أحشائها بذرة طفل ظلت وزوجها عقودا يحلمون بخروجه للنور ويذهب الحلم أدراج الرياح، قد يحلم رجل بامرأة ولا يستطيع أن يرى بين نساء الأرض إلا وجهها الذي فقده إلى الأبد بضربة قدر. قد ينتظر أحدنا مبلغا من المال ظل يدخله طويلا ليحمل شفاء لإحدى أعضائه العليلة وربما لا ينفع العلاج. قد تنهار سفننا وسط البحار الهائجة، وتصطدم أمانينا بصخور الواقع، فتنكس رايات أفراحنا لوهله نظنها دهورا طويلة. قد يخبو في أرواحنا ضوء الأمل بالخلاص فما جدوى الحياة، والأمنيات، لغد مجهول الهوية،  قد نفقد الشراع، والخل الوفي، والحب الذي ظنناه كل الحياة، والفكرة التي راودتنا كل الوقت تحثنا على ضرورة الفرح ... ولكن لن نفقد الأمل بالأمل، ولن نفقد تلك القطعة من الروح التي تظل تطالب بالحلم في عز الحلكة.

هذه الكلمات لها علاقة بحالات نعيشها كلنا نسميها احباطًا، خوفًا من الفشل ارتدادًا إلى الاكتئاب وضرورة إلى زيارة الطبيب النفسي ومراكمة أدوية القلق والعصاب، سمّها ماتشاء. إلا أن الفكرة لا تزال حية وهذا يكفي للعودة مرة أخرى لصناعة آمال أخرى نحيكها على مقاس طموحاتنا. يقول محمود درويش: "إن اختلاج الروح في البذرة أقوى من الصخرة". مع كل الدمار الذي احدثته الحروب هناك شعوب تبني، وشعوب تقاوم احتلال، وشعوب ترفض الذل وشعوب تخسر البنيان ولا تخسر الإنسان ... وأنت، هيا قم وربت على قلبك وأخبره أنك أقوى من كل الخذلان ووحشة الغربة وانتظار أوراق الهجرة والسعي للقمة عيش في بلاد لا تفهم لغتها ولا هويتها، هيا قم وجذف باتجاه الضفة الأخرى ويداك مصنع للأمل، من أجلك ومن أجل من تحب ... لا تفقد الأمل ... وسنة جديدة حلوة كلها أمل وثقة بالمستقبل والخير.

 

عنوان كبير لعشرات الأحلام المنسية

 

بانة القاسم *

 

تسللت الأمنيات هاربة من التفاصيل الصغيرة التي أدرجتها تحت مسميات رنانة، علني أدون عنوانا كبيرا لكتاب حياتي. إلا أن العنوان ظل يذوب شيئا فشيئا فوق قمة الأحداث،  وانتصرت التفاصيل الباهتة على الكتاب ومسمياته.

" تفاصيل صغيرة في حياتي، هي كل حياتي" هذا ما قاله نزار قباني وهو يعلن غياب البطولة المطلقة لأحلام عريضات، انتصارا للتفصيلات الأحلى التي تراكمت في حزمة عمره وصنعت أجمل أوقات عمره وجعلت من غيابها استحالة للمضي قدما.

فنجان القهوة الصباحي يعلن ميلاد الصباح،  وتمام المزاج وبداية العمل الجاد....سجائره الأثيرة تقرب الفكرة الخطيرة من إنجازها وتخرج بمزاجية شديدة أخطر الأفكار .

الوجوه التي يألفها المرء في مسيرة يومه، تصبح تفصيلا خطيرا يدخل كأفيون في عروق أيامه حتى ليكاد يتوقف الزمن عندما تتلاشى جريدة اليوم مثلا أو يغيب وجه بائعة الحليب أو يختفي صوت بائع الخضار ولو ليوم واحد. كأنما التفاصيل في حياتنا هي أجمل ما فيها أو حتى أجمل منها كلها.

تحت عنوان كبير اسمه من أجل فلسطين بدأت أتدرج بأيامي من مرحلة إلى أخرى، فكبرت وكبر معي هم اللجوء الذي اقترفه جدي مع أنني عشت كل حياتي وأنا أنوس بين انتمائي لوطن أقف على أرضه، وبين انتمائي لوطن تعيش فيه ذكريات جدي، بيته، أملاكه، قبر والده، ثأره وحتمية العودة..

كل ما استطعته من أجل الانتصار لفكرتي كان حفنة من الكلمات، أما ما أختبر تحت العنوان الكبير فكان تفاصيل صغيرة جميلة، واحداثا ثقيلة جرتني من موقع النضال الكبير إلى نضال آخر أصغر حجما ثم أصغر حتى باتت حفنة الكلمات عصية على قلمي، وبقي العنوان الكبير رمزا كبيرا لا يموت.

القطار السريع الذي نود أن نركبه في بداية الرحلة، لا يلبث أن يصبح مطية بدائية الحركة بعد حين، لأن الحياة تلجمه وتسكت نبضه الثائر. الكلمات التي كنت أحب أن أنشرها وأذيلها باسمي، وجدت نفسي اعتذر من الحقيقة عندما تبرأت منها علانية كأنها كلمات غير شرعية في زمن يقيم لكل الشرعيات المنافقة احتفالات عاهرة ويدين الصدق والحقيقة التي يصفعهم سطوعها.

تحت مسميات كبيرة كالإيمان بالحق، والثقة بالفكرة وتحويلها إلى ممارسة يومية ...سطرت عنوانا كبيرا لكل الخيبات التي كبحت جماح الفكرة، ورمت بالكلمات المجنونة في أتون العيب والخطأ وصار لزاما علي أن أعتذر عن طموح مشروع بالوجود.

التفاصيل الصغيرة تسللت رغما عني إلى صفحات حياتي، لا لتسخر من العناوين العريضة فحسب بل لكي تختبر أحقيتي بتبني عناوين كهذه.. وصرت رغما عني أقاتل كي يظل العنوان كبيرا في داخلي، وتلتحق منمنات حياتي في ركبه لتباركه، وتنتصر لمبادىء الحق والخير والجمال المحفورة على صفحة الكتاب والتي لولاها لما عرفت أبدا الفرق بين الألوان، ولما أدركت كم هو الأبيض أبيض وسيظل يعلن بياضه برغم كل التفاصيل الغامقة.

 

•           كاتبة وصحفية من اسرة (البلاد) لندن اونتاريو

 

 

 

 

أدخلوها بسلام يا ....

 

بانة القاسم *

 

دعيت إلى فرح إحدى قريباتي المصريات بداية عام ٢٠٠١ ، وكانت مناسبة رائعة لأدخل أرض الكنانة التي كانت محرمة على أبناء وثائق السفر (أمثالي). استطعت عن طريق أحد المعارف الحصول على فيزا للدخول وسبر أغوار البلد الفرعوني الساحر كما كنت أحلم.

حوالي ثلاث ساعات فقط كانت مدة الرحلة من بلدي إلى القاهرة. وما أن أطلت المدينة تحت أجنحة الطائرة، حتى تعالى نبض قلبي ... أخيرا" سألتقي عمتي التي تزوجت قبل أن تخرج عائلتها من فلسطين، وذهبت برفقة زوجها المصري إلى بلده لتقضي عمرها هناك، وتنجب عددًا من الأولاد الذين يعرفون مثلي أن لهم أقارب فلسطينين وعراقيين يتمنون التعرف عليهم وضمهم إلى قلوبهم.

القاهرة السحر، والقاهرة الناس، واللمة والدفء، وكل تفاصيل قصص نجيب محفوظ،  ظلت ببالي كل الوقت كي أتمكن من قياس دقة ذاكرتي في استحضار الصور والتفاصيل. ولكن ها أنا ذا انتهي واقفة أمام أحد الأعمدة البشريين والذي يرفض التحدث إلي، أو حتى النظر في خلقتي. قال لي : "روحي أوقفي هناك في الزاوية حتى أندهلك"

والله لم يكن هذا الاستقبال يخطر على بالي أبدًا، علمًا أن أوراقي كاملة وجواز سفري جديد (خلنج). واعترف أني بطبعي لا أقبل الاضطهاد أبدا وأفضل العودة لتوي على الطائرة نفسها، عن أن يحتقرني أحد بهذه الطريقة.

تقدمت إلى غرفة الضابط ودققت عليها (كي أزعجه وأرفض وأشجب وأحتج)، خرج الضابط قائلا: مالأمر؟

قلت له بتهكم: ممكن حضرتك تفهمني ما الأمر؟

طبعًا نظر إلي من فوق لتحت وقال انتظري، قلت له لن انتظر، لقد غادر كل ركاب الطائرة وظللت أنا وشقيقتي واقفتين كأننا متهمتان،  فماالقصة؟

أخذ الرجل وقته في النظر إلي ومصمصة شفتيه مللا وقرفًا ، ثم نطق الدرر قائلا : هل أنت قريبة فيصل القاسم؟

هاااااا أيها الأذكياء، إذًا هذه هي تهمتي... كان المذيع السوري فيصل القاسم قد أجرى حوارًا في برنامجه (الإتجاه المعاكس) يخص شؤونًا مصرية لا أذكرها الحقيقة الآن، والظاهر أنه أحضر ضيفًا مغضوبًا عليه آنذاك،  ولكن أعلم بوقتها أنه جر عليه غضب السلطات المصرية التي كان يرأسها الرئيس مبارك. كل ذلك لا يهمني، ولكن أن أترك عددا من الساعات (وكأنني متهمة بجدع أنف أبي الهول) واقفة في المطار دون حتى تحقيق أو سؤال، فذلك لعمري قمة السخافة والاستهانة.

نظرت إلى الضابط بقرف وقلت له مكتوب أنني أحمل الوثيقة الفلسطينية السورية، إذا أنا فلسطينية والسيد فيصل سوري درزي من السويداء، وحضرتي لاجئة فلسطينية أبًا عن جد وعلى سن و رمح...هل فهمت؟

قال: آآآه ...يعني حتى المطرب مجد القاسم (أخو فيصل) لا يقربك؟ ....نعم لا يقربني ...

اليوم تعود بي هذه الذكرى، عندما قرأت كيف عومل المخرج الفلسطيني سعيد زاغة القادم من بريطانيا بدعوة من مهرجان الجونة للاحتفال بعمله الأخير.  أوقف في المطار ومنع من الطعام والشراب ثم أعيد بعد ٥ ساعات إلى لندن دون أن يسلم جواز سفره باليد. الجميل في الأمر هو رد فعل المبدع الممثل والمخرج الفلسطيني العالمي محمد البكري والذي دعي أيضًا  بقصد تكريمه في ختام المهرجان المذكور قادمًا من إيطاليا ... أعلن عن عدم حضوره و ذلك احتجاجًا على سوء المعاملة التي يلقاها الفلسطيني في بلد السلام والإسلام والحب والفن والمهرجانات، في البلد التي مكتوب على بوابة مطارها (أدخلوها بسلام آمنين) يا غير الفلسطينين...

•           كاتبة وصحفية من اسرة جريدة (البلاد) لندن اونتاريو

 

 

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا