الرئيسية || من نحن ||| اتصل بنا
 

د. ضرغام الدباغ استاذ جامعي باحث وكاتب عراقي مقيم في المانيا مؤسس المركز العربي الألماني برلين

 

لعبة الشطرنج الأخيرة

 

ضرغام الدباغ

 

بعد أيام .. سيتم الاحتلال عامه العشرون ... وماذا بعد ....!

الاحتلال ومن معه ومن خلفه ومن يهرول في ركابه لم يستطيعوا تفسير وتبرير العدوان الذي سيسجل بأسمائهم وفي تاريخهم بحروف بارزة، فشلوا في تحقيق أي شيئ برغم أن تحت تصرفهم نحو ترليون و250 مليار دولار، وقتلوا واغتالوا في المحاكم  (الصورية) وخارجها عشرات بل مئات الألوف، وشردوا الملايين بين مهاجر ونازح، وباعوا الصناعة العراقية كحديد خردة، جرفوا البساتين والحقول والاراضي الزراعية، وفاق ما يرتكبون كل ما هو مدون في قانون العقوبات، من جنايات، وجنح، والعيب والحرام.

ومع كل ذلك لم يتمكنوا من العراق ومن شعبه ... دمروا بأنفسهم شرفهم الوطني ...

هل لأن العراقيين أتحدوا وقاوموا هذا التعسف التاريخي..؟ هل لأن العراق لقمة أكبر من بلعومهم ..؟ نعم، ولكنهم فشلوا قبل كل شيئ، لأن مشروعهم مستحيل وغير تاريخي، فشلوا لأن كل من وضع يده في هذا قدر الاحتلال، لم يعد نظيفاً، ولأنه مشروع يفتقر للنظافة... وبالتالي الاحتلال لم يستقطب إلا من أمثاله، وبضعة ممن خدعوا ثم استفاقوا وتابوا ..

كنت أتجاذب وصديق لي أطراف الحديث، نتجول في الأفكار والمواقف، وما يشاع ويقال هنا وهناك، والأيام حافلة بالأخبار، ومنها ما يدور في العلن، وأكثرها من وراء الستار، وخطر ببالي الفيلم المشهور، " التانغو الأخير في باريس " (Last tango in Paris) وتوصلنا هو وأنا، أن الموقف بات في غاية التأزم، وكما يقال بالبغدادية " قفلت الدومنة "، فقلت لصديقي يبدو أنها " آخر لعبة شطرنج ".

لماذا آخر لعبة شطرنج ...؟

إنها  اللعبة الاخيرة، لأنه لم يعد هناك لاعبين كثر في الميدان، كلهم تعبوا، وقد تعددت الساحات والميادين وضاقت الخيارات والعبارات، والبطل الوحيد الصامد صمود الجبال الرواسي هو الشعب العراقي، اليوم ينسحبون ليس لأنهم شرفاء، بل لأنهم عجزوا عن تحقيق ما يريدون،  ولأنهم يحاولون غسل ولو سنتمتر مربع واحد من عارهم، العار الأمريكي في العراق يخرسهم عن الأدعاء بالنزاهة، والديمقراطية وحقوق الإنسان، والمخرج الكبير يقلب عينيه في أكثر من مكان وزاويا العالم، فبعد أن كان يعتقد أنه سيحكم العالم بنظام عولمي محكم، لم يستغرق الأمر أكثر من عقدين أو ثلاثة، صار يبحث عن الأمن على سواحل بلاده ...! ولهذا فهو مضطر لوضع أولويات وخطوط جديدة .. خطوط خضراء، وبنفسجي، وصفراء، وحمراء، نتفاوض في بعضها، وقد نتبادل في أخرى، ونتأهب في أخرى، ولكن في الخطوط الحمراء نقاتل ..! ومن تلك أنه أبلغ حلفاؤه أن ليس بوسعه مواصلة تأمين السقف السياسي والعسكري لمغامرتهم، فليبحث كل عن مصالحه بطريقته، فحليفه الصهيوني يقنع نفسه أنه باق ... وهو يعلم أن صفارات التنبيه أطلقت تحذيرها ...وحليفه نظام الملالي أصابه الإنهاك، وقد اشتعلت النيران في بيته وتلابيبه .. وضاقت المساحات عنده، فراح يرمي بصره شرقا وغرباً لعل هناك من ينقذه يخلصه من ولو بتكلفة مناسبة، تبقي رأسه فوق سطح الماء .....

يا شعبنا العظيم .... لله درك .. ما أعظمك ..

ناضلت بعنفوان وصبر كما في كتب الأساطير ..

أتحدوا .... أتحدوا .... أتحدوا ...

الاحتلال ينهار، وصنائعه يفرون والمجد لكم التاريخ لكم، والعراق لكم ...!

 

 

الصراحة المرة

 

ضرغام الدباغ

 

في الصباح الباكر، كنت أستقل الباص في عاصمة أوربية ، حين صعد شاب أفريقي يبدو عليه التعب والإرهاق، حتى أني ظننت أنه قد أسرف في تناول الكحول، ولكنه يحمل آلة موسيقية داخل علبتها، على الأرجح من نوع الأورغ (نوع صغير يوضع على طاولة)، وأختار أن يجلس بجانب شاب أوربي أبيض البشرة أشقر وسيم، لا يزيد عن بداية العشرينات، وراح يحدثه بصوت مرتفع " ها ... أنت أبيض اللون وهذا يجعلك تمتلأ فخراً وكبرياء .. أليس كذلك ..؟ "

الشاب الأوربي كان مهذباً فأجابه، " لا ليس كذلك، ولكننا في الصباح الباكر ونفتقر لشهية الكلام ".

فرد عليه الأفريقي " لا ..لا ... أنت تشعر بالغرور، وإلا فلا شيئ يميزك عني، بل أنا أثقف منك وأعمل بجد كل يوم طيلة الليل وحتى مثل هذا الوقت من الصباح فأنا عازف أورغ ".

وراح الشاب الأوربي يحدثه بهدوء وصبر كما شاهدت الأفريقي يعطيه بطاقته الشخصية ويتحدثان عن تواصل العلاقة بينهما.

فتأملت مقلباً الحديث على وجوه مختلفة. فأن تشاهد شبان أفريقيين في عواصم أوربا الغربية الأنيقة المترفة أمراً اعتيادياً، والأمر يتجاوز في جوهره مسألة توفير قوة عمل زهيدة السعر،إلى وجود اجتماعي / ثقافي، وصرنا نشاهد ظاهرة حالات زواج بين أفريقيين شبان وشابات، وأوربيين شباب، إلى جانب رفض عنصري من جانب أفراد من اليمين .. الأمر كله يجعلك على ثقة بأن المستقبل القريب للخمسين سنة المقبلة في عالم الغرب ينطوي على توجهات عنصرية، وقد تحمل في طياتها أحياناً على نزوع لاستخدام العنف ضدهم.

ومن جهة أخرى، حين نقرأ ونشاهد أفلاما وثائقية عن أفريقيا، يحملنا على التنبؤ بأن هناك مستقبلاً للقارة الأفريقية هي غير ما كان مخطط لها من الغرب الرأسمالي : أن تكون منبعاً للخامات الطبيعية، ومنجماً للقوى العاملة الزهيدة الثمن، أفريقيا تهرول نحو مستقبل آخر، وهناك صراع خفي / علني يدور في القارة السمراء، بين قوى أفريقية تطرح تصوراً جديداً لأفريقيا يحمل التقدم والتطور والتنمية .. ولكن حتى ذلك الوقت سيتواصل رسو القوارب التي تحمل المهاجرين من كافة الأعمار يفلح الكثير منها في الرسو على سواحل أوربا في البحر المتوسط، ولكن أيضا يبتلع البحر يوميا المئات منهم .

الغد الأفريقي مقبل بالتأكيد .... سيشرف حتماً وملامحه تبدو من الآن واضحة، الغرب يفقد ثقته بنفسه، فلم يعد التفوق الأبيض الغربي من المسلمات . والأوربيون بدورهم صاروا مقتنعين أنهم تجاوزوا الذروة، وصارت خلفهم، فهناك الكثير من الأسباب المقنعة والعنصرية أحدها، بأن وهج الحضارة الغربية في أفول، والقضية سنوات فحسب. والأفارقة (وربما غيرهم) صاروا لا يخفون دفء حرارة العلاقة مع الصين وروسيا، ورؤية روس وصينيين في المدن الأفريقية صار من المظاهر الطبيعية.

والصحف الأوربية تصدر يوميا وهي تحمل صور وكاريكاتور عن الولايات المتحدة التي تدمر أوربا بسياساتها الرعناء، فلا يدع سبباً واحداً للتعاطف مع الغرب التي أثخن شعوب العالم في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بجراح الشفاء منها ليس بسيط، ولكنه ممكن .. وقد أدركت الشعوب بداية الطريق.... ومن سار على الدرب  وصل ....!

 

 

لغز الطائرة الماليزية

Andreas Sieler

كتابة : أندرياس زيلر:

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

على الرغم من مرور تسعة سنوات على اختفاء الطائرة الماليزية الرحلة MH370 التي كان على متنها 239 شخصاً،  ليس بوسعنا سوى القول أنه لما يزل من غير الواضح تماما ماذا  حصل وكيف وأين. وليس هناك سوى شيئ واحد مؤكد، أن الطائرة قد تحطمت  بعد ساعات من إقلاعها من كوالالمبور، كما أنه لا جدال في مسألة : كيف ولماذا تتحطم طائرة ذات تقنية عالية وتتحول إلى لغز في تاريخ الطيران الحديث.

 أختفاء الطائرة : الرحلة رقم MH370

ومن المؤكد أن طائرة البوينج 777-200 التي كان على متنها 227 راكبا واثني عشر من أفراد الطاقم قد أقلعت من كوالالمبور في 8 مارس 2014 في الساعة 0:42 صباحا. بعد 20 دقيقة ، وصلت الطائرة إلى ارتفاع الطيران الرحلة، وبعد 20 دقيقة أخرى بعثت بآخر رسالة لاسلكية، حتى ذلك الحين كل شيء طبيعي. ولكن بعد ثوان، حدث أن تم (من بين أشياء أخرى)، إيقاف تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال، واختفت الطائرة MH370 من شاشة الرادار.

وحدث العديد من التغير في مسار تحليق الطائرة، فمن التحليق فوق ماليزيا،وشمال اندونيسيا، ثم ساعات من الطيران بأتجاه الجنوب، (افتراضاً) فوق المحيط الهندي، حيث سيتم لاحقاً تفسير بيانات الأقمار الصناعية، ومنها يشتبه معظم الخبراء أن موقع تحطم الطائرة هو اقصى غرب أستراليا.

في الدقائق التي اختفت فيها الطائرة ، كانت قد انتقلت من المجال الجوي الماليزي إلى المجال الجوي لفيتنام. ويبدو أن الأمر استغرق وقتا طويلا على نحو غير عادي حتى تم الانتباه لاختفاء الطائرة وإطلاق الإنذار، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن مراقبي الحركة الجوية تصرفوا بإهمال، وفقا للتقرير النهائي لفريق دولي من الخبراء "فريق التحقيق الماليزي في المرفق 13 لمنظمة الطيران المدني الدولي الماليزي".

 

تقرير غير واضح عن الرحلة   MH370: هل كان هناك تلاعب في الأنظمة؟

وإذا القينا نظرة فاحصة على التقرير النهائي الصادر في عام 2018، ، فإن هناك شيئا واحداً يبرز ، أنه لا يوجد شيئ واضح ونهائي على الاطلاق. إذ كانت المشكلة الرئيسية للمهنيين في التحقيق في الحادث، هي عدم وجود قطعة من بدن الطائرة لفحصها والتحقق فيها.وحتى يومنا هذا لا يمكن استبعاد حدوث خلل ما في الطائرة. ومع ذلك، فمن المحتمل حسبما يذكر التقرير أن فقدان الاتصال حدث بسبب " إيقاف تشغيل الأنظمة يدويا، أو بسبب انقطاع التيار الكهربائي". وهذا يشير التلاعب (Manipulation) في صياغة التقرير الذي ركز على طاقم الطائرة والركاب.وأن لا وجود لتشوهات خطيرة.

 

ومن بين عشرات القطع من حطام الطائرة التي جرفتها أمواج المحيط الهندي على السواحل الأفريقية،تم تشخيص ثلاث قطع بعائديتها للطائرة المنكوبة، وسبعة قطع بأنها " شبه مؤكدة" وعشرون قطعة بأنها " مشتبه بها "، وتؤكد الأجزاء هذه أنها تعود لطائرة البوينغ الرحلة (MH370) وأنها قد سقطت وتحطمت،كما تشير البيانات أن الطائرة مكثت في الجو لمدة سبع ساعات.

ويختتم التقرير إلى أن اختفاء طائرة الرحلة (MH370)، والعمليات الواسعة في البحث عنها كانت حدثاً غير مسبوق في تاريخ الطيران، ويشير إلى ضرورة إدخال تحسينات لضمان سرعة تحديد الحدث وموقعه في المستقبل، ووجود أليات " لتعقب أي طائرة تخرج عن خط الرحلة لأي سبب من الأسباب "، وان يكون موقع أي طائرة مدنية تجارية معروف دائماً، وعدم قبول افتراضات أخرى.

الغموض : أين يمكن أن تكون الطائرة ؟

لكن كيف يمكن أن يحدث لكي تغادر طائرة مسارها وتختفي خلال ثوان؟

في البدء ، يتم تسجيل مسار الطائرة بواسطة ثلاثة أنظمة:

من الأرض،

ثم من الطائرة نفسها ومن الفضاء.

ومن خلال الرادار الأرضي(يسمى الرادار الأساسي ).  حيث يتم إرسال إشارات من الطائرة وهذه اقابلة للقياس ماديا "، يوضح روبرت إرتلر، رئيس الاتصالات الخارجية والصحافة الألمانية (Deutsche Flugsicherung (DFS))، أن ذلك يتم بدقة  متناهية عند الطلب.

وهذا يعني أن المجال الجوي في ألمانيا يخضع لمراقبة مستمرة حتى ارتفاع حوالي أحد عشر كيلومترا. وما لا يستطيع الرادار قياسه هو ارتفاع الطيران، وهنا يأتي دور ما يسمى بالرادار الثانوي، جهاز الإرسال والاستقبال للطائرة. يقول إرتلر: "نرسل استفسارا وهناك إجابة من الطائرة". تشمل البيانات، من بينها، الارتفاع والسرعة. "ثم هناك الامكانية لتحديد الموقع عبر الأقمار الصناعية" ، إذا كان هناك العدد الكافي  منها ".

وقد تم إيقاف تنشيط جهاز الإرسال والاستقبال في رحلة الطائرةMH370. يتم ذلك من قمرة القيادة. ، ويوضح إرتلر. "الطائرات العسكرية تفعل شيئا كهذا والأمر يتعلق بالسرية". أما في حالة MH370 ، يصعب تفسير ذلك: "كقاعدة عامة، لن تقوم طائرة تنقل الركاب بإيقاف تشغيلها بشكل نشط". وهناك ثغرات حتماً في المراقبة الرادارية فوق المحيط الهندي، كما هو الحال مع مراقبة الأقمار الصناعية. وبالتالي، عجزت الأنظمة الثلاثة من تقديم أي بيانات.

 

تؤشر لنا هذه المعطيات، من خلال الأحداث المحيطة برحلة الطائرة MH370إلى أنه لا ينبغي أن ينحصر البحث عن الخطأ في المقام الأول في الجانب التكنولوجي، ولكن أيضاً في الخطأ البشري. وحتى في دوائر الخبراء، يجري تفسير البيانات الموجودة متباعدا في بعض الأحيان وأحياناً في اتجاه نظريات المؤامرة أحياناً.بل أن بعض الخبراء يشككون حتى في أن الطائرة قد طارت جنوبا (جنوب المحيط الهندي) على الإطلاق. كما تسبب كتاب "اختفى" للصحفية الفرنسية فلورنس دي شانجي، التي تشكك في وجود موقع سقوط وتحطم مختلف تماما، وتسبب كتابها في ضجة كبيرة.

 

ولم تسفر سنوات من عمليات البحث من قبل عدة ولايات وشركة "Ocean Infinity" الأمريكية لم تسفر عن أي نتائج. في العام الماضي، ولكن شركة Ocean Infinity أعلنت عن خطط لاستئناف البحث.

 

ووفقا لتقارير نشرت في وسائل الإعلام، سيتركز البحث بعد ذلك على منطقة في المحيط الهندي اختارها مهندس الطيران ريتشارد جودفري كموقع تحطم محتمل. تصدر جودفري عناوين الصحف عدة مرات في السنوات الأخيرة ، إذ طور المهندس المتقاعد في أوقات فراغه نوعا من نظام تتبع الطيران.ببساطة، يحاول من خلاله تحديد موقع الطائرة عن طريق تحليل ما يسمى إشارات الهمس لشبكة راديو الهواة المخزنة في قاعدة بيانات. تتداخل  ببيانات الطائرات مع انتشار هذه الموجات اللاسلكية.

 

وينظر بعض الخبراء، إلى النتائج التي توصل إليها المهندس جودفري العام الماضي(2022) على أنها بصيص أمل في العثور على الطائرة، خاصة أنه قام بتضييق موقع تحطم محتمل إلى منطقة صغيرة جدا. كما قال جودفري في البودكاست "الطب الشرعي للطيران"  ما حدث للرحلةMH370؟" (تجدها على موقع flugforensik.de) من خبراء الطيران بنيامين دينيس وأندرياس سبيث أوضح  كما يعتقد، أنه اكتشف بطريقته المسار الذي سلكته الرحلةMH370. كما يدعي أنه قدم "ملاحظة مثيرة للاهتمام": ووفقا لذلك، فقد حلقت الطائرة بصورة منتظمة لمدة 20 دقيقة قبالة سومطرة قبل أن تتحول جنوبا. "حتى الآن  يفترض المحللون أن طائرة الرحلة MH370 كانت تطير جنوبا مباشرة. ولكن لماذا تحلقالطائرة هذا الوقت الطويل في الانتظار؟ ، على سبيل المثال، هل كانت بأنتظار أتصال أرضي. أو ربما كان هناك تفاوض ما مع الحكومة الماليزية....؟

يمكنك القيام بذلك عندما تطاردك طائرة أخرى أو عندما تريد شراء الوقت للتفكير في الخطوة التالية ، "يقول جودفري. "ولكن إذا جعلت طائرة تختفي، فلن تضيع الوقت والوقود في الانتظار" ، أوضح المهندس جودفري في البودكاست (الموقع عن شؤون الطيران في الانترنيت).

النظرية الأكثر شيوعا حول سبب اختفاء طائرة الرحلةMH370 يعتبرها الخبراء أيضا من ضمن الأسباب، هي  نظرية انتحار الطيار. والتي غالبا ما يتم الاستشهاد به كمؤشر، أنه كان قد مارس سابقا دورة على جهاز محاكاة الطيران المنزلي الخاص به والتي كانت مشابهة للدورة الأخيرة المفترضة لطائرة الرحلةMH370. كما ذكرت "مجلة نيويورك" قبل سنوات على أساس وثائق سرية لمكتب التحقيقات الفيدرالي. ولكن، كما تشير التحقيقات الإضافية والتقرير النهائي، لا يوجد دليل أو دافع للانتحار في البيئة الخاصة للطيار(الأسرة أو العمل).ولماذا يجب أن يحلق هذه الساعات السبع بدلا من يحطم الطائرة على الفور؟ وإذا كانت النتائج التي توصل إليها المهندس جودفري صحيحة، فإن المناورة التي انطلقت من سومطرة لا معنى لها في حالة الانتحار المخطط له. لذلك فان هذه النظرية حافلة بالعديد من علامات الاستفهام.

 

ولكن هل يمكن أن يتكرر مستقبلاً حادث"اختفاء" طائرة ، كما في حالة طائرة الرحلةMH370...؟ وإلى أوضح ريتشارد غودفري قبل عام في مقابلة مع صحيفة "نويه زيورشر تسايتونغ" أن منظمة الطيران العالمية "إيكاو" قد أصدرت مرسوما "بأن جميع الطائرات يجب أن تكون مجهزة بنظام تتبع دائم يعمل بشكل مستقل عن جميع الأنظمة الأخرى على متنها". ومع ذلك، سوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتم تجهيز جميع الطائرات به.

ومنذ وقوع الحادث للرحلة MH370، تسعى منظمة الطيران المدني الدولي جاهدة إلى تحسين تموضع الطائرات عن طريق إشارات تحديد المواقع دقيقة بدقيقة. وفقا للتقارير، تعتمد بعض شركات الطيران أيضا على تدفق بيانات الصندوق الأسود. من الواضح أنهم يحاولون التعلم من سوء الحظ. كما منذ ذلك الحين(منذ حادث الرحلة MH370)، أصبحت الملاحة عبر الأقمار الصناعية "أفضل وأكثر كثافة" كما يقول الخبير روبرت إرتلر، ويستبعد احتمال اختفاء طائرة في ألمانيا. أو فوق المحيطات الكبيرة، حيث يصل لا يصل الرادار والرادار الثانوي إلى حدودهما، تماما: "اما إذا لم تكن مجموعة الأقمار الصناعية بحيث يمكنها تحديد الموقع بشكل مثالي ، فقد يتكرر يحدث شيء من هذا القبيل مرة أخرى. ومع ذلك أود أن أصف احتمال أن نشهد شيئا كهذا مرة أخرى بأنه لا يكاد يذكر".

 

المركز العربي الألماني

برلين

إيران : عرف

الحبيب مقامه فتدلل

 

ضرغام الدباغ

إيران نووية ... إيران غير نووية ... إيران نووية ... إيران غير نووية ..... نووية ... غير نووية ... إيران نووية ...وبالاتفاق ... إيران نووية منذ سنوات ... أن تكون إيران نووية أمر تدارسوه بعناية شديدة، وتوصلوا للقرار الصعب منذ سنوات وهم ساعدوها تقنياً وسياسياً ورسموا لها خريطة هضم النووي .. وجعله أمرا واقعاً... وهم يفكرون الآن  بمرحلة ما بعد الإعلان النووي ...

لماذا يريدون إيران نووية ....؟ وبماذا يفيدهم ذلك ...؟

المؤشرات تشير أن قرار النووي الإيراني جاءهم من الخارج ... من الجهات الداعمة ... والولايات المتحدة في المقدمة ... ووزعت الأدوار بدقة تفصيلية، ونوتة العزف أمام الجميع بدرجة متفاوتة حسب الدور الموكل له، والكل يتصرف وفق إشارات المايسترو بدقة بالغة، الخطأ مهما كان صغيراً غير مقبول وغير محتمل.

الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي ليسوا في وارد أحتمال عداء قوى كثيرة، ولكن عداء العرب والإسلام بدرجة أساسية. بتعميم  مثير للدهشة، كل العرب وكل المسلمين دون استثناء... يجب اقتلاع  الظروف والمعطيات على أنواعها للحيلولة دون قيام كيان عربي موحد، بل وحتى القطع المجزأة، ينبغي أن تكون هشة وتتألف من عناصر ضعيفة... مالعمل....؟ والتقدم المقبول هو زحف السلحفاة أو أبطأ ...!

كياناً صهيونياً هو الخيار الأفضل، كيان مسلح بقوة ضاربة عاتية وأن يكون دركي الحارة هو الخيار المفضل، وتولت بريطانيا وفرنسا تسليحه وتأهيله، ولكن بعد حرب حزيران / 1967، وجدوا أن المهمات الثقيلة المطلوبة من هذا الكيان تفوق قدرة بريطانيا وفرنسا، فأستلمت الولايات المتحدة الدور القيادي الحامي للكيان والآخرون يلعبون على الهامش في لعبة توزيع الأدوار السياسية، أنا أقبل، أنت ترفض، والآخر يتحفظ، والبعيد يعتب، ولكن النتيجة واحدة من الأربعينات وحتى اليوم ..! وسمحوا لها بالتسلح النووي دون أن يثير طرف ... أي طرف مجرد اعتراض بسيط ..!

بعد تأميم النفط وحرب تشرين الأول / 1973،  بدأت التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تفرز معادلات صعبة ومعقدة،  ولم يعد الكيان الصهيوني بوسعه السيطرة على مفردات الموقف، وحتى سلاحها النووي لا يحكم السيطرة على الموقف، بوضوح أن الأمر بحاجة لعنصر جديد يدخل صلب معادلات الشرق الأوسط ويحدث فيها تفجيرات وتخريب هنا وهناك، فكان نظام الملالي خير من يمثل هذا العنصر، سيدخل المنطقة في نفق مظلم أسود لتدوم عقوداً طويلة وتحدث خسائر كبيرة وتعيق التنمية السائرة إلى نتائج حتمية لا محال: قدرات مالية هائلة، وعلم ومعرفة، وقوة بشرية لها قابلة التعلم والتطور. إذن عناصر التقدم موجودة بل هي في تطور دائم.، والنتائج قادمة

في الثمانينات، أكتشف الأمريكان أن تعويلهم على الملالي بدرجة كبيرة لم يكن في محله، وبالغ خبراء الأمن في قدرة الملالي، ووصل نظامهم إلى عتبة الانهيار التام، فأوقفوا الحرب التي استطالت لثمان سنوات، وأستلم الأمريكان بصفة علنية ومباشرة إدارة العمليات العسكرية، وبعد 13 سنة من الحصار والقتال، أدرك الأمريكان مرة أخرى أن التدخل العسكري غير المباشر غير مجدي، والأمر يستدعي حربا شاملة ومباشرة لحل العقدة الرئيسية (العراق)، وهكذا خلقت المعطيات نفسها في حرب 2003.

أدرك الأمريكان والغرب هذه المرة أن نظام الملالي لا تتوفر فيه شروط قلب الشرق الأوسط بصفة كاملة، فالملالي لا يمتلكون ما يتصدر حملتهم من كعطيات سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية، فنظامهم قائم بقضه وقضيضه على خرافات، بدأ حتى المغفلون والسذج إدراكها، وتصدير الزناجيل هو أفضل صادراتهم، وأكثر من ذلك فأن نظامهم نفسه صار مرشحاً للتداعي والانهيار، وأن تشرق على الشعوب الإيرانية نفسها أفاق جديدة.

الأمر هنا صار يحتمل أمرين ....كيف ..؟

الأول : أن تشطب فكرة تمزيق بلدان وشعوب الشرق الأوسط، وهذه مستحيلة أن يدعون أمة من نحو نصف مليار عربي ومليار مسلم يتماسكون، يتضامنون، واقتصاد هائل تحت تصرفهم وقدرات علمية كبيرة وثقافية، ملامح لكيان سياسي / اقتصادي كبير، والغرب لا يقبل بوجود أقوياء وعشاق حرية، فهم لا يقبلوها من الروس المسيحيين الارثودوكس، والصين البوذيين، فكيف يقبلونها من عرب ومسلمون ..؟

الثاني : أن النظام الإيراني المؤسس عام 1935 وصممت له الخارطة السياسية التي تضم نحو 60% من شعوب غير راغبة في الانضمام لإيران، لكونها تمتلك خصائص قومية خاصة بها، أو لكونها أقتطعت من أوطانها لتؤسس بريطانيا وأميركا الكيان الإيراني الذي ستكون له مهامه وواجباته، في الأساس منها، خلق المتاعب السياسية في حوض الخليج العربي، وفي منطقة جنوب شرق آسيا(مجموعة البلدان التركية).. وأن أي تغيير في هذه الهيكيلية الحساسة من شأنها أن تحدث تغيرات كبيرة (ما لم نقل جذرية) في عموم المنطقة، لغير صالح الغرب.

الأمر أصبح من الأهمية بمكان، وعدم السماح بسقوط النظام الإيراني، فالوضع الحالي الإيراني بنبأ بتشظي إيران حال سقوط نظام الملالي. ولكن كيف نحافظ على النظام الذي ينفق موارده الاقتصادية على التسلح، والتآمر والتدخل في الأقطار المجاورة، بحيث غدا أن خروجه من إحداها سيتسبب بسقوطه ...!

كان قرارهم هو : إيران نووية، لعل في هذا سيكون إحدى مقومات القوة بيد الدولة،، ولكنهم سيكتشفون أن هذا وهم آخر وخطأ سياسي وفكري يقع فيه المخطط الأمريكي، إذ لا يمكن للدولة استخدام الأسلحة النووية داخل حدودها ... كما أنها لا تستطيع أن تجعل لتدخلها مخالب نووية .

إيران ليست مهددة بتدخل خارجي، فإرادة الشعب الآذري الجنوبي في الاتحاد مع الجزء الشمالي من وطنه هي إرادة وطنية، وينطبق ذات المقياس على العرب والأكراد والبلوش، وربما اللور أيضاً... فقد تعرفت مرة على قيادي في حزب اللور فإذا به يستنكف أن يحسبوا على الفرس ...!

وأعتقد أن الهم الإيراني وهواجسه هي هموم وهواجس بريطانية وأمريكية وغربية عموماً، والغرب لا يريد أن يرى مقابلة دول قوية عديدة، هو الآن يعاني من أتساع قوتها الأتراك، والعرب، والبلوش، فكيف إذا ضمت لها أجزاء أخرى ..؟ وأي نظام في إيران : قاجاري، بهلوي ، ملالي، هو أفضل من أن يسقط النظام وتنشأ قوى جديدة يصعب على الغرب جمعها على طاولة واحدة والتفاهم معها.

أما قصة الشيطان الأصغر والأكبر وجمهورية إسلامية، فهذه من بين الخرافات والاساطير التي لا محل لها سوى لدى من لا يفهم السياسة إلا بناء على أمزجة ... النووي الإيراني لعبة جر حبل يمارسها الغرب بشغف ومهارة، لحوالي 20 عاماً  خلت وهم يلعبون هذه اللعبة .... وللأسف هناك من يصدق أن الغرب لا يريد لإيران أن تمتلك السلاح النووي.

 

 

ماذا حدث في الصين الشعبية

 

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

كان القائد لين بياو، يعتبر الشخصية السياسية والعسكرية الأكثر أهمية في الصين. وكان مقدراً أن يصبح خليفة الزعيم ماوتسي تونغ، وإذ به يختفى ذات يوم من على المسرح السياسي دون إيضاحات ولم يعد يشاهد بعدها !

لين بياوهو  : (1907 - 1971) أحد القادة الشيوعيين الصينيين ساهم في الصراع على السلطة في الصين وشغل عدة مناصب عسكرية هامة اشتهر بانتصاراته على اليابانيين وهزيمته للوطنيين في الحرب الأهلية الصينية ودعمه لكوريا الشمالية في الحرب الكورية ضد قوات الأمم المتحدة وفييتنام الشمالية في حرب فييتنام

ولد لين في 5 / كانون الأول ــ ديسمبر /  1907 في مقاطعة هوبيه ابناً لصاحب مصنع وتخرج من أكاديمية وامبو العسكرية عام 1926 وصعد سلم الترقيات سريعاً في أثناء الحملة الشمالية من تموز ــ يوليو 1926 حتى أبريل 1927 ليصبح رائد في أقل من عام بعد ذلك فر من الجيش الوطني لينضم إلى الشيوعيين

في 8  / أيلول ــ سبتمبر 1971/ شرع لين في عمل عسكري للاستيلاء على الحكم واغتيال ماو إلا أن منافساً له كشف خطته مما مكن ماو تسي تونغ من الاحتفاظ بالحكم فحاول لين الهروب برفقة أسرته إلى الاتحاد السوفيتي ولم تعلن الحكومة الصينية إلا أواخر عام 1972 أن لين وأسرته قد لقوا مصرعهم في 13 سبتمبر 1971 عندما تحطمت الطائرة التي تقلهم في أندرخان (undurkhan) بمنغوليا

إنها من الفصول النادرة للصراع السياسي في جمهورية الصين الشعبية، والقائد لين بياو لم يكن شخصية عابرة في التاريخ السياسي الحديث للصين، فهو من القادة التاريخيين ممن رافقوا الزعيم ماو في مسيرة تحرير الصين وفي قيادة الحزب، ومن ابرز قادة الثورة الثقافية (في ستينات القرن المنصرم) وشخصية مهمة في الزعامة الصينية.

اختفى هذا القائد دون إيضاحات كافية للشعب، ولأصدقاء الصين قبل خصومه، ترى أكانت نهاية درامية للثورة الثقافية التي لم يجري لها تقييم موضوعي عادل، أم ترى أن القائد لين بياو أراد استباق العاصفة، وعندما فشل أراد الهروب ففشل مرة أخرى ؟

هذا التقرير قد يلقي بعض الأضواء على هذه الحادثة التاريخية المهمة كخلفيات وكحدث ثم كنتيجة !

 

 

 

 

 

 

حين أرخى الظلام سدوله على ميدان تيان آمين، وفي فترة ما بعد الظهيرة، بدأت مكبرات الصوت بإذاعة موسيقى ومارشات عسكرية، وأجرى الآلاف من الطلاب والجنود تجربة مسيرة الأول من أكتوبر/ تشرين الأول حيث سيجري الاحتفال بمناسبة الذكرى الثانية والعشرون لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. ولكن الهدوء عاد الآن إلى عاصمة الملايين، بكين، وقد خلت الساحة تقريباً منهم. ولكن سرعان ما عاد ضجيج الدراجات البخارية يحرك هدوء المساء فيما تقاطرت عربات الليموزين السوداء أمام البناية الكبرى لنواب الشعب، التي تقل الشخصيات السياسية البارزة في جمهورية الصين الشعبية والحزب الشيوعي الصيني، يدخلون البناية بخطوات مسرعة، وكان رئيس الوزراء زهاو من بين الحاضرين أيضاَ هذا الاجتماع المسائي، ولكن الغائب الأكبر كان: لين بياو وزير الدفاع ونائب الزعيم ماو، وخليفته المعلن، والرجل الثاني في البلاد.

 

وفي نفس الليلة، كانت طائرة نفاثة من طراز ترايدنت قد أقلعت من مطار بيداهي (حوالي 240 كم شرقي العاصمة بكين)، وحلقت باتجاه الشمال وقطعت حوالي الساعة الثانية فجراً الحدود مع جمهورية منغوليا الشعبية، لكنها وبعد نصف ساعة هوت الطائرة وتحطمت على الأرض. وعثرت فرق الإنقاذ بين حطام الطائرة على بقايا بدلات عسكرية للقوات الجوية الصينية، ووثائق ممزقة وأسلحة وجثث متفحمة.

 

هذا ما حدث في 12 أيلول ـ سبتمبر 1971، ولكن ما ظل في طي الكتمان هو: كيف حدث ذلك ؟ وما هي مداخلات الحادث ؟

 

أهو صراع على السلطة ؟

وما لفت الأنظار في المرحلة التالية، أن وزير الدفاع لين بياو قد اختفى مع عدد من الضباط من الرتب العالية، من دائرة الأضواء، ولم تعد تذكر أسمائهم. كما أن الوكالة الرسمية للأنباء الصينية (شيخنوا)، لم تقدم إيضاحاً عن ذلك، بيد أن المراقبين الغربيين رجحوا أن صراعاً قوياً على السلطة يدور خلف الكواليس، وهو افتراض أثبت صحته فيما بعد.

وكان الصراع على السلطة قد ابتدأ قبل ذلك ببضعة أعوام، عندما أعلن ماوتسي تونغ الثورة الثقافية عام 1965 التي لم تهدف إلى تعبئة الوعي الثوري لدى الشباب فحسب، بل وفي الوقت نفسه، عبرت عن محاولة لإعادة ترتيب صفوف القيادات حيال تفشي اتجاهات ومجموعات براغماتية كانت تحيط بالزعيم ماو.

وعلى نقيض ماوتسي تونغ، طرح ليوشاوشي مبادئ: الأجر حسب العمل، والملكية الأرض المحددة للفلاحين، واستخدام جزئي لاقتصاد السوق. وفي مطلع صيف عام 1966 تمكن من حشد عدد كاف من أنصاره في الحزب من أجل تحقيق هذه التوجهات وإنجاحها، ثم لإبعاد الزعيم ماو من قيادة الحزب الشيوعي. ومن أجل أن يتمكن هذا المشروع من النجاح، اقتحمت قوات لين بياو وسيطرت على العاصمة وعلى مقر قيادة الحزب، وعزلت كبار أعوان ليو شاوشي الذي أختفى عن المسرح السياسي.

 

أيديولوجية أم أنتاج سلعي ؟

أدخلت الثورة الثقافية الصين الشعبية في أجواء فوضى الحرب الأهلية، ولم تجد نهاية لها، إلا بعد تدخل الجيش كقوة منظمة، وأخذ العسكريون على عاتقهم واجبات الإدارة، وسيطروا وأداروا المحافظات والموظفين المحليين، ومارسوا هيمنتهم على الموضوعات الأساسية، وعلى الواقع العملي الاقتصادي اعتماداً على الايدولوجيا، فيما مثلت موضوعات الثورة الثقافية الخلفية النظرية لها. وكان المعارض الرئيسي لهذه التوجهات هو رئيس الوزراء زهاو، الذي طالب بإنهاء الصراع الأيديولوجي غير المجدي، والاهتمام عوضاً عن ذلك بسياسة تهدف إلى رفع الإنتاج وإعادة الكثير من الكوادر الحزبية التي طردت خلال الثورة الثقافية إلى وظائفهم.

 

واجه لين بياو وقادة آخرين من القيادات العسكرية، هذا الانقلاب الجديد في التحرك السياسي، بمقاومة شرسة، ووجدوا أن الوقت قد حان لكي يجعلوا من الجيش القوة الحاسمة في الآيديولوجيا والسياسة. وعندما أنعقد مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في ابريل ـ نيسان /1969 كرس لين بياو كخليفة رسمي للزعيم ماو، وقد بدا هذا الهدف قد أصبح قريباً، وبعد عام ونصف فقط كان قد تمكن لين بياو من تهديد زهاو ومجموعته بزجهم في السجن.

 

حركة سياسية

ترى أي دور كان لماو في هذا الصراع من أجل السلطة ؟ ها كان حقاً يدعم لين بياو، أم أنه تحول إلى زهاو ؟ قراران أوضحا إلى جهة أنحاز الزعيم ماو.

كان القرار الحاسم الأول: كان ذو طبيعة سياسية داخلية حيث ألغى ماوتسي تونغ منصب رئيس الدولة الذي شغله منذ البدء ليوشاوشي، وكان لين بياو يأمل أن يشغل بنفسه هذا المنصب، وكان كوزيراً للدفاع أقل درجة بروتكولياً من غريمه زهاو. وبهذه الخطوة قوض ماو قرار عام 1969 إلي كان قد كرس لين بياو كخليفة له وكرجل ثان في الدولة كنتيجة لذلك.

والقرار الحاسم الثاني: كان ذو طبيعة سياسية خارجية، حيث دعا رئيس الوزراء زهاو باسم الزعيم ماو الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لزيارة الصين، فقام لين بياو على النقيض من توجه رئيس الوزراء زهاو، وطالب بالتصالح مع الاتحاد السوفيتي.

كان ذلك في متأخر صيف 1971، عندما أختفي لين بياو، وكان ذلك يدل بوضوح على تحول الزعيم ماو عن رفيق كفاحه في المسيرة الكبرى والحرب التحرير.

571 ضد B52

حتى وإن لم يكن هناك إيضاح رسمي، تسربت الأنباء والتقديرات، وأفضل تلك اللواقط هي صحف هونك وكونك التي كانت ومنذ أكتوبر 1971 كانت قد ذكرت، أن لين بياو كان في عداد ركاب الطائرة الصينية التي سقطت على أراضي جمهورية منغوليا الشعبية حيث كان يحاول الهروب إلى الاتحاد السوفيتي بعد محاولة أخفقت للانقلاب على ماوتسي تونغ. وفي عام 1973 ظهرت في الأوراق السرية للحزب الشيوعي الصيني بأنها كانت محاولة انقلاب، هكذا كتب بدقة.

سوية مع ضباط كبار، كان لين بياو وأبنه لين ليغة والذي كان ضابطاً برتبة رفيعة في القوات الجوية الصينية قد أتخذ القرار بالقيام بانقلاب على الزعيم ماو، وكانت خطة الانقلاب قد اتخذت الاسم الرمزي تمويهاً(المشروع B52) وكان الرقم والحروف qi yi zw وهو ما يعني "انتفاضة مسلحة" عندما يغير طريقة اللفظ. وكان الرمز الكودي للزعيم ماو هو أيضا  B52، وهو ما يطابق أسم الطائرة القاصفة الأمريكية الشهيرة أيضا، التي يعتبرها الصينيون المزعج الأكبر .

وكان المتآمرون يعدون ماو بوصفه " الطاغية الأكبر في تاريخ الصين " ويمضون إلى القول، أن B52 لم يبق من عمره سنوات كثيرة، والأعوام الأخيرة شهدت الأعداد لمرحلة ما بعد وفاته، وهو لا يثق بنا، ومن الأفضل أن تحمل المعارك الأخيرة أفضل من انتظار أم يزجوا بنا في السجن. ومن أجل كسب هذه المعركة الأخيرة، فإن كافة المعارك مشروعة: القصف، الغاز السام، الأسلحة البايولوجية، الخطف، القتل والحوادث ذات الإخراج الجيد، في المقام لابد من إبعاد ماو عن السلطة.

كان قد تم الإعداد والتخطيط لثلاث ضربات ضد الزعيم ماو، كان أخرها نسف القطار الذي يستقله وتفجيره في رحلته التفقدية إلى شنغهاي، والضابط الذي كلف بتنفيذ العملية، أصيب بالرعب قبل تنفيذ المهمة. بل أن الطيارون الذين اختيروا لقصف الفيلا الصيفية للزعيم ماو في شنغهاي ترددوا في ذلك ووضعوا الجبس في عيونهم ليصابوا بالتهاب في العين وبالتالي ليصبحوا في وضع لا يسمح لهم بالطيران. والمحاولة الثالثة والأخيرة جرت ليلة 12 / سبتمبر ـ أيلول، حيث كان أحد الضباط المتواجدين في مقر إقامة الزعيم ماو في بكين بواجب الساعي الخاص الذي ينقل الرسائل الخاصة للزعيم ماو، أبدى الحراس الشكوك حوله ولما جرى تفتيشه وجدت لديه الأوامر الخطية باغتيال الرئيس ماو. بعد ذلك كان قد غدا واضحاً، أن محاولة الانقلاب قد فشلت بصفة نهائية، ولم يعد أمامهم سوى الهرب.

 

خائن في العائلة ؟

في غضون ذلك سرت في صفوف القيادات الحزبية العليا أعلى درجات الإنذار، وكان من العسير التنبؤ أي وحدات عسكرية هي مع أو ضد الزعيم ماو. كما لم يكن واضحاً بدقة مدى عمق الخطط لدى الانقلابيين.

قرر رئيس الوزراء زهاو، فيما بعد، أن لا أحد في بكين كان على علم دقيق بخطط الانقلابيين. وفي 12 / سبتمبر ـ أيلول، لم تكتشف خطط المتآمرين إلا لاحقاً بعد الإطلاع على الملفات والتخطيطات التي كان المتآمرون قد أعدوها. وكان قد تناهى إلى الأسماع من الإشاعات الدائرة الزعم أن لين دودو ابنة لين بياو من زواجه الأول، كانت قد أطلعت رئيس الوزراء زهاو على خطط المتآمرين وأيضا على خطة هروب والدها في حالة فشل المؤامرة.

كان لين بياو وزوجته ياكون ونجله لين ليجو وبعض كبار القادة العسكريين، قد انسحبوا إلى بايداهي، والانتظار من هناك خطوات تنفيذ خطة المشروع 571 وتطوراته، حيث وصلتهم أخيراً أنباء فشل الانقلاب. ولاحتياطيات أمنية، كان لين بياو قد أمر بتحضير ثلاثة طائرات نفاثة من طراز ترايدنت (طائرة نقل ركاب بريطانية الصنع) التابعة لسلاح الجو الصيني، وكان رئيس الوزراء زهاو على علم بذلك، لذلك أصدر أمراً بمنع الإقلاع من كافة مطارات الصين.

ولكن لين بياو نجح في حمل موظفي ومستخدمي المطار على تعبئة الطائرة بالوقود، وفي اللحظات الأخيرة حاولت عربة وقود صهريج إعاقة الإقلاع بوقوفها في المدرج، ولكن قائد الطائرة نجح بحركة بارعة من رفع الطائرة إلى الأعلى متفادياً عربة الصهريج، والإقلاع بها باتجاه الشمال، ويرجح أن يكون هدف الرحلة: الإتحاد السوفياتي. وكان على متن الطائرة: لين بياو وزوجته وابنه وخمسة من كبار القادة العسكريين.

 

فشل الهروب

لم يكن حظ المتآمرين جيداً، فقد هوت الطائرة وتحطمت على الأرض، شرقي العاصمة المنغولية أولان باتور. والأسباب ظلت مجهولة. وبموجب المعطيات الرسمية المنغولية، أن الطيار قد أمتنع عن سلوك خط ووجهة طيران صوب الإتحاد السوفياتي، وبناء على ذلك فقد حصل أطلاق نار على متن الطائرة، هوت على أثرها وتحطمت على الأرض.

 

أراء أخرى تتناقض مع هذا العرض، إذ تفترض نقص الوقود في الطائرة لم يوصلها إلى هدفها، إذ تعمد رجال الخدمات في مطار بيدايهي عدم تعبئة الطائرة بالوقود تماماً، كما تناهت إشاعات تقول أن طائرات مقاتلة صينية أطلقت النيران على طائرة لين بياو وإصابتها مما أدى إلى سقوطها، ثم وكاحتمال أخير: أن تكون قوات الدفاع الجوي المنغولية قد قامت بإسقاط الطائرة.

ولكن من المؤكد أن لين بياو كان في عداد ركاب الطائرة ولقي حتفه فيها عندما تحطمت، وقد تمكن الأطباء السوفيات الذين فحصوا الجثث، أن يتثبتوا من ذلك، والتأكد من جثته وتشخيصه بدقة. وأخيراً فإن كافة الجثث لم تعاد إلى الصين، بل دفنت في مكان سقوط الطائرة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

Wie geschah es Wirklich

Reader Digest  /  The Beste

 

1990 Stuttgart

 

 

 

 

لقاءات مع ثلاثة

 قادة في الجيش العراقي

 

د.  ضرغام الدباغ

 

 

العميد الركن هاشم عبد الجبار

اللواء الركن سيد حميد سيد حسين الحصونة

اللواء الركن إسماعيل العارف


التقيت هذه الشخصيات العراقية المعروفة، وبعض وكان تعرفي عليهم بشكل شخصي وتكونت بيني وبينهم صداقة قوامها الثقة والاحترام، ومن خلالها تحدثوا لي بما لا يتحدثون به ربما مع الآخرين، وقد احتفظت لسنوات كثيرة ما أباحوا به لي من قبيل الحفاظ على أسرار الأصدقاء، ولكني اليوم وأنا أشعر بأن النهاية لم تعد بعيدة، وإن ما أدلى به هؤلاء القادة هي من حق التاريخ العراقي، وهم قادة لهم بصماتهم في تاريخ العراق السياسي والعسكري. وقد تسلسلت في استعراض الأحداث بحسب تعرفي عليها وليس بسبب القدم العسكري الذي أحترمه وأقدره، ولكني هنا في مجال سرد للأحداث التاريخية.


* العميد الركن هاشم عبد الجبار :

 

اشتغلت لفترة وجيزة إلى جانب عملي الأساسي كمستشار في سفارة الجمهورية العراقية في برلين / جهورية ألمانيا الديمقراطية، كقنصل بسبب الشواغر في الملاك، ومن بين مهام القنصل هي إصدار وتمديد جوازات سفر المواطنين العراقيين، ولم يكونوا في تلك الأيام بأعداد هائلة كما هي عليه اليوم، وحتى مع إضافة برلين الغربية التابع لألمانيا الغربية، إلا أننا كنا تسهيلاُ لأمور المواطنين نتعامل معها في سفارتنا، لم تكن الأعداد كبيرة، ربما بضعة مئات فقط.


ذات يوم دخلت علي سكرتيرتي الألمانية (النصف الثاني من 1975)، تخبرني أن مواطناً عراقياً يريد تجديد جواز سفره، وأعطتني الاستمارات، ولما قرأت الأسم وإذا به : هاشم عبد الجبار. فطلبت منها أن يتفضل إلى مكتبي ريثما ننجز جواز سفره احتراماً وتقديراً له. وعندما دخل على الرجل وهو متوجس بعض الشيئ، نهضت من كرسي تقديراً وصافحته ورحبت به. وطلبت له فنجاناً من القهوة.


وفي فترة إعداد الجواز علمت أنه يسكن في مدينة بوتسدام القريبة من برلين (40 ـ 45 كم) أعزب وغير متزوج. وبعد دقائق أرتاح من طريقة تعاملي معه، وأنا أظهر له الاحترام، فهو على كل حال أحد قائد إحدى القطعات الهامة في جيشنا العراقي (آمر اللواء العشرين مشاة) بصرف النظر عن الأحداث السياسية التي رافقت أسمه وتاريخه العسكري. فتلك أحداث مضت والرجل في شيخوخته، وهو إنسان وطني ومعاد للأستعمار، ومحب لوطنه العراق وهذه أهم الاعتبارات.


عندما شعر بالراحة التامة صار يحدثني عن تاريخه العسكري، وإنه يعرف معظم القادة العسكريين العراقيين وخاصة الذي عملوا في خلايا الضباط الأحرار، ولم يظهر عاطفة خاصة تجاه عبد الكريم قاسم،  وملاحظاته عنه لم تكن إيجابية، ولكنها ليست سلبية، اكتفى بالمرور السريع، وهي إشارة إلى عدم رضاه التام. ولكنه أبدى ملاحظات سلبية جداً بحق الرئيس المشير الركن عبد السلام محمد عارف، ومن ذلك سباب وشتائم بألفاظ مقذعة.  


وعندما أنهينا الجواز سلمناه له بكل احترام، ورجوته أن يزورني كلما تردد إلى برلين، وقد فعل ذلك بعد فترة وجيزة، إذ قام بزيارتي للمرة الثانية، وقمت تجاهه بكل الاحترام الذي يستحقه، إلا أني لاحظت بأنه كان متعباً(صحياً) وأبديت استعدادي لأي خدمة يطلبها، من السفارة أو مني شخصياً.


وبعد فترة قصيرة، ربما لم تتعدى بضعة شهور، جاءت سكرتيرتي لتخبرني أن هناك سيدة ألمانية تطلب مقابلتي، وهي صديقة العميد الركن هاشم عبد الجبار وكان قد توفي قبل أيام قليلة فحسب. وعندما دخلت على السيدة الألمانية لاحظت أنها تبلغ حوالي الستين من العمر، والحزن يكسو موقفها وملامحها وثيابها، واستقبلتها بود واحترام، وطلبت لها الضيافة من القهوة. وعرفتني بنفسها أنها صديقة المرحوم هاشم عبد الجبار، وأنه كان يسكن في بيتها، وأنها رغم معرفتها بحالته الصحية السيئة، فوجئت بوفاته، إذ فارق الحياة وهو في ترامواي المدينة. وقالت لي أنه كان ممتناً جداً من تعاملي معه كمسؤول في السفارة أو بشكل شخصي، وطلب منها أن تراجعني في حال حاجتها لشيئ، فأكدت لها ذلك.


وهنا أخرجت بعض النقود(قليلة)، من العملات الألمانية والعملة الصعبة، وقالت أنها كانت بحوزته وهي تريد إعادتها، فقلت لها أن بوسعها الاحتفاظ بها، ولكنها رفضت بصورة قاطعة، ولكنها، (ولن أنسى ذلك أبداً من الناحية الإنسانية) نظرت إلى بعيون يترقرق الدمع فيها: ولكني يا سيدي المستشار أريد منك شيئاً واحداً فقط، وإذا رفضت ذلك فإني سوف أتفهمه بدقة، أن هاشماً كان قائداً في جيشكم وليس ملكي أنا، فأيدت قولها نعم أن هاشم عبد الجبار كان أحد قادة جيشنا الوطني، وأنا أحترمه وأقدره كثيراً، أخرجت صورة من حقيبة يدها، وإذا بها صورة للعميد الركن هاشم عبد الجبار قد ألتقطها ربما في ستوديو بابل بقيافته العسكرية الأنيقة التامة ويضع أوسمته على صدره ويعتمر السدارة العسكرية، قالت لي ودموعها تجري على وجهها، " أتسمح لي بالأحتفاظ بهذه الصورة ..؟ إنها الشيئ الوحيد الذي بقي لي من هاشم " ..


وأمام هذا الوفاء الرائع لم يكن لي سوى أن أوافق على طلبها، وأكدت عليها أن تراجعني إن كانت بحاجة إلى شيئ، إلا أن السيدة غادرت بأحترام وشيعتها إلى باب السفارة تقديراً لوفاءها لضابط عراقي هو أحد قادة جيشنا الوطني.


* اللواء الركن سيد حميد سيد حسين الحصونة.

 

أثناء خدمتي في السلك الدبلوماسي، وفي سفارة الجمهورية العراقية ببرلين / ألمانيا الديمقراطية كمستشار في السفارة، تصادف وجود الأخ والصديق والرفيق العزيز المرحوم عبد الله غركان الحصونة كمدير لمكتب الخطوط الجوية العراقية في برلين.


وأخي عبدالله كان من ضباط الجيش العراقي أحيل لأسباب سياسية للعمل في وظائف مدنية في الخطوط الجوية العراقية في أستامبول وبرلين. وهو أبن عم اللواء الركن سيد حميد سيد حسين، وصهره(زوجة الأخ عبدالله هي كريمة السيد حميد الحصونة)، وعندما كان السيد حميد يريد الحضور إلى برلين كان الأخ عبدالله يطلب مني أن أرتب دعوة من السفارة للسيد حميد وهو ما كنت أفعله بسرور.


والحق أن السيد حميد الحصونة وبعد أن تعرفت عليه بصورة جيدة، وجدت في الإنسان الفاضل المثقف، المخلص للعراق، ويتمتع بلطف معشر، يجد القدرة على التلائم معنا وكنا نصغره سناً بكثير(ربما بثلاثين عاماً) ويقرأ باللغة الإنكليزية ولديه أفكار تستحق الاستماع. وبعد تلك المعرفة التي تحولت إلى صداقة بحيث زارني في برلين حتى بعد نقل الأخ عبد الله إلى بغداد، وبالضبط تابعنا معاً بأسف هو وأنا ومن تلفاز بيتي ببرلين، نقل وقائع زيارة الرئيس أنور السادات إلى الكيان الصهيوني. تلك الأجواء الصداقية وفرت إمكانية أن أتقدم إليه بسؤال وأنا كنت قد أنهيت الماجستير في التاريخ  السياسي المعاصر، فسألته أن يروي لي بالضبط ما يقال عن أوامر الزعيم عبد الكريم قاسم لأحتلال الكويت وعن امتناعه أو تلكؤه من تنفيذ الأمر، وأخبرته إن شاء أن لا أكتب ذلك يوماً في كتاب أو مذكرات وما شابه، وإن شاء أن ننسى الموضوع. فقل لي بالعكس أنه يقدر كوني مؤرخ سياسي شاب وأنه يثق بنزاهتي بصورة تامة وأنه من هذا المنطلق سيروي لي قصة اوامر الزعيم عبد الكريم قاسم بأحتلال الكويت.


وابتداء لم يخفي محبته واحترامه للفريق الركن عبد الكريم قاسم(وتلك رتبة الزعيم يوم مصرعه)، لجهتين: احترام الرتبة الأدنى للرتبة الأعلى، ثم العلاقة الشخصية التي كانت تربطهما. وروى لي بعض من ذكرياتهما الشخصية البحتة التي تدل على صداقة بين الرجلين. وأن الزعيم كضابط قائد كفوء لا يجادل أحد في ذلك، وكصديق شخص رائع ووفي . ولما قلت له : وفي السياسة. أجابني: أنا لا أفهم فيها ولا أستطيع أن أقدر، قالها مبتسماً وكأنه يريد التخلص من إجابة لا يريدها إخلاصاً لذكرى الزعيم وهذا ما أكبرته فيه.

 

وعن الأمر المزعوم الذي أصده الزعيم بأحتلال الكويت أجاب : ثق يا أخي، وأقسم لك أن الزعيم لم يصدر مثل هذا الأمر، ولو أنه أصدره كيف لي وأنا العسكري منذ أول صباي أن أتمرد عليه ولا أنفذه، وكيف يقبل مني الزعيم هذا التمرد ولا يحاسبني عليه وهو القائد الفذ للقوات المسلحة. بل وبعد أن أنهيت خدمتي كقائد للفرقة الثالثة، نقلني إلى منصب محافظ ديالى، وأستمر على تقديره ومحبته لي.


سيد حميد الحصونة كان يعيش في القاهرة، وقد تعرض لحادث على أيدي موظفين طائشين، ولكنه وكما أخبرني أنه أرسل رسالة إلى الرئيس أحمد حسن البكر يشكو فيه ضيق الحال ويرجوه بصرف راتبه التقاعدي، فأمر الرئيس البكر بذلك وصرفت له رواتبه وهو في القاهرة.

 

السيد حميد كان يتمتع بصحة جيدة، ويسير مسافات طويلة، ويقرأ كثيراً، ودقيق الملاحظة صافي الذهن، وعندما بلغنا وفاته في لندن وهو في رحلة شخصية لزيارة ولده الطبيب الذي يدرس هناك، كان الأمر مثار دهشتنا وهو قضاء الله وما تدري نفس ماذا كسبت وما تدري نفس بأي أرض تموت. استقبلنا جثمان اللواء الركن سيد حميد سيد حسين الحصونة، من مطار بغداد الدولي بتشيع عسكري مهيب شارك فيه الكثير من رفاق السلاح وفي مقدمتهم الشخصية الوطنية الكبيرة اللواء الركن ناجي طالب(الوزير ورئيس الوزراء) إلى مثواه الأخير في النجف الأشرف. فعلى روحه الطاهرة الطيبة ألف سلام. 


* اللواء الركن إسماعيل العارف.

 

تعرفت على اللواء الركن إسماعيل العارف (الوزير والسفير، والدكتور فيما بعد) تعرفت عليه في ألمانيا وكنت دبلوماسياً مجازاً لدراسة الدكتوراه في العلوم السياسية عام 1982 والرجل قائد عسكري كان منذ مطلع حياته مهتماً بالعمل الوطني ويفكر بمستقبل بلاده، ثم أنه شغل مناصب مهمة في الجيش منها منصب الملحق العسكري في واشنطن، ووزير التربية في مطلع الستينات، ثم سفير للجمهورية العراقية في براغ، وفيها أكمل دراسة الدكتوراه، وأحيل على التقاعد وسكن في الولايات المتحدة قرب أولاده الذين درسوا هناك واستقروا فيها.

 

والرجل على ثراء تجربته الشخصية والسياسية في الحياة، يحاذر من إقامة العلاقات، ولكن بمرور الوقت وبعد لقاءات كثيرة، تحولت علاقتنا إلى صداقة كنا نتجاذب أطراف الحديث في موضوعات شتى، وبالطبع منها ذكرياته عن منظمة الضباط الأحرار. وإذا كان العارف قد ذكر الكثير مما يعرفه في كتاب له بهذا الخصوص، إلا أن هناك ما يستحق أن يسجل من مذكراته، لا سيما أنه كان يعتبر من بين أصدقاء الزعيم عبد الكريم قاسم المقربين.


أخبرني أنه كان قد تعرف على الزعيم عبد الكريم قاسم منذ فترة طويلة سابقة ل 14 / تموز / 1958 وما شد علاقتهما بربط قوي هو تقاربهما في الأفكار الوطنية، كما في العلاقات الشخصية، وسألته فيما إذا كان قاسماً ذا أريحية في العلاقة الشخصية، فأبدى عظيم شوقه لصديقه القديم، مترحماً على روحه وكان يسميه كرومي قائلاً : " من ...؟ كرومي ...؟ وهل تحلى جلسة ليس فيها كرومي الورد ...؟ " وتأخذه صفنة طويلة وكأنه ينظر إلى الأفق تكسو ملامحه حزن عميق ... أستطاع وإن ليس بسهولة، الإعراب عنها وتصويرها وأنا أحترم فيها عمق التجربة والمشاعر، وأساعده لنضع ملامح الصورة  ... نعم حزين على الماضي وما حصل، وكأنه ينظر للمستقبل ويقول ما نهاية هذه الصراعات بين العراقيين وهم أخوة في الدين والوطن والقومية ...؟ ولمصلحة من تدور هذه الصراعات ..؟


كان يستطيع أن يكون موضوعياً وعلمياً، ولعل دراسته للدكتوراه أعانته في ذلك، أن يعيد تقيم كل شيئ، منذ العمل في منظمة الضباط الاحرار والانقلاب على الملكية، ومرحلة الزعيم عبد الكريم قاسم، وهي مراحل كان هو فيها نافذ الرأي والموقف، والتجربة والزمن كفيلة بإجراء تعديلات على ما كنا نظنه ثابتاً ومستقراً كالأرض والجبال الرواسي، ليس هناك من الثوابت في السياسة سوى العراق والأمة والمصالح الدائمة وسوى ذلك زائل يتكرر ويتغير كل بضعة عقود.


روى لي أن ما حدث في الموصل كانت نقطة مفصلية، وإعدام الضباط القادة كانت الغلطة الأكبر التي ارتكبها قاسم، أرتكب تلك الغلطة تحت ضغط من عناصر كانت تحوم حوله، فالجميع يدرك أنها كانت أحكام مسيسة، لم يقبل بها حتى إثنان من أعضاء المحكمة ممن تخلصوا من الضغوط العقيد فتاح سعيد الشالي، والرائد إبراهيم عباس اللامي، وكان الوزير العارف في سفرة عمل خارج العراق، ويقول كنت الاحظ من بعض حاشية الزعيم التحريض على إعدامهم، لذلك وقبيل سفري بيوم واحد جلبت المصحف وجعلت قاسماً يقسم عليه أنه سوف لن يعدم الضباط القادة، وأكد لي بأنه سوف لن يفعل، وسافر العارف وعند عودته إلى العراق عن طريق بيروت التي أضطر للمبيت فيها ليلة واحدة ليأخذ الطائرة العراقية، وقبل مغادرتهم بيروت بوقت قصير أخبره مرافقه أن الإعدام قد نفذ بالقادة، وتوجه العارف من المطار إلى مقر الزعيم فور وصوله بغداد، والمظاهرات تعم العراق، ويقول، سألته بربك لماذا فعلت ذلك ... ألا تعرف ما هي قيمة رفعت الحاج سري وناظم الطبقجلي ..؟ ألا يكفي أن العشرات من الضباط الوطنيين إعدموا وقتلوا وسحلوا .. 


يستطرد العارف، أن الزعيم كان يقابله بالصمت مطأطأ الرأس وكأنه يدرك فداحة الخطأ الذي أرتكبه، ولكن لات ساعة مندم ... وبرأي العارف فإن الزعيم قد أرتكب غلطة العمر ... 


بقول العارف أدركت ومعي الكثيرون أن قاسماً قطع الجسر بينه وبين الضباط الأحرار وسلك طريقاً آخر بأختياره أو مرغماً وأنه رسم نهايته بيده، ومنذ ذاك طبعت الكثير من التصرفات وفقد النظام هويته، وصار حكماً فردياً محضاً لا غير. عبد الكريم فاسم يصلح أن يكون قائداً عسكرياً من طراز رفيع، وهو صديق شخصي رائع، يخدم ضيوفه بيده، ولكن الحكم سلب عقله، وهو الزعيم الأوحد يحكم كل هذا العراق من شماله إلى جنوبه كما يمليه عليه ضميره وسعة مداركه العقلية فقط، وهو غير مؤهل قطعاً لأن يحكم دولة ويحدث التحولات المطلوبة. وحتى رفاق الثورة بدأوا يستشعرون فداحة أن يكون العراق بخير ومستقبله واضح وزاهر بهذا الأسلوب ...


توفي إسماعيل العارف في الولايات المتحدة تغمده الله بوافر رحمته، ورحم الله كل قائد عراقي مخلص عمل وكان قصده خير العراق وأزدهاره، بلا تعصب بلا تشدد، ولنأخذ العبرة من تلك الأحداث كلها، فوطننا اليوم محتل، والسيادة فيه مهلهلة، والبلاد يعبث بها من يشاء مسلوبة منهوبة وقد فقدت استقلالها الذي شيد  بالغالي والنفيس، ولا حول ولا قوة إلا بالله

 

 

 

 

 

يوليوس فوجيك

 ضرغام الدباغ

 

يوليوس فوجيك مناضل تشيكي، أعتقل وحوكم محاكمة صورية على يد المحتلين النازيين لبلاده، وحكم عليه بالموت بواسطة قطع الرأس بالفأس، وهي طريقة إعدام كانت تنفذ في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وربما دولاً أوربية أخرى، وفوجيك الذي ولد في 13 / 2 / 1903، واغتيل بهذه الطريقة بتاريخ 8/ 9/ 1943 في إحدى سجون برلين، أي كان له من العمر 40 سنة ونصف(ستة شهور)، ويوم مقتله لم أكن قد ولدت بعد، ترى هل كان فوجيك يعلم، أن مذكراته سوف تترجم إلى اللغة العربية، على يد عراقي. حقا الأبطال لا يموتون، فذكراهم تبقى خالدة في سفر الشعوب...!

 

 

إهداء

إلى المناضلين في بلادنا وفي الوطن العربي والعالم

إلى من يقدم روحه رخيصة من أجل المبادئ

إلى الشهداء من أجل الحرية

تحية ووفاء إلى بعض من رفاقنا، أصدقائنا، رموز جيلنا:  سليمة خضير الصريفاوي، مؤيد الملاح، عبد الصاحب الرماحي، أحمد العزاوي، صبحي محمد داؤد، عبد الكريم مصطفى نصرت، عبد الودود عبد الجبار، سليم عيسى الزئبق، وليد محمود سيرت، طراد نصر الله، ثجيل جديح الشحماني، شوكت أدهام الحديثي، وريحان خزعل (أبو لؤي)، سكران، خالد، وداد، معن وهيب، محمد عبد الطائي، عزيز حميد السامرائي، عبد الحسين عبد الأمير، مجدي جهاد ...وغيرهم مئات واليوم ألوف، قوافل تضخ للوطن الحبيب دمائها ...

إلى هؤلاء جميعاً ... لن ننساكم أبدا   

                       

ضرغام

مقولات يوليوس فوجيك

 

ــ إن منظر الإنسان وضميره عندما لم يعد نقياً، هو مفزع أكثر من رؤية جسد يتألم من العذاب

ــ أيها الضعيف المنهار، كأن هناك حياة أخرى تعيشها إن استطعت أن تبيع حياة أحد الرفاق ..!

ــ كنت أتوقع وأنتظر الموت، ولكن ليس الخيانة

ــ نعم هذا كان رجلاً عندما كان لديه عمود فقري

ــ هو لم يتجنب الرصاص عندما كان يناضل في الجبهة الأسبانية، ولم يخن عندما عاش تجربة الاعتقال في فرنسا، ولكنه يقف الآن ممتقع الوجه أمام أحد رجال الجستابو الذي يمسك بيده هراوة، يحاول أن يتماسك، ولكن كم كانت شجاعته سطحية، بحيث ضربات معدودة فقط أدت به إلى الانهيار، سطحياً مثل قناعته، كان قوياً في الحال الاعتيادي، عندما يكون محاطاً بالتعاطف، كان قوياً لأن قناعاته كانت تحركه، ولكنه الآن معزول عنها، وحيد، يهاجمه الأعداء، ترى هل فقد قواه نهائياً، لقد فقد كل شيء لأنه ابتدأ يفكر بنفسه، وأن ينقذ جلده، لذلك ضحى برفاقه، لقد سقط في الخوف، والجبن قاده إلى الخيانة، إن الجبان قد يفقد أكثر من حياته، لقد ضاع، فر من جيش المجد، وألحق بنفسه عار الخيانة والقذارة.

ــ الزنزانات لها عيون، إنها تنظر إليك عندما تمضي إلى الإعدام، وأنت تعلم أن عليك أن تمضي رافعاً هامتك لأنك مناضل ولا يجوز أن تمضي بأقدام متثاقلة مترددة، إنها أخوية دموية، ولكنك تدخلها طواعية، وبدون المساعدة الأخوية، فسوف لن يكون بوسعك تحمل هذا المصير.

ــ المخلص سيبقى صامداً، والخائن سيخون، الضعفاء سيصابون بالحيرة، والأبطال يناضلون. في داخل الإنسان تستقر غالباً عوامل القوة والضعف، الشجاعة، الخوف، التماسك، الاهتزاز، النقاء، القذارة، وإلى جانب بعضهم البعض، ولكن هنا، لا يمكن إلا لأحدهم البقاء، أو عندما يحاول أمريء، ويا للعجب، أن يرقص بينهما، فإنه سيكون عجيباً، كالذي يريد أن يرقص بريشة صفراء على قبعته، وبيده عصا ملونة في مسيرة جنائزية.

ــ وبتقديري أنهم قتلة، قتلة ذوو طبيعة بشرية، يتكلمون التشيكية وبأيديهم الهراوة والحديد

ــ كل من عاش بإخلاص للمستقبل وسقط من أجل الأشياء الجميلة ومن أجلكم، هو عملاق قدَ من الصخر، كل من أراد أن يبني من تراب الماضي سداً ضد طوفان الثورة، إنما هو مخلوق مصنوع من خشب

ــ بوسعكم أن تنتزعوا منا الحياة، أليس كذلك جوستي(زوجته ورفيقته في النضال) ..؟ ولكن ليس شرفنا وحبنا ...!

ــ الرفاق الذين سيبقون أحياء بعد هذه المعركة، والذين سيأتون إلينا، إنني اشد على أياديهم من لأجلي وجوستي، فإننا قد نفذنا الواجب. ومن أجلكم سوف نموت

ــ " أيها المار من هنا .... عندما تذهب إلى اسبرطة، أعلن هناك: أنك رأيتنا راقدين هنا ... كما يأمرنا به القانون ......."  (*)

ــ وما هي الحياة بالمقارنة مع مجد البطولة ...!!

ــ حياة الأفراد غير مهم بعد تمت مصادرة بلد بأكمله وحياة شعبه.

ــ " إن هذا سوف لن يفيدكم بشيئ، سيسقط الكثيرون منا، ولكنه سوف يقضى عليكم ".

ــ المجد ينادي الدماء بنشوة، والوحشية تقدم لها الجماجم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(*) كلمات خالدة لأبطال ملحمة أسبرطة، مدونة اليوم محفورة على صخور المرمر

 

لمحة من صورة الموقف

ضرغام الدباغ

 

من المفاهيم المهمة التي أفرزتها القضية الأوكرانية، والتي ربما لم ينتبه لها الكثيرون، سهواً من القراء أو تعمداً من الكتاب من رجال الإعلام  والصحافة.

أصنفها " القضية الأوكرانية "، لأنها لم ترتقي بعد للدرجة التي تريدها الولايات المتحدة، التي تؤهل تدخلها المباشر الذي ما برح يتطور ويتقدم من الدعم اللفظي، إلى درجة التدخل المباشر بقواته المسلحة وقوات حلفاءها، فالولايات المتحدة قد خططت لحرب طويلة الأمد ذات طابع لتدرج في الصراع بما لا يشكل مفاجئة في تطوره من حيث زج السلاح أو أتساع دائرة الصراع السياسي / العسكري، فقدرت 10 شهور لترسل صواريخ باتريوت (وهو أعلى ما وصلته تكنولوجيا السلاح المضاد للطائرات) وتزجها في الصراع العسكري، في اتساع لحجم التدمير والخسائر البشرية والاقتصادية، وهو أمر لابد وقد أدركته القيادة الروسية واستعدت له.

المخطط الأمريكي يهدف إلى إرهاق روسيا بحرب طويلة اعتماداً على موارد اقتصادية وقدرات لا تنضب(مبالغ بها) ، وهيمنة أمريكية على الاقتصاد الدولي(قطاع الطاقة في المقدمة) وتماسك حلف الناتو، والمعسكر الغربي بصفة عامة وهي توقعات متفائلة.                

فيما يتوقع الروس أن الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي ما برح بالتراجع حتى قبل اندلاع القضية الأوكرانية، سيواصل تراجعه بخطى أسرع، وأن دعم حلفاء أمريكا من المعسكر الغربي (بدرجات متفاوتة) سيتراجع دعمهم وصولاً لدرجة شكلية من الدعم، كما الداخل الأمريكي سيضجر من معطيات الحرب وحجم تصاعده وتكاليفه، كما يتقلص الوضع الأوكراني نفسه، وتتراجع قدرات القوى الأوكرانية الساعية للقتال.

تعتقد الولايات المتحدة أن انتصارها في أوكرانيا سيوقف تدهور مكانتها، بل وربما سيصعد من أسهمها. ويعزز من هيمنتها العالمية، وروسيا تعتقد أن صياغة أسس دولة أوكرانية من تجمع نازي، وقوى أوكرانية متعصبة، وأخرى لا يمكن اعتبارها حتى ديمقراطية وفق الإيقاع الغربي، فهذه لا تهم الولايات المتحدة كثيراً فما يهمها هو صياغة أسس دولة معادية لروسيا بشراسة، والإتيان بحكومة مثيرة للمشاكل (troublemaker) والهدف هو إيقاف تقدم وتطور روسيا الاقتصادي والتكنولوجي بنتيجة نهائية أن لا تكون هناك دولة أو دول بوسعها أن تقف بوجه هيمنة الولايات المتحدة والحيلولة دون نهوض تحالف دولى تقوده الصين وروسيا.

القوى الكبرى قد حسمت أمرها وتنضوي في تحالفات بهذه الدرجة من القوة أو تلك، وأخرى تفكر بالأمر وهي غاطسة في مشاكلها السياسية والاقتصادية، وإذا كانت روسيا والصين تقف بالكاد وبشق الأنفس بوجه الولايات المتحدة، فماذا تفعل الدول الأقل قوة وبأساً والصغيرة  ...؟

فهناك من قيادات الدول من يعتقد أن ليس سوى تحالفات وائتلافات تحمي وجود أي شعب وكياناته وممتلكاته من الطغيان الغربي، فالاجتياح وليس بضرورة توفر الغطاء القانوني الذي يمنح الشرعية الدولية لأي عمل هجومي على دول ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، وهناك سابقة غزو وتدمير العراق في عدوان واضح وصريح . هناك من الدول من هو سقف طموحاته واطئ، يخطط أن لا يقع في مواضع النزاع والصراعات، ولكن هناك دولاً تعتقد أن لها أسس لوجودها، وتريد صيانة حقوق ومصالح شعبها، ولكن أمام حقيقة أن الولايات المتحدة يمكنها اجتياح أي دولة حتى لمجرد تعكر مزاجها، وتهاجم دولاً صغيرة أو كبيرة، حتى لذرائع وهمية ويمكنها أن تجد آخرين وأن تظهر الاحتقار للقانون الدولي، وتستخدم هي بنفسها أسلحة محرمة دولياً ضد سكان مدنيين (كما فعلت في العراق)، فكيف ستحمي هذه الدول استقلالها ومصالحها ...!

دون أدنى ريب أن سياسة التوسع الأمريكية تتخذ أساليب خطرة باعتمادها المتزايد للقوة المسلحة، واستخدام متزايد لأسلحة خطيرة فتاكة، وأن هذه السياسة ستقود إلى تصعيد في التسليح، فماذا ستفعل بلدان صغيرة، ودون شك وبدون عناء كبير نتوصل إلى :

تصاعد التسلح بصفة عامة في العالم.

الجنوح إلى سياسة التحالفات العسكرية .

الميل إلى امتلاك أسلحة دمار شامل (نووي، بايولوجي، كيمياوي).

الميل إلى إنتاج أسلحة فعالة : صواريخ بالستية، طائرت مسرة ذاتياً (درونات).

قيادة أي دولة في العالم ستجتمع وتفكر فعليها الإجابة على سؤال مصيري : مالعمل للحفاظ على الاستقلال الوطني وضمان حماية المصالح الوطنية ؟

إما الاستسلام النزوات الأمريكية في كل شيئ ومجال صغيراً كان أم كبير، فقد حدث مرة أن أتصل رئيس جمهورية الولايات المتحدة برئيس جمهورية الفلبين وطلب منه رفع الحضر على سراويل الجنز في الفلبين ! وأن طلب الرئيس الأمريكي جون كندي، هاتفياً حاكم كندا، بناية معينة كمكتب لشرطة طيران بان أميركان في مدينة مونتريال !!!

مالعمل ... فالخيارات المطروحة حادة، وغير مستحسنة، ولكن بالمقابل أن تترك البلدان مصائر شعوبها للشهية الأمريكية فهذه قصة لا نهاية لها، ويلتهم الديناصور الأمريكي كل شيئ ولن يبقي سوى الفتات للشعوب، وحتى هذه الفتات سوف تلتهمها أقلية من أبناء البلاد ستكون بمثابة غيلان صغيرة تعمل كخدم للمصالح الأمريكية. وتدير المصالح الأمريكية سفارات هي أشبه بإدارة المستعمرات سوف يقررون حتى تعيين مخاتير القرى، أما الحكومات الوطنية فيأتون بأشخاص هم عبارة عن كركوزات ودمى لا تملك من أمرها شيئاً ولا تملك أي مستوى ....... هذا هو المطلوب وهذا لم يعد من الأسرار فهم يعلنون صراحة، أن العولمة (Globallisierung)  كنظام دولي جديد لا يعني سوى أن العالم عبارة عن قرية صغيرة ونحن قادته ....!

إنها مرحلة ينبغي أن يتنطح لها قادة محنكون أكفاء ......واتحاد القوى العالمية بوجه الاستعمار بألوانه الجديدة .... واتحاد القوى الشعبية في البلدان وعدم السماح لقوى العولمة بالتغلغل  في المجتمعات واتخاذها مسميات وشعارات مختلفة بعضها تنضح خزيا وعاراً مكشوفاً .... كالإبراهيمية والتجديد، واتخاذ براقع دينية وطائفية....

حذار ... حذار .... فالعولمة هي استعمار بأساليب جديدة وإمبريالية جديدة أهدافها أكثر عمقاً وبنهايات أتعس... حذار فقد تمكنوا بما يمتلكونه من قدرات مالية من شراء بعض النفوس الحقيرة وبعضها قيادات انهارت أمام إغراء المال والنفوذ فأرتضت أن تخون شعبها ... أيها الأحرار أتحدوا

 

البروليتاريا الرثة

Lumpenproletariat

 

ضرغام الدباغ

  

هو مصطلح أطلقه كارل ماركس، في وصف تلك الفئة التي هي دون مرتبة الطبقة العاملة ولا تمتلك مواصفاتها الطبقية وطبيعتها التكوينية ولا وعيها الاجتماعي، وبالتالي لا يرتجى منهم موقفا ثوريا في نضال الطبقة العاملة الثورية،بل قد تمثل في بعض الأحيان عائقا في مجرى النضال الطبقي، لأنها فئة لا تملك وعيا طبقياً ولذلك فقد تقع فريسة بيد الرجعية.

 وقد تتمثل البروليتاريا الرثة في الفئات الاجتماعية المنحلة في قاع المجتمع، ويشكل الفلاحون، النازحون للمدن، بأمل أن يجدوا شروطاً معيشية أفضل جزءا مهماً منهم، وحين يخيب ظنهم وأملهم، يتحولون إلى مجاميع من السراق، والأشقياء، والرعاع (Mobs)، وحين لا ينصفهم المجتمع، ولا يعتني بهم، يلجأون إلى أساليب غير شرعية. كالسرقة والدعارة والمقامرة، والتهريب وأعمال الشقاوات، وقد يشكلون في المدن مجاميع لها سطوة، ولكن دون قيمة اجتماعية. كتل بشرية تحاول أن تحصل على قوتها بأي وسيلة، لتواصل حياتها بأتباع أساليب غير قانونية، لأن القانون والنظام لا يحقق لهم أفقاً لحياة كريمة.

 وفي تشخيص الموقف الاجتماعي للبروليتير الرث، قد يعتبر بعض الكتاب أنه ذلك الفرد الذي لا يمتلك دخلا " كراتب شهري " وقد يذهب البعض إلى أعتبار العمال المياومين (فئة من العمال الموسميين، المرتبط بعمل زراعي محدد، كجني الفواكه أو المحاصيل، أو أي عمل وقتي)، ويتسع مفهوم البروليتاريا الرثة كثيراً ، وقد يقبل تعريف لينين لهم بقوله" هي فئة لا يمكن اعتبارها على الطبقة العاملة، كما لا يمكن أعتبارها من فئات المعدمون والسراق " (1)

 ومبكرا تنبأ لينين أن تطور الرأسمالية سوف تطرح نماذج أكثر . وتتميز البروليتاريا الرثة بحكم ابتعادها عن  (الطبقي/ السياسي) عن الطبقة العاملة ونضالها الطبقي، لأن تكون قوة محتملة بيد البورجوازية وأدواتها، وقد يصطف لجانبها مقابل قوته اليومي فيعمل ضد الطبقة العاملة الحقيقية.

 وبمقاربة مشابه عن كارل ماركس يعتبر البروليتاريا الرثة " أنها فئة تقع خارج علاقات الانتاج الرئيسية، فهي من جهو لا تملك أدوات الإنتاج، ولا هي في موضع بيع قوة عملها ". والحقيقة أن وضع البروليتاريا الرثة، المؤثر أحيانا، يرغم على حساب وزنها الاجتماعي والسياسي. والتطورات التي تتمثل بزج متواصل للتكنولوجيا ومعطياته، تدفع إلى البطالة بأعداد متزايدة من العمال في المدن، وبتأثيرات مقاربة في المدن الصغيرة والأرياف، وهذه لها تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

 ومن النتائج المباشرة للإقحام المتزايد للتكنولوجيا في الصناعة، أنها تقذف بأعداد متزايدة من البشر إلى البطالة، والبطالة الدائمة، تخلق، بما في ذلك فئات بدأت تبرز في المجتمعات الرأسمالية حتى المقدمة منها، كالمشردين (من هم بلا مأوى) والبطالة المقنعة، وأشباه البطالة، كالعمال الذين يعملون بأجرة يومية وحسب القطعة(الدين يوصلون وجبات الطعام " Delivery " )، أو البوابين والخدم، وفئة تعمل كحماية شخصية (Bodyguard)، وهذه مهن مؤقتة، لا يتمتع القائمون بها بأي كفاءة علمية ومهنية.

 العمل في ظل التطور التكنولوجي، له مؤثراته الاجتماعية والنفسية، وليس بمستغرب الانتشار الواسع للمدمنين على تناول الكحول والمخدرات .. وهذا سيقود بالضرورة إلى اختلال التوازن الأسري، وتزايد نسب الطلاق، والعزوف عن الزواج والإنجاب، مما قاد إلى تراجع الولادات وتراجع التنمية السكانية. وأعداد السكان، واضطرار  الإدارات إلى اللجوء إلى الهجرة المنظمة أو العشوائية لسد الفجوات السكانية.

 والهيكيلية الاجتماعية اليوم في الدول الصناعية، قد تغيرت، وفي بعض الاحيان بدرجة مهمة، عما كانت عليه قبل ثمانون عاماً أو أكثر، فالحدود بين الطبقات لم تعد حادة كما كانت، على الرغم من أن تمركز رأس المال يتكاثف بأيدي أعداد قلية من البشر، أو الأسر. وبرغم ذلك، فإن من يمكن تسميتهم بالبروليتاريا الرثة ليسوا بحدود ومواصفات محددة.

 ويتجه بعض علماء الاجتماع إلى تسمية أمثال هؤلاء من البروليتاريا الرثة، بالفئات  الطفيلية "  " Parasitic   " وهي إشارة كافية إلى وصف الوسط الاجتماعي لهذه الفئات، وضررها على الاقتصاد وعلى المجتمع. ولكن المعالجة بتقديرنا لا ينبغي أن تتجه لاجتثاثهم بأستخدام وسائل ارغامية، بل بالسعي لنقلهم عبر التعليم والتدريب إلى مستويات إنتاجية جديدة

 وقد يطلق على البروليتاريا الرثة كلمة الرعاع (Mob) وهذه تطلق على مثيري الشغب في الشوارع، ولعل في هذا ما ينسب للبروليتاريا الرثة من أعمال مماثلة، تطلق على اللصوص ومن سلب الناس، والقتلة المأجورين. ومن المعروف أن السياسين قد يستغلون عناصر من أمثال هذه الفئات. ومن المعروف أن المخابرات الأمريكية (CIA) استفادت من خدمات الرعاع والبروليتاريا الرثة، في إسقاط حكومة د. مصدق عام 1954 في إيران التي أقدمن على تأميم النفط.

 والحقيقة أن لمثيري الشغب (Trouble maker)  دورا بدأ يتزايد منذ مرحلة ما بعد الثورة الصناعية، والتغيرات في الهياكل السياسية أواخر القرن التاسع عشر، في أن تستغل فئات سياسية قدرة مثيري المشاكل على خلق الفوضى. في إطار الصراعات السياسية. وقد نعتهم المؤرخ هيبليت تاين Hippolyte Taine في كتابه "تكوّن فرنسا المعاصرة "  بالكسولين، والمخادعين، والطفيليين، والمغامرين، والأشقياء، والمتمرسين والجريمة،.. ودهماء المدن،.. والفلاحين الكارهين دفع رسوم الدخول، والمشردين، والمهربين، والهاربين من العدالة، والهائمين الأجانب، والمجرمين. (2)

 

البروليتاريا الحقيقية، هي الطبقة العاملة التي تفتقر لوسائل الإنتاج وللملكية الخاصة، وقوتها العضلية هي وسيلتها للتعيش، ولكنها تتميز بكونها طبقة ثورية قادرة على العمل والتنظيم، والنضال من أجل إلغاء المجتمع الطبقي من أجل تحقيق العدالة البشرية التي هي حلم الإنسانية.

 

البروليتير الحقيقي حين يتألق يتصدى لتمثيل طبقته وأنتزاع حقوقها، في حين أن البروليتاريا الرثة، هي الفقراء حين يفسدون، يصبح عصا قمع بيد الفئات الفاسدة في المجتمع، وحين لا يكونون في مصلحة أهلهم، حين يتاجر بالمخدرات ليتغلب على فقره، حين يسرق ليسد ثغرة في كيانه(فقره) أو حين يقتل مقابل المال، فيصبح مجرماً، أو الدعارة، وحكينها يعرض البروليتير نفسه كسلعة سهلة بيد من يمتلك المال. وجزء من تكاليف الإنتاج.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

1. الموسوعة الألمانية

2.  ابتهال مبروك مقال نشر في 2021-02-09

 

المركز العربي الألماني برلين

 

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

معطيات تاريخية

 قادت لمستقبل مظلم

 

ضرغام الدباغ

 

السؤال الاهم ليس ان كانت هذه الانتفاضة الإيرانية (هي العاشرة) ستنهي نظام الملالي في طهران، لأن النظام ساقط تاريخياً، شرعيا وعرفيا، وكل المبررات المطروحة ليست اكثر من ذرائع لمواصلة وضع الكيان الايراني في شبكة المؤامرات الدولية وقد كتبنا مرارا أن الكيان الإيراني كان أسس (عام 1935) خصيصاً  لموجهة تطورات الموقف في المشرق العربي، بعد أن ثبت لمن خططوا معاهدة سايكس بيكو بعد 15 عاما في تطبيقاته العملية، أن ثغرات وأبعاد فات المخططين للمعاهدة حسابها بدقة، وأدركوا أن أنهم بصدد مواقف مواجهات كبيرة مقبلة، وأبرز تلك الأبعاد هي أقتصادية، متمثلة بالأهمية الواعدة للطاقة في المشرق العربي، وأن المنطقة العربية مقبل على تحولات سياسية واقتصادية وثقافية كبيرة ستضعها في مقدمة مناطق البؤر التحررية المناوئة للأستعمار وقد تنبأوا ذلك من خلال ثورة العشرين والثورة السورية العظمى والثورات والانتفاضات المصرية، الليبية، فكان لابد من خلق كيان صهيوني في فلسطين، وضرورة تأسيس كيان في هذه المنطقة المضطربة عرقيا (فرس" أكبر الاقليات"، آذريون / تركمان، كرد، لور، واقتطاع الأقليم الغني بموار النفطـ لمنع تشكيل بحيرة عربية وضم النفط الاحوازي للنفط العربي" واقتطاع جزء من افغانستان (بلوشستان" وأقامة كيان سياسي يمتد من تركيا وحتى البحر العربي) ومن جهة اخرى سيكون حاجزا لمنع توسعات محتملة للأتحاد السوفيتي وللافكار الاشتراكية التي كانت توعد بأنتشار واسع في تلك الارجاء، ولم يوقف الثورات الاشتراكية في تلك الارجاء إلا التدخل الاستعماري الكثيف وبشق الأنفس. لاحظ كم جوهرية هذه المعطيات.!

هذه كانت إذن ضرورات أستطلعها الانكليز والامريكان مبكراً بوصفهم قادة المعسكر الأستعماري الجدد الناتج عن الحرب العالمية الأولى. العالم كان يدار أستعماريا بشكل كامل، فالقارة ألأسيوية لم تكن تعرف دولا مستقلة إلا أمبراطورية اليابان وأفريقيا دولة ليبيريا، وأميركا اللاتينية كلها مستعمرة، فقط أوربا كانت دول مستقلة الغربية منها أستعمارية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، البرتغال، هولندة، إيطاليا)، لذا قرر الإنكليز التفاهم مع ضابط مغمور (بهلوي) لم يكن أكثر من سائس خيل في البلاط القاجاري، وسلموه نظاما ملكيا، برعايتهم وحمايتهم، وأسسوا دولة أحتاروا من أين يجدوا تسمية لهذا الكيان الغير مطروق في التاريخ، (إيران) حتى وجد الانكليز هذه التسمية تجمع بين الآريين والنهاية الاسيوية التقليدية( ان) وسيكون هذا مقنعاً للفرس العمود الفقري لهذا الكيان بوصفهم الأقلية الأكبر وقد تشيعوا لسبب واحد وحيد هو أن لا يخضعوا لدولة الخلافة العثمانيةالمركزية فجمعوا هذه القبائل المتناحرة في كيان سياسي واحد بقيادة قاسية شرسة، واجهت الانتفاضات والثورات الكردية والآذرية والعربية والبلوشية اللورية التركمانيةـ ولم يسقط النظام الإيراني وليس الدولة إلا بفعل ثورتين أثنين قام بها الفرس، إحداها عام 1954 بقيادة الحركة الوطنية الإيراني بقيادة د. محمد مصدق الأكاديمي الرصين، ذو الأفكار التحررية القريبة من الاشتراكيةـ فتوجس الغرب منه خيفة، وحين اقدم مصدق على تأميم النفط، قال الانكليز رضا بهلوي تنحى وسافر إلى المنفى مؤقتاً ريثما نتدبر الأمور، والشاه القليل المواهب الذي يفتقد لقاعدة سياسية او شعبية أو عسكري، ترك البلاد هاربا إلى روما. ولم يعد إلا بعد أنقلاب تمثيلي، أعدته المخابرات الأمريكية فعاد الشاه خائفا وطائعاً  .. ولكن إلى حين ...!

الحركة الثورية الثانية كانت حين تململ الشعب الإيراني إذ بلغ فساد النظام الشاهنشاهي الذروة. والغرب يعلمون بدقة فساد الشاه ولدبهم مؤشرات في استقيال الشاه في المانيا الغربية، وتظاهرات الإيرانين ضد استقباله، ومن استنكار دعوة الرئيس الأمريكي كارتر لأستقباله في الولايات المتحدة بمظاهرات عارمة، أن بضاعتهم الفاسدة على وشك ان تسقط، ولا مانع لديهم، ولكن من هو المقبل ..؟ العسكريون بطبعهم مجازفون استبعدا من الاحتمالات، اليساريون من نقابة العمل التي بادرت وأشعلت نيران الثورة، وايدتها ثورات العرب الاحوازيين. يستحيل القبول بهم. الحركة الوطنية الإيرانية مقسمة ولم تحسم خياراتها، والوطني البارز د. شاهبور باختيار، أخطأ بأخياره العمل خارج التفاهمات، وأختار العمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتفاهم مع الشاه المنهار.

يبدو لنا أن الولايات المتحدة في إطار التفاهم الأمريكي / الإنكليزي بحسب ما لديهم من تداخلات عالمية، قرروا أن أفضل من يمكن عمله هو التصدي للتيار اليساري المتصاع في العالم، هو الأتيان بحواجز دينية معادية للأشتراكية، فلا شيئ يسقط النظام البولوني الاشتراكي المنخور من فساد القيادات الاشتراكية (عدد من أعضاء المكتب السياسي لحزب العمال البولوني)، لها ولاءت للأجهزة  الغربية في الخفاء ومن الوجود الشعبي القوى للكنيسة الكاثوليكية، فلا أفضل من أستخدام الكنسية بمواجهة الاشتراكية، فجيئ بالبابا البولوني كحبر اعظم للفاتيكان، وهو ما منح زخم قوي للتمرد البولوني وقيادته منظمة التضامن، وفي نفس الوقت كانت ثورة جنوب أفريقيا قد بلغت الذروة وجيئ بالقس ديزموند توتو رجل الغرب مرشحا للقيادة، وفي إيران بدا رجل الدين الفارسي الساخط والذي يلتف حوله الغوغاء ويتصف بالبرغماتية والمماطلة وكان يجيد الحوار وأعطاء الوعود لمنظمة مجاهدي الخلق، وللحركة الوطنية الإيراني بعد فصل بختيار وادار الحوار حتى مع الاكراد والحزب الشيوعي الإيراني، وهكذا بدا الخميني المطلوب المناسب للمخابرات الامريكية التي تولت إقامته بضاحية باريس في فيلا اجره الأمريكان له، وقدمت له التسهيلات يوم عودته لطهران على متن طائرة الجمبو التابعة للخطوط الجوية الفرنسية بحماية المقاتلات الأمريكية.

وبمعارضة وزارة الخارجية الامريكية وموقف غير حازم من السي آي أي(CIA) ورأي مرجح للرئيس كارتر الذي يكره شخصيا الشاه، بإنهاء عهد الشاه، فتفوق رأي الاستخبارات العسكرية الامريكية وعهد لجنرال من سلاح الطيران حنرال طيار روبرت هويزر(G. Robert Huyser) بتنفيذ المهمة ومنع الجيش إلإيراني من إنقاذ النظام وحفظ امن البلاد. وهو ما تم فعلاً في شباط / فبراير / 1979. وللخميني مهمة واحدة هي إغراق البلاد في بحر العداوات وتصفية الاجواء مبتدأ بالشيوعيين فأتهمهم بالتهمة المفضلة لمعادي الشيوعية بأنهم جواسيس موسكو، ثم تصفيات دموية للفصائل الكردية، ما لبث أن أبعدت كتلة مهدي بزكان، ثم الشيعة " الليبراليون" أول وزير خارجية للثورة قطب زادة، بعدها التيار التقدمي الشيعي المتمثل بمجاهدي خلق، واخيرا وليس آخرا كتم صوت الليبرالي التحرري (الرئيس ابو الحسن بني صدر ) الذي اعتقد بفكرة قديمة دارت في الكنيسة الاثودوكسية، وفي كذلك في الاسلام بأسم " الحركة الدهرية". وهي محاولة تجسير الهوة بين الدين والفلسفة (Schoolastic) "السكولاستية"، وناصبه الخميني العداء حتى تمكن بني صدر من أنقاذ نفسه في اللحظة الاخيرة، بالفرار إلى فرنسا وتوفي فيها. واغتيل آخر رئيس وزراء شرعي شاهبور باختيار، وأراد الخميني بعقله الحاقد توجيه لطمة للرئيس كارتر للوزارة الخارجية الأمريكية باحتجاز لا معنى له لطاقم السفارة الأمريكية، ولكن مع أختلاق الأسباب والمبررات للحرب مع العراق، ابتدأت مرحلة جديدة.

كان الخميني قد أوهم الامريكان أنه سيسقط النظام العراق بسهولة وهو أمر أسعد الأمريكان، ولكن بعد 8 سنوات من الحرب، كاد النظام الإيراني أن يسقط، قال لهم الأمريكان " قفوا هذه مهمة لن تقدروا عليه " وبمخطط دقيق ومدروس أجل الخميني معاركه العربية الأخرى لأنها تقع في مناطق حساسة، والعراق جدار صلب وعال ولا يمكن اسقاطه بسهوله وهو في المخطط الأمريكي منذعام 1973، فبدأت صياغة الخطط وتجنيد المشاركين واستنباط الذرائع، وللأسف أن يشارك عديد ممن ينبغي ان يضمهم الخندق العربي، أنظموا لجبهة العدو، واليوم يدرك الجميع انهم كانوا في عناصر في المخطط وفداحة ما ارتكبوا من خطأ، ولكن لات ساعة مندم ، فقد أسقطوا بأيديهم السد العالي وتفضلوا النتائج. وأميركا في تاريخها لم تقاتل من أجل حليف، ولكنها قاتلت في العراق على حسابها وخسرت الكثير جدأ وستخسر المزيد.

حسن نصر الله اللبناني اوهم بغداد بأنه قائد مقاومة، ولكنه كان يتفق سراً مع الإسرائيليين على حراسة الحدود. ثم توالت المؤامرات الأمريكية بتفاصيلها المعرفة تقريياً حتى يومنا الحالي، حين أتضحت المؤامرة الأمريكية / الأيرانية بأبعادها الكاملة .

اليوم العرب والمسلمون يواجهون خيارأ واحداً، أنت عليك أن تكون في خدمتنا بلا حدود، ونتدخل في شؤونك بلا حدود ونبتزك بصراحة بلا حدود، وبصراحة فجة لماذا .. لأن عبد الناصر كان قومياً، وصدام بعثياً، والسعودية تريد أن تنمو بدون موافقتنا، ودعم اللغم اليمني / الحوثي ليتسيد الساحة ويمثل تحديا دائميأ للخاصرة السعودية، والبحرين كذلك، ولنقسم سوريا، وندمر ليبيا، وندعم إسلاميوا الجزائر، ونعبث بشمال أفريقيا. والأدوات الأمريكية/الإيرانية، قائمة كبيرة نسبياً متفقة شكلياً، متناقضة جوهريا، ويبدو أن معسكر العدو قد اشتغل جيداً وأغدق الأموال بسخاء، ورغم واقعيتي الشديدة في السياسة، إلا أن بعض الأسماء التي باعت شرفها الوطني بصراحة أدهشتني بشدة ..!

الصراع الروسي / الغربي في الساحة الأوكرانية ستحسم قريباً، وهناك تقسيم دولي جديد، العالم سيشهد انبثاق أكثر من قطب، وزمن الأيديولوجيات ولى، والمصالح الاقتصادية / القومية / الطائفية ستكون هي دليل الكتل الرأسمالية حسب نظرية فرانسيس فوكويا  وصامويل هينتغتن، وهما ينظران لعالم التسيد الأمريكي ولكنه انتهى بكارثة دموية، أمريكا ستنكفئ في قارته، ومعها بريطانيا وكندا وأسترليا ونيوزيلندة، وهذا تصفيف أولي قابل للتعديل،

أوربا ستبقى في قارتها وصفوفها غير مترابطة، فخلاف الآراء متعدد وواسع، وروسيا ستكون القوة الأكبر في أوربا مع تحالف وثيق مع الصين وقوى آسيوية ... ومن بين هذه القوى الصاعدة، تتصاعد قوى عربية هي مصر والسعودي والجزائر، ويحتمل المغرب.، فأين العراق، وأين من باع الأوطان من أجل الكرسي في سورية ولبنان، واليمن .؟ ألا تعتبرون من عبرة رفعت الأسد الذي حلبوه  ثم طاردوه في أروقة المحاكم ..!

نظام الملالي ساقط ومنتهي،  لأن قوامه مؤسس على خطأ، نظام سياسي قائم على غيبيات، وشعب يدرى أنه أضاع عقوداً ثمينة في حروب توسع مستحيلة، بلد مهشم عرقيا وطائفياً ونظام يتدرع بالطائفية والعرقية، إليس في هذا تناقض غريب ..؟ يعتقدون أن بوسعهم بمعسول الكلام خداع الجميع، وإن بحر السياسة عميق والتأمر والخبث يصلح في جميع المراحل... وفي النهاية حين لا يعد هناك فائدة ترتجى، يقذفون بهم إلى سلة النفايات، فأنت لست قويا ولا كبيرا ولا تعرف كيف تدبر أمورك، منذ 43 عاما وأنت في السلطة ولم تنجح في موقعة إلا حين دفعنا نحن تكاليف نجاحك ...فانت لست أثمن من الشاه البهلوي الأول عباس والثاني رضا، وكلاهما مدفونان في خارج إيران.!

من خواطري، أني ذات يوم سألت صديقا حميماً وكان يعمل مدرسا للمنطق في حوزة النجف، قلت له " أخي الكريم، هل تخبرني بربك لماذا سقط وأندثر النظام الفاطمي بعد أن أتسع وبلغ شأنا عظيما في إحدى مراحله واليوم لا تجد شيعي واحد في تلك الساحات ؟" فذهل الرجل وقال " لا والله لا أعرف أخبرني رجاء " قلت " سأخبرك غداً لتفكر  بالجواب"، وفي اليوم التالي بكر بالقدوم عندي وطالب الجواب " قلت بأختصار " لاحظ أن الفاطميين / الاسماعيلية خانوا الدين والأمة وتحالفوا مع الصليبيين، هل عرفت رباط السالفة ...؟" تطلع إلى بعمق ... " طبعا دكتور ... طبعاً كل شيئ مفهوم".

والله بصدق أنا آسف على أصدقاء عراقيين وعرب أعرفهم، كانوا تقدميين وقوميين، وبعضهم ماركسيين، ومثقفين " يمكن وصف هؤلاء هكذا للأسف " اليوم باعوا أنفسم إما مقابل الامان أو المكاسب، أو أنهم مثقفين مزورين. أو أي شيئ آخر، لكنهم للأسف سقطوا .. شر سقطة ..جماهير الشيعة العريضة الواسعة ستشعر أنه تعرضوا لعملية غش وتدليس منقطعة النظير دامت لقرون ... الشيعة العراقيون عرب وعراقيون ...

ملالي إيران سيسحلون في شوارع طهران من عمائمهم، ... العمل السياسي الإسلامي سيسقط بما ذلك الاحزاب السياسية السنية، بعد أن فعلت الكثير وساهمت بخداع الناس البسطاء والسذج من الناس، واساؤا للإسلإم بشكل عميق, وأساءت لدول وشعوب المنطقة واعتدت على سيادتها بتفويض وتوجيه من الغرب، وبعد زوال نظام الملالي سيحتاج إصلاح الأوضاع لوقت غير قصير، ولكن الإسلام باق بقوة الرافض التحزب والجهل والطاعة العمياء بغباء.

المرتكزات الحقيقية للوجود المادي هي: العراق باق وموحد، وعربي الهوية، هذه هي المرتكزات الحقيقة الثابتة، وسيعاد إعماره مره بنظام سياسي متقدم يراعي الشروط السياسية والاجتماعية بالنكهة العربية الاسلامية الأصيلة وليس تقليداُ لتجربة أخرى ولا بأهواء طائفية, في مقدمة الشروط لكل عمل هو الأبتعاد التام عن علاقة خارجية مؤثرة على القرار الوطني، وسوى ذلك فهي مداولات داخلية. سنتوصل بطريقة قانونية سلمية ان نتفهم بعضنا، طالما نحن متفقون على الثوابت بلا تعصب ولا تطرف ولا غلو .... فليتخل الجميع عن أوهام السيطرة وعن الأعتقاد بأنه الأوحد على حق، وأن الجميع ... الجميع هم مواطنون من أكبر رأس وحتى أبسط عامل وفلاح ... لا يوجد فرد ولا جهة بمقدورها أن تقرر شؤون البلاد،

 

 

 

الكوزموبوليتيك أعلى

 

مرحلة للعولمة / الإمبريالية

 

د. ضرغام الدباغ

 

أولاً : الكوزمو بوليتية

أعترف بأني لم أكن أفهم السبب الجوهري للإصرار الغربي (الأمريكي خاصة)على تمرير، بل وفرض تشريعات وقواعد دولية ذات طابع اجتماعي، ذات طابع إنحلالي تفكيكي، ولكن اهتمامي تكاثف بعد ظهور واضح للمساعي الامريكية العلنية منها والخفية، في تشجيع ظاهر وخفي للمثلية الجنسية، وتمهيد لتشريع دولي للجنس الثالث، وفي هذا الاتجاه أيضاً قانون " اتفاقية استامبول للمرأة"، إذ لا يمكن قبول التبرير والتبسيط الشديد لمرامي هذه التوجهات التي تشهد مساجلات أقرب إلى التنازع حول فقرات وبنود تبدو في ظاهرها بسيطة، وعادية، وتدعو إلى حماية المرأة وحقوقها وهي توجهات إيجابية في ظاهرها، وهو ما دفع الكثير من الدول الموافقة عليها والتوقيع بالأحرف الأولى عليها (اتفاقية استامبول)،  ولكن حين أحيلت هذه المشاريع إلى لجان متخصصة، أحجمت العديد من الدول المصادقة النهائية عليها.

 

وتركزت ردة الفعل الأمريكية الغاضبة بشدة على رفض البلدان الإسلامية، رغم أن بلدان أوربية مسيحية عديدة قد رفضتها (بلغاريا، هنغاريا، التشيك، لاتفيا، ليتوانيا، سلوفاكيا، بولونيا)وغير أوربية أيضاً، إلا أن الولايات المتحدة كقائدة للمعسكر الغربي، تفترض أن الممانعة من الدول غير الإسلامية هو "خلاف" يمكن حله في المستقبل على يد حكومات "متفتحة / متساهلة" ولكن الاعتراض الإسلامي هو جوهري في مداه القريب والبعيد، كما يخشى من سريان مفاهيمه إلى مجتمعات ودول أخرى.

 

فكرت وتأملت طويلاً، عن الأسباب الجوهرية لهذا الإصرار على قانون المرأة والانفتاح التام للمثليين، وفي شرعنة حقوق لهم، بما في ذلك عقود الزواج، وحق المعيشة المشتركة، ثم منح المثليين الحق في تبني أطفال، من دور الأيتام والمجهولي النسب، وتغير مهم في قوانين الأرث، وتسهيل عمليات التحويل الجنسي (من ذكر لأنثى وبالعكس)، والقبول بما يسمى بالجنس الثالث (من المدهش أن إيران في مقدمة الدول التي تبيح التحول الجنسي)، وتشريعات وقوانين أخرى، ستحول المجتمعات إلى حقل تجارب، وبعد النهاية الرسمية للعائلة فإن الأبواب مشرعة لتحولات ستجعل من العائلة لا قيمة ولا أي اعتبار، سوى تحويل البشر إلى قطعان عاملة، ولكن ما هو الهدف الجوهري من كل ذلك ...؟

 

الغرب الذي يوظف أموالاً وجهوداً سياسية كبيرة، فهو  لا يستثمر المال والوقت هدراً، بل هو يفعلها من أجل أهداف سياسية واقتصادية، يأمل منها أنها ستعزز سيطرته العالمية ولتواصل الولايات المتحدة لعب دورها كمتروبول قيادي عالمي، ضمن توجه واسع له عناوينه الرئيسية وبمفرداتها، وفي مجموعها تمثل ملامح التوجه الجديد للرأسمالية العالمية في ضمان مواصلة هيمنتها ودورها القيادي، ومواجهة التحولات المحدقة التي على وشك أن تعرض نفسها بوضوح تام على مسرح السياسة الدولية ومن تلك : 

تشجيع الظواهر الانقسامية في الدول الكبيرة، بما يحول دون قيام أنظمة وكيانات قوية، يمكنها مواجهة التغول الأمريكي على المدى القريب والبعيد.

وهذا يستدعي مشروعاً يستهدف تدمير روسيا وتقسيمها (بصرف النظر عن حجم مخاطره)، وحرمان الصين من حليف قوى وقوة عظمى في آسيا / أوربا.

تشجيع الأقليات العرقية والدينية في الصين ومنحها الأمل في الانفصال والهدف هو تفتيت الصين.

والولايات المتحدة في سعيها للهيمنة على العالم لا تستبعد في خططها إضعاف  لألمانيا وفرنسا الدولتان الرأسماليتان، بدرجة تنهي الاتحاد الأوربي ككيان سياسي، منافس للولايات المتحدة في قيادة العالم الغربي / المسيحي.

ولكن الخطط والبرامج الأمريكية لا تغفل عن استخدام التوجهات الاجتماعية  بأعتبارها الحسام الفيصل، فالبرنامج الاجتماعي يهدف إلى تدمير المكونات الثقافية والاجتماعية للشعوب ولا سيما الأمم الكبيرة، كالهند، والدول الإسلامية، وشعوب هذه الدول تعد بالمليارات. وتجني الولايات المتحدة من هذه التوجهات، أولا أن لا تعلو قوة في العالم سياسية كانت أو اقتصادية أو عسكرية، أو ثقافية ما يمنح شعوبا وأمما في العالم ملامحها وشخصيتها المميزة. وبالتالي تحويلها إلى أفواه فاغرة، وشهوات مستحكمة بالبشر تفقدها إرادتها في ظل فقدانها لروابطها الوطنية والقومية.

 

وهذه توجهات تم إحاطتها وتغليفها بشعارات لزجة تفضلها الولايات المتحدة : كحقوق الإنسان، والديمقراطية ولا سقف لحرية الإنسان، وحرية الاختيارات الجنسية، ولكن في واقع الأمر هي مشاريع تمهد الأرض لخططها التوسعية، ولكي لا تجد أمامها من يواجهها ويفضح مرامي مخططاتها معارضاً.

 

وحين تلمست الولايات المتحدة أن هناك معارضا قويا كروسيا الاتحادية، والصين الشعبية، قسمت المواجهة الحالية وخصصت كأولوية المرحلة للمواجهة مع روسيا، التي أدركت بالطبع بصورة مبكرة أهداف الدعايات الديماغوجية، فتصدت القيادة الروسية لفضح جوهر هذه التوجهات، وأنها تستهدف إنهاء قدرة الإنسان على المواجهة، ولخصت القيادة الروسية ذلك بما يلي :

 

الغرب تخلى عن قيم الأسرة والعائلة، والمجتمع الروسي لن يتقبل التوجهات الغربية والأنماط السلوكية الشاذة،وولا يعتبره تطورا حضاريا ذات قيمة.

هل جننتم ؟ تريدون خلق صنف جديد عدا الذكر والأنثى !

كلا للجنس الثالث، كلا للمثلية.

هل تريدون نشر قيم الغرب في روسيا ويكون لدينا جنس ثالث؟ كلا لا ولن نقبل ذلك.

القوة هي التي ستحدد المستقبل السياسي في العالم.

 

ولم تبالي الولايات المتحدة أن تكون أوكرانيا وبضعة ملايين أوكراني ضحية لخططها التوسعية، وأن تكون ساحة للمعارك الحربية، لأحدث الأسلحة الفتاكة، وراحت تمد فئات النازيين الجدد في أوكرانيا بأحدث الأسلحة، دون اكتراث لحجم الخسائر البشرية والاقتصادية.

 

ولكن الموقف من التوجهات الكوزموبوليتية لم تقتصر على بلدان شرق أوربا، بل ها هي الأزمة تطل مع أي تحولات اجتماعية في الأقطار الأوربية، بل تحمل التوجهات الجديدة في أوربا الكثير من الاحتمالات، في تشكل رأي عام دولي كبير يعارض الثقافة الكوزموبوليتية، وأقرب وأوضح مثال على تخبط الغرب الرأسمالي المسيحي هو ما سينجم عن تشكيل حكومة يمينية من مواقف حاسمة ضد الثقافة الكوزموبوليتية، وهي توجهات واعدة في العديد من الأقطار الأوربية الغربية، وهذا ما رشح من خطاب رئيسة الوزراء الإيطالية الفائزة بالانتخابات من توجهات واضحة :  

 

لماذا الغرب الرأسمالي يبذلون جهود هائلة ضد الهوية التي تحدد كل شخص، ليكون الإنسان بلا هوية ولا جذور كمستهلك مثالي ...

كل ما يميز الإنسان أصبح عدواً، لا يريدون أن تكون هوية لكل شخص، يريدون تحوي البشر إلى قطعان مستهلكة.

يريدون تدمير الهوية الوطنية

الهوية الدينية

الهوية الجنسية

الهوية العائلية.

 

سنتوصل بمزيد من البحث   عن جذور المساعي لنشر قواعد الثقافة الكوزموبوليتية

تمهيداً لفرضها على العالم

ثانياً : الكوزمو بوليتية : المواطن العالمي مجتمعات بلا هوية

 

كلمة الكوزموبوليتسم (cosmopolitanism) أو (Kosmopolitismus) هو مصطلح، أفضل ترجمة له للغة العربية هي " المواطن العالمي " وهو مصطلح ظن الناس أنه خرافي، وسوف لن يأتي يوم نعيش فيه المجتمع العالمي الموحد، أو الوطن العالمي الموحد، الديانة الموحدة، القومية الموحدة، العائلة الموحدة، وبالتالي حكومة موحدة للكون بأسره. ونحن هذه الحكومة العالمية، وستفرضها بقوة الناتو، والأمم المتحدة، ومصرف النقد الدولي.(1)

 

ويعتبر الكوزموبولتيين أن جذر الفكرة تنحدر من الفلسفة الرواقية التي وضع أسسها ديوجين، الذي يعتبره البعض أنه كان مشرداً يحمل بيده شمعة ويطوف باحثاً عن الحقيقة في العهد الاغريقي، "ويطرح نموذج دوائر هيروكليس الممثلة للهوية التي تنص على أنه ينبغي لنا أن نعتبر أنفسنا دوائر متحدة المركز، تدور الدائرة الأولى حول الذات ثم مباشرة العائلة، الأسرة الممتدة، مجموعة الأشخاص المحليين، مواطني الدولة وأبناء البلد، ثم الإنسان عمومًا. يشعر البشر داخل هذه الدوائر، بشعور من " التقارب " أو "التحبب" تجاه الآخرين، عندئذ تصبح مهمة مواطني العالم " رسم الدوائر بطريقة أو بأخرى باتجاه المركز، ما يجعل جميع البشر أشبه بسكان مدينتنا، وهكذا ". (2)

 

حسناً ولكن من سيحكم هذا العالم .. الجواب البديهي هم الأقوياء، الأقوياء بماذا ..؟ بالسمعة النزيهة مثلاً، أو التمسك بأهداب الشرف والخلق الممتاز ... وسؤال كهذا ينم عن الجانب المرح في شخصية السائل ..! وميله للمزاح .. والإجابة الصحيحة هي طبعاً، الأكثر قوة وثروة، ومن يتملكه الفضول ليسأل لماذا الأكثر ثروة، والجواب مرة أخرى، لأن الأكثر ثروة هو بداهة الأكثر قوة وعدة وإلا لما صار شيخاً للحرامية وزعيماً للحكومة العالمية.

 

الشخصية الكوزموبوليتية تفسر كل تصرف بمقدار اقترابه من التسليم بمزيد الاحترام لمصطلح المواطنة العالمية وللحكومة العالمية، فسيعتبر عدم الأنظمام للمعسكر العالمي الموحد هو ضرب من ضروب الغباء والحماقة، قبل أن يصفها بالتمرد، وربما استطراداً إلى الإرهاب. وهذا يشمل جميع الأمم قاطبة، وأبتداء من أصغر الظواهر والملامح إلى أعلاها وأكبرها. " قد يعتمد مجتمع المواطنة العالمية على " الأخلاق الشاملة " وهذه مصطلح ذرائعي، يشمل العلاقة الاقتصادية المشتركة أو الهيكل السياسي الذي يضم جميع الأمم باختلافها. في مجتمع المواطنة العالمية، يشكل جميع الأفراد الذين ينتمون إلى أماكن مختلفة (مثل الدول القومية)، علاقات تستند على الاحترام المتبادل.

 

ويقترح أحد مفكري الكوزموبوليتيا على سبيل المثال:  إمكانية وجود مجتمع المواطنة العالمية، يدخل فيه الأفراد من مواقع وظروف مختلفة (المادية والاقتصادية إلخ) في علاقات تستند على الاحترام المتبادل رغم اختلاف معتقداتهم (الدينية والسياسية وما إلى ذلك). حُددت بعض المدن والمواقع المختلفة (جغرافيًا) سابقًا أو حاليًا، على أنها تمتلك سمات «المواطنة العالمية»، لكن هذا لا يعني بالضرورة اعتناق وإيمان جميع أو معظم سكانها بالفكرة الفلسفية المذكورة أعلاه. بدلاً من ذلك، يمكن تسمية سكان تلك المدينة بـ«المواطنين العالميين» لمجرد عيش الكثير من الأشخاص من خلفيات عرقية وثقافية أو دينية مختلفة على مقربة والتفاعل مع بعضهم البعض ". (3)

 

الكوزموبوليتيا تتفاعل إيجابياً مع الأفكار، والعقائد، ولكن بشرط واحد هو أن تبدي تلك المجموعة اعترافها التام بالمواطنة العالمية والحكومة العالمية، وأنها سوف تندمج (ربما في مرحلة لاحقة) وتتلاحم مع الفكرة العالمية لدرجة أنها تتلاشى في غياهبها.

 

والمواطنة العالمية هذه تشترط (فيما تشترط) على الألتحام التنظيمي، العقائدي، الاخلاقي، ولكن يستحق الملاحظة والأنتباه، أنها لا تعد البشر بحياة مماثلة في تقاسم الثروات والرفاهية.

 

مجتمعات بلا هوية

جوهر فكرة الكوزموبوليتانية هي أن الإنسان حيثما كان إنما هو كائن ينتمي لعالم واحد، وبالتالي أن المواطنة العالمية تسعى لتأسيس حكومة عالمية، انطلاقا من مبادئ العولمة.

 

ولكن الكوزموبوايتية لم تفلح في إقناع العالم، أن البشر حيثما كانوا في أقطارهم هم متحدون بذات الشروط السياسية والاقتصادية والثقافية والاخلاقية، وحيث لا يمكن الزعم مطلقاً بأن أي من المجتمعات والثقافات هي الأصلح والأفضل، ذلك أنها (الثقافات والمجتمعات) هي نتاج عوامل تاريخية عديدة، وبعضها موضوعية خارج عن إرادة البشر. لا يمكن أن تكون متحدة، وهذه ليس إلا فكرة خرافية، تخفي ورائها السعي لهيمنة عالمية مطلقة يصعب تحقيقها على أرض الواقع.

 

وفكرة الهيمنة العالمية من خلال المواطن العالمي(الكوزموبوليتس) فكرة طوباوية (خيالية)، فواقعيا نجد أنه تصطدم (وبشدة) مع أفكار أساسية بشرت بها الإمبريالية، ومن ثم العولمة، حيت تتناقض مع الدجيمقراطية بأوسع معانيها، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي من أولى مبادئها، أحترام التوجه الثقافي / السياسي للفرد والمجتمع سواء في البلد الواحد أو في العالم، في حين أن الكوزموبوليتية تهدف إلى صياغة ثقافة سياسية /ثقافيةــ أجتماعي / اقتصادية،  وإذا كان منظروا الكوزموبولتية يستبعدون الإجراءات القسرية ففي ذلك نسف علني لما قد يتسلل من مفاهيم تستحق الأنتباه لمشروع الموزموبولتية.

 

والطوباوية في الكوزموبولتيك المعاصرة، فاقت ما تخيله ديوجين، وتتجاوز طوباوية توماس مور (1478 ـ  1535)( Utopie) فإذا كانت طوباوية القرن السادس عشر، خيالية محضة، تخيل فيها توماس مور حزيرة لم توجد، تسودها قوانين خيالية جوهرها إنساني حيال ماكان الفقراء يعانون (" فقد أعدم 72 ألف متشرد تحت حكم هنري السابع، وشنق 300 ـ 400 متشرد سنوياً تحت حكم الملكة اليزابث".(4)

 

ويصف المفكر برتراند رسل أفكار توماس مور بكونها خيالية، اتخذت شكل رواية من أحداث سفينة غرقت في بحر أو محيط مجهول(ربما المحيط الأطلسي)، وأقيمت دولة على أرض جزيرة خيالية، ويصف مور دولة هذه الجزيرة وصفاً أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. ومن ذلك " لها مساكن متماثلة ويستطيع المرء أن يدخل أي منها، كل شخص يرتدي نفس الثياب، مع تميز ثياب النساء والمتزوجات من غير المتزوجات، ورئيس الدولة ينتخب مدى الحياة، ولكنه يعزل إذا أساء العمل، والجيش مؤلف من المرتزقة".(5)

 

ومن جملة الأفكار الاجتماعية التي تستحق الإشارة إليها هي " أن دولة يتوبيا تمتاز فيها الملكية بالاحترام، وبدافع من مفهوم الملكية الخاصة. ولكنه يعود ويثني على أفكار أفلاطون في الملكية الجماعية بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، ويعتبر الملكية العامة هي النظام الاقتصادي لليتوبيا". وتبدو أفكار مور تضم تشابه في ثناياها على أفكار أفلاطونية فيحدد سكان اليتوبيا بخمس وأربعين مدينة تحيط بها أراض متساوية، ترسل كل أسرة عدد متساوي من أفرادها للعمل في الأرض. والعوائل محددة وكذلك عدد أفرادها ومنازلها، ويتناولون الطعام بشكل جماعي. ثم يقترح مجلساً للشيوخ منتخب ويناقش المجلس قوانين اليتوبيا. ولا تحتل السياسة الخارجية إلا قدر ضئيل من أهتمام مور ولكنه إجمالاً يسعى إلى السلام ويبغض الحرب.(6)

 

ولا نجد الكوزموبوليتة أقل خيالية من اليوتوبيا، وإذا علمنا أن بين اليتوبيا / الطوباوية، والكوزموبوليتي / (Globalisation) أكثر من 500 عام، فإننا سنجد الفارق يتمثل فقط في شكل النظام والدولة، وقدرة الدولة الصناعية الجبارة، أما لجهة وهم الاعتقاد والتصور، فالمفكر توماس مور كان أكثر إنسانيا وتخيل أنه باليوتوبيا ينقذ ألاف المشردين من الموت، ولم يتخيل أن الجنسية المثلية لحل لأزمات الإنسانية.

 

الكوزموبوليتيا إذن لا تعد بكلمة واحدة عن اقتسام الثروات على نحو عادل، فهذه سيقربهم من المحرمات الكبرى(الاشتراكية)، ولا يتحدث عن مجتمعات لا عرقية وهذه تضعهم على مشارف مدن ودول المساواة والعدالة الاجتماعية، ولا حديث عن مراحل الاستعمار والإمبريالية، ونهب الشركات المتعددة الجنسية، ونهب المعادن والثروات الطبيعية، فهذه سياسة ستمارس بالسياط، أو بالقنابل النووية والبلاكوتر ، وجيوش الناتو من أجل فرض سياسة هي من تفاصيل الكوزموبوليتيا.

 

هذه هي بأختصار الكوزموبوليتية، الرأسمالية في أعلى مراحلها، الإمبريالية تحاول أن ترتدي وجهاً يلائم مسرح العلاقات الدولية المعاصر، تدمير شامل للبشر، مقال صعود إنسان جديد بلا خلق ولا قيم ولا أخلاق، وبلا ولاء لأي كائن أو كيان إلا من يمنحك راتبك الشهري وإيجار شقتك المريحة، ومقابل ذلك تمارس كل ما لا يسئ للكيان الكبير، تخرج الصباح للعمل وتعمل بأنضباط تام، كأي ماكنة، وتنبس ببنت شفة، وتعود لبيتك وتمارس حياتك كما تشاء، ولا يهمنا درجة الانحلال التي تسبح فيها. الوطن، الدين، العائلة، القومية، الثقافة الوطنية، هذه خرافات لا معنى حقيقي لها .....

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هوامش

 

 

1. الموسوعة الدولية. الأنترنيت.

2. نفس المصدر

3. نفس المصدر

4. بابي، جان: القضايا الأساسية للاقتصاد السياسي للرأسمالية، ص46

5. رسل، برتراند: حكمة الغرب، ص38

6. الطعان، د. عبد الرضا: تاريخ الفكر السياسي الحديث، ص211

 

 

 

 

 

 

 

ثالثاً : كيف نواجه الكوزمو بوليتك

 

في مطلع الثمانينيات، عرضت القناة الثالثة في تلفزيون ألمانيا الاتحادية وضمن البرنامج الثقافي (أيرنا) ندوة مهمة كان يديرها ويحضرها عدد من العلماء الألمان من اختصاصات شتى، ينتمون إلى جامعات ومعاهد ومؤسسات علمية مختلفة. وموضوع الندوة الذي كان البحث يدور حوله هو (حماية الثقافة واللغة الألمانية) واستطراداً، عناوين ومفردات أخرى مهمة في الحياة الاجتماعية الألمانية عن تسلل ثقافات أجنبية. فقدم العلماء الألمان معطيات دقيقة مدعمة بالإحصائيات تعبر عن حجم هذا التسلل الذي أعتبر في وقته كبيراَ. وخلاصة ما دار في هذه الندوة الهامة، أن اللغة والثقافة الألمانية تواجه خطراً لا يستهان به في المستقبل القريب والبعيد. وبعد عقد من السنوات أو أكثر، يقول رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية في كلمة له أمام مؤتمر البرلمانيين الدولي: " إن على شعوب العالم أن تأخذ حذرها مما يسمى بالثقافة العالمية التي تدمر الهوية القومية والثقافية للشعوب" (1). وبعد ذلك اتخذت الدولة الفرنسية قراراً بمنع استخدام ألفاظ أجنبية في اللغة الفرنسية، منها كلمات بسيطة وشائعة.

 

ويحق لنا هنا أن نتساءل ونتأمل، إذا كان شعباً كالألمان أو الفرنسيين، ذوو الأمجاد الثقافية والاقتصادية والحضارية عامة من جهة، وقربهم من ثقافة وحضارة الثقافات المتسللة إليهم من جهة أخرى، يطلقون نداء التحذير ويتخذون الإجراءات المضادة، فما هي إذن المخاطر التي تتعرض لها أمم وشعوب هي في الواقع شبه عزلاء، لهجمة شرسة عاتية لا تبقي ولا تذر..؟ وإذا كانت الثقافة العربية تمتلك دروعاً ومعدات، وحصوناً منيعة، ترى ماذا يمتلك شعب بوركينافاسو مثلاً كي لا يفقد آخر ما يمتلك من مقومات الهوية الوطنية والقومية..؟ وهو لا يمتلك أساساً الكثير منها بسبب تعرضه لقرون طويلة، ولا يزال، للاستعباد وعمليات صيد وقنص للبشر، ونقلوا إلى قارات أخرى واستخدموا كعبيد هناك، أو تجنيدهم في الحروب والغزوات الاستعمارية لضم وإلحاق بلداناً أخرى إلى ممتلكات الدول الاستعمارية.

 

ولابد لنا بادئ ذي بدء أن نؤكد على حقيقة مهمة، هي أن النظام الرأسمالي لا يهتم كثيراً بالثقافة بوصفها نشاطاً أو موقفاً إنسانياً رفيعاً يسمو فوق نزعات النهب والاستعباد، وما هو إلا نشاط ترفيهي يهدف إلى التسلية، وفي هذا المجال يكتب المفكر الأمريكي جون نيف الأستاذ بجامعة هارفارد قائلاً: " منذ ظهور الصور المتحركة والمجلات والراديو والتلفزيون في النصف الأول من القرن العشرين، شاعت فكرة مؤداها أن مستوى النجاح مرهون بعدد القراء والمشاهدين، وهكذا أزداد توجه وسائل الإعلام إلى تلبية طلبات ذوي المستويات الثقافية المتدنية الأفق بحجة أن هذه هي الوسيلة الأنسب لزيادة الأرباح. وهكذا أبتدع أصحاب الصحف ورؤساء تحريرها أناساً يتصفون بالفراغ الفكري والابتذال واللامسؤلية والشهوة ".(2)

 

وقد غدت هذه التوجهات في أعلى مراحل تطور نظام الدولة الرأسمالية الاحتكارية خطوة على طريق دمج شعبها وشعوب أخرى ضمن نسيجها الاقتصادي والسياسي بالدرجة الأولى، وتكريس هذا الواقع من خلال قطع الأواصر التي تعبر عن كيانها وشخصيتها المستقلة واحتقار تقاليد وعادات الشعوب الأخرى وثقافتها وموروثاتها. والهدف النهائي هو : استنزاف قدراتها الاقتصادية وقوة العمل البشرية فيها، وأخيراً جعل هذه الشعوب والبلدان توابع ثقافية وسياسية، ولكن بالدرجة الأساس، جعلها وسطاً اقتصادياً تابعاً لا يمتلك أي طاقة روحية للنهوض، وإسناد دور نهائي لها في تقسيم العمل العالمي، يتمثل بتصنيع المكونات الثانوية أو الإمداد بالمواد الخام، أو ميداناً لنشاطات الشركات المتعددة الجنسية، وهذا الأمر لم يعد مقتصراً على منطقة واحدة، بل أنه موجه إلى أقطار العالم كافة لاسيما البلدان النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وفي هذا المجال يكتب الأستاذ البرازيلي كاردوز قائلاً : " هناك تبعية تنجم بالنتيجة، وهي تبعية متعددة الأوجه، سياسية واجتماعية وثقافية وعسكرية، بل أن عمليات التشكل الطبقي والفئوي تتأثر بالتبعية بشكل بالغ ".(3)

 

والحق فأن مثل هذه الفعاليات ليست جديدة تماماً في سياسة الدول الإمبريالية، فالشركات المتعددة الجنسية مثلاً وأساليب تغلغل رأس المال الاحتكاري معروفة منذ عقود غير قليلة، وكذلك فاعلية التأثير الثقافي الذي مارسته الدول الاستعمارية منذ فترة طويلة حتى في فترات ما قبل الحرب العالمية الأولى وما بعدها، حيث انتشرت المؤسسات التعليمية الأجنبية حتى على مستوى الجامعات والمراكز والمعاهد الثقافية والإصدارات من الصحف والمجلات، بل وتأسيسها لدور النشر في مراكز عديدة من العالم منها أقطارنا العربية، وهذه المساعي مشخصة بدقة في العديد من البلدان النامية، وفي هذا المجال يكتب المفكر والمناضل الفرنسي / المارتنيكي فرانز فانون   عام 1961، أن الاستعمار يهدف في جملة ما يستهدفه، نسف المقومات الثقافية القومية للشعوب المستعمرة قائلاً: " أن الاستعمار لا يكتفي بتكبيل الشعب ولا يكتفي بأن يفرغ عقل المستعمر من كل شكل ومضمون، بل هو يتجه أيضاً إلى ماضي الشعب المضطهد فيحاول بنوع من فجور المنطق أن يهده وأن يشوهه وأن يبيده. إن هذه المحاولة التي يحاولها الاستعمار إذ يجرد فيها تأريخ البلدان المستعمرة السابق على الاستعمار من كل قيمة، إنما تتخذ اليوم دلالاتها".(4)

 

وإذ لا يمكننا تجاهل الدور الثقافي والعلمي التنويري الذي مارسته هذه المؤسسات الأجنبية، لابد لنا من ذكر حقيقة موضوعية، أنها لم تكن تفعل ذلك هبة منها لوجه الله، بل كان ذلك ضمن مخطط له صفحاته التفصيلية، وبصفة خاصة، تسابق الفرنسيون والأمريكان والإنكليز والإيطاليون، فتنافست هذه الأطراف فيما بينها، بدا في بعض مراحله تناحرياً من أجل إحراز النفوذ الثقافي، وليس أدل على ذلك، حجم الأنشطة والفعاليات الثقافية التي كانت تتنازعها تيارات الثقافة الأنكلوسكسونية والفرانكفونية، بل وفي مرحلة ما بين الحربين العالميتين، حيث كانت إيطاليا تسعى لتكريس نفسها كقوة عالمية، والهيمنة على البحر الأبيض المتوسط وجعله بحيرة (رومانية)، استخدمت بدورها المدفعية الثقافية، ففي العام 1937 سجل تصاعد مثير للدهشة رقم المدارس الإيطالية في مصر إلى 64 مدرسة تضم أكثر من 10 آلاف طالب، مقابل 39 مدرسة بريطانية تضم 5 آلاف طالب! (5)

 

وجدير بالذكر والإشارة، أن هذه الأطراف الاستعمارية والإمبريالية أدركت أن أحد مكامن قوة الأمة العربية هي في لغتها، فسعت دون هوادة إلى إضعاف أسس هذه اللغة وذلك بمحاولات إبدال الحروف العربية باللاتينية كمقدمة لتحجيم تطورها و إضعافها وتلاشيها على المدى البعيد، فحاولت ذلك في مصر ولبنان وإلى فرض اللغة الأجنبية على عرب شمال أفريقيا وبلاد الشام وإحلال الثقافة الفرنسية فيها، والإنكليزية في مصر والسودان والأردن، وقد بذلت مجهودات كبيرة في هذا الاتجاه، إذ سجلت نجاحا محدوداً تمثل بخلق نخب مشوهة، ولكنها في الإجمال باءت بالفشل الذريع.

 

ومن جملة مساعي الدوائر الثقافية الاستعمارية كانت ولا تزال تهدف إليه، إحلال اللهجات المحلية بدلاً من الفصحى، وكذلك في محاولاتها لإبراز خصائص معينة في ثقافة كلا قطر وتقديمها بشكل يطغي على الخصائص الموحدة للثقافة العربية وفي مقدمة ذلك اللغة العربية الفصحى، فسعت إلى الفينيقية في لبنان وإلى القبطية في مصر واستغلت في مساعيها المحمومة والخبيثة كل مكامن الضعف والثغرات، أو سعت بنفسها إلى خلقها وأحياء المتلاشي منها واستنهاض الضعيف فيها واستخدمت لهذه الغاية عناصر مرتدة، ارتضت للأسف التعاون مع الأجنبي لأسباب شتى، وربما أعتقد قسماً من هؤلاء(تحت ضغوط شتى) أن اعتناق ثقافة أجنبية هي ثقافة قوى عظمى ستمنحه قيمة مضافة.

 

واليوم إذ تشتد أوار الحملة الإمبريالية بكافة صفحاتها على بلادنا العربية ليست الجبهة الثقافية إلا صفحة منها، ربما الأكثر بروزاً بسبب تعاظم شأن الثقافة العربية والمجتمعات العربية، وذلك أمر لا نخفي سرورنا منه، ففي مطلع القرن العشرين كان الجانب الثقافي يأتي بعد الجانب السياسي والاقتصادي لعدم خطورة المستوى الثقافي العربي آنذاك، وكان التناقض الرئيسي الذي يلهب قضايا النضال الوطني والقومي، هو الاحتلال المباشر بقبعته ذات الريشة الحمراء يختال في شوارع مدننا، كما كان النضال ضد الوجود العسكري والقواعد الأجنبية والكفاح لاستعادة ما استولى عليه الأجنبي من مصادر الثروة القومية، كان شعار التحرر الوطني والقومي في المرحلة اللاحقة، والعامل الثقافي كان خلف هذه الأوليات، ولربما أيضاً بسبب ضعف الوعي الثقافي، أو بسبب تعطش الجماهير إلى الثقافة بغض النظر عن مصدرها، فقد بدت براقة وجذابة، وكان مستوى تخلف المجتمعات العربية موجعاً لذلك ارتضت الجماهير السم المداف في عسل الكلام.

 

وعلى الرغم من بدائية من بدائية التنظيم والوسائل والتنسيق، كان رد فعل الجماهير قوياً غريزياً وعفوياً في كثير من الأحيان، فقد أخفقت كل تلك المساعي على ضخامتها من جهة، وضعف جبهتنا السياسية والثقافية من جهة أخرى، وهزمت شر هزيمة ومن المؤكد أن لذلك أسبابه. ففي دراسة عميقة لحجم الفعاليات الاستعمارية في مؤلف هام صادر عن جامعة لايبزج بألمانيا عـام  1972 (6)، يشير إلى سعة الهجمة الاستعمارية وضخامتها مع غياب مواجهة حقيقية بينها وبين الثقافة العربية التي كانت قد نهضت لتوها في مطلع القرن العشرين من سبات عميق أستغرق قرون طويلة، منذ سقوط بغداد عام 1258 ، وفي غياب حكومات أو ممثلين للإرادة العربية، تصيب الدهشة كل من يطلع على تلك التفاصيل، إذ كيف استطاعت هذه الأمة الصمود  وإلحاق الهزيمة بتلك القوى المتفوقة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وهي على هذا النحو من الضعف والتشتت ..؟ 

 

ليس هناك من إجابة منطقية سوى أن الجذر الثقافي لهذه الأمة بالغ العمق وثقتها بنفسها هائلة وعلى درجة كبيرة من الثراء الروحي والنفسي، يمنحها كل ذلك قدرة غير محدودة على امتصاص زخم الهجوم والتسلل الدخيل، في مطاولة أصابت بالعجز اعتي الإمبراطوريات والغزاة على مر التاريخ والعصور.

 

والهجوم الجديد الذي تواجهه الثقافة العربية والمتمثل بالعولمة Globallisatioin ليس الأول من نوعه، وأغلب الظن سوف لن يكون الأخير طالما تعيش على وجه الأرض حضارات وثقافات متعددة، وهو في الواقع مواصلة لعمليات تأثر وتسلل واقتحام وغزو ودس، اختلفت فيه الأساليب والهدف واحد، من الهيلينية Hellenism، إلى الغنوصية، إلى الإسرائيليات، إلى الشعوبية، إلى الفرانكفونية والانكلوسكسونية وعصر الاستعمار وما انطوى عليه من تحديات ثقافية، هذه المواجهات لم تتوقف قط، ربما اختلفت الأساليب والأشكال، وربما هناك تفاوت في قوة وزخم الهجوم إلا أنها لم تكف ولم يتغير الهدف الرئيسي فيها، ألا وهو جعل أقطارنا وثقفتنا جزء من نسيجها الاقتصادي أولا، ثم السياسي والثقافي وتدمير الملامح الرئيسية لهويتنا تسهيلاً لأهدافها الشاملة.

 

وفي الواقع، فأن الثقافة العربية قد ازدادت قوة وثراء من خلال مواجهاتها لهذه التيارات، فقد تفاعلت الهيلينية مع الثقافة العربية ويبدو ذلك بوضوح في أشكال العمارة والأثاث وفي النظم، وبالمقابل تلقت الهيلينية تأثيرات الثقافة العربية، بل أنها تحمل ملامح شرقية وعربية، كما استفادت الثقافة العربية من الثقافة المسيحية والغنوصية التي اعتبرت نفسها وريثة الثقافة اليونانيةـ وبالتالي مدارسها الفلسفية والفكرية الشهيرة.

 

والتيار الشعوبي الذي بدا قوياً عارماً في بعض مراحله أستفز أقلام المثقفين العرب لتفنيد أباطيلها ومزاعمها واعتبرت مساجلات الكتاب العرب في ردودهم على الشعوبية، قطع أدبية وسياسية نادرة، وقد استفادت من هذه المواجهات باتجاهين: فهي من جهة ازدادت خبرة وعمق وتجذرت في تربتها أكثر فأكثر، ومن جهة أخرى استفادت من التعرف بدقة على منجزات تلك الحضارات فازدادت رؤيتها شمولية وأتساعه.

 وبهذا الصدد نذكر، بأن هناك أجداث 60 مليون هندي من سكان أميركا الأصليين قتلوا في حملات إبادة منظمة على يد القادمين الجدد من أصل 80 مليون، كما قتل 200 100 مليون أفريقي أسود، اختطفوا وتعرضوا لحملات صيد البشر من أوطانهم الأفريقية ونقلوا كعبيد إلى أمريكا، ودفنوا في براري الغرب الأمريكي حيث استصلحوا الأراضي تحت سياط المستوطنين في عبودية جماعية.(8)

 

نعم إن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت أمة كبيرة وقوية في عملية تاريخية فريدة من نوعها، تجمع فيها سكانها بين مجرمين ومغامرين وشذاذ آفاق وباحثين عن فرص حياة جديدة، استولوا فيها على أراضي تزخر بكل الثروات وأبادوا فيها شعوباً، ولكن هل استطاعت الولايات  المتحدة تقديم مثل وقيم أخلاقية..؟ وإذا كان التقدم والثراء لا يخدم الإنسان وكرامته وأخلاقه فماذا إذن..؟ وعلى هذا التساؤل يجيب البروفسور الأمريكي جون نيف قائلاً : " لقد أدى ذلك إلى تدهور في الذكاء الفطري والفطنة والذوق" (9) وكذلك: " وهكذا عولج كل ما هو مخجل وأخفيت حقيقته حتى صار شيئاً محترما ً" (10) و " وكانت النتيجة تغليف العقل وتجريده من إنسانيته بوسائل متعددة إلى أن أصبح غير قادر على أن يقدم سوى القليل من الخدمة للإيمان والإنسانية والإدراك المتكامل للسعادة التي كانت لوحدها قادرة على تخليص الناس من أسر الدعاية ".(11)

 

أخبرني مرة دبلوماسي أوربي، كان قد عمل في سفارة بلاده في بروكسل (بلجيكا)، واستطاع أن يتوصل بدقة، أن أصل ثراء كل العائلات البلجيكية هي من حقب النهب الاستعماري في أفريقيا، فأي حضارة يمكن أن يشيد على القتل والتهب والسرقة وهذا ما يفسر انحدار مجتمعات الدول الاستعمارية إلى مستويات مرعبة من الجريمة والإباحية والمخدرات والفساد السياسي والحكومي والأمراض الجنسية الفتاكة.

 

نعم، لقد كانت منجزات عصر النهضة Renaissance رائعة على صعيد العلوم وفتحاً إنسانياً كبيراً وكذلك الثورة الصناعية، إلا أن البورجوازية الأوربية في الدول الصناعية المتقدمة اتجهت إلى قمع الطبقة العاملة في بلدانها أولاً، ثم إلى سحق الشعوب من القارات الأخرى، فخرج المشروع من إطاره وهدفه الإنساني الذي بشر به رواد عصر النهضة. فالمستعمر الأوربي مضى إلى قارات آسيا وأفريقيا والأمريكيتين وهو يحمل السلاح وليس شمعة ديوجين، ويفرض نظاماً استعماريا ينهب ثرواتها الطبيعية وليجعلها أسواقاً لمنتجاته من جهة، وليسلب من جهة أخرى تلك الشعوب مقومات وجودها، من لغة وعادات وتقاليد صناعية بدائية، وتطور كانوا قد أحرزوه ومكتسبات غير بسيطة في معظم الأحيان.

 

وبهذا المعنى، فالاستعمار يعد مسئول تماماً عن سحق حضارات وثقافات كان يمكن لها أن تتطور تطوراً طبيعياً وفد فعل الاستعمار ذلك من أجل فرض أنماط ثقافية وحضارية لتخدم أهدافه بأساليب القمع والقسر فنجم عن ذلك اختلال في أطراف المسالة، فلا الشعوب تمكنت من تطوير حضارتها، ولا المستعمر استطاع أن ينتقل بها إلى مستوى حضاري راق، وتلك لم تكن من غاياته، وجل ما تحقق هو مجتمعات شوهاء فقدت الكثير من أصولها وجذورها وألوانها، وخير مثال على ذلك هي أفريقيا ثم أميركا.

 

وبطبيعة الحال، فأن الهجمة الثقافية الحالية تتميز بملامح عديدة ينطوي البعض منها على ما هو جديد في أسلوبه وأدواته، وابتداء لابد لنا من تشخيص أبرز الظواهر على مسرح العلاقات الدولية المعاصرة، وتحليل الاتجاهات المختلفة وعناصر الموقف الموضوعية منها وأبرزها:

 

أولاً: ـ ظاهرة القطبية الأحادية: ويتمثل هذا العامل باستفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالدور القيادي في الحياة السياسية الدولية واستخدامها لأساليب التهديد والترغيب، وللأمم المتحدة (كشرعية دولية) ومجلس الأمن لتحقيق أغراضها وأهدافها السياسية والاقتصادية، وفرض أنماط اجتماعية وثقافية.

ثانياً: ـ ظاهرة عولمة الاقتصاد: ويتمثل هذا العامل بتسارع وتائر حركة رأس المال المالي (المصرفي) وأتساع حركة الاستثمارات ليصبح العالم بأسره فعلاً سوقاً واحدة بقبضة الشركات المتعددة الجنسية في تعاظم متزايد لدورها.

ثالثاً: ـ الإمبريالية في مرحلة جديدة: ويتمثل بدخول دولة الاحتكار الرأسمالي (الإمبريالية) في مرحلة جديدة، ويتمثل داخلياً باشتداد التمركز المالي وذلك بميل رؤوس الأموال خوض غمار المشروعات الكبرى وقيام الاحتكارات العملاقة في فروع الإنتاج المهمة من جهة، والإقحام المتزايد للأجيال الجديدة من التكنولوجيا المتمثلة بالحاسبات العملاقة والروبوتات و الميكروالكتروتكنيك، والتطور الهائل في وسائل الاتصالات والنقل وفي وسائل العلام المرئية والمسموعة والمقروئة.

 

أما العناصر الذاتية في الحياة السياسية والثقافية العربية، فأبرزها :

 

أولاً: ـ المستجدات في العلاقات الدولية: أثرت المواقف المستجدة على مسرح العلاقات الدولية، على مفردات الموقف السياسي في الأقطار العربية، فهيمنت الولايات المتحدة وإرادتها السياسية، قادت إلى انهيارات(لا سيما في النصف الأول من عقد التسعينات)، مع ملاحظة:

 

 آ   ـ المساعي الفرنسية لبلورة موقف أوربي متميز يلتقي ولكنه قد يختلف أيضاً مع التوجهات

      الأمريكية في تصورها لأزمات للشرق الأوسط.

 ب ـ فشل الولايات المتحدة في طرح مشروعات سياسية وثقافية للشرق الأوسط بسبب المبالغة

      في استعراض القوة وأتباع سياسة الكيل بمكيالين، وتجاهل إرادة وكبرياء أقطار المنطقة و مصالحها.

ثانياً: ـ مشكلات أمام الثقافة العربية: على الرغم من النداءات والمؤتمرات والاجتماعات ولقاءات اتحادات الكتاب والأدباء والصحفيين والمؤتمرات الفنية على تعدد اختصاصها، ولقاءات المسؤولين عن الثقافة والإعلام والقنوات الفضائية والمهرجانات المسرحية والسينمائية والموسيقية، فأن الثقافة العربية ما تزال تعاني الكثير من مشكلات ومعوقات الانتشار، ومن سيف الرقابة، وعدم رعاية المطبوع العلمي التخصصي، وصعوبة انتقال المطبوعات بين الأقطار العربية، وضعف الأجور والمكافئات للعلماء والكتاب، الخلافات السياسية بين الحكومات العربية وانعكاساتها، هيمنة أجهزة الرقابة على المطبوع العربي والأجنبي، نعم هناك الكثير من الظواهر الإيجابية، ولكن ما زال هناك الكثير ما ينبغي التأكيد عليه، وفي مقدمة ذلك رفع القيود عن الكتاب وانتشار المطبوع العربي سواء كان كتاباً أو صحيفة أو مجلة، وكذلك المادة الثقافية، أفلام ورقوق سينمائية أو أعمال فنية وموسيقية.

 

ثالثاً: ـ لهذه وغيرها، شهدت الحياة السياسية العربية تخلخلاً وضعفاً أنعكس بشكل واضح على المستوى السياسي و الاقتصادي والثقافي، فانتهكت كثير من المحرمات الثقافية واعتبرت مجرد وجهات نظر قابلة للطرح والمناقشة، لا سيما تلك التي تتعلق بالتعامل مع العدو الصهيوني فكرياً وثقافيا تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان بالتعاون مع الولايات المتحدة، في حين تمارس من جهتها التطرف التلمودي وسياسة القضم والهضم. وقد شهدت محاولات التطبيع الثقافي جولات ونزالات تعيد إلى الأذهان تلك المساجلات التي كان يقيمها رموز الثقافة العربية بوجه الشعوبية ودعاتها، تلك التي أفادت الثقافة العربية وأكسبتها القوة، فما أشبه الوقائع والنتائج المرتقبة..!

 

وبتقديرنا فأن الجانب الأخطر من الهجمة الإمبريالية على بلادنا يتمثل بالدرجة الأولى بالإخضاع السياسي وذلك ما يسلب القدرة على التطلع إلى المستقبل بحرية واستقلال، أي قمع المشروع النهضوي العربي وفي مقدمة فقرات هذا المشروع :

تقليص حجم التبعية الاقتصادية: وفي تفاصيله الجانب الغذائي(الأمن الغذائي).

تقليص حجم التـخلف العلـمي: وفي تفاصيله التكنولوجي.

تقليـص التـبعية الاجتماعـية: وفي تفاصيله الحفاظ على شخصية مجتمعنا العربي الإسلامي.

تقليص التبـعية الثقافــــية: (الأمن الثقافي)، وفي تفاصيله مفردات التطور الثقافي ـ الحضاري، والسعي لرفع إسهام ثقافتنا العربية في الثقافة الإنسانية العالمية في إطار العمل المشترك مع الشعوب والأمم لأن يكون هذا العالم أكثر إنسانيا وأكثر رخاء وعدالة، والكف عن اضطهاد الإنسان للإنسان، والأمم الغنية القوية للأمم الأقل ثروة وقوة، عالم التعايش السلمي والتعامل القائم على التكافؤ، عالم يشعر فيه أي إنسان، إن أي تقدم علمي بسيط في أقصى بقعة في العالم ينتمي إليه مباشرة، ولكنه يشعر بالمقابل أن أي صفعة يتلقاها أي إنسان ظلماً في العالم يوجعه ويدمي كبرياءه وكرامته.

تلكم هي بتقديرنا أبرز مهمات المثقف العربي المعاصر، وسلاحه في ذلك الكلمة والريشة والأزميل والنوتة وكل عمل إبداعي.

 

والثقافة العربية إذ تواجه تحديات مختلفة، عليها أن تشخص واجهات عملية التسلل، وأن تفرق بدقة بين عملية تفاعل الحضارات وحتميات التطور، وهو أمر لابد منه، بل لا نريد الابتعاد عنه،  وبين تيارات تريد أن تفرغ الثقافة العربية من خصائصها وتحرمها من التطور الذاتي، وعزلها عن تاريخها وإدخال عناصر جديدة غريبة عليها لتندغم في تيارات تصب في النهاية في طاحونة النظام الرأسمالي الاحتكاري العالمي، كمقدمة لجعل بلادنا وسائر البلدان النامية مجرد توابع تدور في فلكها، وبهذا المعنى فأن تيار العولمة Globalization، ليس سوى مرحلة جديدة من مراحل تصاعد النظام الرأسمالي الاحتكاري العالمي، أنه مرحلة الإخضاع النهائي لشعوب الأرض لسلطان الرأسمالية الإمبريالية، باعتبار أن التقدم التكنولوجي والثورة في وسائل الاتصال والمواصلات جعلت من العالم قرية كبيرة، وبلغت فيها الرأسمالية مرحلة خيالية من تمركز رأس المال المالي.

 

وفي المرحلة الحالية تتميز فيها هيمنة الولايات المتحدة بوصفها متروبول الرأسمالية العالمية وتأبى أن تغادر هذا الموقع القيادي ولا تقبل المشاركة فيه، تهدف إلى تعميم ضرب من الثقافة التي لا تلامس جوهر مشكلات الإنسان، ثقافة سطحية تتعامل مع غرائز الإنسان وتشجع فيه روح التفوق والتسلط الفردي والنزوع المطلق نحو الثروة وإحراز النفوذ والهيمنة، وإطلاق لنزعات الجنس الشاذة، أن إنسان العصر الذي قدم منجزات كبيرة بفضل تراكم التجربة والعلم، تضعه في قمقم مشكلاته الذاتية لتخلق منه إنساناً نرجسياً على استعداد لفعل أي شيئ، حتى القتل الجماعي من أجل إشباع نزعاته، إنها نزعات وثقافة وتربية اجتماعية تهدف في النهاية إلى خلق الإنسان الكوزموبوليتي (الإنسان العالمي) Kosmopolit، الذي لا جذور له ولا يؤمن بقضية أو وطن بل بالمصالح والأرباح المادية وأي غرابة في ذلك؟ أليست البراغماتية Pragmatism، وهي جوهر الفكر السياسي الفلسفي للرأسمالية، التي لا تؤمن إلا بالنتائج بصرف النظر عن الأساليب وأخلاقياتها. والإنسان الكوزموبوليتي هو حيوان انتهازي منافق قد يتحول في أي لحظة إلى آلة شرسة مدمرة مكن أجل تحقيق مصالحه الذاتية، وهذا هو سر انحطاط الحياة الاجتماعية في الغرب الرأسمالي لاسيما في الولايات المتحدة، ونجد أصدائها الخافتة في بلادنا حيث تروج لها أجهزة الأعلام الغربية وصنائعهم وأدواتهم، يمكن إيجازها  بما يلي:

 

آ ـ محاولات لإفساد الوعي تقوم بها الحملة الإمبريالية ودفع الإنسان إلى زاوية مصالحه وهمومه الذاتية.

ب ـ عمل مدروس لإسقاط الالتزام بالشعارات العامة، الوطن، الشعب، الدين، القومية، والشعارات ذات الطابع الاجتماعي.

ج ـ العمل على خلق أنماط حياة تضم مظاهر الانحلال والفساد.(12)

 

وتيار العولمة هو جزء من هذه المرحلة، إخضاع العالم للثقافة الرأسمالية، وللمنطق الإمبريالي، ليس بقصد أن تنعم الإنسانية جمعاء بالمنجزات الحضارية والثقافية والعلمية، بل أنه فكر شمولي يهدف وضع شعوب العالم في خدمة الرأسمالية، فهو ليس مشروع خير، بل هو يهدف إلى صهر ثقافات أمم أخرى وإلغاء مميزات كياناتها، ولا يتميز هذا التيار بقدرة واسعة على التكيف والتلون وإمكانية الإصابة بالصدمة الثقافية، ولهذا التيار أعوانه سواء من الحلفاء الطبقيين، أو من المصابين بالصدمة، وممن انهار أمام الترف الرأسمالي، فاختار هذا المثقف أو ذاك الفنان أن يحل مشكلاته الذاتية(مالياً ودعائياً)وكأنه عندما أتجه صوب آفاق الفكر والثقافة والفن والإبداع، إنما كان يبحث عن خلاصه الذاتي، وليس نضالاً والتزاماً بقضية الفن والأدب والثقافة، وهي خدمة الوطن والجماهير والالتزام بقضاياها. إن ضرباً كهذا من (المثقفين)، قد تحولوا نهائياً إلى موظفي علاقات عامه ومروجي سلع وإعلانيين Propagandist مهما أسبغوا على أنفسهم الصفات وحاولوا الاختفاء والتخفي.

 

لن يخيف فوكوياما ولا هنتغتن أحداً، وليست هذه دعوة للاسترخاء بقدر ما هو نداء إلى المثقفين العرب لأن يستلهموا من تاريخ أمتهم وتراثها وموروثاتها ويؤسسوا فوقها، فاعلين متفاعلين مع الثقافة الإنسانية العالمية، فنحن جزء من هذا العالم وتلك حقيقة مادية موضوعية، وقد كنا مؤثرين فيه بدرجة كبيرة، ولابد أن نتأثر فيه بدورنا، ليس مطلوباً الانبهار أمام منجزات الغرب لدرجة فقدان الرشد كما ليس مقبولاً بذات الدرجة أقفال الأبواب والشبابيك، فمن الواضح أننا مستهدفون، وكياناتنا السياسية(المجزءة المشرذمة للأسف)وثرواتنا الطبيعية واقتصادياتنا الوطنية، ووضع الألغام في مجتمعاتنا، وأخيراً الجهاز على ثقافتنا القومية، أو جعلها صدىً باهتا، أو صورة سلبية للثقافة الرأسمالية الشوهاء، وحيال الانبهار والمنبهرين، لابد من وضع خطة مضادةً، ولابد أن تكون هذه الخطة مرنة متفتحة لا تبدي التعصب، كما لن يقودنا الغضب إلى ردود أفعال متشنجة، أن إهانة رموزنا أو التقليل من احترامنا لن يدفعنا إلا إلى المزيد من التمسك بقيمنا الصالحة، ولكننا سوف لن نخطو خطوة واحدة قائمة على الغضب أو تفتقر إلى النضج، وأعلموا أيها المثقفون العرب أن هدف أعدائكم هو جركم إلى ردود الأفعال الغاضبة، وأهملوا حفلة الشتائم والإهانات، ولا تنساقوا وراء ردود الأفعال.

 

لابد للمثقفين العرب من أداء دورهم، وهو الدور الذي يقوم على حراسة المنجزات الثقافية والحضارية وتطويرها من أجل أن تسهم ثقافتنا العربية في الحضارة العالمية، وزيادة حصة هذا الإسهام. والمثقفون العرب مدعون إلى التفاعل فيما بينهم وإنضاج مواقف موحدة حيال التيارات التي تقف ورائها القوى المضادة لحركة التقدم العربية وصياغة برنامج يؤكد على:

 

ـ الانفتاح على الحضارات والثقافات الأخرى والتفاعل معها بإرادتنا على أساس من المبادئ والأخلاقيات الإنسانية التي تمتاز بها الحضارة العربية الإسلامية من جهة، وحماية أجيالنا من أوبئة تسللت إلى مجتمعاتنا التي تروج الإباحية والمخدرات والأمراض الجنسية والشذوذ ومظاهر الفساد الأخرى. 

ـ العلماء العرب مدعون اليوم، كل في اختصاصه إلى إيجاد العلاقة بين المستوى الحالي للعلوم، وبين ما توصل إليه العلماء العرب في عصور الازدهار، أي تجسير الفجوة بين عصور الازدهار وما أعقبها من سبات بعد انحطاط الحضارة العربية، وبين المرحلة الحالية لكي نتحرك على أرضية صلبة ونواصل البناء على أساس متين. لقد آن للجامعات والمعاهد العربية وقد بلغت مرحلة النضج في العمل والتعامل مع المنجزات الحديثة في العلوم، وصياغة نظريات عمل عربية. أن كثير من الجامعات الأوربية تعتبر أعمال العلماء العرب هي الأساس في العلوم التي تطورت فيما بعد على أيديهم في مختلف المجالات العلمية والإنسانية.

 

ـ الابتعاد عن التطرف والتعصب ومعاداة الثقافة الأجنبية لمجرد كونها أجنبية فذلك سيقودنا إلى العزلة، فالأمم الأخرى قد تمكنت من تقديم منجزات رائعة أغنت الثقافة الإنسانية، فكيف لنا أن نتجاهل أعمال فكرية وفلسفية، فنية / أدبية، موسيقية وسينمائية، عدا التقدم الكبير في مجال العلوم الطبية والإنسانية.

 

ـ إبداء الاحترام التام لحقوق الأقليات الدينية والقومية المتواجدة في البلاد العربية، وبهذا تحافظ الثقافة العربية على إحدى مميزاتها وهي ابتعادها عن الصيغ الشوفينية، وتواصل الثقافة الإسلامية في منح الأمان والحرية الأقليات الدينية الداخلين في ذمة الرسول(ص) والخلفاء الراشدين والمسلمين عامة.

 

قلبنا أراء كثيرة كتبت حول الثقافة العربية والتحديات التي تواجهها : العولمة ـ الإنترنيت ـ القنوات الفضائية، وللأسف لابد من القول، أن معظمها أحادي الجانب، أي أنه يركز على جانب واحد من المشكلة، وعلى الأغلب بتهويل وفزع يقطع الأنفاس. ومن أجل بحث مجز لكافة جوانب المسألة، لابد من البحث بدقة وتفصيل، وبحث الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالدرجة الأولى. نعم، نحن نواجه مشكلات من نوع جديد وبأساليب وطرق متفوقة وغير معهودة. ولكن لابد لنا بادئ ذي بدء ألا نضع أنفسنا في موقع معاد للتطور، إذ من المؤكد أن كثير من هذه الأبعاد أو التحديات تحمل إمكانيات العمل في اتجاهين أو أكثر، منها ما قد يفيدنا، ولكن بالطبع مع وجود السلبيات والأضرار وكذلك الأخطار..! ولكن لماذا لا نفكر في الإفادة من الإنترنيت طالما أصبح حقيقة راهنه ! هذه الموسوعة الهائلة من المعلومات بسعر زهيد !إن القنوات الفضائية ومحطات التلفزة الدولية تنطوي على الكثير من الأضرار في مجال تنشئة الأجيال الصاعدة والسموم السياسية، ولكن ألا ينبغي أن يدفع ذلك مؤسساتنا الفنية، السينمائية والتلفازية والإذاعية وغيرها على الارتقاء بمستوى برامجهم والإكثار منها، وأجراء تبادل نشيط للأعمال السينمائية والتلفازية بين الأقطار العربية خاصة وربما حتى الإسلامية؟ وهناك الكثير من الاتفاقيات والمطلوب تنشيطها وتفعيلها.

 

وأعمال أو تعاون مشترك سيقودنا إلى مزيد من تشذيب اللهجات المحلية العربية اقتراباً من الفصحى، بل أن هذه العملية قد تساهم حتى في تعزيز الوحدة الوطنية ضمن القطر العربي الواحد، وما يجري ألان يدور بصورة عفوية أو لأسباب تجارية، يمكن أن تتحول إلى عملية منتظمة. ففي ألمانيا(وهي بلاد مشدودة قومياً) ، لهجات عديدة قد تنعدم إمكانية التفاهم بين لهجاتها، ولكن اللهجات المحلية في طريقها إلى الانقراض، بل هي متلاشية في أوساط المثقفين والإعلاميين والفنانين وقد حلت محلها الألمانية الفصحى.

 

إننا نبحث هذه المشكلات في إطار الحرص على ثقافتنا ومجتمعاتنا، ولكن للأسف أن هناك في  صفوفنا من هو معاد أصلاً للثقافة ولكل فروعها، من فئات وعناصر رجعية، تعيش في هذا القرن بأجسادها، فيما تغفو رؤوسها في القرون الميلادية الأولى! ولاشك أن وجود هذه العناصر، إذا لعبت دوراً مؤثراً (ويبدو أنها تلعب مثل هذا الدور للأسف مرة أخرى) يزيد في الطين بلة والمشكلة تعقيداً. إذن فبين صفوفنا من يسهل التسلل عبر خطوط دفاعاتنا التي تعتمـد بالدرجة الأولى على رد الفعل الغريزي وعلى ثراء الأمة الروحي بدرجة كبيرة.

 

إن الإمبريالية لا تحاربنا بالعولمة(كأداة سياسية واقتصادية وثقافية)، إنها قبل ذلك تمد خراطيمها في أجسادنا وتنهش ثرواتنا بفعالياتها الاقتصادية، وتحاربنا بالطائرة والبارجة وحاملة الطائرات، وبطائرة التجسس اليوتو..وللإمبريالية بين صفوفنا كعرب وكمسلمين حلفاء وأصدقاء في السر والعلن، ولابد أن يدركوا أن هذا الهجوم ليس مناورة، بل هو في غاية الجدية وأنه سوف لن يوفر أحداً، وهو ليس كلام صحافه لا وزن له، فالإمبريالي الفاشي فوكوياما ليس بقالاً في حارة مانهاتن بنيويورك، بل هو مستشار لوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وهو يقرر علناً وليس في ندوات سريه. إن الصدام القادم هو مع العرب المسلمين(قال ذلك في أعقاب انقضاء الحرب الباردة)، وإنه آت لا محالة، وكذلك البروفسور الشوفيني الرجعي صامويل هنتغتن، HANTIGTON، الأستاذ في معهد الدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفارد، وهو الآخر ينتمي إلى الأوساط التي تنضج الفرارات السياسية في أميركا، يكتشف فجأة (هو وليس نحن) أن النظام الرأسمالي يؤمن بالتفوق العرقي ويدعو إلى حروب عرقية، وكأن الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية كانت في المريخ، ولم تكن من ضروب الأنظمة الرأسمالية. بل إن النظام السياسي في الولايات المتحدة يتجه حثيثاً إلى هذه المواقع بسبب الأزمات التي يمر بها النظام الرأسمالي الاحتكاري داخلياً وخارجياً، لذلك فهم يطلقون النداءات المشحونة بالحرب والإبادة، لكنهم يتحولون فجأة إلى مدافعين عن (الديمقراطية) و(حقوق الإنسان) عندما يتعلق الأمر بالبلاد العربية والإسلامية أو الصين الشعيبة أو كوريا الشمالية أو كوبا، وهناك من يصفق لهم إعجاباً أو نفاقاً أو كيداً بجار له يضمر له الحسد.

 

 

 

إننا نطرح على المثقف العربي أن يعمل وفق الحديث النبوي الشريف " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده وإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان" حديث )، أن يكون في مقدمة أمته، قلماً حراً شريفاً، وليس مروجاً لسلع فاسدة يريد مصدروها أن يستولوا على عقولنا أولاً ثم تاريخنا، بل ومستقبلنا أيضاً. أن يكون جزء من درع بلاده وأمته، وجزء من مسيرة التحرر والظفر، وليس عضواً في جوقة مهرجين، وفي معسكر أعداء بلاده وأمته.

 

إننا كمثقفين وكمؤسسات ثقافية وحكومية اعتمدنا لحد ألان على الرد العفوي والدفاع الغريزي، ورصيدنا الحقيقي ومسـتودع أسلحتنا المضادة، هو ثراء هذه الأمة وعمق أسسها وجذورها لم يعبأ في المعركة بعد، ولكن فوق ذلك نحن بحاجة إلى تشخيص وتخطيط دقيق وإقامة صلات حقيقية مع الجماهير، فهي القوة التي تحمي أسوار الأمة، تحمي ماضيها وحاضرها وترسم لها خطوط المستقبل.

 

 

هوامش

 

 

1 ـ الأدهمي، د. محمد مظفر: العولمة والهوية الثقافية، في آفاق عربية، بغداد/1997

2 ـ نيف، جون      : الحرب والتقدم البشري ، ص 460              بغداد/1990

3 ـ كادوز، ف.هـ  : العالم الثالث يفكر لنفسه ، ص 59               بغداد/1981

4 ـ الطعان، د.عبد الرضا  : الفكر السياسي في العراق القديم،ص 51   بغداد/ ـ

5 ـ Rathmann, Pof.Dr. Lother : Geschichte der Araber, Teil 3 s.68 leipzig 1974      

6 ـ                                                                         Ebende Teil 4

7 ـ Alwin, M. Joseph : The American Heritage Book of Indian, P11 USA  1961     

8 ـ مهدي، سامي : الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، الموقف الثقافي، بغداد/1997-7

9 ـ نيف، جون   : نفس المصدر، ص521

 11ـ نيف، جون  : نفس المصدر، ص 512

12 ـ علوش، ناجي: دور المثقف العربي في مواجهة التحديات الراهنة، في الموقف الثقافي،

                      بغداد/ 1997-7

 

 

المركز العربي الألماني برلين

 

المراسلات

 

 Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

لماذا أنهار الغرب

 

ضرغام الدباغ

 

هناك مصدران مهمان، يبحثان في سقوط الإمبراطوريات العظمى في التاريخ: الأول وهو الأهم هو كتاب العلامة العربي الكبير أبن خلدون والذي لا غنى مطلقا عن دراسته وهو " المقدمة " والكتاب الآخر وهو حديث نسبياً وهو للعالم البريطاني / الأمريكي باول كنيدي (  Paul Kennedyصعود وسقوط القوى العظمى

 

لنتأمل ونتخيل، وفاة الاتحاد الأوربي، وأعتقد أنه قد توفي، ولكن إصدار شهادة الوفاة سيستغرق وقتاُ لا أستطيع تقديره ..! وسوف لن يكون هناك بيان يصدر فيه هتاف وصراخ .... كلا .. الناس هناك لا يحتفلون ولا يحزنون بالصراخ والضجيج ..! بل سيتم الأمر بهدوء، وبطريقة توحي لك أنهم استبدلوه بصيغ أخرى ... ولكنه في جميع الأحوال توفي ولا قيام بعده ولا ينفع نطس النطاسون مهما برعوا، في إعادته للحياة ..

 

الحلم الذي حلم به الرئيس الفرنسي ديغول والمستشار الألماني أديناور، والذي أستغرق بناؤه منذ بداية خمسينات القرن الماضي، ثم توالت عملية الطبخ على نار هادئة على يد خلفاؤهما بهدوء لكي لا يثيروا هواجس الآخرين .. الآخرون الذين يرمقون قيام أتحاد كبير، ستشكل كتلة كبيرة في توازنات القوى السياسية / الاقتصادية / العسكرية في العالم، فأن تتقاسم العالم بين طرفين شيئ، وبين ثلاثة أو أربعة أطراف شيئ آخر، وهو أمر غير مستحب للولايات المتحدة، التي ستتهم الأوربيين بقلة الضمير والوفاء، أما (الأطراف) القوة العظمى الأخرى فهي الاتحاد السوفيتي والروس فهم يتقنون العزف على أوتار السياسة الأوربية فسترى أن التناقضات والصراعات ستعم الحلفاء الرأسماليون اليوم أو غداً بينهم، فالتاريخ العالمي لا يعرف حروبا إلا تلك التي كان التوسع وإعادة التقسيم وكسب المزيد من النفوذ والمكاسب ديدنها، دعهم يشعرون بالأمان، فسترى أن الصراع سينشب بعد وقت قصير، وقصير جداً.

 

لماذا توفي الاتحاد الأوربي، وكان يمنح صورة وردية، حين بلغ اليورو في بعض أيامه، دولاراً ونصف الدولار، ولكن تلك كانت في مرحلة انغماس (انحطاط) الولايات المتحدة في حروبها الدون كيشوتية في أفغانستان ثم في العراق، حيث كانت تحرق يوميا مئات الملايين من الدولارات لحروب عبثية لا معنى لها .. حينها انحط الدولار أسوء انحطاطه، وبلغت أوربا قمة ازدهارها، فكان رد فعل الولايات المتحدة، أن القارة الأوربية قد تمثل ثقلاً في التحالف الغربي / المسيحي العريض، وبالتالي فإن نفوذ الولايات المتحدة ماض في التقلص ضمن محيطها، إضافة للتقلص البطئ على الصعيد العالمي بتعاظم  قوة الصين، ومساعي الروس في استعادة هيبة وسطوة الاتحاد السوفيتي، عبر هيمنتها على أسواق الطاقة في أوربا.

 

بغباء مثير للدهشة، راحت الولايات المتحدة تدمر علاقاتها مع دول وكتل كان يفترض أن تحرص عليها اشد الحرص، فخسرت كتلة كبيرة في العالم تربو اليوم على مليار ونصف من البشر المسلمين منتشرين في جميع قارات العالم، وخسرت بسبب جموحها الشديد نحو الهيمنة في أوربا حلفاء وأصدقاء، وتسببت الاعتداءات والحروب التي شنتها على أمم وشعوب كثيرة، وميلها الشديد نحو النهب والسطو،  فالأطماع و السعي نحو السيطرة، ما أفقد العالم الغربي وحدته، ولم ينجم عن استخدامها القوة المفرطة إلا أسوء العواقب بنتيجة إجمالية ملحقة الضرر بالمصالح الأمريكية الاستراتيجية.

 الغريب أن لا تستفيد الولايات المتحدة من تجاربها ونكساتها، الولايات المتحدة لا تقبل بعلاقات صداقة، تحالف، بشروط متكافئة، وحين حاولت بريطانيا وفرنسا أن تتصرفا كقوتين عظميين عام 1956، وشنتا بالتحالف مع العدو الصهيوني العدوان على مصر، بدون استلام الأذن والموافقة من الولايات المتحدة، تلقيا عقابا صارماً قاسياً قذف بهما إلى الوراء كدرجة ثانية من القوى العظمى.

 

الولايات المتحدة كانت هي الساعي من إضعاف الاتحاد الأوربي بدرجة لا تقوى على امتلاك إرادتها، بل وقامت الولايات المتحدة بقيادة تكتلان ضمن الاتحاد الأوربي ضد محاولات ألمانيا وفرنسا في جعل وتطوير الاتحاد الأوربي إلى كيان سياسي / اقتصادي / عسكري قادر على المواجهات. وأسست الولايات المتحدة لها أكثر من رأس جسر في أوربا لهذا الغرض : بريطانيا، النرويج، بولونيا، وربما فلندة أيضاً، بدرجة دعت مؤسسات وشخصيات فرنسية وألمانية، التصريح أن معركة أوكرانيا هدفها هو إركاع ألمانيا وفرنسا ..!

 

ما هي ملامح الموقف الحالي (النصف الأول من عام 2022) في الاتحاد الأوربي ...؟

 

1. انسحاب بريطاني رسمي.

2. الاتحاد يوجه عقوبات لخروج المجر (هنغاريا) وإيطاليا من موقف الاتحاد حيال الأحداث الأوكرانية.

3. مظاهرات في العديد من البلدان تطالب بالانسحاب من أوربا (ألمانيا، فرنسا، جيكيا.

4. تلميحات تصل لدرجة التصريح، في شخصيات ومصادر في فرنسا وألمانيا، أن الحرب في أوكرانيا الهدف الأساسي منها تدمير فرنسا وألمانيا ...!

5. إحياء سياسات العسكرة والتسليح،

 

ولنتأمل كيف وماذا وبأي احتمالات وأي سيناريو، ومفردات سيتم هذا الأمر ..

 

تفسخ الاتحاد الأوربي بشكل تام، بعد أن ستقاتل الولايات المتحدة في أوكرانيا على حساب الأوكرانيين، وستحسب ما تمكنت من ذلك، دولاً أوربية، المتروبولات الرأسمالية الصغيرة تقاتل رغماً عنها من أجل المتروبول الأكبر.

تبقى ألمانيا وفرنسا (مؤقتاً) والنمسا، وهولندة وجيكيا وسلوفينيا ضمن الاتحاد الأوربي (كتلة البلدان الألمانية).

أن تنجح قوى اليمين في عدة دول أوربية بالوصول للحكم، فتنشأ تحالفات جديدة مناهضة للفاشية والنازية والعنصرية.

ستكون أميركا غائبة عن المسرح الأوربي، مع وجود بصمات غير فاعلة لها في: بريطانيا، النرويج، بولونيا.

بعد غياب الوجود الفاعل للولايات المتحدة في أوربا، سيشجع قيام أنظمة تميل للتعاون مع روسيا، وخاصة في شرق أوربا.

تشكيل تحالفات سياسية بين قوى:

الأحزاب الشيوعية السابقة، الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية وخاصة (ألمانيا، فرنسا، النمسا، إيطاليا، أسبانيا).

التكتل الروسي / الأرثودوكسي (روسيا، بيلوروسيا، صربيا، وربما: اليونان، بلغاريا، رومانيا، سلوفاكيا أوكرانيا، عدد من الجمهوريات الصغيرة بعد أن تتضح الصورة الأخيرة).

تكتل البلدان اليمينية (في حاول نجاحها بالوصول للحكم).

 7. ستشهد الولايات المتحدة، في الداخل (هي الآن في مرحلتها الجنينية) تحركات وانشقاقات وصراعات أثنية وطائفية، ستتبلور بين أقطاب رأسمالية بكيانات مختلفة، ولكن بجوهر اقتصادي.

8. باختصار شديد .. الأزمة الأوكرانية أطلقت عمليات سياسية واقتصادية، وصراعات خفية وعلنية، والموقف سوف لن يعود إلى ما كان عليه قبل شباط / 2022، ولكن العملية تفضي إلى تضاؤل قيمة أوربا سياسيا واقتصاديا وعسكرياً.

 

هذه مرتسمات عامة، تحتمل التأخير أو التقدم، وشدة الظروف ستعمل على منح النتائج أبعاد جديدة .... ولكن التحولات انطلقت ولا تحتمل العودة

 

 

 

مشكلات الجرف

 القاري التركي / اليوناني

 

د. ضرغام الدباغ

 

بحر إيجة هو أحد أفرع البحر المتوسط طوله 643.5 كم وعرضه 322 كم، يقع بين شبه الجزيرة اليونانية والأناضول، يتصل ببحر مرمرة عن طريق مضيق الدردنيل، وتطل عليه تركيا واليونان.

 الموقع الجغرافي

يقع بحر إيجة بين اليونان من ناحيتي الغرب والشمال، وتركيا من ناحية الشرق، وجزيرة كريت إلى الجنوب. ويسمَّى أقصى جزء جنوبي من بحر إيجة بحر كريت. ويغطي بحر إيجة مساحة تبلغ 179,000 كم². ويبلغ طوله حوالي 640كم، وعرضه أكثر من 320 كم في أعرض جزء له. ويربط مضيق الدردنيل، الذي يقع في الشاطئ الشمالي الشرقي، بحر إيجة ببحر مرمرة.

 

الجزر

تقع جزر عديدة ـ تسمَى الأرخبيل اليوناني ـ في جميع أرجاء بحر إيجة. وتشكِل تلك الجزر مجموعتين رئيسيتين هما السيكلادية، والسْبُورادية. وقد حققت جزر بحر إيجة الجميلة شهرة في التاريخ الإغريقي والأساطير الإغريقية. وبعض تلك الجزر براكين قديمة، مكوَّنة من الحمم، بينما يتكون بعضها الآخر من الرخام الأبيض النقي. والجزر الأكثر أهمية هي : دِلوس وإيوبوي وساموس ولِسبوس ولِمنوس وباتموس ورودس. وتشكِل الجزر الدوديكانية (Dodecanese ) وأكبرها جزيرة رودوس، جزءا من المجموعة السبورادية. وقد انتزعت إيطاليا الجزر الدوديكانية من تركيا عام 1912 وبقيت تحت السيطرة الإيطالية، إلاً أنها ضمت لليونان بعد الحرب العالمية الثانية. وتشكِل جزر الأرخبيل اليوناني مجتمعةً مساحة تبلغ حوالي 6,470 كم².

 

تنقسم جزر بحر إيجه إلى سبع مجموعات

 

جزر بحر إيجه الشمالية.

ايوبا.

سپورداس الشمالية.

سايكلادس.

الجزر السارونية  أو  Argo-Saronic Islands    .

دوديكانس (أو سپورداس الجنوبية).

كريت.

 

الوضع السياسي للجزر

مثلت مشكلة جزر بحر إيجة بوصفها من مخلفات الحرب العالمية الأولى، بؤرة صالحة للألتهاب، فالكثير من هذه الجزر قريبة جداً من الساحل التركي (بضع مئات من الأمتار)، ومعظمها صغيرة لا تصلح لإقامة السكان، ومع ذلك تصر اليونان بالتمسك بها، بل وتسليحها وهو أمر مخالف للأتفاقية الخاصة بالجزر التي تنص على إبقاءها غير مسلحة.

 

الجزر اليونانية منزوعة السلاح في بحر إيجة

تحيط العديد من الجزر اليونانية الصغيرة (أغلبها ضئيلة الحجم) بتركيا من الحدود الجنوبية الغربية لها، ومع أحتمال تواجد مصادر الطاقة (النفط والغاز) تزايد اهتمام جميع الأطراف بها، وتريد اليونان أن تخلق منطقة بحرية اقتصادية واسعة لهذه الجزر، تمثل أضعاف مساحتها، تاركة لأنقرة مساحة اقتصادية ضئيلة لا تتناسب مع طول سواحلها على البحر المتوسط.

 

وكانت اليونان ودولاً غربية أخرى احتلت أجزاء من تركيا عقب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وبعد تحرير البلاد من الاحتلال بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، فقدت تركيا عدداً كبيراً من الجزر، عبر عدد من المعاهدات ومنها معاهدة لوزان التي وقّعها أتاتورك، بعضها لصالح اليونان، والبعض الآخر لصالح إيطاليا، إذ قامت تركيا بتسليم جزر بحر إيجة لإيطاليا، مقابل تعهد روما بنزع السلاح في الجزر القريبة من الحدود التركية. 

 

وأثر هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، انتقلت السيطرة على هذه الجزر إلى ألمانيا خلال ألعمليات في الحرب العالمية الثانية، وبعد الهزيمة في الحرب سلم الألمان هذه الجزر للبريطانيين، الذين سلموها بدورهم إلى اليونان، وتم تثبيت ذلك في معاهدة السلام بين الحلفاء وإيطاليا عام 1947، مع إنكار حق تركيا في الجزر رغم كونها انتزعت من الدولة العثمانية بالأصل، وتشكل امتداداً جغرافياً طبيعياً للأناضول. وبالتالي فأغلب هذه الجزر نقلت ملكيتها لإيطاليا، ثم ألمانيا، فبريطانيا، ثم أخيراً اليونان.

 

وبأعتبار أن التنقيبات البحرية عن مصادر الطاقة في بحر إيجة ترجح وجود كميات اقتصادية من النفط الخام والغاز، فأبتداء منذ الألفية الثالثة، اكتسبت الجزر في بحر إيجة أهمية سياسية / استراتيجية، اقتصادية / عسكرية مضافة، مما رفع حدة التوتر في العلاقات بسبب الوضع الجغرافي للجزر وبعضها يقترب بمئات الأمتار فحسب من الجرف القاري التركي، يتيح لليونان غلق بحر إيجة، ولا يترك لتركيا سوى ممر ضيق جداً ملاصق للأرض التركية ويحرمها الكثير من المزايا الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وزاد من شدة التوتر وتجاهل المصالح التركية، حين عمدت اليونان إلى تسليح الجزر بما يخالف الأتفاقية الدولية.

 

تصاعد التوتر السياسي حول الجزر

 

ـــ الخميس 10 فبراير/شباط 2022، وزارة الخارجية التركية تعلن أن تركيا ستبحث مسألة السيادة على جزر بحر إيجة ما لم تتخلّ اليونان عن تسليحها، مؤكدة أن سيادة الجزر ستكون موضع شك ما لم توقف اليونان تحركاتها.

 

ـــ أرسلت أنقرة رسالتين إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاك اليونان وضع الجزر منزوعة السلاح في بحر إيجة، مشيرة إلى أن هذه الجزر منحت لليونان بموجب اتفاقيتي لوزان وباريس للسلام بشرط نزع سلاحها، لافتة إلى أن أثينا قد بدأت انتهاك ذلك منذ الستينيات.وعلى مدار سنوات، ظلت قضية جزر بحر إيجة مصدراً للخلاف والتوتر بين أنقرة وأثينا،

ـــ وفي سبتمبر/أيلول 2020، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن اليونان سلّحت 18 جزيرة بشكل مخالف للاتفاقيات

 

الوضع القانوني الدولي لجزر بحر إيجة منزوعة السلاح

يمكن تلخيص الصكوك القانونية التي تحدد وضعاً منزوع السلاح لجزر بحر إيجة الشرقية من منظور تاريخي على النحو التالي:

معاهدة لندن لعام 1913: تُرك مستقبل جزر بحر إيجة الشرقية لقرار الدول الست في المادة 5 من معاهدة لندن.

قرار عام 1914 من ست دول: تم التنازل عن جزر ليمنوس، وساموثريس، وليسفوس، وخيوس، وساموس، وإيكاريا وغيرها، اعتباراً من عام 1914 إلى اليونان بموجب قرار عام 1914 من الدول الست (بريطانيا العظمى، فرنسا، روسيا، ألمانيا، إيطاليا، النمسا، المجر) بشرط إبقائها منزوعة السلاح.

معاهدة لوزان للسلام لعام 1923: في المادة 12 من معاهدة لوزان للسلام تم تأكيد قرار الدول الست لعام 1914. نصت المادة 13 من معاهدة لوزان على طرق نزع السلاح عن جزر ليسفوس وخيوس وساموس وإيكاريا. وفرضت بعض القيود المتعلقة بوجود القوات العسكرية وإقامة التحصينات التي تعهدت بها اليونان كالتزام تعاقدي بالمراعاة النابعة من هذه المعاهدة.

حددت اتفاقية المضائق التركية الملحقة بمعاهدة لوزان الوضع منزوع السلاح لجزيرتي ليمنوس وساموثراس. ونصت على نظام أكثر صرامة لهذه الجزر، نظراً لأهميتها الحيوية لأمن تركيا، لقربها من المضائق التركية.

اتفاقية مونترو (Montro) لعام 1936: لم تحدث اتفاقية مونترو أي تغيير في الوضع منزوع السلاح لهذه الجزر. مع البروتوكول الملحق بالاتفاقية المذكورة، تم رفع الوضع منزوع السلاح عن المضائق التركية لضمان أمن تركيا. لا يوجد في اتفاقية مونترو أي بند يتعلق بعسكرة جزيرتي ليمنوس وساموثريس.

معاهدة السلام بباريس لعام 1947: تم تأكيد وضع جزر بحر إيجة الشرقية منزوعة السلاح مرة أخرى في عام 1947، بعد فترة طويلة من معاهدة لوزان. تم التنازل عن "جزر دوديكانيز" من قبل دول الحلفاء لليونان، بشرط صريح، أن تظل منزوعة السلاح، وهذه الجزر  على مرمى حجر من الساحل الجنوبي الغربي لتركيا.

 

اليونان تنتهك الاتفاقات الدولية بشأن الجزر

كان تجريد جزر بحر إيجة الشرقية من السلاح بسبب الأهمية القصوى لهذه الجزر لأمن تركيا. إذ ترى تركيا أن تفسير هذه المعاهدات يجعل هناك صلة مباشرة بين امتلاك اليونان السيادة على تلك الجزر ووضعها منزوعة السلاح. وتقول إنه "لا يمكن لليونان ، في هذا الصدد، عكس هذا الوضع من جانب واحد تحت أي ذريعة ".

وتقول وزارة الدفاع التركية إن المعاهدات الدولية المذكورة أعلاه سارية، وبالتالي فهي ملزمة لليونان، وتحظر بشكل صارم عسكرة جزر بحر إيجة الشرقية، وتحمل التزامات ومسؤوليات قانونية على اليونان.

وتقول الوزارة مع ذلك، على الرغم من احتجاجات تركيا، فإن اليونان كانت تنتهك وضع جزر بحر إيجة الشرقية، من خلال عسكرة الجزر منذ الستينيات، في انتهاك لالتزاماتها التعاقدية. زادت هذه الأعمال غير القانونية لليونان بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وأصبحت نزاعاً حيوياً بين البلدين. وتتهم أنقرة أثينا بتجاهل النداءات العديدة التي وجهتها تركيا لليونان باحترام وضع هذه الجزر منزوعة السلاح.

من جهتها، قدمت اليونان تحفظاً على الاختصاص الإجباري لمحكمة العدل الدولية بشأن المسائل الناشئة عن التدابير العسكرية المتعلقة بـ" مصالحها المتعلقة بالأمن القومي"، بهدف منع إحالة النزاع حول عسكرة الجزر إلى محكمة العدل الدولية.

 

التبرير اليوناني لعسكرة الجزر اليونانية منزوعة السلاح

تحاول وجهة النظر الغربية التقليل من أهمية هذه المعاهدات، إذ تقول إن مسألة الوضع منزوع السلاح لبعض الجزر اليونانية الرئيسية معقدة بسبب عدد من الحقائق. تم وضع العديد من الجزر اليونانية في شرق بحر إيجة، وكذلك منطقة المضائق التركية تحت أنظمة مختلفة من نزع السلاح في معاهدات دولية مختلفة. وقد تطورت الأنظمة بمرور الوقت، ما أدى إلى صعوبات في تفسير المعاهدات.

وتقول اليونان إن من حقها عسكرة جزرها في نفس السياق مثل بقية أوروبا، حيث توقف تطبيق قانون نزع السلاح على الجزر والأقاليم مع إنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو، أي وقف نزع السلاح من جزر بانتيليريا الإيطالية، ولامبيدوزا ولامبيون ولينوسا وألمانيا الغربية من جانب الناتو، ووقف نزع السلاح من بلغاريا ورومانيا وألمانيا الشرقية والمجر من جانب حلف وارسو، ووقف نزع السلاح فنلندا. من ناحية أخرى، تدين تركيا هذا الأمر باعتباره عملاً عدوانياً من جانب اليونان، وخرقاً للمعاهدات الدولية.

ولكن يجب ملاحظة أن السياق العام مختلف، فوقف تطبيق نزع السلاح كان مرتبطاً بالصراع بين الكتلة الشرقية الأوروبية بزعامة الاتحاد السوفييتي والكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة، وهو نزاع جد بعد الحرب العالمية الثانية، بينما النزاع اليوناني التركي أقدم، والمعاهدات التي فرضت عدم عسكرة الجزر اليونانية جاءت لتنظيم هذا النزاع.

 

أبعاد الصراع التركي اليوناني في البحر المتوسطـ

 

مرت العلاقات التركية اليونانية ، بفترات من المد والجزر منذ استقلال اليونان عن الإمبراطورية العثمانية عام 1832م ، نشأت هذه الخلافات التاريخية بينهما بسبب الحدود البحرية ، وملف جزيرة قبرص ، بالإضافة إلى خلافات جديدة تتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز في منطقة حوض شرق البحر المتوسط وإيجة

حصلت اليونان ، بموجت معاهدة لوزان عام 1923م ، على مجموعة من الجزر في منطقة إيجة ، لا تبعد هذه الجزر عن الحدود التركية في منطقة إيجة سوى كيلومترين ، بل امتد الصراع إلى منطقة حوض البحر المتوسط الموجود فيها جزيرة قبرص، وذلك مع سيطرة تركيا على 37% من الجزء الشرقي لجزيرة قبرص عام 1974م ، التي أصبحت عقبة أمام تحسن العلاقات بين البلدين منذ عقود .

تركيا ترى أنه من غير المنطقي المطالبة بجرف قاري 40 ألف كيلومتر لجزيرة ميسالصغيرة ، وأن هذا الأمر مخالف للقانون الدولي .

تواصل تركيا كفاحها ؛ للدفاع عن حقوقها النابعة من القانون الدولي في المنطقة، وقد اشتد الصراع شرقي البحر المتوسط ، اعتبارًا من عام 2000م ، في أعقاب اكتشاف حقول الغاز، لتشرع دول المنطقة في تحديد نفوذها البحري .

بيد أن الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها قبرص اليونانية مع كل من مصر عام 2003، وإسرائيل عام 2005م ولبنان عام 2007، هي بداية الصراع الحقيقي في حوض البحر المتوسط، حيث تجاهلت حقوق القبارصة الأتراك، رغم عدم التوصل إلى حل لأزمة الجزيرة القبرصية، الأمر الذي عارضته تركيا وقبرص التركية بشدة ، بل واعتبرته أنقرة انتهاكًا صارخًا لجرفها القاري .

لقد اعتمدت قبرص اليونانية في هذه الاتفاقيات التي عقدتها مع دول المنطقة بشأن تحديد الحدود على مبدأ المسافة المتساوية، المعتمد لدى بلدان اليابسة ، إلا أن هذا المبدأ ليس قاعدة معتمدة في تحديد حدود الجرف القاري ، والمنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدان . في المقابل ينص القانون الدولي وقانون البحار التابع للأمم المتحدة على مبدأ التقاسم المتساوي، في تحديد الجرف القاري والمناطق الاقتصادية الخالصة، وعلى أن الجزر تنال مساحات أقل من بلدان اليابسة بحسب مبدأ " الإنصاف " .

تحاول اليونان السيطرة على جميع الموارد الاقتصادية في حوض البحر المتوسط ، وحصار تركيا في شريط ضيق رغم أنها أكثر الدول إطلالًا على بحر إيجة والمتوسط  متذرعة بجزيرة " كاستيلوريزو "  باليونانية و " ميس"  بالتركية، وتبلغ مساحتها 10 كيلومترات مربعة ، وتبعد عن البر اليوناني نحو 580 كيلومتر، وتتبع لها عمليًا بموجب اتفاقيات دولية ، وتبعد عن البر التركي نحو كيلومترين، وتطالب اليونان بجرف قاري لهذه الجزيرة 40 ألف كيلومتر، لكن تركيا ترى أنه من غير المنطقي المطالبة بجرف قاري40 ألف كيلومتر لهذه الجزيرة ، وأن هذا الأمر مخالف للقانون الدولي .

كانت شركة " نوبل إينرجي " (ومقرها تكساس)  أول من أعلن عام 2011  اكتشاف الغاز قبالة قبرص في حقل " أفوديت "  الذي يقدر احتضانه 4.5 تريلون قدم مكعب من الغاز الطبيعي ، واستمرت قبرص بالاتفاق مع دول عدة دون الرجوع لتركيا .

عام 2014م أعلنت تركيا " قواعد الاشتباك "  في حوض المتوسط ، وأشارت من خلالها إلى استعدادها للتصدي لأي محاولة للتنقيب في جرفها القاري والمياه الإقليمية لقبرص اليونانية دون اتفاق معها، وإثر ذلك اعترضت سفن حربية تركية سفينة التنقيب التابعة لشركة " إني " الإيطالية المتعاقدة مع قبرص اليونانية في حوض البحر المتوسط ، لأن البوراج تقوم بمناورات عسكرية في المنطقة عام 2018م .

تُعتبر الاتفاقية التركية الليبية ، مكسبًا سياسيًا وقانونيًا مهمًا لتحركات تركيا في البحر المتوسط ، رغم أنها لا تعتبر الحل النهائي للخلافات القائمة

تُعتبر الاتفاقية التركية الليبية ، مكسبًا سياسيًا وقانونيًا مهمًا لتحركات تركيا في البحر المتوسط، رغم أنها لا تعتبر الحل النهائي للخلافات القائمة بشأن مناطق النفوذ البحرية في المنطقة .

في الآونة الأخيرة وصلت العلاقات بين البلدين ، إلى التصادم المباشر في المنطقة، إثر إعلان تركيا إخطارا يُعرف باسم " نافتكس"  لإجراء مسوح اهتزازية في منطقة من البحر، بين جزيرتي قبرص وكريت في 21 من يوليو / تموز من العام الحالي ، تحت إطار مُذكرتي التفاهم التركية الليبية، اعتبرت اليونان هذه التحركات محاولة للتعدي على جرفها القاري، أي الجرف القاري التابع لجزيرة " ميس "، وترى أنقرة أن هذا مخالفًا للقانون الدولي وقانون البحار .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 المصادر

1. الموسوعة الألمانية.

2. بحث كتبه الطالب العربي محمد عبد الكريم العلي.

3. كونسيريتوم : اتحاد مالي بين بنوك أو شركات من أجل هدف مشترك

 

المركز العربي - الالماني

 

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

 

مصير نظام ولاية الفقيه

 

ضرغام الدباغ

 

 

الأجراس تقرع ... فالمستحقات التاريخية قد أزفت، والصخب يعلو، تسمع حتى من به صمم، أن العالم بأسره على شفا متغيرات عميقة، ومن  لا يمتلك حساً تاريخياً سيفوته التحرك وفق الإيقاع الصحيح، وقد يخسر المباراة، ومن لا يؤمن بالشعب وبحركة التاريخ، سيقع في أوهام يحيكها بنفسها، ثم يقع فيها كشراك هو وليس غيره، وسيكون خارج جدول المباريات.

 

عام 1985، كنت ببغداد في جلسة مع 3 أصدقاء مخلصين، يمكنك التحدث أمامهم دون تحسبات، أن التيار السياسي الديني الإيراني قوي، لأنه يستولي على ذهن قليلي الثقافة والتعليم، وهم للأسف الأكثرية في إيران(وفي مجتمعات الشرق عموماً وإن بنسب متفاوتة)، قلت لأصدقائي، أن التيار الديني سيحكم إيران لنحو نصف قرن إلا إذا حدث أمر ما بتأثير خارجي. والتأثير الخارجي دائماً مؤثر في إيران. ومن يقرأ التاريخ بعلمية، يعلم أن المخابرات الأمريكية أسقطت حكومة د. مصدق عام 1954 أسقطت بواسطة مصارعي الزورخانات، ومدلكي الحمامات، وشقاوات وزعران البازار.

 

خلافاً لما يعتقده الكثير، وتروج له دوائر الغرب (مع معرفتها بأنه خطأ) أن إيران كيان سياسي حديث، والتاريخ لم يعرف كياناً بهذا الاسم إلا عام 1935، والمساحة خلف جبال زاغروس تناوب على الهيمنة عليها شعوب كثيرة من بينها الفرس، وبينهم سلالات تركمانية وآذرية/ تركية، وتسمية إيران تلفيق ابتدعته بريطانيا لتأسيس كيان يكون تماماً تحت خدمة مشاريعها السياسية. وله وظيفة واحدة، أن يقف حاجزاً بوجه الاتحاد السوفيتي، ويلعب دور المشاغب صانع مشاكل (Troublemaker) في الشرق الأوسط.

 

والغرب لا يهتم كثيراً من يقود الدفة، يهمه أن يقودها صوب أهداف يحددها هو، وفي حالة الفشل، أو ضرورات أخرى تحكمها السياسة، يمكن استبدالها بشخص آخر، ليس شرطاً ماذا يرتدي، عساه يرتدي مايوه سباحة، المهم أهدافنا ..! وهذه لعمري ممارسة صحيحة للبراغماتية ...! والغرب هو صانع الكيان السياسي المسمى إيران، لذلك هو من يحدد شكل وطبيعة الأهداف المقبلة، ومن سيلعب دور البطولة والأدوار الثانوية.

 

نظام الملالي كان خير من يحكم هذه الرقعة الجغرافية المستولى عليها والتي يمثل الفرس فيها الأقلية الأكثر تأثيراً، والكيان الذي أسسوه كان مهمته سلب العرب إقليم الاحواز لكي لا يصبح الخليج العربي بحيرة عربية، ولكي لا يضاف احتياطي نفطي هائل للأمبراطورية النفطية العربية. واقتطعوا بلوشستان من أفغانستان، لكي لا يضيفوا قوة 5 ملايين إضافية على قوة سكان افغانستان 40 مليون نسمة،  أما الآذريون فيمثلون حجارة سنمار في البيت الإيراني، إذا اقتلعت، وهي ستقتلع يوماً، للالتحاق بالوطن الآذري في الشمال، ينهار الكيان الإيراني بأسره، وتكون نقطة انطلاق لفعاليات تركية في عموم منطقة أواسط آسيا.

 

بوجيز العبارة، إيران كيان خلق لأغراض وغايات الدول الاستعمارية، ولهذا فأن مصيره بصرف النظر عن هوية النظام الذي يحكمه (قاجاري، شاهنشاهي، ولاية فقيه)، هو بنسبة كبيرة بيد وإرادة الدول العظمى. ونظام الملالي (ولاية الفقيه) الذي  تأسس عام 1979 تحت إشراف ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية هو مقبول ومدعوم ومسكوت عنه وعن جرائمه، طالما هو منفذ مطيع (كمحصلة) للتوجيهات، ولكن في اللحظة التي تصبح الخسائر أكثر من الأرباح، وأضراره أكثر من منافعه، تكون نهايته قد حلت.

 

نظام ولاية الفقيه نظام رجعي في فحواه وسداه، لذلك فهو معاد للتاريخ، ومعاد للتقدم ... وهذا العداء يتمثل بجلاء بالنتائج المادية لما يطلق عليه بالثورة الإسلامية، فهو في عداء مستحكم بكافة الشعوب المجاورة، فالنظام لا ينتج سوى الصدامات الدموية وأدواته من القوى والتشكيلات التي قائمة على مذهب التوسع بالقوة، ومنع عمليات التطور التاريخية في التنمية، ويصر على تصدير الخرافات الغيبية التي تتعارض مع جوهر التقدم والتنمية، وقمع دموي للقوى التقدمية في الداخل الإيراني وفي دول المحيط، وهذه النتيجة السوداء تضعه كمساعد أول للهجمة الإمبريالية على مشاريع التنمية والتقدم، وأن حالة العداء لا تتعدى الشعارات اللفظية، وأن النظام الإيراني (ولاية الفقيه) يقف في مقدمة المعوقات الحقيقية لمساعي بلدان وشعوب المنطقة في التحرر والتنمية.

 

الشعب الإيراني بكافة مكوناته، لأنه في الواقع مقدمة ضحايا هذا النظام المتخلف الدموي، هو في مقدمة من أدرك الطبيعة التراكبية للنظام، وهو ليس سوى أداة من أدوات حرف المسيرة التاريخية عن طريقها، لذلك يقدم الشعب الإيراني التضحيات بسخاء من أحل الخلاص من نظام الملالي، وما انتفاضته الحالية (أيلول / 2022) إلا حلقة في سلسلة ثورته التي ستتوج بالنصر .. كثمرة مستحقة للنضال الوطني، فالجماهير تهتف في الشوارع الإيرانية " آزادي " حرية .   والنظام يقمعها بوحشية وحراب  ما يسمى بالحرس الثوري، تحت وطأة غبار الخرافة والتخلف الولاءات الغير شرعية.

 

سينتهي كل هذا يوماً .... ويصبح من الماضي، والنظام الاسود الذي تريد أن تصدره بدعم الإمبريالية العلني والخفي سيرتد يوماً مدحوراً .. وستعيش الشعوب مرحلة جديدة من البناء والتعمير والتعاون المثمر المفيد سياسيا واقتصاديا وثقافياً. يوم سيأتي حتماً مهما غلت تضحيات النضال.

 

الزيادة كالنقصان

 

ضرغام الدباغ

 

 

هذا المثل / الحكمة، العربية الرائعة، وفي السياسة يقابلها التطرف (وقد كتبنا عن مخاطر الانزلاق للتطرف في مجال السياسة)، والزيادة مبالغة والمبالغة مأزق لا يقل ضررا بل ويصل لدرجة الخطورة وسوف أشرح ذلك.

 إذا أردنا أن نصل بسرعة فائقة لبيان جوهر أمر ما نقصده، يمكن أن نضرب مثلاً بنوع من الأدوية التي تسمى "المنقذة للحياة"، " life-saving medicines " وتحدد الوصفات التي تحتوي على الاستخدام الدقيق جداً للدواء، فقرة تنص، أن المريض وفق درجة حالته، عليه أن يأخذ نصف حبة، أو ربع حبة، أو نصف حية، أو حبة، أو حبة ونصف أو حبتين، وحين يأخذ نصف حبة يجب أن تقسم الحبة إلى نصفين متساويين بدقة تامة، وأي زيادة ولو بالمليغرام الواحد قد تكون مميتة ..!

 وكمثال أقرب أن هناك من أنواع الدواء ذا فعالية شديدة، ما أن يتناوله المريض يكون فعالاً في الشفاء، ولكن حبتان أو أكثر قد تؤدي إلى وفاته ..! وكم سمعنا وقرأنا من المشاهير انتحروا بتناول كميات كبيرة من حبوب العلاج ...!

إذا كان المثالان أعلاه واضحان بدرجة حاسمة، فإن الزيادة والنقصان في التعامل الإنساني يقترب أيضاً من الحسم بهذه الدرجة. وسأضرب بعض الأمثلة. فألتهام كمية كبيرة من الطعام اللذيذ سيؤدي للتخمة، ومراجعة المستشفى، وربما بحالة خطرة، كذلك فأن المحبة المفرطة وتدليل الطفل هي أفضل طريقة لإفساده وتدميره، والأم وأحيانا الأب يفعلان ذلك بدوافع المحبة الزائدة .. ولكنهما لا يدركان فضاعة ما يفعلان وغالبا بسبب الجهل.

 

بوسعي أن أضرب الكثير من الأمثلة المدهشة، الاجتماعية والصحية والتربوية. ولكنني أريد هنا أن أتوجه للموضوعات السياسية، فأقول، أن الزيادة في السياسة هي المبالغة، والمبالغة في الشيئ تعني التطرف فيه، وقد نصل إلى ذات النتائج العكسية كما في العملية الاجتماعية والتربوية. فالتطرف اليساري، يؤدي إلى موقف يميني، والتطرف في اليمين، يقود إلى الرجعية، والقبول بالبراغماتية كدليل نجاح أسليب العمل، سيؤدي إلى التنازل عن المبادئ، واليساري حين يصبح براغماتياً، يحلل لنفسه ما يتناقض مع الآيديولوجيا. فبحر السياسة فيه تيارات ودوامات مغرقة مهلكة.

 

أريد القول، أن على الذي يتعرض لموقف مهم وحاسم، عليه أن يقيم توازناُ بين الواقع الموضوعي ومعطياته، وبين المصالح العليا التي يريد السياسي تحقيقها ومعضلاتها. وإذا كان تحقيق المصالح العليا هي الهدف الاستراتيجي العام، فعلى السياسي أن يضع خططه، بحيث لا يتعرض موقفه إلى مأزق، بحيث يضطره التنازل عن جزء (غير معروف حجمه)، ولكي تكون خطواته موزونة مدروسة بعمق، (والسياسي المتمكن من مهنته)، عليه أن يدرس ردود فعل  الطرف المقابل/ الأطراف، وحتى ردود الفعل المحتملة، وتفاصيل الموقف برمته بكافة عناصره.

 

وإذا كنت تمتلك عناصر القوة، فلا تبالغ في أستخدامها، ولا تظهر التطرف والغلو، ولا تميل إلى إطلاق التصريحات السخية فكلمة لا داع لها قد تتسبب لك بمشكلة، أنتق عبارت حديثك، وتأمل دائماً موقف خصمك، وضع نفسك مكانه، ودع له فرصة ليجلس على طاولة المفاوضات، والخصومة حالة مؤقتة، والأفضل أن تتمكن من أن تحيلها إلى تعاون ومراعاة مصالح الطرفين.

 

استخدام القوة ستكون سببا مؤكداً أن تستخدم القوة ضدك وربما بقوة مضاعفة، وعليك أن تعلم أن لا أحد يسلم بحقوقه، ويتنازل عنها بالقوة، وحتى الأتفاقات تحت الإرغام هي اتفاقات لا أمد طويل لها، وضعت بكم ظروف سياسية، وسيعاد النظر بها في ظروف سياسية، بل وقد تخسر أكثر منها ...

 

 

الأمم المتحدة

 

ضرغام الدباغ

 

للحق لا يمكن وصف تراجع أداء الأمم المتحدة بالجديد ، فقد تعاملت الولايات المتحدة بوصفها دولة المقر، دائماً على أن الأمم المتحدة والمنظمات الاقتصادية الدولية تعمل (غالباً) وفق مشيئتها، ولاسيما المنظمات الاقتصادية،(صندوق النقد الدولي " IMF  " والبنك الدولي للتنمية والاعمار ." IBRD ") وقد نشرنا قبل سنوات، أن الأمم المتحدة كانت تتلقى " التعليمات " من وزارة الخارجية الأمريكية حتى في أعز أيامها،  وليست هناك سوى مرات نادرة خرجت فيها الأمم المتحدة عن إرادة الولايات المتحدة، ولا سيما في تلك التي تختص بالقضية الفلسطيني،. وفي المقدمة القرار التاريخي الذي وصف الصهيونية بالعنصرية.

تشهد الأمم المتحدة في تاريخها على مستوى الأمناء العامون (9 أمناء) قدرتها في عملية اختيار الأمين العام، ثم بممارسة نفوذها خلال عمله، وفي قضية التمديد له ولاية جديدة (استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ضد إعادة انتخاب الدكتور بطرس غالي لولاية ثانية)، وهناك شكوك تحوم حول مصرع الأمين العام الثاني السويدي داغ همرشولد بحادث طائرة مدبر، لأن مصرعه (أيلول / 1961) كان ضرورة في مسار القضية الكونغولية.

وكان التعامل مع الأمم المتحدة يجري على أنها تقع تحت نفوذ الولايات المتحدة،  وحتى في مرحلة ذروة الحرب الباردة كانت الأمم المتحدة تعمل بتوجيه من وزارة الخارجية الأمريكية ونجد تلميحات وتصريحات، بهذا الصدد، ومنها موقف الأمم المتحدة أبان الأزمة الكوبية (تشرين الأول / 1962)، ورغم ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة على منح تأشيرة الدخول (الفيزا) إذ كانت تلجأ إلى المماطلة والتسويف، ولكن دون الامتناع الصريح.

منذ عام 1989 وحتى نيسان / 2003 ناصبت الولايات المتحدة العراق حالة العداء،  وكانت منظمة الأمم المتحدة للأسف إحدى الأدوات السياسية الرئيسية التي استخدمتها الولايات المتحدة في العدوان على العراق، باستخدامها المنظمة كأداة لاستصدار القرارات المبنية على أدلة مزورة، أو بممارسة الضغط  السياسي والرشوة.

ومن المؤسف القول أن اختيار الأشخاص لمنصب الأمين العام كان أمرا يخضع للعوامل السياسية، وعلى الأرجح بالقدر الذي يتيح للولايات المتحدة ممارسة الضغط على الأمانة العامة، وبعض الأمناء العامون من أميركا اللاتينية وأفريقيا، كانوا عرضة للضغط السياسي والمالي، فلم يتمكنوا من أداء واجبهم بعيدا عن الضغط الأمريكي إلا نادرا. أما فرق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، فقد كانت عبارة عن فرق تجسس واضحة بصورة تامة، تابعة للولايات المتحدة، وفيما بعد، كشفت الأحداث اللاحقة أن هؤلاء لم يكونوا سوى عملاء لوكالة المخابرات الامريكية، سواء المواطنون الأمريكيون منهم، أم من حملة الجنسيات الأجنبية المختلفة، فقد عملوا وفق عقود مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

أما خلال الأزمة الأوكرانية الحالية (شباط / 2022 فصاعداً) فقد تجلت الهيمنة الأمريكية على المنظمة بأوضح صورها، حين امتنعت عن منح وزير الخارجية الروسي التأشيرة اللازمة للهبوط في مطار نيويورك، من أجل حضور الجلسات العامة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، كما بدا واصحاً أن الأمين العام نفسه ليس سوى ضحية للتهديد والأبتزاز، وليس بوسعه أتخاذ حتى القرارات البسيطة.

تطرح هذه المعطيات وغيرها، التي تعطل عمل المنظمة الدولية، وتخرجها من إطار العمل الجماعي، إلى الضرورة الحاسمة لاستبدال المقر العام للأمم المتحدة، إلى بلد يستطيع مواجهة الضغوط الأمريكية، كفقرة أولى في الملف الدولي الذي يحمل عنوان ... " الحاجة الماسة لإصلاح جذري لمنظمة الأمم المتحدة ".

 

هل يتجه العالم لتصفية آثار

 

ونتائج الحرب العالمية الثانية

 

ضرغام الدباغ

 

مثل التوسع هدف الحروب الاستعمارية في ظاهرها وجوهرها، التوسع والضم والإلحاق، ونهب ثروات البلدان المستعمرة، وفي حالات كثيرة كان سكان وشعوب البلدان التي تتعرض للغزو الاستعماري يستخدمون جنوداً بالسخرة ووقوداً لحروب وفتوحات استعمارية، وضحايا مجانية للحروب الاستعمارية.

وكما في معطيات الطبيعة، هناك ما يطلق عليه في علم الجيولوجيا، الهزات الارتدادية (Aftershock) فكثيرا ما تقود الحروب الاستعمارية إلى حروب أخرى، ذلك أن المنتصرون في الحرب غالباً ما لا يحكمون العقل بقطف ثمار انتصارهم، فيبالغون في الاستيلاء على ممتلكات المنهزم، من منقولات: ممتلكات مصانع، وأموال وذهب، يتحولون بعدها إلى تقاسم ما يمتلك من مصادر ثروات غير قابلة للنقل، أراض ومصادر ثروات طبيعية ومناطق استراتيجية، موانئ، منافذ بحرية، إطلالات استراتيجية ...الخ

وإذا كانت الثروات والغرامات قضية يمكن أن تتجاوزها الدول بمرور الزمن، ولكن المناطق المستولى عليها (عبر اتفاقيات الإذعان) ستمثل عقدة يصعب حلها في العلاقات بين الدول، ولا سيما بعد زوال الظروف السياسية التي أدت إلى الصراع المسلح، وقيام معطيات جديدة وآفاق جديدة تستلزم العمل والتعاون السياسي/ الاقتصادي، وبالتالي العمل كفريق حيال مهمات ومستحقات حديثة، ستحول تلك العقد دون المضي  في قدما في مجالات التعاون، وستمثل عائقاً، وقد تقود إلى بؤر خلاف تحتمل الالتهاب والتطور إلى أزمة، والأزمة قابلة للتصعيد إلى حالات ومواقف قد لا تنجح الدبلوماسية في نزع فتائلها.

في أروقة الأمم المتحدة (ولابد من قول أنها لم تنجح تماماً في حل المشكلات وبؤر التوتر)هناك دوائر مختصة بدراسة الملفات العالقة، والتي تمثل قنابل موقوتة قابلة للألتهاب والانفجار في أي وقت، ومن يقرأ هذه الملفات يلاحظ أولاً كثرة عددها، وثانيا أنها تعود للعصور الاستعمارية والحربين العالميتين الأولى والثانية، فالمستعمرون حين اضطروا إلى مغادرة البلاد، خلفوا ورائهم مشكلات تستعصي الحلول، فيندر وجود إقليم في أوربا وآسيا (شبه القارة الهندية) وأفريقيا وأمريكا اللاتينية(جزر المالوين / فوكلاند)، تخلو من هذه المشاكل. ورغم مرور عقود على بعض تلك المشاكل إلا أن الملفات الشائكة ما تزال على الطاولة يمكن طرحها في أي وقت، وتلقي بظلالها القاتمة على العلاقات بين الدول.

وكان الروس قد اضطروا في الحرب العالمية الأولى وبعد ثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى، إلى عقد معاهد صلح إذعان (معاهدة صلح بريست) مع ألمانيا، تنازلوا فيها عن أراضي واسعة ومدن، وثروات طبيعية، ولكنهم في سياق تطور الحرب العالمية الثانية، تمكنوا من استعادتها، وهناك مقاطعات أخرى تنازل عنها الروس طوعا، (فنلندة، بولونيا)، أو بسبب قيام الكيان السوفيتي التي استلزم بعض التعديلات الهامة، فتنازل الاتحاد السوفيتي (طوعاً) عن أقليم القرم (شبه جزيرة القرم) لصالح اوكرانيا وخلق كيان لم يكن موجوداً، وافق الروس على إنشاؤه (أوكرانيا). ولكنها اليوم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، تطرح جمهورية روسيا الاتحادية في خضم توتر دولي، مسألة إعادة النظر في تلك التعديلات.

في أوربا مسألة أخرى تطرح نفسها بوصفها ملفا ساخناً، هي جزر بحر إيجة المتنازع عليها بين تركيا واليونان، فهذه أخذتها من تركيا (بعد الحرب العالمية الأولى)رغم أن معظمها لا يبتعد علن الساحل التركي سوى مئات الأمتار أحياناً، وهو ما يخالف القانون الدولي، ومنح بعضها الآخر لإيطاليا، وبعد الحرب العالمية الثانية اعتبرت إيطاليا من الدول المنهزمة، أخذت منها الجزر وسلمت لليونان، ولكن القرار الدولي نص أن تكون الجزر وكثير منها غير مأهولة، أن تكون غير مسلحة، ولكن اليونان أخذت تدريجيا مستفيدة من أجواء التوتر الدولي، تسلحها وتعتبرها من ضمن ملكيتها، وتضمها للمناطق الاقتصادية لها، بما قد تتوفر بها والمياه المحيطة بها من ثروات طبيعية، وهنا تتفاقم مشكلة من غير المستبعد أن تقود لنزاعات دولية.

وتعسف المنتصرون في ختام الحروب، قد يتجاوز في مداه ما هو محتمل ومقبول، لذلك يشتهر المثل " الحروب تلد حروب أخرى ". والمقصود بنتائجها وآثار ها الجائرة، وهذه تجلت بشكل متعسف في معادة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى في أوربا والشرق الأوسط، ومن تلك إضعاف ألمانيا بدرجة متطرفة وسلبها أراض وطنية عريقة تاريخياً  مثل بروسيا الشرقية، فدولة بولونيا لم تكن موجودة قبل الحرب العالمية الأولى، ولكن بأراض اقتطعت من روسيا وألمانيا تأسست دولة بولونيا كما أن دولة جيكوسلوفاكيا لم تكن موجودة، وكذلك دولة المجر ويوغسلافيا.

وإذا كانت الحروب فرصة للتوسع، وتحقق الدول المنتصرة من خلالها إرادتها ليس في التوسع فحسب، بل وإضعاف الدول المنهزمة إلى أقصى درجة ممكنة بحيث لا تشكل خطرا في المستقبل القريب والبعيد. ولكن لا شيئ كالسياسة موضوعة قابلة للتغيير والتطور، فالضعيف لن يبقى ضعيفاً إلى الأبد، وكذلك الصغير، فهذه معطيات قابلة للتغيير، وتطرح نفسها كمستحقات بعد تغير ملموس على مسرح العلاقات الدولية.

والحقيقة أن كل من هذه الملفات تحتاج لبحوث معمقة ولكن ما نريد قوله، أن النظام العالمي بدأ يتفتت، والدول التي سلبت منها أراض بنتيجة الحروب العالمية(الأولى والثانية) تلمح اليوم مطالبة بتسويات جديدة، وأن المنتصرون تعسفوا كثيراُ وألحقوا أضرارا جسيمة آن اليوم وقت تصحيحها. فالأراضي الألمانية التي انتزعت من ألمانيا وضمت لبولونيا خاصة، اليوم تلمح الحكومة البولونية أن ألمانيا ترمقها بعين المطالب بعودتها للوطن الألماني.  وكذلك تركيا تطالب بجزرها في بحر إيجة القريبة من سواحلها، وهي مطالب تبدو عادلة وتستحق إعادة التسوية.

وكما في أوربا، فهناك ملفات وبؤر قابلة للأشتعال في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، من مخلفات الحربين العالميتين، والعهود الاستعمارية، تم تصفية بعضها، ولكن ما تزال أخرى مطروحة تنذر بهبوب العواصف .

هذه ملفات نعد قراءنا بأن نبحث كل منها على حدة. في اليوم من الملفات التي وضعت تحت المجهر ...!

 

 

الشهور القليلة المقبلة ستحدد

 مسارات السياسة الدولية

 

ضرغام الدباغ

 

نشر الصديق الصحفي البارز ليث الحمداني في جريدته الورقية " البلاد " التي يصدرها في كندا / اونتاريو، العدد 245 / آب / 2022 الصفحات 28 / 29. مقالا في غاية الأهمية، مترجماً عم المجلة الامريكية المشهورة "    Foreign Policy  " السياسة الخارجية ". للكاتب ميشائيل هيرش (Michael Hirsh)  والمقال بعنوان

 "We are now in a Global Cold War  "  وقدمها مترجمها للعربي بعنوان " العالم مقبل على حرب باردة جديدة، وهذه ملامحها " ووضع لها عنوانا فرعيا " ربما تكون الحرب الباردة قد أنتهت قبل ثلاثة عقود، ولكن هناك نوعا آخر مختلفا تماماً من الحرب الباردة يبدأ الآن ".

ورغم أن كاتب المقال، وهو متمرس في الكتابة والتحليل، إلا أنه لم يفلح في إقناع القارئ لماذا قررت الولايات المتحدة تصعيد التأزم وصولاً إلى الحرب الباردة / الساخنة في بدايتها (أوكرانيا)، ولم يتمكن من تقديم ذريعة واحدة سوى توجيه  مصطلح غير معروف في السياسة " نظام سلطوي " ولكن لم يقدم لنا ولو مفردات بسيطة ما هو النظام السلطوي ..؟ مع أننا نعلم أن كل نظام لدية سلطات، لا يوجد نظام بلا سلطة، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية قبل غيرها، ولكن هذه لوحدها ليست مثلبة تستحق لا حروب باردة ولا حروب ساخنة  ..!

 ويضع الكاتب حدوداً لستار حديدي جديد من ماريوبول / البحر الاسود في أوكرانيا، وحتى تايبيه في تايوان  (فيه ثغرات واسعة)، لا يقوم على أساس عرقي ولا أيديولوجي، ولا ديني. ولكن القارئ اللبيب يقرأ بوضوح بين السطور، أن الولايات المتحدة لا تريد أن " تسمح " بقيام دولة كبيرة تنافسها، أو مجموعة دول وإن مثلت هذه الكتلة الأكثر سكانا ومساحة، وفي الحجم الاقتصادي، والولايات المتحدة والغرب عموماً (وإن بدرجات متفاوتة)، والكاتب لا يذكر " بالطبع " أسباب هستيريا الولايات المتحدة الحقيقية في تخبطها في منطقة المحيط الهادئ وحتى أوكرانيا.، فنراه يذك ذرائع شبه وهمية ويتبنى ما يطرحه المتحدث بأسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي :

 " أنه انعكاس لمخاوف جلفاءنا المماثلة بشأن الممارسات الاقتصادية السيئة، وأستخدام العمالة القسرية، وسرقة الملكية الفكرية والعدوانية ليس في المنطقة ولكن في أرجاء العالم ".

 وكل كلمة في هذه الجملة ليس لها مدلول محدد دقيق يستحق أن يكون أساساً لموقف دقيق. فماذا يعني مثلاً الممارسات الاقتصادية القسرية ...؟  فأنا متخصص بالعلاقات السياسية الدولية ولم أسمع أو أقرأ مصطلح الممارسات الاقتصادية القسرية، وهل مارس أحدا غير الولايات المتحدة وحلفاءها ممارسات اقتصادية سلبية ..؟ والعدوانية في جميع أرجاء العالم، فهل بالامكان ذكر مكان في أميركا اللاتينية وأفريقيا تدخلت فيها الصين أو روسيا بشكل عدواني ..؟

 

الصدام بين الاتحاد السوغيتي والغرب بقيادة الولايادة المتحدة، كان صراعا آيديولوجياً وبين الرأسمالية والاشتراكية، ولكن ما هو سبب الصراع بين الصين وروسيا والغرب ..؟

 وكاتب بمستوى هيرش، ومجلة بوزن فورن بوليسي، تنحدر لهذا المستوى الضعيف في تقديم (argumentation) علمي يقنع القراء، وليس طرح لا يرتفع عن مستوى نشرة إعلامية، من مستوى إعلام منحدر. ونشر مقالة كهذه وفي مطبوع عرف بالرصانة، لا يدل سوى على وضع محرج يجد الغرب والولايات المتحدة نفسها فيه بدرجة خاصة.

 الكاتب يعتبرها خطوة خطيرة جداً أن تعقد الصين اتفاقية مع دولة جزر سليمان، لرسو السفن وتقديم الخدمات لها، والولايات المتحدة تعتبر هذا توسعا خطيراً ولا تعتبر قواعدها الكثيرة في المنطقة أمراً مقلقا للأمن والسلم. رغم أنها شنت الحروب العديدة في منطقة المحيط الهادئ قديما وحدثاً " الفلبين، اليابان، كوريا، فيثنام، كمبوديا، لاؤوس ".

 في الولايات المتحدة يعتبرون تقدم أن الصين وروسيا الاقتصادي وفي ميدان التجارة العالمية تهديد وخطر داهم ...! والمقياس في تقييم أوضاع أي دولة هو قبولها بالهيمنة الأمريكية المطلقة، وهو ما لا تقبله حتى معظم الدول الأوربية نفسها، كفرنسا، وألمانيا ...

 حسناً أن يتيقن الكاتب هيرش وغيره، أنهم في الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبوا جريمة العصر، بتدميرهم العراق بدون سبب، وكذلك ليبيا، وحتى أمعنوا بتدمير أفغانستان، وبعدها ليكتشفوا أن كل ما فعلوه كان خطأ فادحاً ... وماذا بعد ...؟

 ــ إذا كان طرفا دولياً ينتهج عقيدة مغايرة أو مخالفة للولايات المتحدة، يضع نفسه في موضع الخصوم.

ـــ إذا انتهجت دولة سبيلاً سياسيا / اقتصاديا/ اجتماعياً غير ما تفعله الولايات المتحدة، فأنت تضع نفسك في موضع الخصم.

ـــ إذا وجدت دولة مصلحة لها مع دولة لا ترضى عنها الولايات المتحدة، فقد وضعت نفسها في موضع المعاداة.

 والتقرير يشير بوضوح إلى أن احتمالات أن تتجه المساعي الصينية / الروسية إلى إنتاج نظام دولي جديد، هو أمر مرفوض تماماً من الولايات المتحدة، والنظام الدولي الذي لا تقبل بغيره نظاماً، هو ما يظمن أن يكون الدولار العملة الوحيدة للتبادل الدولي، وأن تقرر ما يصلح وما لا يصلح من قواعد للتجارة الدولية، وسقف القوة العسكرية، وبمعنى آخر الهيمنة المطلقة، ولا تقبل إلا بالقليل جداً من المشاركة حتى من طرف حلفاءها الغربيين.

 ويورد الكاتب هيرش مقولات مسؤولين أمريكيين، وكتاب،  ويكتب أحدهم (فيليب زيليكو) مسؤول في إدارة الرئيس السابق بوش الأبن حرفياً " إن الحاجة إلى نظام عالمي دولي جديد هو بكل وضوح هراء. وأن النظام الدولي القديم " بعد الحرب العالمية الثانية" ما يزال صالح للعمل رغم بعض الكوارث ، كوريا وفيثنام/ وكارثة غزو العراق 2003 ".

 ويضيف الكاتب، أن تاريخ الولايات المتحدة لم يشهد في مجال السياسة الخارجية كارثة أكبر من غزو العراق، وهي من بين "الذرائع التي اعتمتد عليهها بوش في حرب أوكرانيا وع أحداث ليبيا وسوريا والعراق وهذه جميعها تمت بدون معايير قانونية ".

 ويعترف ميشائيل هيرش، أن مهما أختلف الرؤساء الامريكان بين جمهوري وديمقراطي، فإن الأيادي الآثمة التي ارتكبت تلك الجرائم ما تزال طليقة، بل وتواصل الولايات المتحدة المضي في نفي الأساليب، المخالفة للمعايير القانونية والدولية والانسانية.

 مهما حاولت الولايات المتحدة، فإن النظام الدولي الذي تهيمن عليه وتضبط إيقاعه لم يعد تحت سيطرتها وهيمنتها، وتتزايد الرقعة الجغرافية التي تفلت من النظام الإمبريالي / العولمي وأعداد البشر على ظهر الكوكب خارج إشعاع سيطرتها، التي تتقلص باطراد متواصل، ولن تجدي كثير سياسة إشعال الحرائق، والشعارات الديماغوجية " حقوق الإنسان، الديمقراطية " ففي الواقع ليس هناك من يعادي هذه المثل الإنسانية أكثر من الولايات المتحدة نفسها، ومن المستبعد أن تنصت إلى صوت الحكمة  التي يطلقها فلاسفة ومصلحون، والازمة الأوكرانية ستكشف حقيقة، أن الشعوب التواقة للحرية والعدالة والتنمية بعيداً عن أيادي النهب والاستغلال ويتسع المعسكر المطالب بالتغير ... وليست هناك قوة بوسعها إيقاف عجلة التاريخ.

 

سيناريو الحقد الاسود

 ضرغام الدباغ

 

نزل الخميني (1/ شباط / 1979) في مطار طهران بطائرة فرنسية، وسرب طائرات أمريكية تقوم بحماية طائرته في الأجواء التركية والإيرانية، وفي جيبه برنامج يتضمن أمر واحد فقط : أحرق المنطقة ابتداء من العراق.

والمبالغة شأن فارسي تقليدي (شاهنشاه أريا مهر، الاميرة شمس الشموس، آية الله، حجة الإسلام والمسلمين)، لذلك كان الخميني قد تعهد لمن كان يقابله من رجال المخابرات الأمريكية " أسقطوا لي نظام الشاه والسافاك، ودعوا موضوع الشرق الأوسط بعهدتي، فسوف نشعل أوار حرائق لا تنطفئ .. وأحقاد دموية لا تجف. فقط أوصلوني لطهران " ..

ورغم أن الأمريكان لهم ولع بالاحصاء والرياضيات، إلا أنهم استمتعوا بهذا العرض السخي، المبهج لأقصى درجة، ولم يحقق الدور الذي تأسست بموجبه إسرائيل، والتي أوكل لها هذه المهمة بالتفاهم مع منظمة الصهيونية العالمية، لم يحقق النجاح المطلوب بصورة تامة، وفكر دهاقنة الولايات المتحدة، أن إيران يمكنها أن تلعب هذا الدور حين تلعب على الوتر الديني / الطائفي، فلربما أن يكون له صداه في بلدان شتى، وسنلعبها نحن على أساس نرفع لواء منح الأقليات حقوقها وديمقراطية وحقوق إنسان.. وهو ما سيقسم الوطن العربي .. وبهذا نضمن السيطرة والهيمنة ونضمن حقول نفط وغاز لا تنضب.

أعتقد الأمريكان أنهم وجدوا المعادلة السحرية، واكتشفوا حجر الفلاسفة، وحين بدأ الحلف الثلاثي بالعمل، وأقيمت غرفة العمليات .. وابتدأت الفعاليات .. أقام الأمريكيون العديد من عمليات التمويه (Camouflage) وكانت فاتحة تلك الخطط، جر العراق إلى حرب، ولكن العراق فاجأهم مفاجئة كبيرة، إذ لم يصمد فحسب، بل وأذاق الفرس السم الزعاف في حرب لن ينسون أهوالها.

الخميني، ترك وصية حاقدة، ووضع متابعة مشروعه التوسعي لصالح الغرب، واضعا نفسه في خدمة المصالح الإمبريالية، بهدف واحد وهو تدمير بلاد العرب والمسلمين، ولكنه فشل، ومات، وحقده يفور في قلبه. وهو حاقد على العراق، وقبله مات الشاه البهلوي، فأبوه لم يصمد أمام مناورات الحرب العالمية الثانية، وأبنه (محمد رضا) لم يصمد أمام متغيرات السياسة الدولية، وأسقط الامريكان نظامه وهم من أسس ملكه، وقدموا له الحماية، ولكنهم قذفوا به كجرذ ميت لا يجد مكانا يدفن فيه .. فلم يأويه سوى ملك عربي شريف كريم (السادات) آوى جثمانه ليدفن بجانب أبوه. أما ورثة الخميني لم يجدوا أفضل من متابعة مجون الحروب بحثا عن نصر تائه. ولن يجدوا حلفاء  أفضل (أميركا ، إسرائيل) يماثلونهم حقداً وبغضا بالعرب المسلمين، فأجتمع هذا الثلاثي الأسود، والسواد ليس سواد البشرة، بل هو سواد القلوب والمقاصد والأساليب ...! الفرس من خلفاء، يعتقدون أن الغرب قوي وسيمكنهم من تحقيق ما تصبو له أنفسهم المريضة، ولكن ها 44 عاما قد انصرمت، وحسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر.

وهكذا اجتمعت رغبة وإرادة أكثر ثلاث قوى كارهة للعرب وللمسلمين في العالم، وفي علم السياسة عندهم لا توجد أخلاق ومبادئ عند هذه الاقوام، فهذه مصطلحات عفى عليها الدهر، فكل شيئ مادي أو معنوي له سعر، يمكن التفاهم عليه. فعندما تلاحظ أنهم مختلفون، نعم هم مختلفون، وبأعتباره تحالف لا أخلاقي فكل طرف يريد الأكثر، ويتهاوشون، نعم لإنهم نهابون، ولكنهم علينا متفقون، وأياك .. ثم أياك أن تغشك الكلمات والوعود، وما عليك سوى بالوقائع المادية الملموسة، وسوى ذلك أبخرة وغازات .. أبتعد عنها .. أسمعها كدبلوماسي، ولكن إياك أن تصدق حرفا واحداً.

في جدول أعمال الثلاثي الأسود (الامريكي / الإسرائيلي / الإيراني) بند واحد، وهو " تدمير العراق " . قد يختلفون ويتكافشون، ولكنهم في قضية ذبح العراق لا يختلفون، قد يتهارشون، ويتهاوشون، ويتنابحون، ولكنهم في قضية تدمير العراق أحباب، وهذه قضية مألوفة بين الأمم التي تعتبر الاخلاق تقليعة قديمة، ولا حديث سوى عن المصالح.

والإسرائيليون عقدتهم قديمة، ولأسباب تتعلق إيمانهم بالخرافات، يعتقدون أن نهاية دولتهم تأتي من الشرق، ومن بلاد الرافدين. والفرس أنتهوا أكثر من مرة في العراق، وعلى أيدي العراقيين، وهم أجلاف وهمج ماتت مشاريعم قديما وحديثاً عندنا، لأنها مشاريع توسعية عدوانية نهابة، أما أميركا هذا الكيان الذي لا أب ولا أم له، فهم كيان عنصري، طائفي، فخططه تجمع بين المصلحة النهابة (طاقة واقتصاد ومصالح استراتيجية)، والحقارة في رغبتهم الخلاص من يهود العالم وجمعهم في مكان بعيد وأختاروا له فلسطين كمكب نفايات.

المخطط فشل في صفحته الدموية (حرب الثمان سنوات) وخرجت إيران تلعق دمائها، وقد أضافت لمحنها ومصائبها مصيبة جديدة، وخلال سنوات الحرب، كان الفرس يمنون حلفاءهم الأمريكان والإسرائيلين، بمعارك مليونية مقبلة، وساعدهم الأمريكان في معركة الفاو معتقدين أنه ستكون مسمارا في خاصرة العراق،  ولكنه صار مسماراً في نعشهم، وهنا فهم الأمريكيون قدرات حليفهم، وقالوا لهم بعد 8 سنوات (تحديداً بعد معركة الزبيدات) " كفى ... نحن سندير المعركة، سيسقط نظامكم إن واصلتم الحرب " .

وسكت الفرس وهم يبتلعون النار تحرق قلوبهم، كيف لا .. وقد أكلوا هزيمة تاريخية ستكتب في كتب تاريخ العالم، ولهذا لم يصدقوا أنفسهم من الفرحة حين كلفهم الأمريكان والصهاينة بمهمة ثانوية جداً، هو أن يحموا خطوطهم الخلفية وأن أن يعكروا مياه البحيرة بأن يستخدموا نفوذهم الديني وليصدر المرجع الأعلى فتوى بلزوم التعاون مع العدو ...! وفعلها ... ولكنه قبض نظير الخيانة 200 مليون دولار ..!

وأن تفرح بإنجاز غيرك .. عيب وعار.. ولكن هل سيفهمون العار في هذا اليوم ..! عيب أن تتمنفخ بقدرة غيرك، ودورك الحقيقي هو تنظيف مخلفات الحفلة ... لو كان لديهم ذرة من ناموس لخجلوا وأستحوا .. وتجنبوا ذكر وقائع البطولة والمجد ولأكتفوا بدورهم الذي قبلوه لأنفسهم وهو المسبات والشتائم وصب اللعنات .... ولكن ... إن شئنا أن ننظر إلى ما تحت جلودهم .. لوجدت أن دودة تهرش في جلودهم كرهاً لا ينتهي وحقداً لا يبرد، وغيرة وحسد من شعب الصحاري (هكذا يحاولون أن يبردوا قلوبهم)  ولكن شعب الصحاري غير عطشان، ولا جائع، ولا يرتدي أسمال الثياب، متعلم مثقف، مؤمن ... وهذا يزيد في نار الحقد اضطرماً وهياجاً ......

كيف يعالج الإنسان السوي الذكي مثل هذه الأوجاع الداخلية،  ببساطة شديدة نقول : " أنظر وأمتع نظرك بالأشياء الجميلة، في الطبيعة ومن صنع الإنسان لوحات وتماثيل وصور فوتوغرافية، وجمال الطبيعة، أسمع الشعر والأدب والموسيقى الرائعة، والعطور  التي ما تدخل خياشيمك تنقلك لدنيا وبساتين وحقول .. تذوق لذيذ الطعام .. ثم .. اقرأ .. اقرأ .. اقرأ ، إذ يقول الله سبحانه وتعالى في أول كلامه " اقرأ بأسم ربك .. قال ربك .. اقرأ ولم يقل ألطم  واشتم وألعن .. وإذا قرأت ستعرف أن هناك من الكتب  لو أنفقت كل حياتك تقرأ لما كفت سنوات عمرك وعمر جيرانك لتقرأها كلها .. كتب تاريخ، واقتصاد، وسياسة، وفلسفة، وعلوم صرفة، ومتاحف وأعمال ... يا إلهي .. أتترك كل هذا وتذهب للشتيمة واللعن والسب الذي لا يساوي فلساً واحدا، بدليل أنك تسب منذ مئات السنين ولا فائدة من سبابك، فلماذا لا تجرب أن تترك هذه السوالف التي لا تودي ولا تجيب ...! ولا تطيل شارباً كما يقول المثل العراقي .....!

الولايات المتحدة الامريكية  اليوم في أسوء وضع تمر به بتاريخها .. كل شيئ يتداعي ويوشك على الانهيار، الوضع الاقتصادي، الوضع السياسي الداخلي،  العلاقات مع أوربا (الاتحاد الاوربي) علاقات الناتو،  علاقاتها مع التجمعات والكتل ... تمضي من سيئ إلى أسوء وهي تحصد في الواقع ما زرعته من دسائس وتآمر وتدخلات ونهب علني. وهي الآن في وضع ستأمر فيه صنيعتها إيران بأختلاق مشاكل في الشرق الأوسط  ضد البلاد العربية والإسلامية، مستنفرة كل عملائها المحليين المكشوفين منهم والاحتياطيين، وهو دورها التقليدي والتاريخي ... ولكنها ستفشل هذه المرة أيضاً، والامريكان لا يذرفون دمعة مجاملة واحدة على وكلائهم وفق نظرية " الحمار يموت بأجرته " .

ولكن الفرس اليوم بوضع غير مريح، فهم يعانون من المشاكل الداخلية السياسية والاجتماعية، ومشاكلهم في البلدان التابعة لا تقل حرجاً .. ونرجح أنهم سوف لن يتدخلوا في المراحل الأولى من الصراع المرتقب، بل سيأمرون ذيولهم .. ثم ليروا ما ستسفر عنه الصدامات ...

كثيرا ما أقرر بيني وبين نفسي أن أركز اهتمامي بالشؤون الثقافية والفكرية وأن لا يكون لي تماس كثير بالشؤون السياسية التي تهب على منطقتنا العربية، بيد أن أني أشعر أن ألسنة لهيبها تلسعني وأنا في بيتي وسط برلين، ولأني للأسف صرت مقتنعاً، أن جبهة العدو (وهي واسعة وعريضة) قد استعدت بدرجة عالية،  وهيأت مسرح العمليات بذلت جهوداً كبيرة جداً، ونحن نعاني من ضعف في صفوفنا (والأسباب ذاتية وموضوعية)، وبعضنا أصبح عوناً للمعتدين، حتى أصل لقناعة تامة، أن أحد فقرات  الأتفاق السري بإنهاء النظام الدولي القديم تأسس بالاتفاق بين القوى الدولية على تصفية ما تطلق عليه الدوائر الغربية " عقد الشرق الأوسط " وأن مرحلة التفوق الأمريكي وضعت على رأس جدول أعمالها تصفية قضايا الشرق الأوسط وفي المقدمة القضية الفلسطينية كعنصر أساس ومحرك لسائر القضايا الأخرى.

 

وعلى أساس دراسة أوضاع المنطقة دراسة دقيقة، جرى تقسيم الأدوار، والأدوار الفعلية فيه كانت للولايات المتحدة، وإسرائيل، وأعطي دور من ينظف الميدان لإيران. ورغم أنه لا يتسم بالاحترام، ولكن الفرس أعتقدوا أنه سيعود لهم بالمكاسب على أية حال. والقدرات الفارسية مدروسة بعناية تامة، والغرب يتعامل مع العقل السياسي الفارسي منذ عهود عديدة ويعلمون بدقة مداخل ومخرجات السياسية الإيرانية، ومنذ نيف وأربعة عقود يتعاملون معها مباشرة في أحداث ساخنة وصاخبة ما تزال مفرداتها تدور حتى يومنا هذا.

 

لم يكن القانون الدولي يوماً محترماً يوم من الأيام، والغرب الاستعماري / الامبريالي / العولمي، ولا يتعامل بمقايس ومفاهيم الشرف والعدل، والاخلاق، والحلال والحرام، وهو اليوم أكثر توحشا من أي يوم مضى،  ودول عظمى كروسيا والصين بالكاد تحافظ على نفسها، والغرب يتحرش بها ويستفزها يومياً بصور وأساليب مختلفة، هم يمتلكون القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية فماذا يعطلهم عن استخدام هذه القوة العظمى ... لا شيئ، وهو يستخدمون مصطلحات وعبارات: حقوق الإنسان، الديمقراطية، السلم العالمي، المجتمع الدولي، القانون الدولي، بطريقة  مرنة مطاطة، لا تلائم إلا مقاساتهم.

 

في ظل النظام الدولي الأحادي القطبية، وفي ظل انهيار المعسكر الاشتراكي، وكتلة عدم الانحياز، والكتلة الأفريقية، وضعف كتلة المؤتمر الإسلامي، لم يعد هناك شيئ غير الناتو يصول ويجول وتصاعد نهج قمعي في السياسة الدولية والتهديد والاستخدام القوة. ونحن أمامهم أهدافا سهلة، وبعضنا ما يزال يفكر بعقلية الستينات والسبعينات في أفضل الأحوال .. والناتو بقيادة الولايات المتحدة باتت تتخذ من الذرائع أسبابا للتدخل هنا وهناك في جميع أرجاء العالم والنتائج تدمير مزيد من الدول والشعوب، وآخر ضحايا الناتو كانت أوكرانيا ...!

 

مقابل تراجعنا في الإداء، نواجه شراسة متنامية متصاعدة للقوى المعادية وما أكثرها، فالكل يجد خطورة داهمة في أمة عربية قوية ستمثل خطرا جسيماً يهدد مصالحها، الجميع يعتبر أن التطور الحضاري على أصعدته : الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي خطرا داهماً، ويتصرف الجميع بردود فعل متفاوتة في شكلها وطبيعتها، ولكنها تتفق في السلبية.

 

كتبت مرة في تعليق على مقالة كتبت بأسلوب شيق، فجاءت  توصيفا دقيقا للإجرام ومجزرة العراق (ستسجل في التاريخ هكذا.!) مؤامرة سرية يحرص المشاركون فيها عدم الاعتراف بتفاصيلها الحقيرة: وبمناسبة مرور 20 عاما تقريبا على بدء مجزرة العراق  :

 

" أن قوى الاحتلال الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية كانت تعمل بتنسيق وتفاهم تام، ولكن بكفاءة متفاوتة بالطبع، وبهمجية لكل منهم طابعه الخاص، لا شك أن الاميركان سفلة ولكن بأصول، والإسرائيليين سفلة وتعطش للانتقام، ولكنهم يدرسون جريمتهم بدقة، أما الفرس فهم سفلة من نوع نادر وحوش وحيوانات، حاقدة كالأفاعي والعقارب .. ".

 

كل هذا سياسات تعتمد على التآمر والحلول الغير التاريخية، أميركا تفعلها لأنها قوة غريبة عن المنطقة وكلما أقتتل طرفان فهي من سيجني الفائدة  وهي فائدة مؤقتة، بعد سيلوي عنقه ويمضي، وكذلك الصهاينة، ولكن من سيقع في شر أعماله هم الفرس ... فسيبقون بسواد الوجه أبد الدهر ... والعاقبة للمتقين ...

 

 

إعادة استكشاف

 

لديمقراطية الغرب ..؟

 

ضرغام الدباغ

 

 

هل الغرب الرأسمالي ديمقراطي حقاً ... ؟  ألم يحدث في التاريخ كثيراً وما يزال يحدث، أن يبالغ أحدهم  بالتهريج ليغطي على حقيقة صارخة كامنة فيه ...؟  أو يجيد التمثيل حتى تتحول لحرفة لديه ... في تهريج يختلط فيه بعض من الحقيقة بكثير جداً من إتقان دور : الدولة " كأداة للقهر الطبقي ".

 

هل الديمقراطية هي تبادل سلمي للسلطة أم هي قبل ذلك نظام اقتصادي، الطبقة المسيطرة تقول للمجتمع دعونا ننهب، وهذا بأسم الحرية والديمقراطية، وستصلكم حصصكم، ولا يحتج أحد منكم وإلا سيسجل ذلك على أنه إرهابي ؟

 

الأنظمة السياسية في أوربا (العالم الرأسمالي) انبثقت من رحم تطور الأنظمة السياسية الأوربية، مثلت التعايش بين : الكنيسة، الأمراء، الملوك، أمراء الاقطاع. حتى عصر النهضة الذي قد قاد في تطوراته اللاحقة، بحكم الاستكشافات الجغرافية، إلى عصر ازدهار التجارة عبر البحار (الميركانتيلية ـ Mercantilism)، ثم إلى الثورة الصناعية، وهنا بدأت سطوة  الكنيسة والكهنوت بالتلاشي والاضمحلال ولكن ليس بصفة حاسمة، بل في تراجع مكانتها التراتبي في التحالف الثلاثي الذي يقود الدولة والمجتمع والاقتصاد المؤسسة الدينية، الملوك والقياصرة، ونبلاء وأمراء الإقطاع، وسيتواصل التراجع دون توقف حتى الإنهاء الكامل لنفوذ القوى الأخرى.

 

وأمام غياب نصوص مسيحية مقدسة من الإنجيل أو أقوال للسيد المسيح عامة عن وجود حدود واضحة بين سلطة الله والدين التي تمثلها الكنيسة ورجال الدين، وسلطة البشر الدنيوية التي يمثلها الملك، وحيث لا ينبغي الجمع بين السلطتين، فتلكم كانت المشكلة التي تثار. فكل من السلطتين تطمحان للمزيد من الصلاحيات وقد أشير بالرموز إلى السلطتين بنظرية السيفين، غلاسنوس ) Glasnia ( سيف الكنيسة وسيف الدولة، ولكن التطور التاريخي كان يشير إلى تقدم سلطة الملوك وإلى تراجع سلطة الكنيسة، وعبثاً كانت تجري محاولات البابوات في استعادة هيمنتهم ونفوذهم الآخذ بالانحسارفقد اندثرت نهائياً فكرة السلطة الكلية للبابوات التي أطلق عليها أولترامونتيه (Ultramontis) (التأييد لسلطة البابا المطلقة) وكانت تسعى إلى إخضاع الكنائس الكاثوليكية حيثما كانت لسلطة البابا في روما، ودافعوا عن حقه في التدخل في الشؤون الدنيوية للدولة.

 

وكانت نظرية السيفين(غلاسنوس) تنطوي على غموض في توزيع السلطات والاختصاصات، وعلى عدم الاستقرار نتيجة للتنافس بين السلطتين على النفوذ والهيمنة. وكان هناك بالطبع من يروج لفكرة أن يجتمع السيفان في يد واحدة، الملك أو الكنيسة. ولكن من الواضح أن الحركة كانت تدور لصالح الملوك، لذلك كانت الكنيسة وفلاسفتها يرفضون فكرة اجتماع السيفين في يد واحدة، لأنها ستعني سلطة الملك المطلقة وتضاؤل دور الكنيسة قائلين: " من المستحيل على السيفين أن يجتمعا بيد واحدة، فما منحه الله ليس لأحد سواه أن يأخذه".

 

ولكن تطور الفكر الاقتصادي الليبرالي وصار الكتاب المقدس للأنظمة البورجوازية، وفي مقدمة هؤلاء المفكران الإنكليزيان، آدم سمث (1723 ــ 1790)  الذي وضع شفرة الأنظمة الديمقراطية بقاعدته الشهيرة " دعه يعمل دعه يمر " وهذه قاعدة اقتصادية لا علاقة لها بنظم تبادل السلطة. (سنة 1776) حين أصدر كتابه (بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم)، حيث ضمنه مبدأ أنصار "المذهب الحر/الطبيعي" الأساسي: دعه يعمل دعه يمر، الحرية التامة لاقتصاد السوق وابتعاد الدولة عن التدخل. والمفكر الآخر هو دافيد ريكاردو (1772ـ 1823).

 

إلا أن الأمر لم يبق كذلك بشكل خالص، فاندلعت الخلافات على كافة الصعد وفي المقدمة التنافس الاستعماري، ثم التنافس على الثروة والنفوذ، وتشكلت مراكز رأسمالية، والأمر في جوهره لم يعد في إطار التنافس الحر الخال من الأطماع.

 

تبلور الفكر الليبرالي

كانت أوربا متعبة من الحروب الدينية / الطائفية، والبورجوازية الصاعدة تعد المجتمعات بالكثير من المنجزات والتقدم، ولكن هذا الأمر كان يتطلب دولاً قوية واستبعادا للعناصر التي تمثل العوائق أمام التقدم، ولم تكن تلك العناصر سوى الكنيسة والإقطاع الذي كان بدوره يترنح تحت وطأة التحولات الجديدة، حيث هجر أعداد غفيرة من الفلاحين الريف متجهين صوب المدن للعمل في الورش والمانفكتورات (Manufactour) التي بدأت أعدادها تتزايد ويتحول البعض منها إلى معامل يدوية كبيرة يعمل فيها أعداد غفيرة من العمال، والذين سيصبحون في المراحل المقبلة الرقم الصعب في المعادلة الاجتماعية وشأناً سياسياً مهماً.

 

وكانت الليبرالية Liberation (قوة التحرر) الكلمة السحرية التي شاعـت في الأعـمال والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية على حد السواء، حتى غدا مفهوماً عاماً. " فالليبرالية بهذا المعنى هي أن يمتلك الإنسان ذاته، وبنفس الوقت القواعد المتعلقة بازدهاره وهيمنة سلطته على العالم بإخضاع الطبيعة والسيطرة عليها ". وعبر آدم سمث (أحد أهم مفكري تلك المرحلة)، أن المصالح الخاصة للأفراد تتناسق فيما بينها، والمصلحة الشخصية هي المحرك لمسيرة الإنسان وبالتالي لمسيرة العالم، وإن كل إنسان طالما أنه لا يخرق قواعد العدالة، سوف يترك حراً بشكل مطلق في أتباعه لمصلحته الخاصة كما يروق له. وقد جسدت هذه النظرية قاعدة  " دعه يعمل دعه يمر".

 

هذا النظام الرأسمالي تأسس على بقايا عصور الملوك (تمكنت بعض الملكيات من مسايرة هيمنة البورجوازية الصناعية: بريطانيا (كندا، استراليا، نيوزيلندة)، هولندة، بلجيكا، الدنمرك، السويد، النرويج)، وبإزاحة شبه شاملة لسيطرة ونفوذ الكنيسة، ثم بتقليص كبير لأمراء الاقطاع، ومنهم من تحول إلى الصناعة، والمضاربات العقارية، ولكنهم فقدوا تدريجياً نفوذهم السياسي بالكامل.

 

انطلقت الليبرالية، كتيار، كمارد أفلت من قمقمه، فلم يحده إطار وصار التحرر شعاراً وحركة وسوف تلد الثورات والانتفاضات، والتحولات الخطيرة على كافة الأصعدة، بل سوف تتغلغل إلى الكنيسة ذاتها وستخلق فيها التيارات، فقد كانت الليبرالية تياراً ثقافياً، أندفع فيه بحماسة أدباء وفنانون في تمجيد الإنسان وقدراته والإبداع الفني، أكدت فيه، أنه لا يمكن للإنسان أن يعمل إذا كان مقيد اليدين، كما لا يمكنه أن يبدع وأن ينجز طالما كان مقيداً بقيود الفكر والإرادة والحركة.

 

وقد سعى الليبراليون إلى تحطيم فكرة الحق الإلهي للملوك، وسوف لن تقبل بسلطة مطلقة للملك، إلا أن تكون مقيدة بالدساتير، فهذه مسيرة قد انطلقت ولا سبيل لإيقافها، وليست المسألة سوي وقت فحسب. وستكون تلك من مهام المرحلة المقبلة، وكذلك تحرير الإنسان وإنهاء الهيمنة الدينية وتسلطها على الدولة والمجتمع والأفكار. كما كانت لهم أهدافهم السياسية التي تمثلت بالمساواة، حق الملكية الخاصة واحترامها، حرية الرأي والمعتقد والتفكير، حرية النشر، إبعاد الكنيسة عن التدخل بشؤون الدولة، احترام حقوق الإنسان، والإعلان بأن حقوق الإنسان والتحرر هي من الحقوق الطبيعية، طلب العلم والمعرفة، هي من حقوق المواطن الأساسية، حرية التجارة وعدم تدخل الدولة في الفعاليات الاقتصادية(وفي ذلك مذاهب اقتصادية شتى)، حرية الملاحة في البحار، المطالبة بنظام عالمي للقوانين وصولاً إلى القانون الدولي.(2)

 

في نهاية المطاف تبلور الموقف: النظام البورجوازي(الرأسمالي) لم يكن ليقبل وجود شركاء ولا حتى بنسب بسيطة، الكل أو لا شيئ، وعلى هذا الأساس لم تقبل بالنظم الأخرى، كالنظم الاشتراكية، حتى بعد بدأ النظام الاشتراكي (الأنظمة الشيوعية، قبلت بتعديلات على نظامها منها إلغائها شعار " ديكتاتورية البروليتاريا" ) ولكن الأنظمة الرأسمالية العالمية كان في غضون ذلك قد استكملت بناء نظام المتروبولات، المراكز والنظم المحيطة، بعد أن كانت قد استكملت بناء كياناتها السياسية بكافة تفاصيله ومفرداته، بما يهدف إلى شيئ رئيسي وسواه تفاصيل تحتمل المناقشة، هو أن يكون النظام رأسمالياً وفق قواعد وقوانين النظام الرأسمالي قولاً وفعلاً.

 

من ذلك مثلاً أنها لم تكن (الدول الرأسمالية القيادية) لتقبل اعتبار النظام الألماني (العهد النازي) رأسمالياً بصفة تامة (رغم أنه كان رأسماليا في لحمته وسداه)، وكذلك النظام الإيطالي الفاشستي (عهد موسوليني)، أما عندما أبدى هذا النظامان الرغبة والإرادة في التوسع و دخول ميدان القوى العظمى على أسس قومية، وتعديل خارطة توزيع القوى، قادت تحالفات سياسية لإنقاذ خارطة المصالح، فكانت بريطانيا وفرنسا ضامنتان لسيادة بولونيا، منعاً لتوسع ألماني في أوربا سيعدل ميزان القوى في أوربا وفي العالم، فأندلعت الحرب العالمية الثانية مع القوى الفاشية والنازية، رغم أن النظامان (النازي الألماني والفاشي الإيطالي) كانا رأسماليان تقود الاحتكارات الاقتصاد ..

 

كافة الحروب العالمية والإقليمية هي حروب توسع قامت بها الأنظمة البورجوازية، أو بدفع منها، أو كأثر من آثار سياستها الاستعمارية. الاشتراكية لا تلجأ للحروب لأنه يخالف طبيعتها، كما يخالف منهجها في البناء والاعمار. وحتى التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان كان بقوة محدودة ولدعم الحكومة الوطنية بوجه التدخلات التي قامت بها الدول الغربية بحجة دعم المسلمين، ولكن التاريخ أثبت زيف هذا الزعم، وها هي الولايات المتحدة وحليفاتها يسحقون أفغانستان بلا هوادة. 

 

النظام الرأسمالي بعد قرون كثيرة، أدرك أن الزمن والممارسة تكشفان عن ثغرات، ولذلك يصلح نفسه والثغرات التي تنشأ بمرور الوقت (ويفعل ذلك بصورة متواصلة)، حتى أصبح له نظام حديدي مدعم بقوة القانون. ونظام متقن البناء في الداخل، وفي الخارج السياسة المحيطية العالمية يمنحون بها الحق لأنفسهم بالتدخل في أرجاء العالم كافة وجعل ذلك كبديهية تحت شعار (المصالح).

 

من يعتقد أن الدول الغربية تسمح بالنشاط الفكري والحريات (الديمقراطية) بشكل مطلق فهو واهم، بل هناك نظام صارم جداً للأحتجاج، وسبله وأشكاله، وللتظاهر، وإصدار البيانات، وتوزيعها، وتأسيس الأحزاب والجمعيات، وكل هذه الأنشطة الاجتماعية وغيرها تدور وفق نظام دقيق، ويواجه من يخالفه بإجرات قانونية قاسية. هناك حرية واحدة مقدسة في الدول الرأسمالية، هي مطلقة وليست نسبية، وهي العمل الاقتصادي والربح بلا حدود، ولكن مع الخضوع لقواعد العمل : القوي مالياً بوسعه أن يأكل الأضعف مالياً في إطار منافسة يحرسها القانون، لذلك تفلس سنوياً ألاف الشركات وتستسلم لمن أكبر وأقوى منها.

 

في المجتمعات الرأسمالية يدور الأمر بأعلى درجات الدقة والانضباط، وكلها تقدمت الدولة الرأسمالية، كان نظامها السياسي يبدو " ديمقراطيا " أكثر  لأن أجهزة الدولة وهياكلها الآساسية، صممت بطريقة تخلو من الثغرات، وفي الواقع يبتعد عن الديمقراطية أكثر، والنظام السياسي فيها راسخ بقوة القانون والأنظمة التي لا تدع ثغرة مهما كانت بسيطة، ولها تجارب تاريخية في قمع أي حركة ديمقراطية شعبية، الدولة ومؤسساتها من أصغر دائرة إلى أكبر كيان هو لخدمة الرأسمال، الدولة ماكنة ممتازة، ذات قدرات هائلة، والفقرة المهمة الوحيدة، عهو أن يطول عمر النظام ويتسع داخليا، ويتمدد خارجياً، لا أحد يسحق الديمقراطية سوى الدول الرأسمالية، ولاأحد يمتهن الإنسان وحقوق إلى الدول الرأسمالية، وكلما كان النظام راقيا ومتقدماً، يتفنن بسحقه الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

البشرية سوف لن تعرف السعادة قبل أن نشهد نهاية نظم أحتكار الدولة الرأسمالية، ومن يريد أن يتأكد .. فليراجع تاريخ الحروب الاستعمارية وحروب التدخل والتوسع وحروب الوكالة، وأعداد الضحايا (بالملايين) على أيدي الدول الديمقراطية

 

ارقص على موسيقانا ... وإلا ....!

 

 

ضرغام الدباغ

 

لست ممن يرمون الناس جزافا بالكذب أو الغباء، رغم أن بشراً من هذه الأصناف تتواجد دائما وللأسف بوفرة، وتصادفني أحيانا حالات تستحق التفكير بعمق، ترى لماذا ترتكب هذه القوى الكبيرة أخطاء بسيطة جداً، يمكن بسهولة تلافيها، لماذا تعمد جهات كبيرة يفترض أنها تقود عمليات سياسية واقتصادية كبيرة، تلجأ للكذب، وأحيانا للكذب المكشوف، بما لا يليق بوزنها وقيمتها، في حين يمكن تجنب الكذب مهما كانت درجة الاضطرار إليه، فالكذب يفسد أي عملية مهما كانت جميلة وجذابة، ويحيلها إلى ركام أسود مقزز .

 

قرأت مرة (عام 1971) بحثا ممتازاً عن الاستراتيجية، صادر عن معهد دراسات وبحوث أمريكي، الجانب النظري فيه ممتاز، ولكن الجانب العملياتي، يحاول الباحث أن يبرر الأخطاء الاستراتيجية لمعارك وملفات خاضتها الولايات المتحدة، ثبت خطأها ودفعت ثمناً باهضاً لخسارتها (الملف الفيثنامي)، وبدراسة ملف النزاع الكوري (الذي أفضى إلى قيام كوريتين وما تزال بؤرة صراع ساخنة ). وكنت في تموز / 2011 قد كتبت دراسة ونشرتها، تنبأت فيها أن الصين ستصبح القوة الأولى لا محالة، وبدون استخدام الأسلحة النووية، ولا حتى التقليدية، التقدم أساسه اقتصادي / اجتماعي، وستنجح القيادة الصينية بتطبيقات خلاقة، أن تتجاوز نفسها، وتتمكن من نشر فلسفة سياسية / اجتماعية، لتتحول البلاد بأسرها إلى ماكنة للإنتاج، وتتصدر بيانات التقدم والتنمية والتقدم، والإنتاج العالمي والتجارة.

 

لم يكن اكتشافي عام 2011 هذه الحقيقة، معضلة علمية صعبة، بل كان الأمر باد للعيان بوضوح تام حين دراسة المعطيات الاقتصادية العلمية وبتحليل الواقع الموضوعي السياسي، وليس بموجب أحكام الهوى ... ستظهر هذه النتيجة شاخصة أمامنا بوضوح تام.

 

أرجح أن القيادات السياسية، والكيانات الأكاديمية في الغرب الرأسمالي وخاصة في الولايات المتحدة كانت تدرك هذه المعطيات حتى قبل هذا التاريخ ومنذ زمن بعيد. وهناك فلاسفة تنبأوا بهذا الحال مبكرا فكتبوا ونبهوا، ولكن اليوم ليس يوم فلاسفة وعقلاء، بل جنون المال والثروة وكل ما يستهوي السير وراء  حفنة من الأوليغارشيا..! فقد كتب الكثير من الفلاسفة والمفكرين عن انهيار الحضارة الغربية ونهايتها وأشهر تلك الأعمال ما كتبه العالم الألماني اوزفالد شبنغلر عام 1926 من أفكار في كتاب " تدهور الحضارة الغربية "، والكاتب الأمريكي باتريك بوكانن في مؤلفه الهام " موت الغرب / 2001 " غيرهما، بل أني أميل اليوم للاعتقاد أن أحداث الاتحاد السوفيتي كانت مدروسة بعناية فائقة، تحت شعار " أن نجري عملية كبيرة تحت السيطرة "، وخاب أمل الغرب بخلق حالة من الفوضى في خضم عملية التحول الكبيرة جداً، ويفلت زمام الأمور إلى ما تتمناه من تفتيت للأتحاد السوفيتي، وربما إذكاء صراعات لا نهاية لها، ولكن القيادة الروسية تمكنت بسرعة من تدارك الموقف واستعادت السيطرة على البلاد.

 

أرجح أن الغرب كان قد توصل مبكرا ً إلى ما نراه اليوم من أحداث ... ولكن لماذا لم تضع الخطط المناسبة لتلافي هذه النتيجة، أو تقليص آثارها، فما نشهده اليوم هو تراجع يومي على جميع الأصعدة، وأحياناً بتراجع غير منظم، لنقل أشبه بالهزيمة. ترى أليس هناك عقلاء وحكماء يتدبرون المواقف قبل أن تتأزم وتلعب على حافة الانهيار ..؟ أم أن الولايات المتحدة ذاتها تعاني من مشكلات وأزمات ظاهرة وخفية تجعل من الممكن بروز مثل هذه الظواهر الغير معهودة في الدول العظمى، ولكن الولايات المتحدة ذاتها تمر بمراحل من الضعف وسريان ظواهر التراجع العام في الأداء.

 

سياسة عداء الإسلام والعرب عداءأ مطلقا هو خطأ فضيع آخر، ويدل على قصر نظر. إذ دخلوا في تناقض جوهري يصعب التلائم معه، منه التزام الكيان الصهيوني التزاما مطلقا، هو خطأ فضيع تدفع ثمنه الولايات المتحدة الآن، والآتي أعظم،  واختراع كيان أسمه إيران (عام 1945) لم يكن موجود لا في التاريخ ولا في الجغرافيا، بمهمة واحدة .. أن يكون مع إسرائيل دركي الغرب في منطقة تعج بعناصر القوة والتطورات الواعدة الكبيرة ... كان بدوره خطأ عانت منه الآن وستعاني المزيد في المستقبل، أخطأت الولايات المتحدة في سياساتها في جنوب شرقي آسيا (في كوريا وفيثنام واليابان والصين وكمبوديا.. وغيرها)، ودقت أسفينا من العلاقات الدموية مع شعوب تلك المنطقة يجعلها مكروهة ومحتقرة من شعوبها قبل أنظمتها ..!

 

وما يقال عن آسيا يتكرر في أفريقيا وأمريكا اللاتينية بأساليب وصور مختلفة، وأكثر من ذلك، فحلفاءها في قلب معسكرها (أوربا) يترددون كثيرا في قبول الهيمنة التامة الأمريكية، مشكلات وسوء فهم وتفهم عميق، وأزمات توتر وسياسات تنذر بحروب طاحنة لا تبقي ولا تذر (حروب يوغسلافيا : الصرب، كوسوفو، البوسنة، أوكرانيا ) ...!

 

تركيا الحليف المخلص في الناتو، المشارك في كافة المعارك، والمسخر لأفضل قواه بخدمة استراتيجية الناتو، يكتشف أن الولايات المتحدة لا يهمها مطلقا هواجس الأمن التركي، دولة بحجم سكانها ومساحتها وقدراتها وحجم جيشها، لا تمتلك وسائط دفاع يعتمد عليها، فتتفضل عليها الولايات المتحدة وترسل بضعة بطاريات صواريخ باتريوت، وحين تريد ممارسة الضغط تسحبها بقرار انفرادي لتدع الأجواء التركية مفتوحة غير آمنة، وترفض أن تبيعها أسلحة دفاع جوي، وحين تشتري تركيا السلاح (SS400) من مصادر أخرى، تغضب وتشطب مشاركتها ببرنامج صناعة طائرة الشبح (F35) وترفض تسلميها حصتها من الانتاج، بل وترفض حتى إعادة المال المدفوع سلفاً ... فأي جور وطغيان هذا ...؟ وعليك أن تحتمله برحابة صدر ..!

 

الولايات المتحدة تزعم أنها حليفة للملكة العربية السعودية، وقد يصدق بعض الناس هذا الزعم، ولكن في الواقع لم تبق وسيلة لم تتبعها الولايات المتحدة في التآمر على السعودية، لإرهاقها وتهديد أمنها الاستراتيجي، وبعض تلك التدخلات علني لا يحتاج اكتشافها ذكاء .. حين تدع قوى أخرى تقاتل بالنيابة عنها. تقدم المساعدات العسكرية لمصر، ولكن هذه المساعدات تهف إلى : يمنع منعا باتاً أن تتعامل مع غيري، وإلا العقوبات جاهزة " والسياسة الامريكية تهدف إلى خلق مشكلات وأزمات لمصر أمنية وسياسية واقتصادية، وحتى أزمات عميقة جداً كالمشاركة بأزمة سد النهضة ..! المطلوب أن تبقى مصر ضعيفة، مفككة، تمتثل لتعليمات وأوامر الإدارات الامريكية ..!

 

" يمنع عليك أن تتقدم اقتصادياً بدرجة تخرجك عن الحاجة لنا ...! "

" ليبق تعاملك التجاري مع دول بعينها في حدود تافهة وإلا ...".

" قدراتك العسكرية يجب أن تكون بحدود معينة ...".

" هواجس الأمن القومي لبلادك نحن نقدرها وليس أنت ..".

" تدخل واسع النطاق لا حدود له في ميادين اقتصادية واجتماعية وثقافية  لا تخطر على البال ..".

" التعامل لا يجري بمبدأ المعاملة بالمثل ... وهناك خرق لا ينتهي لمبادئ السيادة الوطنية ".

 

الخلاصة ... ماذا تهدف أميركا بهذه السياسة الدولية الخرقاء ..؟

هل تتوقع أن تكسب أصدقاء ..؟ هل تتوقع أنها تكسب الحلفاء ..؟،  هل تتوقع أن يتعاطف معها جمهور عالمي واسع النطاق ...؟، هل تتوقع أن يحترم الناس المواقف الامريكية ..؟

 

كلا .. هذه إجابة شاملة وما تحصده الولايات المتحدة اليوم هو نتائج سياسة اعتمدت على القوة وممارساتها الغاشمة في شتى أرجاء العالم .. وتزعم فوق هذه أنها حامية للقانون الدولي، والديمقراطية وحقوق الإنسان ..!  ولا تريد أن تصدق أن هذا عصر مضى وقته ... وأن البشرية مقبلة على فجر بلا استعمار ولا إمبريالية ولا عولمة ولا فاشية ولا نازية .. فهذه منتجات رأسمالية مكانها هو براميل النفايات .. العالم ليس قرية يا سادة القصر الأبيض، ليقوده مختار أمريكي .. هذا كان حلم أنقضى سريعاً ....

 

 

أبن أبي الربيع

 

ضرغام الدباغ

 

في إطار تقديمنا لمفكرين وعلماء طرقوا الفكر السياسي الاسلامي مبكراً وأبدعوا، بل ومثل العديد منهم مصادراً للفكر السياسي العالمي الحديث

 

* ابن أبي الربيع :

 

هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي الربيع، وقد تناهى إلينا أسم هذا العالم ومؤلفه الوحيد المعروف(وربما له أعمال أخرى مفقودة) من خلال طبعة حجرية وجدت في القاهرة طبعت عام 1286 هج في 152 صفحة من القطع الكبير.

 

ولا تعوزنا المعلومات عن سيرة وحياة هذا العالم فحسب، بل وكذلك زمن تأليف مصنفه الشهير " سلوك المالك في تدبير الممالك " ونرجح أن لهذا العالم أعمالاً أخرى مفقودة، ويدل على ذلك عمق فكره الفلسفي السياسي وإطلاعه الدقيق على أعمال غيره من العلماء. فقد وجدنا أن تاريخ هذا المصنف كما ورد في صدر الطبعة الحجرية، يعود إلى عصر الخليفة العباسي الثامن (المعتصم) سنة 227 هج/ 842 م ، فيما يرجح مؤرخون آخرون، أنه يعود إلى عهد آخر الخلفاء العباسيين، الثامن والثلاثين، المستعصم المتوفى عام 656 هج/ 1258 م وبين التأريخين هناك 429 سنة، ومن الصعوبة القطع أي من الوقائع هي الأرجح، فقد أنقسم المؤرخون والمستشرقون على أنفسهم بصدد هذه المسألة.

 

وهذه الواقعة ليست الوحيدة في ثنايا الفكر السياسي العربي الإسلامي، فهناك قضايا مشابهة عديدة أبرزها: المصنف الموسوم " قانون السياسة ودستور الرياسة " حاول محققه وهو باحث نابه، التوصل بشتى الأساليب إلى معرفة هذا المصنف الهام، ولكن مساعيه لم تصادف النجاح، وهكذا صدر الكتاب يحمل عنوانه ولكن لمؤلف مجهول...! بيد أن زمن هذا المصنف واضح على نحو ما، (بين 759 هج/ 763هج)، فقد أهداه مؤلفه إلى السلطان شاه شجاع قائد الدولة المظفرية (وعاصمتها أربيل) التي حكمت بلاد فارس وكرمان وأذربيجان وأصفهان وتبريز من سنة 718 هج/ 795 هج، وهي سلالة عربية الأصل والانحدار التي سكنت خراسان مع بداية الفتح الإسلامي لها، وتعاقب على حكم الإمارة المظفرية، المنظوية تحت لواء الخلافة العباسية، سبعة سلاطين خلال 78 عاماً.(1)

 

والمصدر الوحيد  المتاح لنا من أعمال أبن أبي الربيع وهو مصنفه الشهير: سلوك المال في تدبير الممالك " ومحقق الكتاب وهو أستاذ فلسفة عراقي معروف (د. ناجي التكريتي) يرجح أن الكتاب مقدم إلى الخليفة العباسي الثامن والثلاثين،  المستعصم بالله الذي قتل على يد هولاكو عام 1258/ ونهاية الدولة العباسية، لسببين أثنين:

 

الأول: ينطوي الكتاب على نضج فكري / فلسفي سياسي عميق يستبعد أن يكون قد جاء بعد الكندي والفارابي.

الثاني : أن الاتجاهات السياسية في فكر أبن أبي الربيع، متأثرة بالفلسفة اليونانية التي جرى ترجمتها بشكل واسع النطاق في عهد الرشيد والمأمون، كما أن أسلوب كتابة أبن أبي الربيع متأثر بدرجة كبيرة (ويثبت د. ناجي التكريتي ذلك) بكتاب يحي بن عدي المتوفي سنة 365 هج/ 975 م وقد نقل عنه أبن أبي الربيع أسلوب الجداول والتشجير، كما أن مقاطع عديدة من الكتاب تكاد تكون متماثلة مع مؤلف بن عدي.(2)

 

ويضم الكتاب أفكار فلسفية / سياسية مهمة، يتفق فيها أبن أبي الربيع مع علماء عصره وغيرهم من العرب المسلمين أو من غير العرب، من أن الإنسان اجتماعي بطبعه، وأنه لا يكفي الواحد منهم بالأشياء كلها. ثم ينتهي إلى حقيقة مهمة في الفلسفة السياسية قائلاً" فقد تبين مما ذكرنا أن الناس مضطرون إلى تدبير وسياسة وأمر ونهي، وإن المتولين لذلك ينبغي أن يكونوا أفاضلهم " وهنا يستحق الإشارة إلى أمرين أثنين:

 

الأول: أن أبن أبي الربيع يعتبر العمل السياسي هو حتمية لالتقاء واجتماع البشر.

الثاني : أن يتصدى لهذا العمل أفاضل الناس.(3)

 

ثم يتطرق أبن أبي الربيع إلى موضوعة لا تقل أهمية، إذ يقول : أن أركان الدولة هي أربعة، ويودعها المهام القضائية، والتنفيذية، والأجهزة التي تشكل كيان الدولة فيما يبقى الخليفة والشريعة مصدراً وحيداً للتشريع :(4)

 

1 . الملك (الرئيس).

2 . الرعية (الشعب).

3 . العدل (مبدأ العدل وأجهزة العدالة).

4 . التدبير (السلطات التنفيذية).

 

وفي إشارته : إن على الملك (الحاكم) أن يعمل على أشغال رعيته لكي لا يجدوا وقتاً للتفكير في مفسدة (5)، وتوجه فيها أبن أبي الربيع إلى مرتبة فلاسفة السياسة، لما بعد ميكافيلي، فهو يجعل السياسة أداة بيد الحاكم. ولا غرو، فمفكرنا يستشهد بالآيات القرآنية بأسلوبه الخاص، وآثار الفلاسفة الإغريق، أفلاطون وأرسطو تبدو واضحة وكذلك أعمال فلاسفة عرب ومسلمين، بالإضافة إلى الإبداع الذاتي في طرقهم الحثيث لأفاق الفلسفة السياسية. فنحن إذن أمام ثلاثة مصادر رئيسية لمفكر مثل أبن أبي الربيع وربما آخرون غيره من هذا المستوى أو ما يقاربه، وهي :

 

1/ الشريعة (الكتاب والسنة والاجتهاد). 2/ منجزات الفلسفة. 3/ الإبداع الذاتي.

 

ثم نقرأ لأبن أبي الربيع ملاحظة واضحة ومهمة تزيد من قيمة مصنفه على المستوى العلمي وبها يكتسب ثقة ومصداقية في إشارته الواضحة إلى اقتباسه من أعمال وكتب علماء آخرين، وتلك لا تنقص من أهمية كتابه، بل تزيد من درجة علميته ورصانته.(6)

 

ومثله مثل الفارابي تقريباً، يركز أبن أبي الربيع على ضرورة أن يكون الملك أو الرئيس حكيماً عالماً، ويضع ذلك في المرتبة الأولى من صفات الملك، إذ يقول:" أن يكون له قدرة على جودة التخيل " ولكنه من جهة أخرى يؤكد على قدسية مكانة الملك بقوله " إن الله هو ينصب الحكام " ثم يقول في مكان ثالث وبوضوح " أكبر " إن الله جل جلاله لما خص الملوك بكرامته ومكن لهم في بلاده ودخولهم عبادة أوجب على علمائهم تبجيلهم وتعظيمهم وتوقيرهم، كما أوجب عليهم طاعتهم " (7)

 

فهو إذن يقبل النظام الملكي الوراثي، إذ يشترط في الملك أن يكون من أهل البيت المالك، قريب النسب ممن ملك قبله، وحسب الاتفاق(ولي العهد) ولكن أبن أبي الربيع يبقى السؤال حائراً، ماذا وكيف مع الملك أو السلطان الجائر..؟وأقصى ما يقبله أبن أبي الربيع، هو أن يتجه العلماء إلى الملك بالنصح والإرشاد و " تزين العدل وتقبيح الجور واستهجانه" ولكن على الرعية الطاعة في جميع الأحوال.(8)

 

وفي إطار الفكر السياسي لأبن أبي الربيع، نجد أهمية كبرى لدور مؤسسات الدولة وتحديداً الوزارة، والمؤسسات التي تعتمد عليها الدولة، القضائية منها والتنفيذية، فهو يؤكد أن أهم المؤسسات والشخصيات في الدولة :

1 . وزير عالم : ويصفه بالشريك في الحكم ويعادل في عصرنا الراهن رئيس الوزراء.

2 . الكاتب : ويعادل في عصرنا الراهن الوزير أو المدير العام.

3 . الحاجب : ويعادل في عصرنا رئيس ديوان الرئاسة.

4 . قاض : ويمثل الجهاز القضائي.

5 . الجند : الجيش.

6 . قائد الشرطة : رمز السلطة التنفيذية.

7 . العامل : المحافظ. (9)

ويضع أبن أبي الربيع مهما التخطيط الاقتصادي وتقدير موارد الدولة(الدخل القومي) وتحديد مصادرها من مصدرين رئيسيين:

1 . الأموال الشرعية، وهي معروفة وثابتة.

2 . الأموال التي تفرضها الدولة لأحكام الضرورة والاجتهاد.

ثم أنه يتقدم باقتراح صائب، هو أن يتكافأ الأنفاق، أي أنه يسعى لأن لا تصاب ميزانية الدولة بالعجز.(10)

 

وإن شئنا بكلمة ختامية أن نقيم هذا المصنف الهام نقول: إن المشكلة الرئيسية فيه تكمن في عدم التثبت بصورة دقيقة وحاسمة من تاريخ تأليفه. فالباحثون الذين يرون أنه كتب في زمن الخليفة المعتصم لهم حججهم وأسانيدهم، ومن يرى أنه كتب في زمن الخليفة المستعصم (وذلك رأينا أيضاً) ولهم أسانيدهم كذلك، ومن الصعب القطع بصورة تامة بتاريخ تأليفه، ولكن من المؤكد أن للكتاب قيمة فلسفية وسياسية كبيرة وهو يبحث في السياسة والفلسفة والأخلاق والإدارة والشريعة، بل وحتى في تخطيط المدن، وذلك ما دعى بعض العلماء العرب المعاصرين بوصفه " أبن أبي الربيع، رائد الفكر السياسي الإسلامي الأول".(11)

 

وأي كانت أراء الباحثين، فإن هناك إجماعاً، بأن هذا النص هو من أفضل النصوص الفلسفية العربية الإسلامية وأن مؤلفه من خيرة العلماء الذين أشغلوا في الفلسفة السياسية.(12)   

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

1. لمؤلف مجهول : قانون السياسة ودستور الرئاسة ، ص7

2. التكريتي، د. ناجي : الفلسفة السياسية عند أبن أبي الربيع ، ص 8

3. أبن أبي الربيع : سلوك المالك في تدبير الممالك ، ص175

4. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص176 / 192

5. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص187

6. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص86 / 88

7. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص93 / 175 / 174

8. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، 174 / 178

9. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص193

10. أبن أبي الربيع : سلوك المالك ، ص191

11. شرف، محمد جلال : الفكر السياسي الإسلامي

12. التكريتي، د. ناجي : الفلسفة السياسية ، ص80

 

المركز العربي – الالماني

حصيلة واستنتاجات

 

الموقف في أوكرانيا

 

ضرغام الدباغ

 

تثير الوقائع الحربية في معارك أوكرانيا انتباه القراء والمشاهدين بدرجة رئيسية ، وأنظمة الأسلحة، وحجم الدمار، وتساقط الضحايا ولا سيما في صفوف المدنيين ..وهذه مؤثرة بدون شك ولها أهميتها، ولكن مع تواصل العملية العسكرية في أوكرانيا نتوصل بدورنا إلى مجموعة معطيات / نتائج / حقائق سياسية مهمة، وبتقديري هي الأهم من أعداد الطائرات والدبابات التي تخوض المعارك الحربية ودمرت في هذا الجانب أو ذاك ... كما أن أعداد القتلى مؤسفة بطبيعة الحال، ولكن هذه طبيعة الحروب في كل زمان ومكان، فالحروب هي ممارسة سياسية ولكن بوسائل العنف، لتحقيق هدف عجز الدبلوماسيون من تحقيقه، وبعد أن ينجلي غبار ودخان المعارك، سيعود الدبلوماسيون ليبحثوا على طاولة المحادثات ما سينجم عنها وضع جديد على الأرض ومؤشرات سياسية  مهمة.

وبتقديري ما يستحق التأشير لحد الآن (أواسط آب / أوغست / 2022) هو :

لا يتمتع الجانب الأوكراني (بحسب معطيات وجداول توازن القوى) بالقوى والقدرات التي تؤهله خوض صدام سياسي / عسكري طويل المدى مع دولة عظمى كروسيا، وجيشها المؤهل لخوض حروب عالمية. ويدل تصميم القيادة الأوكرانية على مواصلة الحرب وعدم إبلاء الأهمية اللازمة للجهود الدبلوماسية، ويؤشر بوضوح تام، أن وراء القيادة الأوكرانية  قوى أكبر بكثير من امكاناتها، تدعمها، بقصد وبقدر ما يطيل الصدام السياسي / العسكري، وليس بقدر ما يحسم الصراع السياسي / العسكري، وتصميم وإصرار تلك القوى يشير إلى عمق رغبتها بتأجيج الصراع المسلح، دون أن بادرة أو مبادرة تجنح للدبلوماسية والسلم .

الدعم السياسي واضح جداً من خلال قيام الولايات المتحدة بحشد سياسي داعم يتألف من الاتحاد الأوربي ونفوذه أو مجموعة الدول السبع وحجم تأثيرها العالمي. ويهدف هذا الدعم الكبير: سياسياً إلى استخدام أوكرانيا (أرضا وشعبا وقدرات)، والهدف هو خلق معركة تسحب فيه روسيا لصدام عسكري، يستهدف في نهايته إضعاف روسيا بدرجة كبيرة، أو ربما تفتيتها، مخطط ينفذ وفق مراحل منذ إسقاط الحكومة الاوكرانية المعتدلة (2004)، على أيدي متطرفين وغلاة الأوكرانيين من النازيين الجدد. ولم يحبط هذا المخطط، إلا قراءة مبكرة دقيقة للقيادة الروسية لمآل تطور الموقف السياسي / العسكري، ولا سيما بعد التعثر المتعمد للاتفاقيات التي عقدت في مينسك (عاصمة بيلاروسيا) 2014 (روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوربي)، وإجهاض الأهداف البعيدة للمخطط، بل ربما أن روسيا تأخرت قليلاً إذ كانت تعول (بدرجة ما) على رغبة الأوربيين العميقة بالسلم في أوربا بتجنب الصراع المسلح، على أمل أن يتمكنوا من حمل الولايات المتحدة على الحلول السياسية / الدبلوماسية. لكن الولايات المتحدة نجحت باستخدام حجم نفوذها السياسي والاقتصادي في أوربا، بسحب الحلفاء الأوربيين (في الناتو والاتحاد الأوربي) إلى جانبها في موقفها حيال روسيا.

سايرت روسيا المساعي الدبلوماسية وشجعتها، على أمل تجنب الصدام العسكري، ونتائجه المكلفة سياسيا واقتصاديا وبشرياً، والروس خير من يعلم ويلات الحروب. ولكن معطيات كثيرة تجمعت أمام القيادة الروسية تشير في مجملها، أن لابد من التصدي لمخطط يهدف نقل زج عميق لروسيا أمام خيارات صعبة. وتواجد غربي بحجم كبير في أوكرانيا، لدرجة أصبح السكوت حيالها ينطوي على مجازفات يمكن تقدير أبعادها بالخطر المتفاقم المتصاعد..

دعم مالي / اقتصادي كبير وغير مسبوق، تمثل من خلال ضخ مئات المليارات من الدولارات، وأقل من هذا الحجم من الدعم المالي كان سينقل أوكرانيا لو قدم لها، إلى مستوى غير الذي كان عليه الاقتصاد الاوكراني الضعيف والمنهك. وهذا مؤشر واضح أن الولايات المتحدة والغرب عموماً لا يفكر بأوكرانيا وشعبها، بل بأهداف سياسية / استراتيجية توسعية. وضخ كميات هائلة من العتاد العسكري تفوق قدرات أوكرانيا على إيفاء أثمانها، والهدف هو واضح هو إغراق أوكرانيا بالديون،  وإدامة لساحة معركة تأمل الولايات المتحدة أن تفضي إلى نتائج سياسية مؤاتية لاستراتيجيتها. ورغم أن المعركة لم تنته بعد، إلا أن البنوك الأوربية والأمريكية حددت أهدافها بالاستيلاء على الشركات ومرافق الإنتاج الاوكرانية، مقابل الدعم المالي والعتاد الحربي.

أظهر مسار العمليات السياسية والحربية هشاشة العالم الغربي، والطابع الانتهازي للتحالفات بين أطرافه الكبيرة (خاصة) واتصالات تدور في الخفاء، لا تخلو من نوايا سرية غير معلنة بوضوح. وتكتلات (الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، استراليا) تنشأ في ظل التحالف الكبير، تشير أن الولايات المتحدة ليست واثقة بدرجة كافية من حلفاء أوربا، ولا سيما فرنسا وألمانيا. بل هناك تصريحات أوربية أن الولايات المتحدة تريد إضعاف القوة الأوربية الرئيسية (فرنسا، ألمانيا) وإظهار صورة موقف أن أوربا بدون الولايات المتحدة غير قادرة عن الدفاع عن نفسها، وعن الحضارة الغربية / المسيحية.

تسعى الولايات المتحدة إلى خلق معسكر موال لها في أوربا، قاعدته بريطانيا وبولونيا، وعدد من جمهوريات البلطيق، وبلدان شرق أوربا التي تعول على التعامل الاقتصادي مع الولايات المتحدة. كما أن بعض القيادات الأوربية غير مطمئنة للقوة الأوربية المتمثلة بفرنسا وألمانيا. فالولايات المتحدة تسعى عبر الأزمة الاوكرانية إلى استعادة مجدها القيادي في العالم الغربي وأوربا، نعم هي تريد حلفاء تحت قيادتها، ولكن ليس بمرتبة شركاء .

هذه المؤشرات ومفردات أخرى تصعد من حجم هواجس دول الاتحاد الأوربي ولا سيما بعد أن تهاوت اقتصادات دول عديدة منها بدرجة تقارب الإفلاس والانهيار (اليونان، أسبانيا، ايرلندا، إيطاليا وغيرها) وهو ما دفع بريطانيا (بتحريض من الولايات المتحدة) إلى مغادرة الاتحاد الأوربي، ودول أخرى توشك أن تفعل نفس الشيئ. 

يتواصل تبلور تحالف صيني / روسي يضم لحد الآن كوريا الشمالية، وبيلوروسيا، وهو معسكر يمكن أن يتوسع، وبتكاثف دعم دول عديدة في القارات: آسيا، أوربا، أميركا اللاتينية، يمكن أن يتطور إلى تحالف سياسي / اقتصادي / عسكري. فهناك العديد من الدول ترفض المشاركة في العقوبات على روسيا، مع مؤشرات مهمة في رفض الهيمنة الأمريكية.

ساهمت الحرب الاوكرانية بتسريع إنضاج وإبراز ملامح تقسيم عالم جديد. ومختصر الموقف هو: أن اقتصادات عملاقة تبرز في العالم (مجموعة العشرين: آسيا وتمثلها:  الصين، وإندونيسيا، واليابان، السعودية، كوريا الجنوبية، أفريقيا وتمثلها جنوب أفريقيا فقط وهو تمثيل متواضع،   ولكن هناك اقتصادات كبيرة واعدة (مصر والجزائر) وأميركا الجنوبية  فتمثلها  الأرجنتين  والبرازيل،  وأوروبا تمثلها أربع دول من الاتحاد الأوروبي  وهي: بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، إضافة إلى روسيا وتركيا وأمريكا الشمالية تمثلها الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك، وقارة أستراليا تمثلها  أستراليا.) . (*)

رغم أن بدائل الطاقة الأحفورية (Fossile energie) من الطاقة المستديمة النظيفة غير الملوثة كالطاقة الشمسية والرياح، ومساقط المياه، هي قيد الاستخدام والبحوث في هذا المجال تحرز تقدماً، إلا أن الأزمة الاوكرانية أظهرت الأهمية الحاسمة لمنتجات الطاقة الاحفورية كالنفط والغاز، وهو ما عزز مكانة المملكة العربية السعودية كعنصر قيادي في الكارتل العالمي النفطي أوبك، ودورها الحاسم في سوق النفط العالمي وأسعاره وهو عنصر مؤثر جدا على الاقتصاد والأزمة الاوكرانية في مواجهة الحصار الاقتصادي الغربي على روسيا، وإمداد الصين بالطاقة في خضم أزمة تابوان.

أكدت ألازمة الاوكرانية أن (الطاقة الاحفورية) النفط والغاز سيبقيان لأمد غير محدد الشكل الأساسي للحصول على الطاقة الآمنة وبسعر مناسب. وأن استخدام المحطات النووية لإنتاج الطاقة ستكون مصدر خطر داهم ذو آثار بعيدة وعميقة، كما حدث من خلال القصف المتعمد ولعدة مرات المحطة الكهرونووية زابوروجيه الأوكرانية التي تدار من قبل روسيا، والتي قصفت بأوامر مباشرة من لندن وواشنطن.

تسبب الصراع في بدايته في إرباك في الاقتصاد الروسي، ولكن ذلك لم يستغرق وقتا طويلاً. إذ شهد الروبل الروسي تدهوراً، ولكن ما لبث إلى النقيض، إذ تصاعد سعر صرف الروبل مقابل الدولار بعد أن كان وقت التدهور قد بلغ 150 روبل مقابل الدولار.، ولكن بحلول أيار / مايو تصاعد الروبل ليبلغ 55 مقابل الدولار. بعد اتخاذ القيادة الروسية قرارات مهمة، بطلب الروبل مقابل أثمان الغاز المصدر، وربط الروبل بالذهب وتحديد سعره. كما لعب التحالف الصيني / الروسي ومجموعة " بريكس " عززت من موقف الاقتصاد الروسي وساهمت في تضاؤل وطأة العقوبات الاقتصادية االغربية على روسيا. (**)

ويمكن تفسير جزء من الانتعاش، من خلال الوضع المالي الأقوى الذي تجد روسيا نفسها فيه بفضل الارتفاع الحاد في الإيرادات من صادرات النفط والغاز والانخفاض الحاد في الواردات. وتتوقع "وكالة بلومبرغ المختصة بالشؤون الاقتصادية" أن تكسب روسيا ما يقرب من 321 مليار دولار (292 مليار يورو) من صادرات الطاقة في عام 2022، بزيادة أكثر من الثلث عن العام الماضي، إذا استمر عملاؤها الرئيسيين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، في شراء النفط والغاز الروسي.

ستقود هذه المعطيات إلى تطورات سياسية / اجتماعية جديدة، والقوى الجديدة كانت إلى ما قبل أقل من قرن واحد عبارة عن مستعمرات، أو بلدان تحت النفوذ الاستعماري، وهذه التطورات تبدأ بتشكيل كتل اقتصادية (مجموعة شنغهاي) ثم بفكرة إيجاد عملات عالمية جديدة كالروبل الروسي واليوان الصيني. أو ربما عملة عالمية جديدة ...الولايات المتحدة استخدمت اعتماد الدولار بطريقة ألحقت الأضرار بنفسها وبالاقتصاد العالمي، والاقتصادات الناشئة سحبت من الاقتصادات المتقدمة كالولايات المتحدة وألمانيا واليابان، مكانتها المتفردة، ودخلت ميدان التجارة العالمية بقوة. الزيادات السكانية، وانتشار منتجات الثورة العلمية التكنيكية، خلقت ظروفا جديدة اقتصادية وسياسية، وانتشار التصنيع بشتى مراحله، بدأ يخلق عالما جديداً وتأثيرات جديدة. فالكيانات الصغيرة لم تعد صغيرة، والفقراء لم يبقوا فقراء (أو تقلص فقرهم) وها هم يطرقون ميدان العلاقات الدولية بقوة .(***)

سيكون لتفاعلات الحرب الاوكرانية السياسية والاقتصادية أبعاد كبيرة، وسيقود إلى المزيد من الضعف للأتحاد الأوربي، ومؤشرات ذلك قد ظهرت مبكراً بتراجع قيمة اليورو .. وهناك من يعتبره " انهياراً " إذ تراجع سعر اليورو إلى ما دون الدولار، للمرة الأولى منذ 20 عاما، في خطوة يراها مراقبون ستؤثر على المدخرين وستزيد من حدة أزمة تكلفة المعيشة في أوروبا. وقد تقود إلى مشكلات سياسية / اجتماعية.

مع تواصل العمليات العسكرية، من غير المستبعد أن يشهد العالم تصعيداً مدروساً، أو تلقائياً وبروز معطيات جديدة تطرح سقفا جديدا وأبعاد سياسية جديدة يرفع سقف التفاوض.

طالما الصراع العسكري يتواصل، فالاحتمالات مفتوحة على خيارات عديدة، وإن كان توازن القوى وفرص النجاح متاحة أمام روسيا أكثر مما هي مع أوكرانيا. والعالم يزخر بقوى جديدة، صاعدة تأخذ مكانها في العلاقات الدولية، وقد ولت عهود الهيمنة والاستفراد بقيادة العالم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) مركز ستاندرد تشارترد

توقعت المؤسسة المالية البريطانية " ستاندرد تشارترد " في أحدث نشرة لها صدرت يوم 9 / أيار / 2019، عن نمو اقتصاديات الدول العشرة الأولى في مقدمة الاقتصاد العالمي حتى عام 2030  وكما يلي:

 

الصين في المرتبة الأولى

الهند في المرتبة الثانية.

الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الثالثة.

اندنوسيا في المرتبة الرابعة.

تركيا في المرتبة الخامسة.

البرازيل في المرتبة السادسة.

جمهورية مصر العربية في المرتبة السابعة.

روسيا الاتحادية في المرتبة الثامنة.

اليابان في المرتبة التاسعة.

 ألمانيا الاتحادية في المرتبة العاشرة. 

ويقول خبراء مؤسسة ستاندرد تشارترد أن التوقعات الاقتصادية على المدى البعيد تعتمد على مبدأ رئيسي، هو أن حصة الدول من النمو الاقتصادي العالمي ينبغي أن تكون متقاربة مع حصصها من سكان العالم.

 

(**)  مجموعة بريكس: البلدان الأسرع نموا في العالم : البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا ".

 

(***) منظمة شانغهاي للتعاون :هي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أورواسيوية. تأسست في 15 يونيو 2001 في شانغهاي، على يد قادة ستة دول آسيوية، هي الصين، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وروسيا،  وطاجيكستان، وأوزبكستان

 

برلين : 18 / آب / 2022

 

 

زيارة بايدن الفاشلة

 

ضرغام الدباغ

 

 

أستبعد تماماً، أن تقوم الإدارة الأمريكية الحالية (لكن ربما في المستقبل) بتحليل زيارة الرئيس بايدن ونتائجها للمنطقة وإدارك العوامل الجوهرية ليس لفشل لزيارة الرئيس بايدن، بل لعموم الترجع الأمريكي وعلى العديد من الاصعدة.

 

ليس الوطن العربي فقط من يتململ، فقبلهم الحلفاء الأوربيين يبدون سرا وعلنا ضيقهم وتبرمهم من السطوة الأمريكية، رغم أنه يركبون قاربا واحداً، الضيق بلغ ذروته حين ينوه قادة أوربيون " وهم لا يفعلون ذلك عادة، فلديهم قابلية مدهشة على كتم الغيظ " معبرا عن إدراك الأوربيين أن أمريكا سوف لن تستطيع تدمير روسيا، بل هي تريد أن تدمير أوربا وإذلالها وإركاعها...!

 

إذا كان الأوربيون المساهمون في الجانب الاوربي للحضارة المسيحية، والمتشاركون مع الولايات المتحدة في السراء والضراء قد ضاقوا ذرعاً بالسطوة والهيمنة، فما يفعلون في أفريقيا الذين يتجهون صوب معسكر الصين / روسيا، وبلدان الشرق الأوسط الذي أتعبته الولايات المتحدة وأنهكته في نزاعات وصراعات وتوترات لا تخمد بلغت حد أستخدام القوة المسلحة، وحرب اوكرانيا هي الثانية في غضون عقدين، بعد الحرب اليوغسلافية. هذا غير الصراعات والحروب خارج القارة وزجهم في توترات وأشباه الحروب، وهو ما يهدد استقرار البلدان الأوربية، وتضيف لها هموما ومشكلات فوق ما تعانيه هي من متاعب. فسياسة الغرب (بقيادة الولايات المتحدة) أوصلت لأوربا ملايين المهاجرين من مناطق الصراعات والتوتر، من الفيثناميين، والأفغان، والإيرانيين، والعراقيين، والسوريين، وهو وضع ينذر بالعديد من المشاكل وعلى أصعدة عديدة.

 

يصعب على صناع القرار معرفة ما تريده الولايات المتحدة، وهي في النهاية تريد بسط الهيمنة التامة، وحكومات تدار بالهاتف، وبالبرقيات ...!  وحتى الأنظمة الحليفة لها لا تسلم من التآمر والدس والخبث وتشك بالجميع، فليس من حليف يضمن أن الولايات المتحدة لا تتجسس عليه، ولا تخلق بؤر للنفوذ داخل الدول الصديقة، وتشتري الشخصيات السياسية كجواسيس، ففي الوقت الذي تتظاهر فيه أنها حليفة للمملكة العربية السعودية، تغض الطرف ... لا بل تغمض عينيها عن أعمال تخريبية كثيرة مورست ضد المملكة، بل ومولت بعض عمليات التخريب في اليمن وتدفع للحوثيين الرواتب والمساعدات، وتسمح بإبقاء طرق امداهم بالسلاح مفتوحاً وتغمض عينيها عن عمليات تخريب بالصواريخ والدرونات .. وفي غير اليمن أيضاً، وهناك بعض التخريبات يستبعد أن تكون بلا تنسيق ..!

 

لماذا ... الإجابة بسيطة ولأمر لا علاقة له بالاخلاق ..

الولايات المتحدة لا تحب أن تتحالف مع أقوياء لأنها ستخشى على المركز القيادي ...

الولايات المتحدة لا تحب أن تتحالف من من يحافظ على كرامته ...!

الولايات المتحدة تحاول أن تتحالف مع أطراف وعندهم جرح مفتوح (أزمة) لكي تلعب دور المضمد ..!

الولايات المتحدة لا تفضل أن يكون حلفاؤها مرتاحين، لأن الراحة مجلبة للمشاكل برأيها ..!

مبدأ الربح والخسارة يسود علاقاتها السياسية، ولكن هناك مرجحات لكفة الميزان: الدين، العرق. المنظرون لفلسفة السياسة الخارجية الأمريكية : فوكوياما، وهينتغتن، عبارة عن شوفينيين عنصرين معادين للمبادئ الإنسانية.

لا تحتقر الولايات المتحدة شيئا بقدر احتقارها لحقوق الإنسان ...

 ولكي تخفي احتقارها الواضح، نصبت نفسها (بدون طلب من جهة) مدافعا عن حقوق الإنسان.

الولايات المتحدة تدعم لدرجة التدخل المسلح، الأنظمة الرجعية والثيوقراطية، والطغيانية، والدول المتوسعة بالسلاح، والعنصرية،  وتزعم أن هذه الدول ديمقراطية.

درجة رضوخ أي نظام حكم التعليمات والأوامر الامريكية هو من يحدد درجة " ديمقراطية / حقوق الإنسان ".

 

بعد كل هذه المقدمات السريعة، هل من المستغرب أن تفشل زيارة بايدن العربية، وهو القادم وفي جعبته إملاءات ... وكاد أن يطلب من القادة العرب أن يحاربوا في أوكرانيا ...! وتمويل الحملة ضد روسيا، لماذا ..؟ وبوقاحة لا حدود لها يعاتب على مقتل صحفي، قيل له نعم أنه قتل خطأ، وحوكم القتلة ونالوا جزاءهم، ولكن هذا لا يرضي بايد، فهو يريد أن يستخدم الملف كأداة ضغط سياسية، وعيل صبر مستمعيه، فقيل له لماذا لا يبدي حرصا مماثلا بقدر 1% على صحفية أمريكية الجنسية قتلت على أيدي الصهاينة ..؟

تعالوا نشكل حلف عسكري معاد لإيران بقيادة إسرائيل ...هل هناك وقاحة أكثر من هذا الطلب ..؟ وفي نفس الأسبوع الصهاينة يوسعون بناء المستوطنات ..!.

ضاعفوا ضخ النفط لإضعاف روسيا، ولتخفيض أسعار البنزين في الولايات المتحدة ...

 

عدا بلاهة بايدن، ومن يراه يترحم على طغاة الشرق الأوسط .... هل يقبل بايدن والولايات المتحدة الاستماع إلى هواجس الآخرين .. هل هم مستعدون لمراجعة سياساتهم الفاشلة في العالم كله وليس في الشرق الأوسط .... أين فعلتم طيب لتحصدوا الطيب ...؟ ألا يشاهدون ويلمسون أنهم محتقرون في العالم كله ..؟

الولايات المتحدة قوية ... نعم، وثرية ... نعم أيضاً، وقوة عظمى .. نعم للأسف، ولكن لا أحد يحترمكم ..لا تسأل عن الحب فالقضية ليست غراميات ... أنتم لم تحترموا مشاعر ومصالح كل شعوب العالم لذلك لن تجدوا من يقف بجانبكم حين تحين ساعة الهول ....

 

)

 

 مقالات سابقة

 

زيارة بايدن الفاشلة

 

ضرغام الدباغ

 

 

أستبعد تماماً، أن تقوم الإدارة الأمريكية الحالية (لكن ربما في المستقبل) بتحليل زيارة الرئيس بايدن ونتائجها للمنطقة وإدارك العوامل الجوهرية ليس لفشل لزيارة الرئيس بايدن، بل لعموم الترجع الأمريكي وعلى العديد من الاصعدة.

 

ليس الوطن العربي فقط من يتململ، فقبلهم الحلفاء الأوربيين يبدون سرا وعلنا ضيقهم وتبرمهم من السطوة الأمريكية، رغم أنه يركبون قاربا واحداً، الضيق بلغ ذروته حين ينوه قادة أوربيون " وهم لا يفعلون ذلك عادة، فلديهم قابلية مدهشة على كتم الغيظ " معبرا عن إدراك الأوربيين أن أمريكا سوف لن تستطيع تدمير روسيا، بل هي تريد أن تدمير أوربا وإذلالها وإركاعها...!

 

إذا كان الأوربيون المساهمون في الجانب الاوربي للحضارة المسيحية، والمتشاركون مع الولايات المتحدة في السراء والضراء قد ضاقوا ذرعاً بالسطوة والهيمنة، فما يفعلون في أفريقيا الذين يتجهون صوب معسكر الصين / روسيا، وبلدان الشرق الأوسط الذي أتعبته الولايات المتحدة وأنهكته في نزاعات وصراعات وتوترات لا تخمد بلغت حد أستخدام القوة المسلحة، وحرب اوكرانيا هي الثانية في غضون عقدين، بعد الحرب اليوغسلافية. هذا غير الصراعات والحروب خارج القارة وزجهم في توترات وأشباه الحروب، وهو ما يهدد استقرار البلدان الأوربية، وتضيف لها هموما ومشكلات فوق ما تعانيه هي من متاعب. فسياسة الغرب (بقيادة الولايات المتحدة) أوصلت لأوربا ملايين المهاجرين من مناطق الصراعات والتوتر، من الفيثناميين، والأفغان، والإيرانيين، والعراقيين، والسوريين، وهو وضع ينذر بالعديد من المشاكل وعلى أصعدة عديدة.

 

يصعب على صناع القرار معرفة ما تريده الولايات المتحدة، وهي في النهاية تريد بسط الهيمنة التامة، وحكومات تدار بالهاتف، وبالبرقيات ...!  وحتى الأنظمة الحليفة لها لا تسلم من التآمر والدس والخبث وتشك بالجميع، فليس من حليف يضمن أن الولايات المتحدة لا تتجسس عليه، ولا تخلق بؤر للنفوذ داخل الدول الصديقة، وتشتري الشخصيات السياسية كجواسيس، ففي الوقت الذي تتظاهر فيه أنها حليفة للمملكة العربية السعودية، تغض الطرف ... لا بل تغمض عينيها عن أعمال تخريبية كثيرة مورست ضد المملكة، بل ومولت بعض عمليات التخريب في اليمن وتدفع للحوثيين الرواتب والمساعدات، وتسمح بإبقاء طرق امداهم بالسلاح مفتوحاً وتغمض عينيها عن عمليات تخريب بالصواريخ والدرونات .. وفي غير اليمن أيضاً، وهناك بعض التخريبات يستبعد أن تكون بلا تنسيق ..!

 

لماذا ... الإجابة بسيطة ولأمر لا علاقة له بالاخلاق ..

الولايات المتحدة لا تحب أن تتحالف مع أقوياء لأنها ستخشى على المركز القيادي ...

الولايات المتحدة لا تحب أن تتحالف من من يحافظ على كرامته ...!

الولايات المتحدة تحاول أن تتحالف مع أطراف وعندهم جرح مفتوح (أزمة) لكي تلعب دور المضمد ..!

الولايات المتحدة لا تفضل أن يكون حلفاؤها مرتاحين، لأن الراحة مجلبة للمشاكل برأيها ..!

مبدأ الربح والخسارة يسود علاقاتها السياسية، ولكن هناك مرجحات لكفة الميزان: الدين، العرق. المنظرون لفلسفة السياسة الخارجية الأمريكية : فوكوياما، وهينتغتن، عبارة عن شوفينيين عنصرين معادين للمبادئ الإنسانية.

لا تحتقر الولايات المتحدة شيئا بقدر احتقارها لحقوق الإنسان ...

 ولكي تخفي احتقارها الواضح، نصبت نفسها (بدون طلب من جهة) مدافعا عن حقوق الإنسان.

الولايات المتحدة تدعم لدرجة التدخل المسلح، الأنظمة الرجعية والثيوقراطية، والطغيانية، والدول المتوسعة بالسلاح، والعنصرية،  وتزعم أن هذه الدول ديمقراطية.

درجة رضوخ أي نظام حكم التعليمات والأوامر الامريكية هو من يحدد درجة " ديمقراطية / حقوق الإنسان ".

 

بعد كل هذه المقدمات السريعة، هل من المستغرب أن تفشل زيارة بايدن العربية، وهو القادم وفي جعبته إملاءات ... وكاد أن يطلب من القادة العرب أن يحاربوا في أوكرانيا ...! وتمويل الحملة ضد روسيا، لماذا ..؟ وبوقاحة لا حدود لها يعاتب على مقتل صحفي، قيل له نعم أنه قتل خطأ، وحوكم القتلة ونالوا جزاءهم، ولكن هذا لا يرضي بايد، فهو يريد أن يستخدم الملف كأداة ضغط سياسية، وعيل صبر مستمعيه، فقيل له لماذا لا يبدي حرصا مماثلا بقدر 1% على صحفية أمريكية الجنسية قتلت على أيدي الصهاينة ..؟

تعالوا نشكل حلف عسكري معاد لإيران بقيادة إسرائيل ...هل هناك وقاحة أكثر من هذا الطلب ..؟ وفي نفس الأسبوع الصهاينة يوسعون بناء المستوطنات ..!.

ضاعفوا ضخ النفط لإضعاف روسيا، ولتخفيض أسعار البنزين في الولايات المتحدة ...

 

عدا بلاهة بايدن، ومن يراه يترحم على طغاة الشرق الأوسط .... هل يقبل بايدن والولايات المتحدة الاستماع إلى هواجس الآخرين .. هل هم مستعدون لمراجعة سياساتهم الفاشلة في العالم كله وليس في الشرق الأوسط .... أين فعلتم طيب لتحصدوا الطيب ...؟ ألا يشاهدون ويلمسون أنهم محتقرون في العالم كله ..؟

الولايات المتحدة قوية ... نعم، وثرية ... نعم أيضاً، وقوة عظمى .. نعم للأسف، ولكن لا أحد يحترمكم ..لا تسأل عن الحب فالقضية ليست غراميات ... أنتم لم تحترموا مشاعر ومصالح كل شعوب العالم لذلك لن تجدوا من يقف بجانبكم حين تحين ساعة الهول ....

 

تدهور حالة الديناصور

 

ضرغام الدباغ

 

هل يسقط ديناصور عملاق بسهام صيادين هواة .. كلا بالطبع، أم بأفخاخ لا تصلح إلا لصيد الأرانب وما شابه من المخلوقات الصغيرة الضعيفة ... لا بالطبع ... إذن كيف يصرع الديناصور ...؟

 

منذ القدم لا يتوقف هذا الصراع، الديناصور الشريف ليس انعكاس لضوء وظل قوة أجنبية، ولا صدى لصوت نشاز، ولهذا فقط طال عمره ومشروعه، ولكن الصيادون لا يكفون عن محاولاتهم، وأخيرا أهتدوا لفكرة نجاحها يتطلب الصبر، فأشتروا منه كمية كبيرة، وباشروا مهمتهم القذرة .. الديناصور الشريف يمكن أن يصرع، يقتل / تأتي نهايته وبأسباب وأساليب متعددة ... فإذا كان من المستبعد أن يقتل بسهم يطلق من قوس، فالديناصور ينتزعه من جلده بسهولة دون أن يخلف إلا جرحا طفيفاً، يعالجه الديناصور بيسر، وحتى بوسائل بدائية، وفي النهاية يخلف ندبة يستبعد أن تمثل إعاقة له، إلا إذا كان سهماً مسموماً أو إذا ما أحدث جرحا غائراً به شيئ من العمق، فآنذاك تكون الندبة ليست بسيطة .. وقد تمثل إعاقة بدرجة ما ... ما هي هذه الدرجة ..؟ هذا السؤال المهم ...!

 

الديناصور حين يكون فتي سريع الحركة، دقيق الملاحظة والانتباه، لا تصعب عليه القفزات إن أضطر لها، أو حتى للسباحة لمسافات متوسطة وطويلة، وهو في سنين شبابه لا يحتاج للكثير من المعارف، فشبابه وفتوته تعوضان سائر مستلزمات النضال والبقاء بطلاً في الميدان وقد يخترع خلالها الحلول للمعضلات حين تواجهه .. كما أنه لا يحتاج للتمارين الرياضية للإبقاء على قابلياته تلك .. وقد تكفيه المطالعة البسيطة يجتاز بها المصاعب. علاج الجروح تبدو بسيطة، فقوة بدنه والتغذية الممتازة تجعل من معالجة جراحه أمراً غير معقداً.

 

ولكن مع تقدم السن، وكثرة المعارك التي تلحق به جراحاً وبعضها غير بسيط، سيحتاج بالتأكيد لعناية طبية دقيقة، وإلى مساعدة أبناء القبيلة من الديناصورات الفتية، ولكن الديناصور إذا أهمل تربية ورعاية أبناؤه، فقد يفرون إلى الغابات ويعيشون مع البلابل بل وبعضهم يتعلم التغريد والشدو ... وما عادوا يتذكرون أسلوب معالجة الجروح .. أحد الديناصورات الخنفشارية (الله لا يعطيه العافية) نصح الديناصور الكبير  أن يبعد هؤلاء الديناصورات التي قد تثير المتاعب .. " لا نحتاجهم مولاي " مبسطاً الحياة في الأدغال المخيفة المحيطة بهم بأنها قضية سهلة ولا تحتاج إلا لمن يتقن طقطقة وفرقعة الأصابع، وإطلاق الصفير، وإبداء قدر من السفاهة وقلة الحياء، فهذه ضرورية في هذا العصر .. مولانا هذا زمن وحضارة الديسكو ..ورفع الساق اليسرى عاليا ما أستطاع ذلك خلال الدبكة الضرورية. وهز الخصر، وفعلاً أستبعد الموظفون الإداريون من يتسم بالقوة من الديناصورات، وبعضهم نعرض للإهانة علنا في ساحة البلدية .. وعدد منهم مات كمداً ..! وأستبقي كل من يحسن الدبك والهبك، وأكل النبك وفرقعة الأصابع .. والضرب على الدنبك ..! وهناك من آثر الصبر والصمت واحتمال كل شيئ من أجل الولاء القديم المتجذر للعشيرة .. ومنهم الفقير إلى الله كاتب هذه السطور ..!

 

الديناصور اهمل العلاج، وفي البداية لم يبدو ذلك أمرا خطيراً، ولكن بمرور الأيام تفاقم العجز، وهذه قاعدة عمل وحسابات الحياة، وعدا هذا يبدو الديناصور متعافيا، وقد انتفخت أوداجه، وصار له كرش صغيرون، يطلق عليه تحبباً " كرشون " وهو يعتقد جازماً أنها من علامات الصحة والعافية ... ولكنه لا يدرك أنه أصبح ثقيل الحركة، وفي البداية لم تمثل هذه مشكلة ، إذ يجلبون له ما يتنقل به من عربات فخمة ولكن فيما بعد أعتاد على لعبة قبيحة وهو أن يحمله ديناصور شاب قوي، بكل فخر واعتزاز فأصبحت ميزة الديناصور الممتاز أن يكون حمالاً، تؤهله للترفيع إلى الدرجات العليا .. ولم تعد المزايا الأخرى مهمة، فكثر عدد الحمالون ...!

 

أكتشف الديناصور أنه أخطأ حين عالج الجرح في قدمه، لأنه يركب العربات ويحمله الديناصورات الجدد، وبدلاً من أن يستخدم مضاد للألتهابات، وضع حفنة من رماد وصفها له دجال هائم في البراري يعالج  الجهلة والمفلسين .. وهكذا صار الديناصور يعرج قليلاً في مشيته .. ولكن تكائر الإصابات على مر السنين، مع توفر حيوانات سخيفة في الجوار، صحيح هي تافهة لا قيمة لها، ولكنها تصبح مؤذية إذا أتفقت مع ضباع المنطقة، وبحكم تعدد الإصابات تكثر الالتهابات ... ومن جهة أخرى يعتقد الديناصور الأعظم أنه عبقري في مهمة قيادة سفينة عملاقة .. وهو الذي لم يجرب قيادة حتى شختورة صغيرة .. 

 

لما بدأت أخطاء الديناصور تكثر، حدث أن نصحه صديق صدوق بأن ينتبه لحاله، وإلا الكارثة ستحدث، فلطمه عظيم الديناصورات على فمه ضربة أفقدته ثلاثة من أسنانه الأمامية .. بحيث صار يلفظ السين شين ... ولكن الديناصور الأكبر مع ذلك أستبقاه ليضحك عليه حين يأمره : قل سلام فيلفظها ذاك " شلام " فيضحك الديناصور حتى يستلقي على قفاه... الديناصور أعتبرها مسألة عادية لا أهمية لها .. ولكي يريح رأسه من ثرثرة من يغمزون من طرف قناته .. رفس جميع الديناصورات على مؤخراتهم، وشتمهم قائلاً " تعتبرون أنفسكم عباقرة .." انتظروا قسماً لأجعلكم تهترأون في بيوتكم ..".

 

قلنا بعض الديناصورات مات هماً، وأخرون لبسوا الدشاديش وراحوا يهتمون بالحديقة المنزلية، وأشتروا الأنابيب المطاطية وراحوا يسقون الحديقة فرحين مستبشرين بالسلامة أولاً وبالاكتشاف الفضيع ثانياً والحمد لله على هذا الحال وكل حال، وبالشكر تدوم النعم. وإذ اكتشفوا أن بدراهم بسيطة يستطيعون يوفرون شراء الطماطة والباذنجان، والخيار ... وتأسفوا لأن هذا العمر ضاع هدراً، وأنهم تعلموا زراعة الحديقة مؤخراً، وتبين لهم أن الديناصور الكبير عبقري فعلاً وقولاً، فهو بهذا يوفر مبالغ كبيرة للاقتصاد الوطني ...

 

ذات يوم أصيب الديناصور برجة في الدماغ، إذ ارتطدم رأسه بجذع شجرة قوية، أثر ضرطة قوية من ديناصور سخيف قليل تربية وتهذيب، معروف في المنطقة بقلة أدبه ... وأكتشف أنه لم يبق من يعالجه من الصدمة، فجميع الذين بقوا حمالين لا خبرة لهم بالعلم والفهم ....

 

تذكر الديناصور مسرحية كان قد شاهدها، أن مدينة فر سكانها للمهاجر من ظلم طاغية أذاقهم المر العلقم، وأودعوا مفاتيح بيوتهم لدى عجوز ائتمنوها عليها، وصار الملك الجبار يصرخ يريد الخدم والحشم والمرافقين والجمهور، فلا يسمع غير الصدى، وهتف بعلو صوته : أين الهتافة واللكامة والذي يطقون الأصبع ويدبكون، فقيل لهم لم يبقى منهم أحد ....سوى العجوز حافظة المفاتيح ..

 

 

مالعمل ...؟

 

سؤال فضيع .. مثير للمتاعب ...

 

الفكر القومي / الإسلامي ....

 

ضرغام الدباغ

 

 

هذه المنطقة، الوطن العربي الكبير، كبيرة وإن جن جنون المفترون، ومات بغيظهم الشعوبيون، نحن نكتب أشعارا رائعة قبل 1700 عاماً بمقايس اليوم ويوم كانت شعوب كثيرة ما تزال تلعب على الأشجار، نحن نعزف على القيثارة ونعلم الشعوب الموسيقى، ونرسم، ونؤسس حضارة لها أبعادها وشخصيتها. قبل عصر النهضة (الرينسانس) بأربمعمائة عام ....!  واليوم يواصل أدباؤنا وفنانونا وعلماؤنا السير إلى الأمام والتقدم والعمران الذي وضعنا نحن فلسفته على يد أبن خلدون .. أمه تنهض رغم الألغام والعراقيل والمعوقات .. الأزمة في جوهرها عندهم وليست عندنا وسيكون لنا مجلس وديوان في رحاب الحضارة والتاريخ ..وهذا يميتهم غيضاً ...! نتعرض بين حقبة وأخرى، لمحاولات، تبدو في وقتها ويومها ذات شأن، ولكنها تتلاشي وتضمحل ولا يبقى منها سوى الدهشة ..!.. في ساحة التاريخ الفسيحة سيزول من هو طارئ، ويبقى الأصيل ويزدهر ...

 

               *                *              *

صفة فريدة : الالتحام بين الفكر القومي العربي والإسلام

 

واستطراداَ في مناقشة فكرة الدولة القومية، نتيقن أنها ليست فكرة إقطاعية. ولو كان الأمر كذلك لكانت أوربا قد أدركته خلال عصور الهيمنة الإقطاعية الطويلة على المجتمعات الأوربية، كما أنها ليست بورجوازية، فلو كانت كذلك فكيف أنتبه لها أبن خلدون بهذه الدرجة من الوعي. أن فكرة الدولة القومية هي جزء من الوعي السياسي لأي شعب يحس ويشعر بكيانه ويدرك أبعاد وحدود بلاده ومصالحه الحيوية والاقتصادية في المقام الأول. كما يشعر بلغته وتميزها، وثقافته وتأريخه. فقد كانت حقيقة تاريخية قد ترسخت منذ العصور البابلية والآشورية، أن جبال الأناضول شمالاَ وجبال زاغروس شرقاَ مثلت الحدود الطبيعية لمنطقة كانت على الدوام مرتعاَ لشعب سام يتألف أساساَ في معظمه الغالب من أقوام هاجرت من شبه الجزيرة العربية ، منذ أن جفت شبه الجزيرة، واستوطنت أحواض الأنهر وذلك قبل لا يقل من 5 ألاف سنة قبل الميلاد، ومضت تواصل تثبيت ألوانها الثقافية، وتكتسب ملامح محددة بمرور الوقت، أنماط معيشة واقتصاد، ثقافة ولغة، عادات وتقاليد، شدتها مفردات الحياة وأحداث تاريخية إلى بعضها البعض. وقرأنا في الألواح البابلية لأول مرة كلمة عرب، عربو، أرابيا، بحدود ألف قبل الميلاد فصاعداَ.

 

ويكتب الفيلسوف الهنغاري المعاصر جورج لوكاس شيئاَ يقارب ما نذهب إليه : من أن لا قاعدة نهائية للمسالة القومية، فهذه تتشكل وتتكون وتنعقد شروطها وصفاتها بصورة قد تتفاوت من مكان لآخر ومن مرحلة لأخرى، فيقول : " وعلى نقيض الوضع في إنكلترا أو فرنسا حيث كان التوجه السياسي لأمة قد تحقق فعلاَ بشكل أساسي عندما طرح التصور الاقتصادي للرأسمالية، مسألة الثورة الديمقراطية البورجوازية (القومية) على جدول الأعمال. ولكن تطور ألمانيا قد انطوى على تناقض، وهو أن المجتمع البورجوازي الناشئ كان عليه أن يحقق الوحدة القومية أولاَ وأن تحقيق الوحدة القومية أصبحت المسألة المحورية من ثورتها الديمقراطية البورجوازية ".

وحول المسألة القومية أيضاَ، وانطلاقاَ من فكرة أننا لا يمكننا أن نحكم أو أن نقيم أحداث جرت قبل ألف وأربعمائة عام بمقاييس اليوم، إذ لا بد من الأخذ بالاعتبار، الظروف الموضوعية والذاتية لتلك الأزمنة، والأمر كذلك فعلاَ، فيقول الأستاذ البريطاني (اللبناني الأصل) البرت حوراني، إن فكرة القومية العربية الحالية اكتسبت قوة سياسية في القرن العشرين ولكن: " إذا ما توغلنا في الماضي نجد أن العرب كانوا دوماَ يحسون إحساساَ فريداَ خاصاَ بلغتهم، وأنه كان قبل الإسلام إحساس عرقي، أي نوع من الشعور بأن وراء منازعات القبائل والعائلات وحدة تضم جميع الناطقين بالضاد والمنحدرين من القبائل العربية.

 

 أين يتركز الهجوم المعادي على الأمة العربية ...؟

 

بعض الجهات المعادية (وهي جهات استعمارية عريقة) تمتلك خبرة طويلة في الأنشطة المعادية للأمة العربية، بحيث اكتشفوا نقاط القوة والضعف، وسياسة التصدي والإحباط للأمة مارسوها منذ القرن التاسع عشر، عبر بعثاتهم الاستكشافي / الاستخبارية، ثم عبر تغلغلهم السياسي، ثم احتلالهم، ثم في عهود الانتداب وبعدها، إلا عناصر القوة والضعف هذه عند الأمة غير ثابتة فقد تتعرض للتصاعد أو التنازل، كما يحدث أنهم يبالغون في تقديراتهم السلبية، أو يبخسون قدر بعض العناصر، كما أنهم وبوصفهم أجانب، لا يمكنهم مقياس قوة العناصر الروحية والمعنوية، والخصائص العميقة للفرد العربي، والدوائر الاستعمارية تميل إلى سماع وتصديق التقارير الاستخبارية حرفياً، فلا يمكنهم وضع تصور دقيق لنفسية الأفراد وانفعالاتهم، وحجم التأثير الديني لدى الناس. ومن خلال قراءة كثيفة لمصادر كثيرة ومن دول عديدة، قلما تجد من يتفهم أعماق الفرد العربي.

 وقد وجدت تلك الجهات ثلاثة نقاط قوة في هذا الجسم الممتد من المحيط الأطلسي وحتى الخليج العربي، ومن عدن وحتى سفوح الأناضول، ثلاث نقاط وهاجة، إن كان إطفاؤها مستحيل فلنضعفها على الأقل، وأرجح أن الإنكليز والفرنسيون يدركون ذلك، ولكن الأمريكان بأعتبارهم سخفاء (بسبب ثروتهم وقواهم العسكرية) يعتقدون هذا ممكن. النقاط الثلاثة هي :

1. اللغة العربية، والعروبة.

2. القرآن والإسلام.

3. التلاحم بين الإسلام والعروبة.

 

ولهذا تحديداً (النقطة الأولى، اللغة والعروبة) تتبذل جهات عديدة جهوداً لإضعاف اللغة العربية كمقدمة لإضعاف اللحمة القومية، بوسائل عديدة، ولكنها مكشوفة، وقد جربت في العقود الماضية ولم تفض لنتيجة تستحق الذكر ... كان التركيز القديم يعتمد استبدال الحروف العربية بأخرى لاتينية كخطوة أولى لفك شبكة الارتباطات. ولكن هذه الفكرة التي نجحت في تركيا ما بعد العثمانية ارتبطت بسلسلة تنازلات جوهرية عن الهوية التركية القومية والدينية، لذلك لم تلق نجاحاً كبيراً، بسبب أن من تصدى للفكرة كانوا مفضوحين في ارتباطاتهم وعداءهم للأمة والإسلام معاً، وفشلت الخطة لتناقضها الشديد.

 

الفكرة الأخرى وهي تطبق حالياً، استخدام تدريجي خافت بلا ضجة ولا صخب، في استخدام اللهجات المحلية، بل والمبالغة بها. وهي تطبق دون ضجيج بلا رد فعل ملموس من أجهزة الثقافة العربية. وهذه ستفشل ليس بسبب مقاومتنا لها، لا .... ولكن بسبب المناعة الذاتية في اللغة ومكونات الأمة ..  فهو مخالف للمنطق والتاريخ. ويذكر مؤلفوا كتاب موسوعة تاريخ العرب (7 أجزاء)، من جامعة لايبزغ بألمانيا ما نصه : " وإذ يمكننا الانطلاق من حقيقة: أن اللغة العربية واللهجات، إنما تعود في أصلها إلى عائلة اللغات السامية، ومنها لنثبت ونقرر: أن كافة المجاميع السكانية التي تتحدث اللغة السامية، إنما كانت قد نزحت عبر العصور من براري وواحات شبه الجزيرة العربية إلى مناطق المراعي على حافات الأراضي الصالحة للزراعة في شمال وشرق الصحراء العربية السورية. وهذا التجول والتحول من البداوة إلى التحضر والمدنية كانت، كما يشهد بذلك اهتمام الكتاب والمفكرين، عبارة عن حركة مستمرة لا تعرف التوقف ".

 

أما المحاولات لتحريف القرآن الكريم وإدخال نصوص مدسوسة، فهي محاولات لم تتوقف منذ فجر الاسلام، وجهات كثيرة حاولت التحريف، وفي المقدمة حاول اليهود تحريف القرآن، وهناك طبعات من القرآن محرفة، بعدها حاولت أطراف أخرى طباعة القرآن وإدخال تحريف، كان بعضها متقن الصنع، والبعض الآخر واضح جداً ومكشوف، والمحاولات لن تتوقف حتى يومنا هذا.

 

لم تتوقف المحاولات المتفاوتة في حجمها وقوتها، للنيل من اللحمة بين العروبة والإسلام. ورغم وجود أحاديث عديدة للرسول (ص) تؤكد على هذه اللحمة، إلا أن المحاولات تفعل كل شيئ، حتى الاستناد إلى توصيفات وتعبيرات دينية، منها نعلم أن فك عرى العروبة عن الإسلام، وبالعكس هو جهد قديم حديث، وإن يشتد في هذه المرحلة لإضعاف العروبة والإسلام كلاهما

 "  إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل، فقسم الناس قسمين، فقسم العرب قسما، وقسم العجم قسما، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما، وقسم مضر قسما، وقسم قريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير ما أنا منهقال الهيتمي في مبلغ الأرب "

 "   يا سلمان؛ لا تبغضني فتفارق دينك. قلت: يا رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله! قال: تبغض العرب فتبغضني  "

 "   حب قريش إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر، فمن أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني   . "

 " العرب الذين دخلوا في الإسلام وحملوه إلى الناس وعلموه الناس وصاروا قدوة في الخير، كالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من العرب ومن حمل الإسلام معهم من العجم، فهؤلاء لهم فضل ولهم مزية من العرب والعجم. فـالصديق وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة وغيرهم من الأنصار والمهاجرين لهم فضل عظيم، وهكذا من تبعهم بإحسان في حمل العلم والجهاد في سبيل الله حتى نشروا دين الله وعلموه الناس، سواء كانوا عرباً أو عجماً، لهم حق عظيم على المسلمين المتأخرين في الدعاء لهم والترضي عنهم وشكرهم على ما فعلوا، وحبهم على ذلك"

    ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ يوسف : ٣

 فالعرب أو العربي سمي كذلك لوضوح لغته وسلاستها وأصلها واتساعها وشموليتها ولذلك يقال أعْرَبَ أي وضّحَ وبيّنَ، فهي لغة البيان والوضوح. لهذا أنزل الله تعالى كتابه الأكمل بهذا اللسان المبين وأعاد الأمر إلى الأصل الأول.

 هذه الأمة ولغتها ودينها خالد حتى يرث الله الأرض وما عليها، وسوى هذا عبث وحرث في الماء  طائل منه

 

الاستحقاق التاريخي

 

كيف ولماذا انتهى حزب الاستقلال ..

 

ضرغام الدباغ

 

 

 

هي تجربة تاريخية كبيرة، مثيرة للإعجاب وللدهشة معاً. ومدهش أكثر أن لا يتطرق لها أحد  لا من بعيد ولا من قريب. وسأسوق ملاحظة هي أن لا أحداً من كتاب التاريخ المحترفين (أساتذة وعلماء)، أو من هواة تسجيل التاريخ (chronologie). أن يبحث فيها المختصون والباحثون، وهي تجربة مثيرة تستحق البحث التفصيلي، ومن المؤكد أن في ثنايا الأحداث الكثير من القصص الصغيرة والروايات التي تستحق عناية المدونين.

 ما أريد بحثه اليوم، هو ظاهرة التلاشي التدريجي لحزب الاستقلال في العراق.  وهي قضية بتقديري مهمة للغاية، وتستحق الدراسة والتمعن، لا سيما في الظروف الحالية. وهو تساؤل كبير: كيف ولماذا أنتهى حزب الاستقلال ... وحزب الاستقلال كان حزبا سياسيا رئيسياً في العراق، قاد التيار القومي التحرري لسنوات طويلة (من الأربعينات وحتى الستينات)، وكان يضم النخب الممتازة من الشباب والرجال الناضجين، والعديد منهم كان يمتلك قدرات فكرية وسياسية مهمة. وتميز بخط وطني / قومي، معاد للأستعمار، وله أهداف اجتماعية كانت جذابة وجديرة بالأهتمام. وقادة الحزب من أمثال : محمد مهدي كبة، ومحمد صديق شنشل، وفائق السامرائي، وآخرون، كانوا يتمتعون بالاحترام التام في كافة الأوساط لمكانتهم، وثقافتهم، ووطنيتهم الخالصة، وبعدهم التام عن الطائفية المقيتة، وعن المناطقية والعشائرية، فكانوا يمثلون بحق خطاً وطنيا تحررياً لا تشوبه شائبة.

 وكمعظم الحركات التاريخية، لم يولد حزب الاستقلال بمرسوم حكومي، ولا برعاية أجنبية من دولة قريبة أو بعيدة، بل أنحدر من تجمع وطني معاد للاستعمار قومي الاتجاه، هو نادي المثنى الذي نشط بصفة خاصة في مطلع الأربعينات، دعماً للحراك الوطني العراقي عام 1940/ 1941، وتأسس حزب الاستقلال (كانون الأول / 1945) في ظروف عصيبة بعد فشل حركة مايس 1941 (واقعيا كان كتيار موجود في المجتمع العراقي)، أبان حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات البريطانية. ومثل حزب الاستقلال  آنذاك التجمع الوطني القومي العراقي النظيف الذي يجمع العناصر الوطنية العراقية في عمل موحد ضد الاستعمار وقوى الانتداب البريطاني مؤكداً على الوحدة الوطنية العراقية ووحدت التوجه صوب الاستقلال، وصيانته والدفاع عنه. وكان نادي المثنى في الوقت نفسه يضم بين جناحيه في ذلك الوقت المبكر الشخصيات الوطنية / القومية الساعية للاستقلال كالسيد رشيد عالي الكيلاني، ومحمد يونس السبعاوي، ويحضى بتأييد الضباط الوطنيين وفي مقدمتهم ضباط المربع الذهبي العقداء الركن الأربعة (الشهداء فيما بعد) : صلاح الدين الصباغ، محمد فهمي سعيد، كامل شبيب، محمود سلمان.

 

كان حزب الاستقلال يفتقر إلى الوضوح النظري، ومتانة الجانب التنظيمي، ورؤيته السياسية لم تكن عميقة بحيث تقنع الجماهير، وتدفعها إلى تنظيم حديدي، وهو ما حال أن يكون حزب الجماهير الشعبية في الشارع الملتهب، ورغم وضوح خطه القومي، إلا أن الحزب أفتقر للجانب الآيدولوجي، وبدا هذا النقص في حينه مهماً، ولكن الحزب الذي كان يحترم قواعد العمل الديمقراطي، كان موقفه المعارض واضحاً كل الوضوح، بدرجة كان مشاركا بالأنشطة الوطنية، حتى توجها بالانظمام إلى جبهة الاتحاد الوطني، التي تأسست عام 1956 من : الحزب الشيوعي العراقي، حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب الاستقلال، الحزب الوطني الديمقراطي، الحزب الديمقراطي الكردستاني  التي كانت بتقديري، هي أفضل حالة تحالفية متقدمة شهدها العراق في تاريخه.

 

ومن سوء الحظ، أن لا تتولى جبهة التحالف الوطني الحكم والسلطة الفعلية في العراق، لمدة انتقالية معينة (سنة أو سنتان) تمهيداً لنظام ديمقراطي انتخابي برلماني، في غضون ذلك الابتعاد عن كل فكرة متطرفة وعن الاتجاهات التوتالية، وترسيخ سيادة الدولة والقانون، والابتعاد عن صيغ العنف في العمل السياسي، وبتقديري أن حزبين كانا في وارد مثل هذه السياسات البناءة، هما : حزب الاستقلال، والحزب الوطني الديمقراطي.

 

ولكن الساحة في العراق وفي المنطقة كانت ملتهبة بشعارات ثورية، والتطرف كان يتسيد المواقف النظرية والسياسية، ويبدو لي أن حزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي كانا سابقان لعصرهما، ومتأثران بالحياة الحزبية في البلدان السابقة في التجربة.

 

حزب الاستقلال كان حزبا قوميا رائداً، ولكن الحزب لم يكن لينظر إلى عمق الواقع، وتنقصه الرؤية العريضة، في تشخيص الأوضاع والتطورات، وفي تحليلها، وأفتقر للمؤتمرات، تخلق التفاعل الضروري، فكان يبتعد عن المسرح السياسي العراقي...وبأسف أقول: كان الحزب بتضاؤل دوره وأهميته ... يتلاشي تدريجياً ويندثر.

 

وما أن أطلت أحداث شباط / 1963، ونهاية حكم الزعيم كانت ذلك يؤشر آخر تواجد لحزب الاستقلال الذي كان وجوده بعد 14/ تموز / 1958 شكلياً في الساحة السياسية العراقية وأصبح أثراً بعد عين بعد أن تواجد على الساحة نحو عقدين من الزمان (20 عاماً).

 

في هذه العجالة أريد التنويه : أن الأحزاب التي تعبر عن إرادة وتطلعات الجماهير، لا تسحق بالإرهاب، فقد يلحق بها الإرهاب بعض الخسائر، ولكن من جهة أخرى هناك مكاسب، إذ يتجذر الحزب بين الجماهير إذا كان ملبيا لطموحاتها، والطموحات هي الرؤية العصرية المتجددة لمشكلات اليوم، كيف نتصدى لمشكلات الوطن والأمة، ما هي جوهر المشكلات، وكيف نضع لها الحلول المناسبة، الحديث العام والعائم ... المشحون بعبارت ملتهبة لا تصيغ واجبات ومهمات وآليات العمل السياسي ... 

 

سيقول لي أحدهم ... أنك تلمح لشيئ ولا تصرح به ...!

 أقول: أنا لا ألمح، بل أصرح ..... أنظروا إلى الساحة وتجدون ما ألمح له حاضراً ماديا ملموساً ...!

 

 

 

الدخالة عند العرب

 قضايا اللجوء السياسي والإنساني

 

د. ضرغام الدباغ

 

حين قرأت عن الدخالة عند العرب، وهو ما تمارسه اليوم الدول تحت بند " اللجوء السياسي "  بند غالبا ما يكون موجود في دساتير الدول، وهو حق من حقوق الإنسان على المجتمع الدولي، ولكن الدول تطبقه بتفاوت شديد، وكثيرا ما تتجاهله، وقد حدث وأن سلمت دول أشخاصا مطلوبين بقضايا سياسية، أعدموا في دولهم،، أو عوقبوا بشدة، أو تعرضوا لاضطهاد سياسي.

 

في التعمق في التاريخ السياسي العربي، وجدنا أن موضوعة  اللجوء السياسي والإنساني، تصلح أن تكون مدخلاً لدراسات قانونية / سياسية، وإنسانية / اجتماعية عميقة في التاريخ السياسي العربي في شتى العصور، قديما وفي العصر الوسيط والحديث.

 

وبادئ ذي بدء، أول ما يسجل على هذه الممارسة السياسية (الدخالة / اللجوء) العربية أنها لم تكن نتيجة لتشريع قانوني، بل هي كانت عرفاً سياسياً / اجتماعياً والأكثر من هذا أنها كانت ملزمة بدرجة كبيرة، بحيث أن من يخالف قواعد قبول الدخالة ولا يحترمها، يلصق العار بأسمه حتى بعد مئات السنوات، بل وحتى على أسم عائلته إلى الأحفاد. وقد تكون أحياناً العقوبة الأخلاقية أقسى وأمضى من العقوبة الجزائية، كعقوبة مخالفة قواعد الدخالة (اللجوء).

 

في الأزمنة العربية القديمة (قبل الإسلام)، تواجدت مجتمعات لم تكن تعرف أنظمة الحكم المتطورة، وخاصة في منطقة وسط شبه الجزيرة العربية، أو بالاحرى كانت هناك أنظمة حكم بسيطة، تتمثل بمجلس القبيلة، ثم بمجلس أتحاد القبائل المتواجدة في منطقة يتوفر فيها الماء وامكانية الرعي، بقيادة القبيلة الأقوى، والأقوى كان يعني مباشرة بعدد الرجال القادرين على حمل السلاح، وبأعداد الأيل والمواشي، وتوفر أسباب العيش (ماء وكلأ) في المنطقة التي تهيمن عليها. واتحاد القبائل كان يعني بالدرجة الأولى بعدم السماح لأفراد أو كيانات أخرى بممارسة الرعي والسقي، وأيضا الدفاع عن المنطقة، ومعالجة المشكلات الكبيرة حيث يكون ذلك ضروريا ويحتاج لقرارات جماعية.

 

والدخالة كان بعبر عن نظام دقيق، من حيث قبول دخالة الأفراد، والمدة التي سيمكثها الدخيل (اللاجئ)، وشروط قبول الدخالة، وحقوق الدخيل. وربما فقرات أخرى يجري تحديها بدقة. والسبب هو أن بعض طالبي الدخالة ربما مطلوبين من قوى مهمة ذات سلطان وسطوة، قد يصعب على الجهة التي قبلت الدخالة تقديم الحماية لطالبها، ولكن في جميع الأحوال لا يعتبر الشأن المادي سبباً في رفض قبول الدخالة. وفي حالة رفض الدخالة، لا يبعد طالب الدخالة على الفور بل يمهل فترة معقولة، يهيأ فيه طالب الدخلة للسفر وطلب اللجوء من جهة أخرى،  وتسليم طالب الدخالة لا يجوز مطلقا بقوة القواعد الأخلاقية / الاجتماعية، ولا تجرؤ جهة على تسليم الدخيل ففي هذا عار كبير يلحق بتلك الجهة يلاحقها حتى بعد أجيال. أو بالعكس يمثل قبول الدخالة الصعبة، فخرا لصاحبها يحق له أن يفتخر بها جيلاً بعد جيل بالفخر والكرم والشجاعة.

 

ومن تلك على سبيل المثال، قبول الملك عبد العزيز بن سعود ملك المملكة العربية السعودية لدخالة الزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني المطلوب من الحكومة البريطانية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، ورفض بشدة طلبات تسليمه، وقاوم الضغوط السياسية والتهديدات من الحكومتين البريطانية والعراقية.

 

ومن فقه الدخالة نتوصل إلى القواعد التي تحكم ممارسة هذا التقليد الاجتماعي المهم :

 

وتصنف الدخالة من حيث

التقاليد وأشكال التعبير الشفهي بما في ذلك اللغة، صيغة طلب الدخالةن، وصيغة قبولها.

التقاليد وأحكام القضاء العشائري

 

الدخالة :

 

 

الدخالة أو الدخل:

الدخالة أو الدخل أو الدخلة: هي اللجوء والاستجارة والدخيل هو المستجير وكانت العرب تفتخر بحماية المستجير ويعتبرون ذلك من القيم والمكارم بل أن عدم الوفاء بذلك من الخزي والعار حتى أنهم إذا غدر رجل بجاره أو من لجأ إليه أوقدوا النار في أيام الحج على أحد الأخشبين ثم صاحوا هذه غدرة فلان ليحذره الناس.. ولقد جاء عند ابن هشام في السيرة أن الرسول استجار بالمطعم بن عدي فأجاره وحماه. أعلن النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة قواعد محددة للاستجارة والحماية حيث وضح أن من دخل بيت أبى سفيان فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل تحت لواء ابن رويحة فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن هذه القواعد نجد عمل بادية الجزيرة العربية في هذا الشأن في العصور المتأخرة فمن يدخل بيت الشيخ فهو آمن ومن استجار بأي بيت فهو آمن أيضاً:

فمعنى الدخيل في اللغة من دخل في قوم وانتسب إليهم وليس منهم ولكنه عند البادية بمعنى المستجير أو طالب الحماية بأي طريقة أو زمان أو مكان أو صيغة ومهما كانت الدوافع والأسباب.

 

وهي قيام شخص او جماعة بطلب الحماية من شخص معروف (شيخ، وجه، أمير) أو أي شخص قادر على الحماية حتى لو كانت امرأة، نتيجة لمشكلة حصلت وفعلها هؤلاء الأشخاص أو شخص فاعل المشكلة مثلا قاتل تعرض للضرب لأحد الأشخاص أو أكل حقا أو خطف فتاه ودخل بها عند احد هؤلاء القادرين على الحماية وأحيانا يدخل احدهم لطلب حق أو دين من شخص منقو أو مماطل فيدخل لتحصيل حقه أو دينه .

 

ويتعهد قابل الدخالة بحماية دخيله والدافاع عنه بكافة قدراته المادية والمعنوية، وبعكسه سيتعرض لكسة في موقفه الاجتماعي، بما يقارب العار يلحق به وبأسرته وقبيلته. والدخالة هي دخالة على البيت، (الاسرة، العشيرة) وتجوز الدخالة حتى لو كان رأس البيت غائباً، ويتعهد قابل الدخالة بأخذ  حق الدخيل وحمايته حتى قضاء الغرض  (القضوة) والاعتراف بالذنب أو تحصيل الحقوق واعطاء كل ذي حق حقه .

 

وهذه المعطيات قد تتسبب بمتاعب ومشاكل لقابل الدخالة، ومن ذلك توفي الحماية الشخصية له وملازمة مقر السكن خوفا على الدخيل من التهديدات بسبب ما قام به الدخيل، وقد يكون مطلوبا بقتل، وقابل الدخالة يتحمل حمايته ومعه أسرته، ويتعهد بدعمه في تفاعلات قضيته، ذلك أن أصحاب الحق لا يتخلون عن حقوقهم وسيبقون يسعون في أثر الدخيل منتهزين فرصة لاسترداد حقهم.

 

أما قابل الدخالة فيعلم أن قبوله الدخالة تعني الدفاع عمن التجأ إليه، مهما كلفه ذلك من تضحيات. وتكون صيغة تقديم طلب الدخالة بقول الداخل " أنا داخل على الله وعليك" ويضع عقاله في رقبة من قبل الدخالة (راعي الوجه) أو بعقد طرف شماغه والدخيل، ويبقى الدخيل عند المدخول به " راعي الوجه " إلى أن تحل المشكلة . لحل المشكلة .

 

والدخيل نوعان :

1. دخيل ساعة وقوع حادث يستدعي الدخالة  :

وهو الدخيل التي تكون جنايته وليدة الصدفة. حيث يلوذ الذي فعل الجناية خلف احد الشيوخ أو الرجال المعروفين ويقول أنا دخيل الله ثم دخيلتك فيدخل عند الشيخ مدة بسيطة وهنا يكون الدخيل في مأمن فلا يتعدى عليه ولا يهان ما دام داخل عند احد الشيوخ .

 

2. دخيل بناء على تسلسل حادثة تلزم الدخالة :

هو الشخص الجالي المطلوب منه الدم فيدخل هذا الشخص هو واهله عند الشيخ حتى تنتهي قضيته ويحكم بها أو تنتهي بالصلح ويكون الشخص وأهله في مأمن من الثأر لأنه في وجه احد الشيوخ .

 

الدخيل عند حدوث مشكله كقضية قتل،  أو العرض يقوم شخص بالذهاب إلى شيخ القبيلة أو رجل معروف ويقوم بالدجالة عنده لحمايته حتى يتم الصلح وله حقوق وواجبات ويقوم الرجل بإخبار عشيرته لحماية دخيلهم حتى يتم طلبه من احد قضاة العشائر لمحاكمته علنا .

وكان الدخيل أحيانا يأتي مسرعا فيمسك بطرف شماغ الرجل الداخل عليه ويعقده ويقول له " داخل على  الله وعليك تلبي طلبي " فيقول له الرجل " وصلت وابشر باللي اقدر عليه " وبذلك يكون قد أعطاه عهد الأمان حتى لو كان قاتل اقرب الناس عليه .

 

وتهدف الدخالة إلى إزالة حدة التوتر بين سكان البادية وإلى إعادة سيطرة قواعد الحياة البدوية وتطبيقها لحل الخلافات والمنازعات الفردية والجماعية كما أنها تهدف إلى إعادة توازن المجتمع عن طريق إرغام الخصم القوي على إتباع الأعراف والتقاليد كما يفعل الخصم الضعيف سواء بسواء أي أنها ترمي إلى إحقاق العدالة بين أفراد البادية وعشائرها بغض النظر عن مدى قوة كل طرف.

 

وقد يكون الدخل أو الدخالة قولاً أو فعلا كأن يقول " أنا دخيلك أو داخل على الله ثم عليك " بل أنه قد يدخل مستجيراً على محل النساء والأطفال إذا كانت القضية خطيرة مما يثير النخوة والحمية لمساعدته وهناك من يأخذ عقال من يختاره مجيراً له من فوق رأسه ويضعه في رقبته ويقول " نحن دخلائك من كذا " أو " نحن في وجهك "،  وفي العادة يرد الشخص المقصود بعبارات تبشره بقبول الدخالة وبالحماية وطيب الإقامة .

 

والدخالة تعتبر طلباً ضرورياً للحماية فعندما يرتكب البدوي فعلاً ما ويخشى من اعتداء عشيرة المعتدى عليه فانه يدخل بوجه "دخالة " شيخ أو عشيرة معروفة من أجل الحيلولة دون الاعتداء عليه أو على أقاربه وممتلكاتهم حتى يتمكن الجميع من التعاون في إنهاء القضية وكذلك يلجأ البدوي للدخالة عندما يتهم بارتكاب جريمة ما وينكر ارتكابها فإنه يخشى الاعتداء عليه وعلى أقاربه وأموالهم ولذلك يلجأ إلى طلب الحماية بأن يدخل بوجه (دخالة / حماية ) أحد الشيوخ إلى أن يبت بأمر الاتهام سواء كانت النتيجة البراءة أم الإدانة، وقد تكون الدخالة ليس لهدف طلب الحماية وإنما لهدف طلب الحق سواء كانت القضية حقوقية أو جزائية أو غير ذلك ويلجأ إلى استعمال هذه الدخالة غالباً من يكون مركزه ضعيفاً تجاه الطرف الآخر وفي القضايا المالية قد تكون الدخالة مدفوعة القيمة كما تدل عليه الوثائق.

 

والغريب أن الدخالة قد تجري دون حاجة إلى موافقة المدخول عليه فلا يستطيع رد الدخالة سواء كان حاضراً أم غائباً لأن الدخالة كما يقول البدو (بلوى) أي أنها مصيبة لابد من قبولها ولذلك يدعون الله أن يعين المقصود على بلواه وذلك تطبيقاً للقاعدة (الدخل إلزام) بل أن البدوي يمكن له أن يدخل على أي طفل أو امرأة من عائلة الرجل الذي يريد أن (يدخل بوجهه) فيعتبر دخيلاً على ذلك الرجل.

 

وهناك من يدخل على الأموات فقد يلجأ بعض البدو إلى قبور بعض الشيوخ أو الفرسان فيمنعون أنفسهم من اعتداء الآخرين حيث إن البدو يقدرون الأموات كما يقدرونهم أحياء فكأن من لجأ إلى قبره ميتاً قد دخل عليه وهو حي ولأهل صاحب القبر المطالبة بحقوق الدخيل على ميتهم وهذا وإن كان نادراً إلا أنه سبق حدوثه

 

بل وحدث إن من العرب من أجار الحيوان أو الطير حين يلجأ إلى بيته فيمنع الآخرين من الاعتداء عليه ويعمل على حمايته على طريقة (دخل الدخيل وسلم) كما حدث للشاعر محمد العوني وهو في الكويت سنة 1317ه عندما دخل بيته أحد الخرفان هارباً من الجزار الذي أراد ذبحه فسلم لصاحبه قيمته وتركه عنده لأنه اعتبره دخيلاً عليه مستجيرا به تجب حمايته حتى وإن كان حيواناً بل أنه أودعه عند أحد البدو واخذ عليه عهدا بأن لا يمسه بسوء حتى توافيه منيته.. كما أن ابن عريعر منع الاستيلاء على بيض طيور الحبارى بمعنى أنه أجارها في أراضيه ومنع الاعتداء عليها وصيدها. وكان كليب وائل يجير الطير .

 

ويستدل من هذه المعطيات أن نظام الدخالة العرفي (الغير مكتوب)كان يوفر للدخيل الأمن والكرامة، ولكنه بنفس الوقت يسعى لحل الإشكاليات بطريقة الحوار والتراضي، هو نظام توارثته الاجيال، ويطبقونه بغير إرغام أو لجوء للقوة والعنف. والتحكيم في قضايا الدخالة كان يمر عبر قنوات الحوار والتفاهم، وتجنب الردود والاحكام العنيفة. ولكن لابد من الاقرار أن نظام الدخالة أصبح يعتريه الضعف مع اتساع نفوذ الدولة وسلطانها وبسط سيطرتها على كامل أرجاء البلاد.

 

دخالة الزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني على الملك عبد العزيز السعود.

من أهم حوادث الدخالة في تاريخ العرب : يعتز المرء بالحديث عن خصال ومواقف الملك عبدالعزيز " رحمه الله ". وقد أفاض الشعراء في مدحه والكتاب في ذكر أفضاله ومآثره والمؤرخون في تسجيل مواقفه على أنصع صفحات التاريخ، ولكن حادثة قبوله دخالة الزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني تمثل دون ريب واحدة من أنصع الصفحات في إجارة المطارد، وحمايته.

 

كان رشيد علي الكيلاني قد تمكن بعد فشل ثورته على البريطانيين في العراق تمكن من الوصول إلى ألمانيا، وحل ضيفا عليها، ولكن بعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة ألمانيا ومصرع هتلر،  تمكن الزعيم العراقي من مغادرة ألمانيا إلى فرنسا، بمساعدة مواطنون عرب سوريون، وغادرها بحرا بأوراق سفر مزورة إلى لبنان، ثم إلى سورية، ومنها إلى المملكة العربية السعودية عن طريق (قريات الملح) وكان أميرها عبدالعزيز السديري.

 

كان مع الكيلاني رجلان سوريان هما جميل الجابي وشخص آخر وكان الكيلاني متنكرا ويتحدث بلهجة تقارب لهجة أهالي دير الزور موطن رفيقيه الآخرين وكان الجميع ينتحلون شخصية تجار قادمين إلى المملكة وأبرق السديري إلى الملك عبد العزيز مستأذنا في السماح لهم بدخولهم كتجار فأذن لهم ودخلوا البلاد وكان وصولهم إلى الرياض في يوم كان فيه عبد العزيز على وشك السفر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج واستقبلهم الملك في مجلسه وبعد أن سلموا عليه وتناولوا القهوة دار حديث حول التجارة ثم استأذن الجابي من الملك قائلاً: الآن انتهت مهمتنا وبقي الأمر بينك وبين هذا الرجل وانصرف هو ورفيقه السوري تاركين عبد العزيز والكيلاني وحدهما قال الكيلاني: هل عرفتني يا عبدالعزيز؟ أنا رشيد عالي الكيلاني ورقبتي دخيلة رقبتك.


وأجابه عبدالعزيز بكلمته المعروفة (حسبي الله وحسبك يارشيد) ثم أضاف: إذا تكون التاجر السوري ولا تفلت كلمة واحدة منك خلاف ذلك. واستدعى الملك ابنه الأمير سعود وأوصاه أن ينزلهم في قصر الرياض ثم أن يقوم بتعريف تجار الرياض عليهم كتجار سوريين وحذره من أن يتسرب الخبر بأي شكل من الأشكال.

 

وأبرق الملك إلى ابنه الأمير فيصل (نائبه في مكة المكرمة آنذاك) بأن يحضر وبصحبته السفير البريطاني للقائه في (عفيف) وهي محطة في منتصف الطريق بين مكة المكرمة والرياض. وعندما اجتمعوا في (عفيف) قال الملك عبد العزيز للسفير البريطاني: (بصفتك ممثل الحكومة البريطانية عندنا وقد رضينا بك أن تكون وسيط خير في شوؤنكم أقول لك الآن إن رشيد عالي الكيلاني في الرياض في ضيافتي وحماي وعليك أن تتصل بحكومتك باللاسلكي وتطلب منها ألا تسلك مسلكا لا يجب سلوكه وفيك البركة.

 

وقام السفير بالاتصال بحكومته لإبلاغها النبأ وبعد فترة وجيزة عاد بالجواب إن الحكومة البريطانية تحذر من التدخل في أمر الكيلاني وأنها تطلب تسليمه في الحال كمجرم حرب وبدون قيد أو شرط ولا تقبل بغير ذلك. وانتفض الملك غضبا وتملّكَتْهُ ثورة جارفة لهذا الموقف من البريطانيين وتناول سيفه في جواره وصاح وهو يلوح به أمام السفير الكيلاني في بيتي وبين أسرتي وكل من يطلب الكيلاني كمن يطلب برأسي وأنا دون رأسي ورأس الكيلاني هذا السيف ارجع من حيث أتيت وانهارت أعصاب السفير البريطاني أمام هذا الموقف البالغ الصلابة.

 

فأخذه الأمير فيصل إلى صيوانه الخاص ملاطفا ومهدئا ومبسطا له الأمر وواعدا بحل المشكلة بنفسه ثم طلب الفيصل من السفير أن يخابر حكومته وأن يقول لها (إن الكيلاني شخص واحد بمفرده لا حول له ولا قوة ولا أنصار ولا مال ولا رجال وأن المملكة مستعدة لأن تسلم الحكومة العراقية خمسة أشخاص ذوي مال ورجال و مراكز مرموقة كبديل عن الكيلاني بل وإن المملكة مستعدة لقبول كل ما تحكم به الحكومة العراقية بل وإن لكم الخيار التام في كل ما تتصرفون به حيال هؤلاء الخمسة. وتساءل السفير من هم هؤلاء الرجال وأجابه الفيصل اختاروا أربعة من إخواني وأنا الخامس.


وبينما السفير في ذهول لموقف الفيصل بعد موقف عبدالعزيز أضاف فيصل: أما غير ذلك فوالله لن يسلم الكيلاني وفي الأسرة السعودية امرأة واحدة بقيت على قيد الحياة.


وأسرع السفير يتصل بحكومته مبلغا لهم هذا الموقف المذهل ورأيه في الموقف وبعد ساعات كانت إذاعة لندن تذيع على الملأ أن رشيد الكيلاني لا تعتبره الحكومة البريطانية مجرم حرب وأن الأمر يتعلق بالحكومة العراقية التي حكمت إحدى محاكمها عليه وأن بريطانيا لا دخل لها بالأمر، وانتهى الأمر وعاش الكيلاني معززا مكرما بين الأسر السعودية كواحد منها

 

بعد لجوء رشيد عالي الكيلاني إلى الملك عبدالعزيز عام 1945، أصر الإنجليز على تسليمه إليهم بدون شرط فأجابهم: " والله، ثم والله، ثم والله، إن رشيد عالي سيظل عندي آمنا مطمئنا ما بقيت وما بقي أحد من آل سعود، والله لو جاء الإنجليز بأساطيلهم وصفوا بوارجهم من لندن إلى جدة، فلن يأخذوه ما دمت حيا".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش

                            

  عدة مواقع في الانترنيت منها :

 

1. عهد صليبي،  الدخيل.. ما له وما عليه4 / أبريل /  2020 .

 

2. متعب بن صالح الفرزان:  من شواهد التميز لدى الملك عبد العزيز.

 

 

المعهد الألماني العربي  للدراسات السياسية /  الدبلوماسية و قضايا التنمية

 

Deutsch-Arabisches Institut für Politische/Diplomatische Studien und Entwicklungsfragen

German-Arab Institute for Political/Diplomatic Studies and Development Issues  

 

ضربتان قاسيتان

 

ضرغام الدباغ

 

تلقى التحالف الغربي العريض (أوربا ــ الولايات المتحدة) في غضون يومين أثنين، ضربتان قااسيتان، وما هي سوى افتتاحية وتنبأ بأكثر من ذلك ربما في القريب العاجل.

الولايات المتحدة قائد المعسكر المالي / السياسي / العسكري، حامل لواء الديمقراطية كذباً وزورا وبهتاناً، ولكن الكذب المدعوم بقوة عسكرية خارقة، وبتفوق مالي، وسياسي، يجعل الأكاذيب حقائق والأباطيل واقعا موضوعياً، ولكن قواعد الحياة تغير قواعد اللعب، فالصغير لن يبقى صغيراً، والضعيف لن يبقى للأبد ضعيفا ، وهكذا تطرح التعاملات مستوى جديداً من العلاقات ... وبناء على ذلك يتعين من كان يعربد على عرش العالم أن يكف عن عربدته، وأن يتقبل التحولات التاريخية ...وربما أن يدفع ثمن طغيانه ..

 الحدثان هما .. تدهور الموقف السياسي في فرنسا (9/ حزيران) يضع كافة الاحتمالات ممكنة، حيت تتصاعد مكانة قوى يمينية ويسارية، بدرجة ستفقد القوى التقليدية (تحالف قوى المال والدولة) مما ينضج إمكانية حدوث تحولات حاسمة على الصعيد الداخلي والخارجي، وحين نقول الخارجي، نقصد أن هناك شكلان أو كيانان مهمان للعمل الخارجي هما : الاتحاد الأوربي، وتحالف الناتو .

 وعنونت صحيفة "لوفيغارو" افتتاحيّتها "قفزة نحو المجهول". أما مجلة "دير شبيغل" الألمانية فعنونت "فرنسا صوّتت وعاقبت ماكرون". حلّ تحالف الرئيس الفرنسي في الصدارة لكن بدون أغلبية مطلقة وهُزم عدد من وزراء حكومة إليزابيت بورن كانوا مرشحين للانتخابات.

 لم تمنح هذه الانتخابات الأغلبية لأي حزب، وقد اتّسمت بتحقيق اليمين المتطرّف تقدما كبيرًا وبتأكيد انقسام المشهد السياسي إلى ثلاث كتل: الوسط بقيادة إيمانويل ماكرون (245 نائبًا، تحالف معًا ..! )، واليمين المتطرف بقيادة مارين لوبن (89 نائبًا، حزب التجمّع الوطني) وتحالف اليسار بدءًا باليسار الراديكالي وصولًا إلى الاشتراكيين (135 نائبًا) بقيادة جان لوك ميلانشون (الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد).

ورأت صحيفة "لوفيغارو" أن فرنسا "تقوم بقفزة نحو المجهول السياسي. زلزال في الجمعية: فرق متناحرة تثير ضجيجًا ستستقر في المجلس وتحوله إلى قدر يغلي... إن نقاشنا الديموقراطي برمّته (...) سيتأثر بشكل عميق"..

 

في الولايات المتحدة،  صرحت سيدني باول : (*)

صرحت بما يلي :

من مصلحة الرئيس بايدن أن يعترف بالخسارة وينسحب (يستقيل) بدلاً من أن يسجن مدى الحياة.

لدينا دليل قاطع على سرقة 7 ملايين صوت من الرئيس دونالد ترامب.

و10 ملايين صوت غير قانوني لبايدن.

وعدة ملايين صوت أدلى بها الموتى لصالح بايدن.

وسنقوم بتقديم جميع الأدلة.

 

هذا التصريح ليس من سياسي يجازف من أجل الصعود، بل الدعي العام الفيدرالي السابق، وأبرز محامية في الولايات المتحدة، ويستحيل أن تلفق أي من هذه الاتهامات.

 

ما معنى وقوة هذه الضربة، وهناك سابقة في تاريخ الولايات المتحدة هي فضيحة وترغيت، حين تلاعب ريتشارد نيكسون بنتائج الانتخابات، وأضطر للاستقالة، يوم كانت الولايات المتحدة تهتم بشيئ أسمه " حفظ ماء الوجه ".، ومن المستبعد أن تحافظ إدارة بايدن المتهالكة صحيا وماديا بإجراء يحفظ ماء الوجه .. بل يرجح أنهم سيعمدون للكذب، والاحتيال والتدليس، ليقلبوا النتائج .. هذا ممكن، ولكن ما هو ليس بالامكان، هو مسح عار التزوير والخيانة من وجه النظام المهترئ، النظام لم يعد باقيا على سدة الحكم إلا بالكذب والتزوير والاحتيال ... وليس نادراً باللجوء إلى تصفيات بأشكال مختلفة، فم يشتط به الخيال ليصنع فلم كرامبو وسسوبر مان لا يصعب عليه أن يحتال ... مجرد حيلة ...!

 

الوهم الكبير الذي صنعته الصحافة المأجورة، وهوليود، وحفلات الأباطيل يتهاوى ... والكذب لم يكن ينطلي على الجميع، فالكل يعلم أن النظام الديمقراطي / رأسمالية الدولة الاحتكارية، أنتجت الفاشية في إيطاليا، والنازية في ألمانيا، وفرانكو في أسبانيا، وحكم الجنرالات في اليونان، ونظام سالازار في البرتغال، وأنظمة طغيانية في أميركا اللاتينية، وأنظمة كثيرة في آسيا وأفريقيا،  النظام ( الديمقراطي ) يستطيع بدقة وحرفية عالية أن يحيك أكاذيبه وتحايله كما يصنع الأفلام الخرافية، والألعاب السحرية. الآن كل هذا يهتز بشدة وآيل للسقوط،

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(*) سيدني باول ” المدعي العام الفيدرالي السابق.

مارست سيدني باول المحاماة في الدائرة الفيدرالية الخامسة منذ عقود؛ وكانت محامية رئيسية في أكثر من 500 من قضايا الاستئناف. وحاليا فإنها تتولى دعاوى الاستئناف الفيدرالية ذات الصبغة التجارية المعقدة إذ يلجأ إليها الأفراد والشركات وحتى الحكومات في هذا النوع من القضايا.

سيدني باول” رئيسة سابقة للأكاديمية الأمريكية لمحامي الاستئناف ورابطة المحامين بالدائرة الفيدرالية الخامسة، وهي عضو في معهد القانون الأمريكي، حديثا ألفت كتاب  Licensed to Lie” “/ مرخص له بالكذب” والذي أثار ضجة كبرى بفضحه الفساد في وزارة العدل الأمريكية

 

 

حرب مع السمندر

 

ضرغام الدباغ

 

حرب مع السمندر هو عنوان لرواية عميقة جداً، كتبها الكاتب التشيكي كارل تشابك  التي صدرت عام 1938. وبتقديري هذه الرواية هي من بين أفضل الروايات في تاريخ الأدب.

ولد كارل تشابك (Karel Capek) في شهر كانون الثاني / يناير عام 1890، في مدينة سفاتونوفيكس التشيكية، وتخرج من جامعة تشارلز في براغ، وتوفي في شهر كانون الأول / ديسمبر من عام 1938 في العاصمة براغ بعمر 48 عاماً ...!

ويعد تشابك من رواد الأدب التشيكي الحديث، وأعماله تتوزع بين الأدب الواقعي والنقد الاجتماعي والخيال العلمي، وهو أول من أستخدم كلمة " الروبوت " (الإنسان الآلي). وهو شقيق الكاتب والرسام جوزف تشابك، وقد تعاونا معاً في بعض المؤلفات. وتصف الموسوعة الألمانية كارل تشابك بأنه : روائي، مخرج، مصور، وكاتب مسرحي، وكاتب خيال علمي، وكاتب للأطفال، وكاتب وفيلسوف.

لا أضع شخصيا هذا العمل في حقل روايات الخيال العلمي قدر إجادة الكاتب الكبير تشابك على توظيف تصور أستخدم فيه حيوان السمندر للتطورات الاقتصادية / الاجتماعية / الديمغرافية التي حدثت لاحقاً، وهو يضع أسماء ومسميات، ويترك للقارئ الفطن وضعها في مكانها الصحيح، إذن فالكاتب يطالب القراء بالتفاعل في وضع مرتسمات المستقبل بطريقة فنية رائعة.

لا أنكر أني تأثرت كثيرا بقراءة هذه الرواية عام 1966، وقرأت وصفاً لكاتب يصف تحليلاً لهذه الرواية الكبيرة، يسرني أن أنقله حرفياً للقراء وللأسف وجدته في موقع لم أجد فيه أسم الكاتب.

 

حرب السمندرات

يكتشف قبطان السفينة "كاندون بادونغ" فانتا ، التي تعمل في صيد اللؤلؤ على ساحل سومطرة، بشكل غير متوقع خليج ديفل الرائع في جزيرة تاناماس. وفقا للسكان المحليين، تم العثور على الشياطين هناك. ومع ذلك ، يجد القبطان مخلوقات ذكية هناك - هؤلاء هم السمندر. هم أسود، متر ونصف في الارتفاع ويبدو أنهم يشبهون الأختام. يقوم القبطان بترويضهم من خلال المساعدة في فتح الأصداف برائتهم المفضلة - المحار، ويقبضون عليه جبال من اللؤلؤ. ثم يأخذ Vantach إجازة في شركة الشحن الخاصة به ويسافر إلى وطنه، حيث يلتقي مع مواطنه، رجل الأعمال الناجح G. X. Bondi. تمكن الكابتن فانتاهو من إقناع الرجل الغني بالشروع في المغامرة الخطرة التي يقدمها، وسرعان ما يبدأ سعر اللؤلؤ في الانخفاض بسبب زيادة الإنتاج بشكل حاد.

في هذه الأثناء، بدأت مشكلة السمندر تثير اهتمام الرأي العام العالمي. في البداية كانت هناك شائعات بأن فانتا ينقل الشياطين في جميع أنحاء العالم، ثم تظهر المنشورات العلمية والعلمية الزائفة. خلص العلماء إلى أن السمندر الذي اكتشفه الكابتن فانتا هو نوع منقرض من Andrias Scheuchzeri.

يدخل أحد السمندر حديقة حيوان لندن. بمجرد أن تتحدث إلى الحارس، وتقدم نفسها باسم أندرو شيخستر، ثم يبدأ الجميع في فهم أن السمندر مخلوقات ذكية يمكنها التحدث، وفي لغات مختلفة، القراءة وحتى العقل. ومع ذلك، فإن حياة السمندر، التي أصبحت إحساسًا بحديقة الحيوان، تنتهي بشكل مأساوي: يفرط الزوار في تناولها بالحلويات والشوكولاتة، ويصبح مريضًا بنزلات المعدة.

قريبا، اجتماع للمساهمين في شركة تصدير المحيط الهادئ تشارك في استغلال السمندر. يكرم الاجتماع ذكرى الكابتن فانتاخ، الذي توفي بسكتة دماغية ويتخذ عددًا من القرارات المهمة، على وجه الخصوص، بشأن وقف إنتاج اللؤلؤ والتخلي عن احتكار السمندرات، والتي تتكاثر بسرعة بحيث يستحيل إطعامها. يقترح مجلس إدارة الشركة إنشاء نقابة سمندر عملاقة لاستغلال السمندر على نطاق واسع، والتي تخطط لاستخدامها في أعمال البناء المختلفة في المياه. يتم نقل السمندر في جميع أنحاء العالم، واستقرارهم في الهند والصين وأفريقيا وأمريكا. صحيح أن هناك إضرابات في بعض الأماكن احتجاجًا على طرد القوى العاملة البشرية، لكن الاحتكارات تستفيد من وجود السمندر، لأن هذا يسمح بتوسيع إنتاج الأدوات اللازمة للسمندر والمنتجات الزراعية. كما يتم الإعراب عن مخاوف من أن السمندر سيهدد الصيد ويقوض شواطئ القارات والجزر بجحورها تحت الماء.

وفي الوقت نفسه، فإن استغلال السمندر على قدم وساق. حتى التخرج من السلمندر تم تطويره: قيادة، أو مشرفين، أغلى الأفراد ؛ ثقيل، مصمم لأصعب عمل بدني؛ تيم - "الشغل" العادي وهلم جرا. يعتمد السعر أيضًا على الانتماء إلى مجموعة أو أخرى. كما تزدهر التجارة غير المشروعة في السمندل. يخترع الجنس البشري المزيد والمزيد من المشاريع الجديدة التي يمكن استخدام هذه الحيوانات في تنفيذها.

بالتوازي، تعقد مؤتمرات علمية لتبادل المعلومات في مجال علم وظائف الأعضاء وعلم النفس من السمندر. تتكشف حركة التعليم المدرسي المنهجي عن السمندر المربى، وتنشأ نقاشات حول التعليم الذي يجب تقديمه إلى السمندر، واللغة التي يجب أن يتحدثوا بها، وما إلى ذلك. . يتم اعتماد التشريعات المتعلقة بالسمندر: نظرًا لأنهم يفكرون في المخلوقات، يجب أن يكونوا هم أنفسهم مسؤولين عن أفعالهم. بعد نشر القوانين الأولى بشأن السمندر، يبدو أن الناس يطالبون بالاعتراف بحقوق معينة للسمندر. ومع ذلك ، لا يخطر ببال أحد أن "مسألة السمندر" يمكن أن تكون ذات أهمية دولية كبيرة وأنه سيتعين على السمندر التعامل ليس فقط مع المخلوقات الفكرية ، ولكن أيضًا مع جماعة سمندل واحدة أو حتى أمة.

وسرعان ما يصل عدد السمندرات إلى سبعة مليارات، ويقطنون أكثر من ستين بالمائة من جميع سواحل العالم. ينمو مستواهم الثقافي: يتم نشر الصحف تحت الماء، وتظهر المعاهد العلمية حيث يعمل السمندر، ويتم بناء المدن تحت الماء وتحت الأرض. صحيح أن السلمندر أنفسهم لا ينتجون أي شيء، لكن الناس يبيعونهم كل شيء حتى المتفجرات لأعمال البناء تحت الماء والأسلحة لمحاربة أسماك القرش.

سرعان ما يدرك السمندر مصالحهم الخاصة ويبدأ في صد الأشخاص الذين يتطفلون على مجال مصالحهم. واحدة من الأولى هي صراع بين السمندر والفلاحين الذين تناولوا الطعام حول الحدائق، الذين لا يشعرون بالرضا عن كل من السمندر والسياسات الحكومية. يبدأ الفلاحون في إطلاق النار على نهب السمندر، الذي يخرجون إليه من البحر ويحاولون الانتقام. بالكاد تمكنت العديد من شركات المشاة من إيقافهم ، انتقامًا من تفجير الطراد الفرنسي Jules Flambo. بعد مرور بعض الوقت، تعرضت سفينة البخار البلجيكية Udenburg ، التي كانت في القناة الإنجليزية ، للهجوم من قبل السمندر - اتضح أن السمندر الإنجليزي والفرنسي لم يتشاركا شيئًا فيما بينهما.

على خلفية انقسام البشرية، يتحد السمندر ويبدأ في التقدم بمطالب بالتنازل عن مساحة المعيشة لهم. كدليل على القوة، أقاموا زلزالًا في لويزيانا. يطالب السمندر الأعلى بإخلاء الناس من سواحل البحر التي أشار إليها ويدعو الإنسانية ، جنبا إلى جنب مع السمند، لتدمير عالم الناس. يمتلك السمندر حقًا قوة كبيرة على الناس: يمكنهم حظر أي ميناء، أي طريق بحري وبالتالي تجويع الناس. لذلك، يعلنون حصارًا كاملاً للجزر البريطانية، وتضطر بريطانيا إلى إعلان الحرب على السمندر كرد فعل. ومع ذلك ، فإن قتال السمندر أكثر نجاحًا - حيث بدأوا للتو في إغراق الجزر البريطانية.

ثم يتم عقد مؤتمر تسوية عالمي في فادوز ، ويعرض المحامون الذين يمثلون السمندر تلبية جميع شروطهم، واعدًا بأن "فيضان القارات سيتم بشكل تدريجي وبطريقة لا تؤدي إلى إثارة الذعر والكوارث غير الضرورية". في غضون ذلك، تجري الفيضانات على قدم وساق.

وفي الجمهورية التشيكية تعيش وتعيش عموم Pondondra ، البواب في منزل G.X. Bondi ، الذي لم يتمكن في وقت من الأوقات من ترك الكابتن فانتاخ على أعتابه وبالتالي منع وقوع كارثة عالمية. يشعر أنه هو المسؤول عن ما حدث، وهو يرضيه فقط لأن جمهورية التشيك تقع بعيدة عن البحر. وفجأة رأى رأس السمندر في نهر فلتافا ...

في الفصل الأخير، يتحدث المؤلف إلى نفسه ، محاولاً التوصل إلى طريقة ما على الأقل لإنقاذ البشرية، ويقرر أن السمندر "الغربي" سيخوض حربًا على "الشرقية" ، ونتيجة لذلك سيتم إبادةهم بالكامل. وستبدأ البشرية في تذكر هذا الكابوس كفيضان آخر.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش

السلمندر حيوان من فئة العضايات .... (من أصناف السحالي) ربما تتواجد بأحجام وأشكل مختلفة إلا أنها متقاربة في الشبه وهناك أنواع ضخمة منها في الجزر الاندنوسية شرسة ومفترسة للحيوانات الأخرى،.

 

وكلمة السمندر كتبت بالعربية بطرق عديدة، فقد كتبها البعض " السلمندر " وكتبها " السمندل " وبكتبها البعض " السمندر " كما آثرنا نحن كتابتها وفقا لترجمة الكتاب إلى اللغة العربية . وكانت قد صدرت للمرة الأولى من دار نشر حكومية في براغ / تشيكوسلوفاكيا، وهي غير متواجدة حاليا في الأسواق، هناك إعلان عنها لبيعها بواسطة الانترنيت.

 

والسمندر هنا في رواية كارل تشابك (كتبها في الثلاثينات) ترمز إلى مرحلة تنبأ الكاتب أن الرأسمالية الاحتكارية ستبلغها في أ‘لى مراحل تطورها، التي ستكون البداية لأنحدارها وتدهورها في عموم سياق تدهور الحضارة الغربية التي تلوح مؤشراتها بكل وضوح.

 

ترجم الكتاب  للغة الألمانية،  أعتقد لمرات عديدة إذ يمكنك إيجاده في المكتبات بسهولة نسبياُ وهناك حيوان السحلية ويطلق عليه بالألمانية (Salamander )  ولكن في الترجمة الألمانية ارتأى المترجم أن يستخدم كلمة (Molchen)  البريص، أو السحلية، ولكن هناك كلمة أخرى بذات المعنى وهي السلمندر. وعامة يكون شكل السلمندر هكذا يمكن بألوان وأحجام مختلفة

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

حرب مع السمندر

 

ضرغام الدباغ

 

حرب مع السمندر هو عنوان لرواية عميقة جداً، كتبها الكاتب التشيكي كارل تشابك  التي صدرت عام 1938. وبتقديري هذه الرواية هي من بين أفضل الروايات في تاريخ الأدب.

ولد كارل تشابك (Karel Capek) في شهر كانون الثاني / يناير عام 1890، في مدينة سفاتونوفيكس التشيكية، وتخرج من جامعة تشارلز في براغ، وتوفي في شهر كانون الأول / ديسمبر من عام 1938 في العاصمة براغ بعمر 48 عاماً ...!

ويعد تشابك من رواد الأدب التشيكي الحديث، وأعماله تتوزع بين الأدب الواقعي والنقد الاجتماعي والخيال العلمي، وهو أول من أستخدم كلمة " الروبوت " (الإنسان الآلي). وهو شقيق الكاتب والرسام جوزف تشابك، وقد تعاونا معاً في بعض المؤلفات. وتصف الموسوعة الألمانية كارل تشابك بأنه : روائي، مخرج، مصور، وكاتب مسرحي، وكاتب خيال علمي، وكاتب للأطفال، وكاتب وفيلسوف.

لا أضع شخصيا هذا العمل في حقل روايات الخيال العلمي قدر إجادة الكاتب الكبير تشابك على توظيف تصور أستخدم فيه حيوان السمندر للتطورات الاقتصادية / الاجتماعية / الديمغرافية التي حدثت لاحقاً، وهو يضع أسماء ومسميات، ويترك للقارئ الفطن وضعها في مكانها الصحيح، إذن فالكاتب يطالب القراء بالتفاعل في وضع مرتسمات المستقبل بطريقة فنية رائعة.

لا أنكر أني تأثرت كثيرا بقراءة هذه الرواية عام 1966، وقرأت وصفاً لكاتب يصف تحليلاً لهذه الرواية الكبيرة، يسرني أن أنقله حرفياً للقراء وللأسف وجدته في موقع لم أجد فيه أسم الكاتب.

 

حرب السمندرات

يكتشف قبطان السفينة "كاندون بادونغ" فانتا ، التي تعمل في صيد اللؤلؤ على ساحل سومطرة، بشكل غير متوقع خليج ديفل الرائع في جزيرة تاناماس. وفقا للسكان المحليين، تم العثور على الشياطين هناك. ومع ذلك ، يجد القبطان مخلوقات ذكية هناك - هؤلاء هم السمندر. هم أسود، متر ونصف في الارتفاع ويبدو أنهم يشبهون الأختام. يقوم القبطان بترويضهم من خلال المساعدة في فتح الأصداف برائتهم المفضلة - المحار، ويقبضون عليه جبال من اللؤلؤ. ثم يأخذ Vantach إجازة في شركة الشحن الخاصة به ويسافر إلى وطنه، حيث يلتقي مع مواطنه، رجل الأعمال الناجح G. X. Bondi. تمكن الكابتن فانتاهو من إقناع الرجل الغني بالشروع في المغامرة الخطرة التي يقدمها، وسرعان ما يبدأ سعر اللؤلؤ في الانخفاض بسبب زيادة الإنتاج بشكل حاد.

في هذه الأثناء، بدأت مشكلة السمندر تثير اهتمام الرأي العام العالمي. في البداية كانت هناك شائعات بأن فانتا ينقل الشياطين في جميع أنحاء العالم، ثم تظهر المنشورات العلمية والعلمية الزائفة. خلص العلماء إلى أن السمندر الذي اكتشفه الكابتن فانتا هو نوع منقرض من Andrias Scheuchzeri.

يدخل أحد السمندر حديقة حيوان لندن. بمجرد أن تتحدث إلى الحارس، وتقدم نفسها باسم أندرو شيخستر، ثم يبدأ الجميع في فهم أن السمندر مخلوقات ذكية يمكنها التحدث، وفي لغات مختلفة، القراءة وحتى العقل. ومع ذلك، فإن حياة السمندر، التي أصبحت إحساسًا بحديقة الحيوان، تنتهي بشكل مأساوي: يفرط الزوار في تناولها بالحلويات والشوكولاتة، ويصبح مريضًا بنزلات المعدة.

قريبا، اجتماع للمساهمين في شركة تصدير المحيط الهادئ تشارك في استغلال السمندر. يكرم الاجتماع ذكرى الكابتن فانتاخ، الذي توفي بسكتة دماغية ويتخذ عددًا من القرارات المهمة، على وجه الخصوص، بشأن وقف إنتاج اللؤلؤ والتخلي عن احتكار السمندرات، والتي تتكاثر بسرعة بحيث يستحيل إطعامها. يقترح مجلس إدارة الشركة إنشاء نقابة سمندر عملاقة لاستغلال السمندر على نطاق واسع، والتي تخطط لاستخدامها في أعمال البناء المختلفة في المياه. يتم نقل السمندر في جميع أنحاء العالم، واستقرارهم في الهند والصين وأفريقيا وأمريكا. صحيح أن هناك إضرابات في بعض الأماكن احتجاجًا على طرد القوى العاملة البشرية، لكن الاحتكارات تستفيد من وجود السمندر، لأن هذا يسمح بتوسيع إنتاج الأدوات اللازمة للسمندر والمنتجات الزراعية. كما يتم الإعراب عن مخاوف من أن السمندر سيهدد الصيد ويقوض شواطئ القارات والجزر بجحورها تحت الماء.

وفي الوقت نفسه، فإن استغلال السمندر على قدم وساق. حتى التخرج من السلمندر تم تطويره: قيادة، أو مشرفين، أغلى الأفراد ؛ ثقيل، مصمم لأصعب عمل بدني؛ تيم - "الشغل" العادي وهلم جرا. يعتمد السعر أيضًا على الانتماء إلى مجموعة أو أخرى. كما تزدهر التجارة غير المشروعة في السمندل. يخترع الجنس البشري المزيد والمزيد من المشاريع الجديدة التي يمكن استخدام هذه الحيوانات في تنفيذها.

بالتوازي، تعقد مؤتمرات علمية لتبادل المعلومات في مجال علم وظائف الأعضاء وعلم النفس من السمندر. تتكشف حركة التعليم المدرسي المنهجي عن السمندر المربى، وتنشأ نقاشات حول التعليم الذي يجب تقديمه إلى السمندر، واللغة التي يجب أن يتحدثوا بها، وما إلى ذلك. . يتم اعتماد التشريعات المتعلقة بالسمندر: نظرًا لأنهم يفكرون في المخلوقات، يجب أن يكونوا هم أنفسهم مسؤولين عن أفعالهم. بعد نشر القوانين الأولى بشأن السمندر، يبدو أن الناس يطالبون بالاعتراف بحقوق معينة للسمندر. ومع ذلك ، لا يخطر ببال أحد أن "مسألة السمندر" يمكن أن تكون ذات أهمية دولية كبيرة وأنه سيتعين على السمندر التعامل ليس فقط مع المخلوقات الفكرية ، ولكن أيضًا مع جماعة سمندل واحدة أو حتى أمة.

وسرعان ما يصل عدد السمندرات إلى سبعة مليارات، ويقطنون أكثر من ستين بالمائة من جميع سواحل العالم. ينمو مستواهم الثقافي: يتم نشر الصحف تحت الماء، وتظهر المعاهد العلمية حيث يعمل السمندر، ويتم بناء المدن تحت الماء وتحت الأرض. صحيح أن السلمندر أنفسهم لا ينتجون أي شيء، لكن الناس يبيعونهم كل شيء حتى المتفجرات لأعمال البناء تحت الماء والأسلحة لمحاربة أسماك القرش.

سرعان ما يدرك السمندر مصالحهم الخاصة ويبدأ في صد الأشخاص الذين يتطفلون على مجال مصالحهم. واحدة من الأولى هي صراع بين السمندر والفلاحين الذين تناولوا الطعام حول الحدائق، الذين لا يشعرون بالرضا عن كل من السمندر والسياسات الحكومية. يبدأ الفلاحون في إطلاق النار على نهب السمندر، الذي يخرجون إليه من البحر ويحاولون الانتقام. بالكاد تمكنت العديد من شركات المشاة من إيقافهم ، انتقامًا من تفجير الطراد الفرنسي Jules Flambo. بعد مرور بعض الوقت، تعرضت سفينة البخار البلجيكية Udenburg ، التي كانت في القناة الإنجليزية ، للهجوم من قبل السمندر - اتضح أن السمندر الإنجليزي والفرنسي لم يتشاركا شيئًا فيما بينهما.

على خلفية انقسام البشرية، يتحد السمندر ويبدأ في التقدم بمطالب بالتنازل عن مساحة المعيشة لهم. كدليل على القوة، أقاموا زلزالًا في لويزيانا. يطالب السمندر الأعلى بإخلاء الناس من سواحل البحر التي أشار إليها ويدعو الإنسانية ، جنبا إلى جنب مع السمند، لتدمير عالم الناس. يمتلك السمندر حقًا قوة كبيرة على الناس: يمكنهم حظر أي ميناء، أي طريق بحري وبالتالي تجويع الناس. لذلك، يعلنون حصارًا كاملاً للجزر البريطانية، وتضطر بريطانيا إلى إعلان الحرب على السمندر كرد فعل. ومع ذلك ، فإن قتال السمندر أكثر نجاحًا - حيث بدأوا للتو في إغراق الجزر البريطانية.

ثم يتم عقد مؤتمر تسوية عالمي في فادوز ، ويعرض المحامون الذين يمثلون السمندر تلبية جميع شروطهم، واعدًا بأن "فيضان القارات سيتم بشكل تدريجي وبطريقة لا تؤدي إلى إثارة الذعر والكوارث غير الضرورية". في غضون ذلك، تجري الفيضانات على قدم وساق.

وفي الجمهورية التشيكية تعيش وتعيش عموم Pondondra ، البواب في منزل G.X. Bondi ، الذي لم يتمكن في وقت من الأوقات من ترك الكابتن فانتاخ على أعتابه وبالتالي منع وقوع كارثة عالمية. يشعر أنه هو المسؤول عن ما حدث، وهو يرضيه فقط لأن جمهورية التشيك تقع بعيدة عن البحر. وفجأة رأى رأس السمندر في نهر فلتافا ...

في الفصل الأخير، يتحدث المؤلف إلى نفسه ، محاولاً التوصل إلى طريقة ما على الأقل لإنقاذ البشرية، ويقرر أن السمندر "الغربي" سيخوض حربًا على "الشرقية" ، ونتيجة لذلك سيتم إبادةهم بالكامل. وستبدأ البشرية في تذكر هذا الكابوس كفيضان آخر.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش

السلمندر حيوان من فئة العضايات .... (من أصناف السحالي) ربما تتواجد بأحجام وأشكل مختلفة إلا أنها متقاربة في الشبه وهناك أنواع ضخمة منها في الجزر الاندنوسية شرسة ومفترسة للحيوانات الأخرى،.

 

وكلمة السمندر كتبت بالعربية بطرق عديدة، فقد كتبها البعض " السلمندر " وكتبها " السمندل " وبكتبها البعض " السمندر " كما آثرنا نحن كتابتها وفقا لترجمة الكتاب إلى اللغة العربية . وكانت قد صدرت للمرة الأولى من دار نشر حكومية في براغ / تشيكوسلوفاكيا، وهي غير متواجدة حاليا في الأسواق، هناك إعلان عنها لبيعها بواسطة الانترنيت.

 

والسمندر هنا في رواية كارل تشابك (كتبها في الثلاثينات) ترمز إلى مرحلة تنبأ الكاتب أن الرأسمالية الاحتكارية ستبلغها في أ‘لى مراحل تطورها، التي ستكون البداية لأنحدارها وتدهورها في عموم سياق تدهور الحضارة الغربية التي تلوح مؤشراتها بكل وضوح.

 

ترجم الكتاب  للغة الألمانية،  أعتقد لمرات عديدة إذ يمكنك إيجاده في المكتبات بسهولة نسبياُ وهناك حيوان السحلية ويطلق عليه بالألمانية (Salamander )  ولكن في الترجمة الألمانية ارتأى المترجم أن يستخدم كلمة (Molchen)  البريص، أو السحلية، ولكن هناك كلمة أخرى بذات المعنى وهي السلمندر. وعامة يكون شكل السلمندر هكذا يمكن بألوان وأحجام مختلفة

 

المركز العربي الألماني

برلين

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

غير صالح للحكم

 

ضرغام الدباغ

 

الكلمة الأولى باللغة الألمانية (Regierungsunfähigkeit)، غير صالح للحكم، والثانية باللغة الإنكليزية، (incompetent governmen) وفي اللغتين تعطي ذات المعنى الحرفي والسياسي، وفي اللغة العربية أفضل ترجمة كما أعتقد هي " غير صالح للحكم " أو " فاقد أهلية الحكم " .

وحين تطرح هذه الجملة القصيرة الصغيرة، بحق حكومة ما، أو شخصية سياسية سيادية (رئيس دولة، رئيس حكومة، وربما رئيس مجلس النواب)، فأنها تعني الكثير جداً، وربما من بين ما تعنيه، نهاية عهد الشخصية المعنية بالمرتبة السيادية، أو نهاية الحكومة رغم سريان مدة صلاحيتها .

والجهة التي تطلق هذا الوصف على الشخصية أو الجهة المقصودة، عليها أن تتيقن بدقة أبعاد هذا الوصف، وأن تمتلك من الأدلة والبراهين لتقدمها بهذا الطلب ..

 

ضرغام الدباغ

 

 

غير صالح للحكم

 

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

تعريف هذا المصطلح، وهو في الأدب السياسي لا يعتبر توصيفا أدبياً معنوياً، بل هو توصيف مادي لشخص، (أو حكومة عاجزة)  عن القيام بمهام المنصب، بسبب عجز مؤقت أو دائمي، لأسباب ذاتية (بسبب أوضاعه الصحية أو عوامل أخرى تحول دون ممارسته لمهامه)، أو لأسباب موضوعية بسبب وضعه القانوني، (أو وقوعه تحت ظروف قاهرة تمنعه عن أداء مهامه / المترجم). ويستفاد من مؤشرات تاريخية، أن هذا المصطلح يقود غالبا إلى تغير في السلطة.

وفي رؤية متواصلة، فإن وصم الحكم أو شخصية مسؤولة بعدم الأهلية للحكم، غالبا له علاقة بأداء الحكومات. أو الأحزاب. والأسباب في هذه الحالة تكون قوية، وغالبا مما له علاقة بأصول عمل المؤسسة.حيث يجري البحث في الأسباب الموجبة (لوصم شخص أو جهة بعدم الأهلية والكفاية) وإيجاد سبب توجيه الوصف. وهنا أيضا احتمال  بالادعاء على حكومة بعدم الكفاية والأهلية،  مبعثه الصراعات السياسية ونتيجة له، ليخدم كهدف ضمن الصراع السياسي ليقود في النهاية إلى التبديل في السلطة.

  تاريخياً  كانت الأسباب الموجبة لاستخدام هذا المصطلح، بحق الأفراد نتيجة لوضع إعاقة جسدية أو عقلية، والعقلية كالإصابة بالاكتئاب،  أو مرض عقلي، أو وضع صحي معيق لأداء المسؤول، كالإصابة بالسكتة الدماغية (وهي ما تقود غالبا إلى شلل تام أو جزئي معيق للحركة / المترجم) أو الإصابة بفقدان البصر (العمى). ومع في العصور الوسطى كان يصار اللجوء إلى إحداث إعاقة متعمدة بالشخصية السياسية المنافسة، من أجل إبعاده عن مسرح التنافس، كسمل العيون (فقأ العين لتعطيل النظر) أو لإرغامة بصورة ما على الابتعاد عن التنافس.

وإحدى المشكلات الشائعة في تحديد العجز، أو عدم القدرة والأهلية على الحكم في الأنظمة الملكية، هي تحديد الجهة التي لها الحق في تحديد عدم القدرة أو الأهلية بالحكم.وهذه المسألة المهمة التي لم تتم الإجابة عليها بطريقة صحيحة وقانونية إلا بعد ظهور الأنظمة البرلمانية، إذ تثار هذه القضية بمجرد اكتشاف حقيقة أن الشخص المعني(الملك) غير صالح للحكم. واستبداله، أو تعيين وصاية على العرش، إذا كان المرشح تحت السن القانونية / الدستورية.. وهناك أسباب أخرى أو بسبب غياب الملك لفترة طويلة (غالبا بسبب الحرب)، وهذه لا تعني أنه غير أهل للحكم.

وبمعنى أوسع، يقال عن مؤسسة معينة " غير مؤهلة للحكم " إذا أظهرت تلك المؤسسة (بلاط، رئاسة دولة، حكومة، قيادة حزب ..الخ )، إذا بلغت من العجز عدم الاقتدار للتوصل إلى قرارات، أو تنفيذ مقررات، أو بسبب عدم قدرتها الحصول على الأغلبية البرلمانية، وأيضا بسبب خلافات حادة (وربما انشقاقية / المترجم) داخل المؤسسة، ولا صيما في قرارات يكون الإجماع فيها شرطاً لاتخاذ القرار. ومثل هذا الوضع يقود للتغير عبر تغير الإطارات (القيادات).

ومن الحالات الخاصة للعجز عن الحكم، هو عدم قدرة حكومة البلاد على ممارسة الحكم في حالة حدوث هجوم مسلح،  ولهذا الغرض في ألمانيا مثلاً هناك مادة في دستور البلاد : المادة رقم  a) 115 ( الفقرة (4) التي تنص في حالة ظروف طارئة، تسمح بصورة تلقائية بالانتقال لحالة الدفاع.

 

شخصيات غير صالحة للحكم.

ـــ تعرض ملك القوط الغربيين وامبا (Wamba/ 672 ــ 680) لتسميم، ثم أصيب بمرض مميت، ووفقا لتقاليد ذلك العصر، ونتيجة لذلك أصبح غير أهل للحكم، فأنسحب من الحياة العامة ليعتكف في دير، حيث مكث لمدة سنتين، توفي بعدها. 

ـــ من أجل تجنب التقاسم التقليدي للسلطة عند الفرانكيين، قام الملك تشارلز الأصلع  بتسمية ولديه: الأصغر كارلمان، والآخر لوتار كرجال دين. ولكن فيما بعد ثبت أن هذا الإجراء لم يكن ضرورياً، ولم يعيش من أولاده السبعة سوى لودفيغ وهو أكبرهم سناً  .

 

ـــ سمل العين (الحاق الاذى بالعين وإفقاده البصر).

ــ أصيب ملك إيطاليا برنارد بالعمى في عام 818 بعد ثورته ضد عمه الإمبراطور لودفيغ الورع، وبالتالي مما أفقده قدرته على الحكم. مات الملك بيرنارد بعد يومين من إصابته بالعمى.

ــ تم القبض على الدوق هوغو فون الألزاس في عام 885 ، وأُصيب بالعمى ثم نُقل إلى قصر Prüm Abbey كإقامة إجبارية، باعتباره غير قادر على الحكم.

ــ الإمبراطور لودفيغ الثالث بافاريا / ألمانيا : تعرض للسمل وإفقاد البصر، من قبل خصمه بيرينغار من فريولي في 905 وفقد نتيجة لذلك  اللقب الإمبراطوري ؛ ولكنه مع ذلك، احتفظ بمملكته الموروثة في منطقة بورغوندي السفلى.

 

بعد السكتة الدماغية (السكتة الداغية إن لم تقتل صاحبها تصيبه بالشلل)

ــ أصيب الملك لويس السابع ملك فرنسا بجلطة دماغية عام 1179 نجم عنها أصابته بالشلل في جانب واحد. بعد أسابيع قليلة توج ابنه فيليب ملكًا. توفي لودفيغ السابع بعد عام تقريبًا.

ــ عانى دوق بافاريا فيلهلم الأول من سكتة دماغية عام 1357 ، ثم اعتُبر مريضًا عقليًا وغير قادر على الحكم وسُجن حتى وفاته عام 1389.

ــ أصيب دوق بوغيسلاف الرابع عشر من بوميرانيا (أمارة بشمال شرق بولونيا والمانيا) بجلطة دماغية عام 1633. نظرًا لأنه لم يكن لديه ورثة ، فقد وضع دستور عام 1634 ، والذي حاول من خلاله تأمين حكومة بوميرانيا أثناء مرضه وبعد وفاته. توفي عام 1637، وتم تقسيم بوميرانيا بعد ذلك بين السويد وبراندنبورغ ، خلافًا لنوايا الدوق.

ــ عانى الملك فريدريش فيلهلم الرابع ملك بروسيا (1840-1858) من عدة سكتات دماغية عام 1857 ثم سلم الحكم لأخيه فيلهلم عام 1858. يشار إلى هذا التغيير في العلم على أنه نهاية عصر رد الفعل وبداية العصر الجديد.

بسبب أمراض أخرى

ــ  الملك جورج الثالث. من بريطانيا العظمى (1760-1820) لم يكن قادرًا على الحكم من عام 1811 بسبب مرض خطير (ربما البورفيريا)، يشار إلى السنوات حتى وفاته في التاريخ البريطاني (والأسلوب) باسم ريجنسي.

 

بسبب المرض العقلي

ــ  الملك شارل السادس / فرنسا. (1380-1422) كان يعاني من نوبات جنون أحيانًا،  منذ عام 1392، عانى من متاعب عصبية بسبب المؤامرات المحكمة التي نشأت نتيجة لمرض تشارلز بلغت ذروتها في الحرب الأهلية في أرماجناك وبورغينيون (1410-1419)

ــ الملك هنري السادس/ إنجلترا (1471) لم يكن قادرًا على الحكم اعتبارًا من مارس 1454 بسبب مرض عقلي، وتم خلعه عام 1461 ، لكنه أعيد ملكا في 1470-1471 وقتل أخيرًا في برج لندن. بعد فترة وجيزة من مرض هنري، اندلعت حروب الورود ، وشلت إنجلترا لمدة ثلاثين عامًا.

ــ الدوق الأكبر لودفيغ الثاني ملك بادن/ ألمانيا (1852-1856) أعتبر مريضًا عقليًا وترك الحكومة لأخيه فريدريش، الذي خلفه في عام 1856. توفي لودفيج بعد ذلك بعامين.

ــ الملك أوتو ملك بافاريا (1886-1916) أعتبر غير قادر على الحكم بسبب مرض عقلي، كان تحت وصاية الأمير ريجنت لويتبولد (1886-1912) ولودفيغ (1912-1913)، الذي أُعلن في النهاية ملكًا لبافاريا دون الإطاحة بأوتو.

 

بسبب الاكتئاب

ــ الدوق ألبريشت فريدريش / بروسيا : أصيب بأزمة كآبة بعد فترة وجيزة من توليه السلطة عام 1571، الأمر الذي أجبر سيده، الملك البولندي ستيفان باتوري، على تزويده بشخصية إدارية لإدارة أعماله عام 1577، والذي حل محل ألبريشت فريدريش بعد عام. توفي ألبريشت فريدريش نتيجة اضطرابات عقلية عام 1618. سقطت دوقية بروسيا في يد أمراء براندنبورغ، التي مثلت جزءاً من مملكة بروسيا .

ــ مع الملك تشارلز التاسع / فرنسا (1560-1574) ، الذي كان تحت تأثير والدته كاترينا دي ميديشي طوال حياته، أدت أحداث يوم القديس بارثولوميو 1572، الذي أمر به هو نفسه، إلى صدمة أدت إلى حالة الاكتئاب. توفي عن عمر يناهز 23 عامًا بسبب فقدان الوعي (دوران)، قبل أن يؤدي ذلك عجزه الفعلي عن الحكم.

 

لأسباب سياسية (على الأرجح)

ــ الملكة جوان ملكة قشتالة : (1504-1506)، والمعروفة باسم جوان المجنونة،  اعتبرت غير مؤهلة للحكم كما قيل بسبب مرضها العقلي، لذلك تمكن والدها، الملك فرديناند ملك أراغون (1479-1516) من تولي زمام الحكم. الوصاية على كل أسبانيا، ومع ذلك ، يمكن الافتراض أن جوانا لم تكن مجنونة بأي حال من الأحوال ، ولكنها حُرمت من السلطة من قبل والدها ولاحقًا من قبل ابنها تشارلز الخامس - وقد سجنت جوان في دير سانتا كلارا في قلعة تورديسيلاس، حيث توفيت بعد 48 عامًا تقريبًا.

ــ السلطان العثماني مراد الخامس (ولد21 / أيلول 1840، وتوفي 29 / آب 1904)  هو خليفة المسلمين الخامس بعد المائة، وسلطان العثمانيين الثالث والثلاثين والخامس والعشرين من آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة (30بويع عفي أيار/ 1876 وخلع بعد ثلاثة أشهر في  31 /آب / 1876). وخلفه أخوه السلطان عبد الحميد الثاني، ومكث في السلطة ثلاثة أشهر فقط بعد أن طرأ اختلال في قواه العقلية، وبويع أخوه الأصغر عبد الحميد الثاني بالخلافة، ونقل مراد الخامس إلى قصر جراغان حيث تابع حياته فيها كسلطان سابق حتى وفاته عام 1904

ــ تم إعلان ملك بافاريا لودفيغ الثاني، أعتبر، "مختل عقليًا" و "غير قابل للشفاء" في عام 1886 بتحريض من الحكومة دون تحقيق ، بناءً على إفادات الشهود. بعد أربعة أيام مات في بحيرة شتارنبرغ.

ــ تنازل ملك بلجيكا بودوان عن العرش عام 1990 على أساس "عدم الكفاءة" ليوم واحد من أجل أن يسمح للبرلمان بسن قانون الإجهاض كان يعرض تشريعه، وبعد يوم واحد ، أعاد البرلمان بودوين ملكًا.

 

المركز العربي الألماني - برلين

 

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

الحكمة في

 

اتخاذ القرار الصحيح ...!

 

ضرغام الدباغ

 

ما هو الموقف الصحيح ...وكيف نتوصل إليه ...؟

هل هو الموقف الذي يلبي مصالحك بصورة تامة ....؟

أم هو القبول بالأمر الواقع مهما كانت نتائجه..

أم أن السياسي المحنك قادر على صياغة الموقف الأفضل الملائم لمصلحته.

 

تحقيق المصالح الوطنية البعيدة المدى / الشاملة، أو الأهداف التكتيكية، هو هدف العمل السياسي وأداته المختصة المحترفة هي الدبلوماسية. ولكن ينبغي فحص كل حالة بدقة تامة وتفصيلية بواسطة موظفون سياسيون مختصون وبالاعتماد على مصادر دقيقة. وتبلغ الدقة درجة رفيعة حين يتمكن السياسيون، والموظفون الأكفاء قياسها باستخدام الرياضيات العالية، ووسائل أخرى منها طريقة تبادل الأدوار، للتوصل إلى أدق نتيجة ممكنة، وعلى ضوء نتائج الفحص والجرد والتدقيق الذي يشترط أن يكون على درجة عالية جداً من النزاهة، والابتعاد عن الانفعال وأحكام الهوى، تصاغ قرارات تضمن (بدرجة كبيرة) نجاح المسعى السياسي. أو باستخدام المؤثرات. وفي حالات كثيرة تحول ظروف موضوعية وذاتية دون الحصول على كامل الأهداف، والأقل من النجاح التام هو أيضا نجاح، وإبقاء الطريق سالكاً للمساعي السياسية، هو أفضل من قطع الجسور وأقفال أفق العمل.

 

القبول بالأمر الواقع ونتائجه، هي الفقرة الأخيرة في قائمة الممكن، وهنا يقدم  السياسي / الدبلوماسي البارع أفضل ما يمكن من المساعي السياسية بأستخدام أساليب عمل مدروسة، حيال العجز التام في تحقيق موقف لصالحه، مستخدما ثقافته وتجربته وحكمته، في تقليص حجم الخسارة، بالقدر الممكن، ومحاولة تليين مواقف الطرف/ الأطراف المقابلة، وإعادة صياغة الموقف، والنتائج، بصبر وتوءدة، ولا تبخس قيمة أي جهد يمكن أن تصحح وتعدل النتائج النهائية مهما كانت بسيطة، فهذه الدرجة البسيطة ستشكل ربما القاعدة التي ترتكز عليها فعاليات ومجهودك اللاحق في تصليح الموقف.

 

نسعى ..البشر والحكومات لتحقيق الأفضل ..والأفضل هو كامل برنامجك ومخطط وما تريد، ولكننا وخاصة في عالم اليوم، يصعب الحديث عن مصالح لا تصطدم أو تحتك، أو تمس مصالح الآخرين، أفرادا كانوا أو حكومات، وحتى حين تسكن في شقة بمفردك،  سيسألونك أت كنت تحتفظ بكلب أو حيوان في الشقة، فذلك قد يزعج بعض الجيران بدرجة ما، وسوف لن يسمح لك بأن ترفع صوت التلفاز أو الراديو بعد الساعة العشرة مساء، وتصرف الأولاد يجب أن يضبط بدقة، والبعض يستاء أن حضرت وجبة لها رائحة الطبخ نفاذة ...الخ إذن الحديث عن تحقيق برنامجك ومصالحك قضية لا تخلو من صعوبات، وعليك ان تخطط لتنفيذ مشاريعك بصبر، ولا بأس على مراحل لكي لا تبدو طموحا جموحا حيال الآخرين فيخشونك ويخشون مخططاتك  ..!

 

المهم هو أن تحقق درجة من النجاح وتحقيق تقدم بأي نسبة من برنامجك، هو أمر جيد ..

مثال مهم : حسب الظروف السياسية والعسكرية المعروفة إلى أدت إلى نتائج سلبية، تمكن العدو من احتلال كامل شبه جزيرة سيناء البالغ مساحتها (60088 كم مربع)، بأستثناء جزء من محافظة بورسعيد الواقع على الجانب الشرقي لقناة السويس (بورفؤاد)، وتحديدأ منطقة صغيرة لا تتجاوز بضعة كيلومترات (رأس العش)، تمركز فيها فصيل من القوات الخاصة / الصاعقة (30 جندي)، وحين أراد العدو إتمام سيطرته على سيناء (1 / تموز / 1967) صمد فصيل الصاعقة وقاوم إرادة العدو ومنعه من تحقيق هدفه وتواصلت القوات المسلحة المصرية في المنطقة، وهذه المنطقة أصبحت رأس جسر لعمليات تحرير سيناء في حرب اكتوبر / 1973.

 

والسياسي الحكيم هو الذي يمكنه التوصل إلى قرارات صحيحة، أو خالية من الأخطاء أو قليلة الثغرات، ويستعين السياسي بخبراء ومساعدين ومستشارين اخصائيين، وصناعة القرار ليست عملية عشوائية، بل هي أشبة بورشة تمر بمراحل ودوائر عديدة وقد تستغرق وقتاً طويلاً، وبمرور الزمن، ومع ارتقاء الاقتصاد إلى مستويات عالية  من الأهمية في العلاقات الدولية، توجب على القادة السياسيون متخذو القرار السياسي، الاعتماد بدرجات أكبر على العلماء والخبراء، وإعطاء فسحة أكبر للمداولات، وتغيرات في المادة موضوعة التداول، فإن طرأ تحسن بدرجة معينة، تعدل الخطط المقابلة، وإن ازداد سوءاً فسينعكس على أوساط متخذي القرار وسيبرر أتخاذ قرارات صلبة.     

 

التفكير في البدائل 

بتقديري أن للسياسي أن يلجأ للمناورة وأن يجيد هذا الفن ... بل من الضرورة أن يضع السياسي في حساباته مواقف بديلة، أن أصطدم قراره أو مشروعه بموانع صلبة، فمن أجل تجنب الفشل وتراجع العزم والاندفاع، فهو يمكن له أن :

يعيد صياغة مشروعه ليبدو أقل أستفزازاً للآخرين، وأكثر مقبولاً.

أن يقبل بتجزئة برنامجه إلى مراحل.

أن يطمئن الجهات (وهناك طرائق عديدة) التي تعتقد أن في برنامجه هواجساً لها.

أن يشرك آخرين في برامجه ويشعرهم أن من مصلحتهم دعم مشروعه.

أن يتقبل بواقعية أن مشروعه لا يلقى القبول اللازم، أو نه سيصادف عراقيل جمة، أو خسائر أكثر من الفوائد، لذلك عليه أن يحدث التغير المناسب في جدول أعماله وخططه لكي يكون مقبولاً.

أن يتقبل أخيرا إذا لاحظ أن أمام المشروع موانع جمة، عليه أن يجد البديل، وقد يكون البديل لا يصيب الهدف، ولكنه سيقذفك بالقرب منه، أو يبقيك لاعباً في الميدان.

 

ــ ليست هناك نظرية سياسية تقام على أساس " أنا والآخرين في الطوفان " مصالحي أنا ومصالح الآخرين في الجحيم "، هذه طروحات لا علاقة لها بالسياسة.

ــ حتى إذا كنت قوياً بدرجة خارقة وقادراً بقواك الذاتية المادية والمعنوية، على فرض إرادتك، عليك أن تحسب ردود الفعل في الملعب وعلى أطرافه القريبة ولكن البعيدة أيضاً.

ــ من الضروري أن يكون كل موقف يقام على أساس مراعاة القانون وقواعد التعامل، وحتى الجوانب الأخلاقية رغم ضعفها في عالم اليوم ...!

 

الدبابة الحديثة تزن 50ــ 60 طناً من الفولاذ، طائفتها مكونة من 4 جنود مدربين تدريبا ممتازاً، سعرها بين 4 ــ 5 مليون دولار، تحمل 50 ــ 60 قنبلة متنوعة : خارق للدروع، مهداد ضد المباني والموانع، منثار ضد الأفراد، وربما أنواع حديثة، مزودة بمقدرة مدى، وجهاز للرؤية الليلية، ولكن بوسع سلاح خفيف يديره جندي واحد لا يستغرق تدريبه أكثر من يوم واحد، بقاذف لا يتجاوز سعره 100 ــ 300 دولار أن يدمر هذه الدبابة بصاروخ لا يتجاوز سعره 80 دولار. وعلى قائد الدبابة أن يحسب في عمله أن يطلق النار وينتقل فورا بلا تأخير إلى موقع بديل يختاره سلفا، وإلا فسيتلقى مقذوفاً يدمره بعد ثوان.

المقاتل يفعل ذلك بحسه القتالي العالي، وربما بتجاربه، ولكن السياسيون لا يرون ذلك عيانياً، لأن ذلك هو في فلسفة العمل السياسي لا يشاهد بالعين المجردة، ولا يدرك إلا بأستخدام العقل ..

 

لاحظوا (والأمثلة على الممارسات السياسية كثيرة)  درس ألقاه الرسول محمد (ص)، متنبئاً بحدوث فتن سياسية : " ستكون فتنة، القاعد فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي ". و " سيروا على سير أهونكم ..!".

ثم لاحظوا الذكاء الفطري عند أعرابي نطقها بصراحة البدوي الذكي، حين سأل مع من هو في النزاع  بين علي بن أبي طالب ومعاوية: فقال "  اللقمة مع معاوية أدسم ، والصلاة وراء علي أتم، والجلوس على التل أسلم ".

 

ولاحظوا عمق الفكرة في قول معاوية " لا أستخدم سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أستخدم سوطي حيث يكفيني صوتي ".

 

ولاحظوا أخيراً الحنكة في موقف فرقة المرجئة من الخلاف بين علي أبن أبي طالب ومعاوية :

 

نرجئ الأمـور إذا كانـت مشـبهة               ونصدق القول فيمن جار أو عندا

وما قضى الله من أمر فليس له مرد           وما يقضي من شيء يكـن رشدا

أمـا عـلي وعثـمان فإنـهما                      عبدان لم يشركا بالله منذ عبدا

يجزي علي وعثـمان بسعيهما                  ولست أدري بحق أية وردا

الله أعلـم ماذا يحضـران به                     وكل عبد سيلقى الله منفرداً

 

ويقول عمرو بن العاص أن " الحكمة والذكاء ليس في معرفة الخير من الشر، فهذه قد يتعرف عليها حتى المبتدأ، ولكن الذكاء في أختيار أهون الشرين ".

 

ثم لنلاحظ كيف تعامل أثنان من الرؤساء الأمريكان حيال قضية الحرب في فيثنام :

عرض المستشارون في القصر الأبيض على الرئيس ليندون جونسون 1964، بعد أن تفاقم الوضع في فيثنام وغطست الولايات المتحدة في مستنقعات فيثنام، خياراتهم المقترحة وكان على الطاولة خياران: الأول إما قصف فيثنام الشمالية (هانوي) بالسلاح النووي ولهذا تداعياته السياسية والعسكرية، أو تطبيق خطة تدمير شامل بالأسلحة التقليدية، وغير التقليدية الخفيفة (غازات، رش الكيمياوي على الغابات وإبادتها، قنابل عنقودية، ونابالم) وسميت الخطة " النيران المتدحرجة " (Rolling Thunder). فأعتقد الرئيس جونسون أن الخيار النووي الأول ستكون له تداعياته الخطيرة جداً غير مرغوبة، فلجأ للخيار الثاني وجرى تنفيذه.

حين تسلم الرئيس ريتشارد نيكسون (1969) كانت الحرب في فيثنام في أسوء مراحلها، تأكد الرئيس بفطنته (وهو من أكفأ وأثقف الرؤساء الأمريكان) أن لا حل عسكري لهذه الحرب، وأن تكاليفها باهضة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فأيقن أن الأمر بحاجة لاتخاذ قرار كبير، وصعب، وتسليم بالحقائق، وهو ما عبر عنه بالتفاوض في باريس مع الثوار الفيثناميين (1973)، والانسحاب من هذا البلد.وهذا الخيار على صعوبته، إلا أنه كان الممكن الوحيد، وتم الوصول إليه بطريقة سياسية / قانونية. واتخاذ الموقف الصحيح العب، هو موقف كفوء وذكي، ويدل على حكمة وبعد نظر، خير من المضي في طرق المهالك.

 

هل تعين الأجهزة الالكترونية القائد السياسي اليوم ...؟

نعم بالتأكيد، فأجهزة الحاسوب / الكومبيوتر (PC) المعبئة بطريقة ممتازة بشى المعطيات الممتازة، ستكون مصدرا هاما لرفد القادة السياسيين في منح قراراتهم أبعاداً جديدة ومزيد من الإنضاج. بل يحملنا هذا على الجزم، أن فريقا مدربا وكفوءا بإدارة قديرة هي اليوم من أشد الضرورات.

 

ختاماُ، نقول للسياسيين، عليك أن تعلم أنك لست وحيداً في هذا العالم، وما يفيدك قد يلحق الضرر بالآخرين، وأي تدخل بسيط (حتى ارتفاع درجة الحرارة درجتين فقط) قد تتدخل في مسار جهدك وخطط قد تغير النتائج. متخذي القرارات ينبغي أن يكونوا على إلمام كامل وشامل في شتى الاتجاهات المؤثرة على قراراتهم، لكي يأتي قرارهم أقرب للصواب

 

لوبي السلاح في

 

 الولايات الأمريكية المتحدة

 

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

كثير من الناس يهون جمع السلاح وعرضه ... والأمريكيون لا يكتفون بذلك، بل ولدى الغالبية من الأمريكيين مشجب سلاح صغير في البيت، وغالبا ليس للاحتفاظ كهواية، بل واستخدامه، وهذا ما يفسر حجم الجرائم العائل في الولايات المتحدة. ويجمع الخبراء أن السبب الرئيسي هو سهولة حصول المواطن الأمريكي على السلاح، الخفيف وحتى المتوسط منه (رشاشات حربية متوسطة)، بسهولة بالغة وكأنك تشتري الخبز ..! ولكن  ربما حتى الثقيلة.

 

وحين نلاحظ ظاهرة خطيرة تلحق الضرر الفادح بالمجتمع الأمريكي ولكن مع ذلك تجارة السلاح تزدهر ويباع علانية فالظاهرة لها أبعاد مختلفة، ويقف وراءها رجال متنفذون وقوى كبيرة، سياسية ومالية، واجتماعية بحيث تستطيع الصمود أمام حملات تهدف إلى تقليص تجارة السلاح ولو جزئياً، بل وأبعد من ذلك فصناعة وتجارة السلاح لها لوبي قوي في الكونغرس الأمريكي، وجمعيات أشهرها : " الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة "  (National Rifle Association of America). وهدفها الصريح المعلن هو " حماية حقوق حمل السلاح في الولايات المتحدة، وقد تأسست هذه الجمعية عام 1871 ويقع مقر الجمعية في واشنطن. وتتعرض الجمعية بين حين وآخر إلى محاولات لحلها، ولكنها بفعل القوة الخفية والعلنية التي تقف خلفها، تحبط هذه النوايا، فالجمعية قوية بقوة القوى المالية التي تمارسها. وهذا المقال يقع ضمن تلك المحاولات الفاشلة لتحجيم تجارة السلاح. إذ تريد ولاية نيويورك (الأكثر تضررا من تجارة الأسلحة) أن تحل جمعية المدافعين عن تجارة السلاح،والمدعي العام للولاية يتهم قوى الفساد في اللوبيات وهو ما يزعج الرئيس ترامب.

 

 

مأزق لوبي السلاح في أميركا

 

تقرير كتبه : فراوكة شتيفانيس/ نيويورك

في صحيفة فرانكفورتر الغماينة (Frankforter Algemeir)

التاريخ : 7 / آب ــ أوغست / 2020

ترجمة : ضرغام الدباغ

 

 

كان أمرا مروعا ما حدث في ولاية نيويورك، حين وجه الرئيس دونالد ترامب توبيخاً للمدعي العام للولاية  الذي كان لتوه قد رفع دعوى ضد منظمة (NRA) (National Rifle Association of America).

منظمة البندقية الوطنية الأمريكية. وكان هناك تعهد بأن تتولى المنظمة (وهي يمينية الاتجاهات)، بأن تكون جزء من حملة المرشحة ليتيتيا جيمس (Letitia James) والتي ربحت الانتخابات قبل عام. وتواصل السيدة جيمس أسلوبها الهجومي الذ كان سلفيها (أيريك شنايدرمان / باربرا اندروود) ينتهجانه. وفي عام 2019 نجحت بالفعل بحل مؤسسة عائلة ترامب بدعاوي الفساد. وقد كلفت المرافعات الرئيس مليوني دولار، لذلك كان رد فعل ترمب ضعيفا في أحداث شركة (NRA).

 

ولكن المرشحة جيمس النيويركية كانت واثقة بأن ما بين يديها يكفي ضد لوبي جمعية السلاح، من عمليات الارتشاء والاحتيال مما تكفي لحل المنظمة لعدة سنوات. فهناك الادعاء على قادة منظمة (NRA) وخاصة المدير التنفيذي الفيدرالي واين لابير الذين قاموا بسحب أموال التبرعات والإيرادات الأخرى لاستخداماتهم الشخصية.، ونتيجة لذلك خسرت المنظمة على مدى سنوات ثلاث، 64 مليون دولار، كما يعتقد أن لا بيير نفسه وقع عقداً مع (NRA) يضمن العقد له دفع 17 مليون دولار إذا غادر العمل. كما أستلم مكتب المدعي العام في واشنطن العاصمة  دعوى تخص بتحويل أموال من رصيد المنظمة. كما قامت المنظمة بتأسيس لوبي (تجمع يرعى المصالح) ضد قوانين الأسلحة الفيدرالية الصارمة.

 

كان رئيس المنظمة لا بيير قد حول المنظمة وموارده إلى مكاسب شخصية له. فحول لحسابه مئات الألوف من الدولارات من أجل السفر وشراء الهدايا والطائرات الخاصة. وبوسع ولاية نيويورك أن تسجل وتفتح دعوى ضد جماعات اللوبي، لأن المنظمة المؤسسة قبل 148 عاماً كمنظمة غير ربحية. ووصفت رئيسة رابطة اللوبي كارولين ميدوز الدعوى القضائية بأنها مناورة سياسية لا أساس لها، ورفعت بالمقابل الدعوى ضد ولاية نيويورك.

 

تخضع الاجراءات ضد منظمة (NRA) وفق القانون المدني، ولكن المدعي العام لم يستبعد أن تتحول إلى إجراءات جنائية، ويمكن أن يستمر النزاع لسنوات ملحقا المزيد من الأضرار السياسية لمجموعة الضغط (اللوبي). فقد تبرعت قوى الضغط بمبلغ 54 مليون دولار لحملة ترامب الانتخابية وللمرشحين الجمهوريين الآخرين، ولكنها الآن تعاني من صراعات داخلية ومن سوء الإدارة.

 

وكانت جيمس تحقق قبل 16 شهراً في موارد المنظمة، إذ أرسل مكتب المدعي العام إلى أنصار المنظمة (من مؤيدي حرية السلاح)، مذكرات استدعاء تنفيذية. وكان أوليفر نورث (الضالع في قضية إيران كونترا / المترجم)، من الذين تم استدعائهم للتحقيق معه بشأن الإطاحة بالسكرتير الفيدرالي لا بيير الذي دفع ثمن صراعه  على السلطة بخسارة منصبه. و السيد نورث يعتبر من بين الشخصيات اليمينية البارزة في الولايات المتحدة، والذي أشتغل مستشاراً عسكرياً لمجلس الأمن القومي في عهد الرئيس رونالد ريغان، وكان شخصية رئيسية في قضية إيران كونترا في منتصف الثمانينات

 

ففي ذلك الوقت جرى فيه نقل عائدات مبيعات الأسلحة الأمريكية لإيران، وقدمت لمقاتلي الكونترا الذين يقاتلون النظام الساندينستي في نيكاراغوا. ولم يكن بوسع لا بيير الرئيس السابق للمنظمة (NRA) وسائر الشخصيات القيادية في المنظمة  الذين ادينوا فعل شيئ وتركوا ليسقطوا. ولم يكن واضحاً تماماً ما إذا كان المال قد تحويله من أجل حملات سياسية ولأغراض الإثراء الشخصي كما يتكهن بعض المراقبين. وبسبب ذلك أيضاً فقد تم التشدد في قواعد جمع التبرعات الحزبية في السنوات اللاحقة. (*)

 

ولاية نيويورك لديها أسبابا وجيهة لمحاربة لوبي السلاح.  ففي الولاية قوانين سارية ضد السلاح أكثر صرامة من سائر الولايات الأخرى. مع أن قانون ولاية نيويورك لا يزال يسمح بنص صريح : " أن " ميلشيا مسلحة تسليحاً جيداً " هي الأساس الفعال للمجتمع، وأن حق المواطن في حمل السلاح هو من الحقوق الأساسية للمواطنة ولا يجوز إلغاء هذا الحق ".

 

ومن أجل الحصول على السلاح يحتاج المرء إلى رخصة بشراء وبحمل السلاح، وفي ولاية نيويورك يحظر بيع الأسلحة الهجومية (assault weapons)، والتي تشمل معظم البنادق نصف الآلية، ولكن مع ذلك يمكن للمجرمين والراغبين بالأسلحة الهجومية الحصول عليها من الولايات الأخرى، وتشير الكثير من الجرائم أن السلاح ما يزال منتشراً في المدينة.

 

تقدم الرئيس ترامب الذي كان لحد الآن قد أوقف محاولات أصلاح بعيدة المدى لقانون الأسلحة بمقترح بسيط لحل الأزمة بين المنظمة (NRA) وولاية نيويورك " أعتقد أن الحل يكمن في نقل المنظمة إلى ولاية تكساس حيث بوسعهم أن يعيشوا حياة جيدة وجميلة للغاية ". وقال ترامب للصحفيين معززا رأيه " كنت أقول لهم منذ وقت طويل أن عليهم الانتقال إلى تكساس حيث القوانين المحلية أكثر ملائمة. أما حاكم ولاية أركنساس آسا هاتشينسون فقد عبر بقوله " إذا كانت ولاية نيويورك لا تحتمل منظمة (NRA)، فعلى المنظمة التحرك جنوباً  حيث تجد المزيد من الاحترام، وسيجدون الاحترام التام في اركنساس  ". ولكن رجال القانون يؤكدون أن المنظمة لا يمكنها أن تجري مثل هذا الانتقال طالما أن هناك دعوى قضائية مفتوحة ضدها  في نيويورك .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هوامش

(*) هذه أشارة يفهم منها بوضوح أن قضية إيران غيت لم تكن فضيحة سياسية فحسب، بل وقضية فساد تطال كبار الموظفين في الإدارة الأمريكية.

 

المركز العربي الألماني برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

المركز الألماني العربي

 

DETSCH ARABISCHES ZENTRUM

 

د. ضرغام الدباغ

 

 

بتاريخ 17 / 10 / 2006 ، توجهت برفقة صديق إلى مكتب تسجيل الشركات والجمعيات في حي نوي كولن ببرلين، وقدمت طلباً بأسمي لتأسيس كيان بأسم : (Deutsch Arabisches Zentrum) المركز الألماني العربي بتخصص : دراسات، معلومات، نشر. وخرجت من المبنى بعد 14 دقيقة وبيدي سد تسجيل المركز.

وكانت باكورة عمل المركز، إصدار نشرة أسبوعية باللغتين الألمانية والعربية عن أهم الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية التي حدثت في ألمانيا خلال أسبوع، وقمنا بتجميع نحو 450 عنوان ألماني، ومثلهم باللغة العربية، أي بين 900 / 950 باللغتين، نقوم بأرسال النشرة الألكترونية لهذه العناوين السياسية الصحفية، الثقافية، الاكاديمية، بواسطة الأنترنيت. وبأعتراف جهات كثيرة أن النشرة كانت عملاً ممتازا لجهة الاخراج الفني والمحتوى العلمي / الاعلامي لهذه النشرة. ولم يكن يساعدني في هذا العمل الكبير والشاق سوى فتاة ألمانية ذكية تحسن الانكليزية والفرنسية إضافة للألمانية بالطبع.

 

ولكن للأسف لم نجد التشجيع الذي كنا نأمله، والسبب الرئيسي هو أن الفضاء الالكتروني يعج وبكثافة بالنشرات التي تصدرها مؤسسات صحفية عملاقة وبقدرات مالية هائلة، وصحفية / فنية خارقة، وليس من مجال لجهة ناشئة وبأمكانات هي في الواقع لا شيئ سوى الحماس والإرادة على تقديم شيئ. ولكننا اضطررنا للتوقف، وتعديل خطة العمل، وانصرفت الفتاة الألمانية إلى عملها، وقررت مواصلة العمل وتوزيع النشرة مجاناً خدمة للثقافة العربية، إضافة أن وجدت في العمل متعة النشر والإنتاج الثقافي، وعدد من الأصدقاء صاروا متابعين للنشرة، وهكذا قررنا أن نواصل إصدار نشرة شهرية " إجمالي الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية في ألمانيا خلال شهر ....". وقد تواصل صدور هذه النشرة وتوزيعها مجاناً منذ عام 2005 ولحد الأن (16 عاما متواصلة).

 

ثم أني أضفت إلى النشرة شهرية، بحوث عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في ألمانيا وأوربا، والقضايا حول التاريخ العربي / الإسلامي، والعلاقات العربية الألمانية، وقضايا تحدث في أوربا أجدها مهمة، أو ترجمة بحوث أعتقد أنها ضرورية لأطلاع المثقف العربي. وتصدر هذه البحوث والدراسات  بمعدل مرة أو مرتين شهرياً دون تحديد موعد محدد، وقد صدر البحث رقم 1 وكان حول التجديد في الثقافة الأوربية،  العدد رقم 300 صدر يوم 22 / 4 / 2022، أي ان البحوث تصدر منذ 16 عاماً أيضاً، والبحث رقم 300، هو بعنوان " ملفات عراقية أمام العدالة الدولية "

 

وفي أواسط عام 2021 أضفت لفعاليات المركز، إصدار كتب الكترونية، بسبب الصعوبات في النشر المطبوع ورقيا، وتوزيعه. وقررت أن أبدأ بنشر الكتب التي قمت بتأليفها ونشرها منذ عام 1984، في بغداد وبيروت ودبي، وعمان، ولندن، وكندا، فقررت إعادة نشرها وتوزيعها مجاناً، وكذلك الكتب التي قمت بترجمتها عن الألمانية، ليبلغ مجموع ما نشرت من كتب صادرة عن المركز الألماني العربي نحو 63 كتاباً مؤلفا ومترجماً وزعتها على مئات العناوين البريدية، نحو 1200 عنوان، والعديد من هذه العناوين تقوم بإعادة  بتوزيعها، لذلك يصعب معرفة العدد الذين وصلتهم هذه الكتب مجاناً في الوطن العربي، وفي أرجاء العالم، فأنا أستلم رسائل كثيرة جداً من كافة أقطار العالم .. وحسبي أن أقوم بخدمة الثقافة العربية، مجاناً ودون مكاسب شخصية. ولكني أتلقى الشكر والامتنان من شبان من اليمن، وموريتانيا والجزائر والمغرب ... وطلاب دراسات عليا من مختلف الأقطار العربية ...  وهذا ما يشعرني بالرضا ..!

 ولعل من المفارقة القول، أني أدير هذا المركز من غرفتي ببيتي في برلين، ولدي طاولة كتابة واسعة، وكافة مستلزمات العمل الالكتروني، كومبيوتر عملاق ذا استطاعة عالية جداً، وبكفاءة غير عادية، وجهاز تصوير، وطابعة ليزرية، وأجهزة حفظ ذات قدرات كبيرة (1000 غيغابايت)، واشتراك قوي بالانترنيت (سرعة عالية) بأجرة معقولة.

 وبمرور الوقت تعلمت وتطورت آليات إنشاء النشرة، بحيث لا تستغرق مني إلا وقتا قصيرا جداً، كما أني اعتدت الترجمة من الألمانية إلى العربية بسهولة، ولكن مع تقدم العمر وتراجع الصحة وقوة النظر، صرت أعاني من التعب بسرعة، ومن بطء وصعوبة في الترجمة،  ولكني قررت أن لا أتوقف ابداً .. وأن أواصل العمل حتى آخر دقيقة من عمري. لن يصيبني تعب في خدمة الأمة، فقد أوقفت حياتي من أجلها .. لذلك سيواصل المركز الألماني / العربي الإرسال ....

 منذ سنوات طويلة تراودني فكرة إنشاء معهد دبلوماسي، وبحوث سياسية وتنموية، وهي مجازفة محسوبة، لأنه سيكون المعهد العربي الوحيد خارج سلطة الأنظمة العربية. ومعهد سيعلم الشباب العربي الدبلوماسية وتهيئة كوادر سياسية وفنية وإدارية للدولة. وقد توفقت في طرح الفكرة على علماء عراقيين معروفين بكفائتهم ومكانتهم العلمية، وممن كانت لهم خدمة دبلوماسية مرموقة في وزارة الخارجية العراقية.  فوجدت الجميع متحمسين مثلي على التعليم المهني البحت بعيداً عن التوجهات السياسية / الحزبية،  والهدف الوحيد هو نشر الثقافة السياسية / الدبلوماسية بوسائل علمية، استناداً لأرقى المناهج التعليمية في العالم.

 المركز الألماني العربي الذي يعمل بدون ضجة، وبدون دعم من قوى عربية أو أجنبية وهذا محط فخري واعتزازي، وأود التنويه أنني لم ألقى الدعم لا المادي كما نوهت ولا حتى المعنوي، بل حاول أحدهم الالتفاف على هذا العمل وإنهاؤه .. أو تسخيفه (تلاعب ضروري للغة ..!) ولكني كنت فاطن للمحاولة ففشلت في مهدها ....!

 

16 عشر عاماً .....

192 نشرة شهرية...

304 بحث ودراسة ...

65 كتاب صدر عن المركز ....

 

شكراً ....!

 

شكراً لمن تابعنا ... شكراً لمن تعاطف معنا ...  وسوف نواصل العمل بلا هوادة .....!

 

 

أوربا بعد أوكرانيا

 

ضرغام الدباغ

 

في السؤال : هل خلقت الأزمة الأوكرانية معطيات جديدة في أنماط التفكير والسلوك في أوربا .. ستكون الإجابة : نعم بالتأكيد، وفي السؤال هل مثلت الأزمة الأوكراني قنبلة انفجرت فوق طاولة أوربا الفسيفسائية، وبعثرتها، بدرجة يصعب لم شعثها كما كانت أول مرة .. الإجابة نعم بالتأكيد ..!

 

بداية لا توجد أوربا موحدة وفق المفهوم الرياضي /السياسي للكلمة. لأنه لا توجد أمة أوربية أصلاً، سواء كأعراق أو ككينات سياسية وثقافية، فهناك من الدول لم تنظم بعد إلى الاتحاد الأوربي، وهناك دول ضمن الاتحاد ولكنها بنظرية "إكمال العدد". وبالإمكان شكليا وبروتكولياً ضبط الإيقاع، وكذلك دبلوماسيا إلى حد ما، نعم هناك هموم مشتركة، وهناك أمكانية لقيام أو تطوير المصالح المشتركة، وتطوير ما هو قائم، ولكن في الواقع العملي هناك تفاوت بديهي في  المصالح، وهناك من لا يود أن يجد اتحادا أوربيا متيناً قوياً، وهناك مجموعة من الأفكار والآراء والمواقف وليتبلور في النهاية قائد اقتصادي (ألمانيا)، وقائد سياسي (فرنسا) وعلى أساس هذا التفاهم الألماني / الفرنسي القوي اقتصاديا بوجود القاطرة الألمانية، والقوي سياسيا بوجود فرنسا الدولة العظمى، يقاوم  الاتحاد الأوربي عوامل ضعفه واحتمالات انهياره.

 

بريطانيا غادرت الاتحاد الأوربي، بعد أن مثلت الدور الموالي لأميركا، ولا يزال هنا في الاتحاد الأوربي " متعاونون " يعكسون المصالح الأمريكية في الاتحاد الأوربي، والسؤال الأكبر والأخطر، هو لماذا لا تريد الولايات المتحدة للاتحاد الأوربي أن ينهض ككيان له وزنه السياسي / الاقتصادي في الحياة السياسية الدولية. لأن يكون لهذا الكيان رؤيته للعلاقات الدولية الحالية والمستقبلية، وهي رؤية تخلف كثيراً أو قليلاً من الرؤى الأمريكية للالتزامات السياسية والعسكرية والاقتصادية لما يسمى بالعالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وتخشى الولايات المتحدة أن يكون للرؤية الأوربية تأثيرات تتعارض مع رؤيتها للعلاقات مع الصين وروسيا، فالولايات المتحدة تحبذ أن تتواصل أجواء التوتر وسباق التسلح، والمناورات على حافات الأزمات الملتهبة .. والإبقاء على المواجهة مع هذا المعسكر الافتراضي (الصيني ــ الروسي)  وهذا ما سيتيح لها مواصلة قيادة العالم الغربي وفرض إيقاع المواجهة على شتى الأصعدة وهو سيضمن لها بالتالي دور المايسترو لقيادة التحالف الغربي.

 

وبالطبع يدرك الأوربيون تماماً، أن مرامي الولايات المتحدة  ليست إنقاذ أوكرانيا، فالاتحاد السوفيتي هو من جعل من أوكرانيا دولة لأول مرة في تاريخها، ومنحها أراض شاسعة من الأراضي الوطنية الروسية، وبعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي منحها حق الاستقلال، كل هذا وأوكرانيا لم تكن تخشى على أمنها، حتى وضعتها أميركا بتخطيط وتصميم في هذا المأزق لأن تكون ساحة مواجهة مع روسيا، على أمل أن:

تستنزف سمعة روسيا، وتحاصرها سياسياً وتشهر بوجهها العقوبات.

 تثير مخاوف دول صغيرة. وتحثها على الالتحاق بالناتو لتضع نفسها تحت قيادتها فعلياً.

إرهاق روسيا دولة وجيشاً واقتصاداً في معركة طويلة ساحتها الرئيسية أوكرانيا، مع احتمال أن تتسع المعركة وهو أمر مرغوب به أميركيا وتتمناه  .

أن تدعو بلدان أوربا الغربية لمزيد من الإنفاق على التسلح، وبالفعل دفعت الدول الرئيسية كفرنسا وألمانيا مئات المليارات للتسلح، والتسلح إنفاق لا طائل منه. وبالفعل نشبت الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار في بلدان كانت مرفهة كألمانيا مثلاً.

 

ولكن أوربا، مع تصميمها بالطبع على رفض أي توسع روسي غرباً، فمع توغلها شرق أوربا سيجعل من روسيا شريكا أوربيا بحجم عدد السكان والموارد والقوة العسكرية، يؤهلها للعب دور القائد، وبتحالفه مع الصين تتضاعف قدراته ... ولكل قدرة استحقاقها في الميدان ... وهنا تبدأ الحاسبات بالعمل ...!

الأوربيون أذكياء، وخبراء بالسياسة على مسرح العلاقات الدولية وما خلف الكواليس، وها هم يناورون بذكاء، ويمارسون لعبة توزيع الأدوار بطريقة لماحة ذكية، فهذه الدولة ترفض العقوبات على روسيا، وأخرى تعتذر لحاجتها الماسة لتوريدات الطاقة (غاز ونفط)، وأخرى توع أن الرأس العام المحلي ضاغط على الحكومة، وآخر يعتذر بسبب مشكلات اقتصادية لا قبل له بها .... وكلام كثير جداً ..! ودول وافقت على الدفع بالروبل ...!

 

لا شك أن الأوربيون في مأزق، وأميركا تلعب دور البلطجي، وقد ضاقوا ذرعاً بأميركا وبدورها القيادي الاستعلائي، ولكن بالمقابل فإن الخطر القادم من الشرق مثير للقلق أيضاً ..المرحلة المقبلة سترجح إحدى الكفتين، والأوربيين يتركون المسالك مفتوحة لكل الاحتمالات ... بالطبع لا يرغبون بتحدي علني لأميركا ولكنهم سوف لن يدعوها تسوقهم كالخراف لحروب وتجعل أوربا ساحة مواجهة مع روسيا. الناس هنا (في أوربا) يريدون السلام، والجيل الذي عاش الحرب العالمية الثانية ما يزالون يذكرون أهوالها. والسياسيين يعتقدون أنه يمكن التوصل لحلول سلمية، والدبلوماسية بوسعها أن تجد الحلول لكل معضلة، والحرب ليست من بين الحلول، ففي ظل الأسلحة الحديثة ، الحروب الشاملة انتحار، والانتصار وهم ..!

 

من أجل هذه المعطيات وأخرى ربما كامنة، هناك سياسة أوربية جديدة ..وتبلور لشخصية أوربية بمستحقات مرحلة ما بعد كورونا ... وأوكرانيا ...!

 

مؤشرات ومعطيات

 لحقائق الموقف

 

ضرغام الدباغ

 

حدثني صديق، عمل في الستينات وزيراً في أكثر من حكومة عراقية واحدة، أنه ذهب للولايات المتحدة للدراسة بعد حل الوزارة التي كان عضواً فيها، ولإجادته الإنكليزية بشكل تام، كان قد أقام علاقة صداقة شخصية / عائلية مع السفير الأمريكي ببغداد وزوجته. وحين وصل واشنطن للدراسة، التقى صديقه القديم الذي كان قد حل في إحدى الدوائر المهمة القريبة من مراكز القرار، وأسر صديقنا العراقي بين الجد والمزاح،  بما يلي: لدي صناع القرار الأمريكي 3 هموم لا حل لها (حتى ذلك الوقت أواسط السينات) :

 

أن يجدوا صديقا عربيا لا يريد تصفية إسرائيل.

أن تصنع أميركا سيارة تضاهي الفولكس فاغن.

كل ما يرسلون مبشرين لأفريقيا، يتزايد عدد المسلمين في القارة السمراء.

 

في أواخر الثمانينات صرح المرحوم الملك حسين بن طلال بعد عودته من زيارة للولايات المتحدة، أنه لا يستطيع أن يفهم لماذا لا تريد الولايات المتحدة أن تتفهم المصالح العربية.

عام 2004، صرح الملك الأردني  عبد الله بن الحسين، أن هناك هلالاً شيعياً سيظهر في الشرق الأوسط وسيعمل على تغير حقائق سياسية وجغرافية.

عام 2005 التقيت في برلين بصديق قريب من مواقع القرار في إحدى الدول العربية، فجاءه نداء هاتفي، وكان من وزير خارجية بلاده، وانتحى عني ليتحادث معه، وبعد أن أنهى المكالمة، وعاد ليجلس رأيته متغير الوجه مرتبكاً، فتمتم بأسى " الأمريكان أعطوا العراق للشيعة ". ولم يكن بوسعه أن يتحدث بأكثر من ذلك، كما لم يكن الظرف مناسباً أن أسأله المزيد.

كولن باول لم يكن دبلوماسياً، بل هو ضابط محترف (عمل كرئيس لأركان الجيش)، أدلى بتصريح لا يدل على احتراف دبلوماسي بقوله "  أن المؤسسة الدينية ستحكم العراق " وهذا قبل نهاية ولاية السيد أياد علاوي للحكومة العراقية.

صرح السيد أياد علاوي لمقربين منه، أنه أخبر السفير الأمريكي بسرور، أن قائمته العلمانية تصدرت نتائج الانتخابات، وفوجئ عندما أجابه السفير الأمريكي بجفاء.. " ومن قال لك أننا نريد علمانيين في الحكم ..؟ ".

بتاريخ 25 / 10 / 2016، نشر موقع أورينت نت،  " كشف بروفيسور إسرائيلي خفايا المخطط القذر الذي تنفذه الولايات المتحدة الأمريكية وشريكتها روسيا وبالتعاون والتنسيق مع إيران في كلاً من سوريا والعراق، عبر تطبيق مشرع طائفي ممنهج يهدف إلى "اقتلاع السُنة" من المنطقة، وتوطين المكون الشيعي، وذلك في غفلة وتخاذل وعجز من العالم الإسلامي والعربي ".

علمت من صحفي عربي مطلع، أن الولايات المتحدة الأمريكية وبهدف تحويل منطقة الشرق الأوسط الملتهبة دون توقف، إلى منطقة آمنة وضمن مناطق نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري، من خللا خطة طويلة الأمد، بتحويل العرب السنة إلى أقلية تحت القمع والسيطرة، بتقديم الدول العربية : العراق، سوريا، لبنان، واليمن، للهيمنة الإيرانية، ولما كانت هذه أشبه بعملية جراحية معقدة للتاريخ والجغرافية، عليه ستغض الولايات المتحدة والغرب النظر عن الأساليب اللاإنسانية وجرائم الحرب من خلال إطلاق يد إيران وأذنابها، وبعض الفصائل الكردية، ولكل من هب ودب ليأكل مجاناً من المائدة السياسية والاقتصادية والديمغرافية. 

تم إنقاذ البحرين فقط من هذه القائمة، بناء على إصرار سعودي رضخت له الولايات المتحدة. والمدهش حتى إيران لم تعد تتكلم بحرف واحد عن إيران .. والأمر إشارة من المايسترو ... الشيطان الأكبر ...!

اعتراف امريكي بدعم الحوثي ففي أحدث وأخطر تصريح أمريكي اعترفت أمريكا رسميا بدعم الحوثيين في اليمن حيث صرح جنرال أمريكي رفيع المستوى لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن أمريكا تدعم الحوثيين في اليمن لمحاربة الإرهاب الإسلامي وأن أمريكا هي من سلمت اليمن للحوثيين وهي من تدخلت لإنقاذهم وحالت دون سقوطهم بوضع الخطوط الحمراء حول صنعاء والحديدة وصعدة ومنعت الجيش اليمني من التقدم وفتحت ميناء الحديدة لدعم الحوثيين بمختلف أنواع الإسلحة بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وفي المقابل ساهمت في إفشال عمل الحكومة الشرعية وتفكيك الجيش اليمني ومنع تزويده بالأسلحة الثقيلة المتطورة !!! وحول شعار الحوثيين "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" قال الجنرال الأمريكي أن هذا مجرد شعار لا حقيقة في أرض الواقع ونحن نتواصل مع الحوثيين عبر القنوات الخلفية وهم شركاء وحلفاء لنا في محاربة الإرهاب الإسلامي وأشار الجنرال الأمريكي إلى وجود اتفاقية مع الحوثيين ، حيث نص أول بند من الاتفاقية، على تمكين الحوثي من اليمن مقابل قيامهم بضرب الإسلاميين في جزيرة العرب، كما نص البند الثاني على أن يقوم الطيران الأمريكي بدون طيار «الدرونز» بإسناد جوي لدعم الحوثيين، أما البند الثالث فينص على أن تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بدفع تكاليف الحرب ودفع رواتب المقاتلين الحوثيين ورعاية أسر القتلى الحوثيين وعلاج جرحاهم ، وذكر أن الحوثيين اشترطوا على أمريكا سرية هذا الاتفاق !!!

 

هذه أعلاه هي المعطيات الستة بشكل تجريدي، دون إضافات أو تعديلات. وإليك التحليل لها:

 

الملك الأردني هو الوحيد من صرح علناً عن هواجسه، وأغلب الظن أن العديد من الملوك والرؤساء العرب أحيطوا علما بالمشروع الأمريكي بعد احتلال العراق، ولكني أرجح أن روسيا تعلم بالخطة تفصيلاً وبوقت مبكر وكذلك بعض الزعماء الأوربيين.

الدول العربية التي أحيطت علماً، بعد الاحتلال هي من الدول المقربة للسياسة الأمريكية، ولكن طلب منها عدم إبداء الممانعة، أو تشجيع القوى العراقية المقاومة للمشروع، ونفذت هذه الدول كل ما طلب منها، وإن بغير حماس.

سربت جهات معينة بالمخطط إلى القيادة السورية، التي لم تجد أن بوسعها مقاومة المشروع أو عرقلته، ولكنها احتاطت بالاسراع بمغادرة المعسكر العربي، والالتحاق بإيران التي أوكل إليها تنفيذ الفصول الرئيسية (الأكثر قذارة) من المشروع بعد احتلال العراق.

الولايات المتحدة، وبتأييد متحمس أو متردد من بعض الأوربيين، ولكن بحماس من الإسرائيليين،  على تطبيق المخطط، والمشروع على الورق ينص بتحويل العرب السنة إلى أقلية، أو قوة تحت القمع الدموي بحسب ظروف كل بلد، فظروف العراق هي غير ظروف سوريا، وغير ظروف لبنان. كما أن سعار القتل عند الإيرانيين المبالغ به، ربما اعتبرته أميركا أكثر من المطلوب، ولكنها جوهريا لم تكن تمانع الهدف النهائي للتغيير. والمخاوف الأمريكية والإسرائيلية من أن ابتلاع دول لصالح إيران سيحولها بالإضافة للقدرات النووية، سيحولها إلى لاعب مهم في الشرق الأوسط، وقد تحاول الخروج عن نص الاتفاقات أو تحاول تحويرها، وهم (أطراف التحالف) سيحاولون إعادة (وليس أكثر) إيران إلى رشدها بالعقوبات والتهديد، فهدف المخطط هو إزالة خطر محتمل، وليس خلق قوى جديدة، تنظم للتحالفات الدولية التي في أفق الرؤية الاستراتيجية الأمريكية.

الولايات المتحدة تريد ذلك لأسباب مختلفة. هناك توجه يميني حاد في بعض الدوائر الأمريكية، وهناك قوى خفية (اليمين المتطرف) المعادي للإسلام والسود، والأجانب وترى فيهم الخطر المقبل على أميركا عبر عنها الكتاب: صمؤيل هينتغتون، وفرانسيس فوكوياما، وآخرون. وأميركا هي قاعدة للعمل الكنسي للبيوريتان (Puritanismus) وهم فئة بروتستانتية متطرفة.  ينتمي لها الرئيس بوش وديك شيني ورامسفيلد. وإضافة لذلك، الغرب كله يريد أن يتخلص من اليهود، بدليل ما يزالون حتى اليوم يضطهدونهم في أوربا، لذلك أتخذوا من فلسطين مكب نفايات ... وتخلصوا منهم، ثم مآرب أخرى صغيرة، وهي اتخاذهم من إسرائيل قاعدة عمل ونشاط آمن في منطقة تعج بالأعداء.

كل هذه المعطيات هي سياسية، والسياسة تعني السعي لتحقيق المصالح، وبالتالي فإن الأمور عرضة للتغير بتغير المصالح. هذه قاعدة سياسية عامة، وعلى القارئ / الباحث وضعها نصب عينيه لدى حل الإشكالات السياسية.

أتخذ صناع القرار قرارهم بالاعتماد على قواهم وتفوقهم السياسي والاقتصادي والعسكري، وبأستفرادهم لوحدهم بقيادة العالم، بأستخدام مفرط للقوة المسلحة، وهذه جميعها ليست قدرات نهائية، وهذه المعطيات خاضعة للتغيير ولا سيما السياسية.

الدول الأوربية الرئيسية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) ليست بدرجة واحدة من التأييد للخطة الأمريكية ولكنها ليست في موقف معارضته.

بتقديرنا : أن الولايات المتحدة سوف تتدخل فعلياً في حالة واحدة " إذا  داهم خطر حقيقي النظام الإيراني " ونقصد بالخطر هو عندما تتغير تركيبة النظام وليس هوية الحاكمين. فالوضع الإيراني بشكله الحالي ضرورة سياسية / استراتيجية أمريكية سواء بنظام الشاه أو الملالي، أو أي جهة أخرى لا تغير من خريطة إيران وطبيعة نظام الحكم وفق التوليفة الحالية. (الفرس / الشيعة يحكمون إيران). وبغير هذا النظام فستكون هناك قوى كبيرة وستنشأ خارطة ليست وفق المصالح الامريكية، على الأقل من الآن وحتى أمد قصير .. ربما قصير جداً .!. وسوف تتعامل معها الولايات المتحدة واقعياً، أما البشر ومصائرهم فهذا آخر ما تفكر به الولايات المتحدة .. حتى لبضع ثوان ...

الأمريكيون قبل عقدين وأكثر، لم يكونوا ليعتقدوا أنهم سيفقدون القدرة على السيطرة على الشرق الأوسط، وحين بدأت ملامح المقبل تلوح لهم، اعتقدوا أن مراكزهم الرئيسية في الشرق الأوسط : إسرائيل ــ إيران تكون. الضامن القوي للمصالح الغربية.

 

ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، ومبكراً، وإدارة جوقة موسيقية ضخمة تنطوي دائماً أن يكون أحد العازفين أقل مقدرة من زملاؤه، فالمعطيات في العالم وفي الشرق الأوسط بدأت تمنح مؤشرات جديدة للمخططين الأمريكيين ومن تلك :

ـــ السجال الاستراتيجي الحاد مع التحالف الصيني / الروسي وتراجع مستوى الأداء الأمريكي، والهيمنة الأمريكية.

ـــ خروج تركيا من دائرة القوى المضمونة.

ـــ لم تنجح إيران في أن تكون قوة سياسية واقتصادية وعسكرية مؤثرة، وواصلت أسلوبها (الإرهاب والتخريب) وأعتمادها المفرط على سياسة صانع المشاكل  (Troublemaker).

ـــ لم تنجح الولايات المتحدة في تكتيل مجموعة دول حليفة في الشرق الأوسط بسبب إصرارها على جمع المتناقضات، وفشلت عسكرياً في أفغانستان، وفشلت بسبب تراجع قوتها الاقتصادية، ووجود حالة عداء للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا.

ـــ فشل إسرائيل في أن تكون قوة قادرة على بسط السيطرة، بسبب تنامي القوى المحلية (مصر/ السعودية / فلسطين). برغم الحشد الهائل الغير مسبوق تاريخياً، فشل الجهد الأمريكي وحلفاءه، بسبب لا تريد الولايات المتحدة الاعتراف به. لأن الحليف الأول (إسرائيل) قوة توسع فاشلة فشل سياسيا وعسكرياً في تحقيق مشروعه، لأنها كوكتيل دولة غريبة / شرقية، ولا تمتلك قدرات التوسع، وفشل الحليف الثاني الرئيسي (إيران)  لم تنجح في مشروعها الغيبي الغبي في التوسع وأفتقارها التام للقدرات السياسية والاقتصادية والثقافية.

ربما أدركت الولايات المتحدة، أو أنها في سبيلها للإدراك أن:

 

" حسابات الحقل لا تنطبق على حسابات البيدر "

 

 

   

أسود الرافدين

 

ضرغام الدباغ

 

  

استناداً إلى الكثير جداً من المصادر الدقيقة، أن الأسد كان موجودا في العراق حتى بعد 1920، وقد قرأت في مصادري عن تاريخ العراق القريب، أن الجنود الإنكليز قد شاهدوا الأسد خلال حملة احتلالهم للعراق، وبالتحديد بالقرب من مدينة الناصرية،  ويروي سكان منطقة الفرات الأوسط والجنوب، قصصاً وحكايات عن الأسد، ويطلق عليه تسمية " أبو خميس " وبنقل عنه أنه الأسد يحترم المرأة ولا يهاجمها. ويحكى أن الأسد شاهد إمرأة تسبح في نهر الفرات فأحترم عريها وغض بصره وأنصرف.

 والأسد في عالم الحيوان يعتبر ملك الغابة " ملك الحيوانات "، وهذا متعارف علية في الأدب العالمي وفي شتى المجتمعات. ومن المؤكد أن هذا لا يحدث دون أسباباً منطقية، متفق عليها. فالأسد في عالم الحيوان له شخصية مهابة بسبب قوته العضلية وليس بسبب شراسته. والأسد يعيش في مجاميع أسرية، ومن المعروف عن الأسد أنه لا يخرج لصيد حيوانات ضعيفة وسهلة، بل يدع الإناث تقوم بهذا العمل، ولكنه ينهض لقتال الحيوانات الشرسة الصعبة، كالجاموس والنمر. والأسد يأكل طعامه من الغنيمة ولا يشاركه أحد، وبعد الفراغ من طعامه ينسحب لتأتي الإناث والأشبال .والأسد لا يصطاد إلا حين يكون جائعاً ... ولا يأكل من الجيف. وهو ليس بقاتل أو مغتصب، إذن للأسد أخلاق الفرسان.

     قرأت مرة  أن البشر لهم طباع الحيوانات التي تعيش في جوارهم أو مألوفة في مجتمعاتهم. والبشر أذكى من الحيوانات قطعاً، لذلك يربى الكلاب لمزاياها في الشجاعة والوفاء، والبشر يحذرون من العقارب ويطلقون عليها بالخبث، فيما البشر يعلمون أن الأفعى لا تتحرش بالبشر إلا إذا لقت منها الأذى ,,.!

 إذا كانت أخلاق الحيوانات تشابه مع أخلاقَ الإنسان، مشابهةً وثيقة في بعض الأحيان مع اختلاف قابلياتهما العقلية كثيرًا، فالإنسان، وإن كان يختلف عن الحيوانات اختلافًا عظيمًا في ميدان العقل،  يَقْرُب منها في ميدان العاطفة والحياة.

 يشاهد المتتبع ويقرأ الكثير في مصادر تاريخ العراق، أو تلك الأخبار التي ترد في مذكرات الشخصيات العراقية والأجنبية، وحتى في صور وتماثيل وجداريات في المتاحف الوطنية أو الأجنبية، ما يفيد أن الأسود كانت منتشرة بصورة كثيفة في العراق من شماله حتى جنوبه. فلدينا تماثيل كثيرة وجداريات تدل على وجود الأسود في شمال العراق في مناطق عاصمة الآشوريين، وكذلك في مناطق وسط العراق والجنوب حتى الناصرية وربما البصرة، في حين لم نسمع بوجود الأسود في مناطق أخرى من الشرق الأوسط.

 في عام 1957، كان والدي يشغل منصب مدير شرطة لواء الموصل، وقد صادف أصدقاء للوالد نمراً مرقطاً بالغاً كبير الحجم في الجبال القريبة من منطقة قضاء عقرة. وقام الوالد بتكليف بعض المختصين بتحنيطه وتعبئته بالتبن وربما أقمشة، وأتقنوا صنعه، ثم جيء بنمر آخر صغير الحجم، ولكن لم يحسنوا تحنيطه كالأول فتلف خلال بضعة سنين . ثم أن ضابطاً صديقا لي أخبرني أنه شاهد بنفسه نمراً مرقطاً خلال عمله في منطقة دربندخان / محافظة السليمانية في أعوام السبعينات.

 الأمر يكتسب بعض الغرابة حين نلاحظ أن الأسود لم تكن معروفة في البلاد العربية، شبه الجزيرة، وسورية الكبرى، وحتى تركبا. النمور بأنواعها من القط الوحشي إلى الفهد، إلى النمر المرقط كانت متوفرة حتى في شبه الجزيرة العربية وجبال عمان، والعراق وإيران وربما تركيا.

 وعدا اللوحات الكثيرة، والجداريات، فهناك الأخبار الموثوقة والمصورة المعاصرة. شاهدت مرة لوحة لأحد ولاة بغداد يصطاد أسداً في ضواحي مدينة بغداد وكانت عاصمة ولاية العراق.

 فقد قرأت في مذكرات الضابط والشخصية السياسية العراقية، اللواء الركن إبراهيم الراوي،  أنه كان مرة في سفرة من بغداد لأسطنبول حيث الكلية العسكرية التي التحق إليها والمسير بقوافل من بغداد إلى الفلوجة بمحاذاة نهر الفرات عبر سورية إلى تركيا، يقول خرجنا من بغداد صباحاً وقبيل الظهر وصلنا إلى منطقة عكركوف، ويبدو أنها كانت تبعد عن بغداد التي كانت تنتهي في ضاحيتها علاوي الحلة ... يقول في عكركوف توقفت القافلة وسمعنا  صياحاً وهرجا ومرجاً، ونظرنا فإذا بأسدين من الذكور على درجة كبيرة من ضخامة الجثة  يتقاتلان بشراسة .. وتوقفت القافلة وأستعد حراسها ورجالها للموقف، إلا أن القتال بين الأسدين انتهى وواصلت القافلة سيرها إلى سوريا ثم إلى اسطنبول.

 

 

 

بواية عشتار الأصلية في متحف بيرغامون ببرلين / ألمانيا)

 ويستمتع زوار متحف برلين بمشاهد النسخة الأصلية لبوابة عشتار الشارع (شارع الموكب) الذي تنتشر على جانبية جداريات الأسود، في متحف بيرغامون (Pergamon) وإلى جانب المنظر المهيب للشارع الموكب والإنجازية الرائعة للجداريات، يتساءل زوار المتحف، كيف حافظت هذه اللوحات على ألوانها وأصباغها بعد ألاف السنين ... (5 ـ 6 ألاف سنة). وفي هذه عبقرية أخرى للفنان العراقي.

   

(الصورة: أحد الولاة العثمانيين يصطاد اسداً بالقرب من بغداد)

  

ثمة تمثال مبهر لملك آشوري يربي شبلاً، والتمثال يتصدر مدخل جامعة أمريكيو وأعتقد أنها جامعة شيكاغو ... والتمثال رائع ويزخر بالمعاني وما ترمز إليه. والملك الآشوري يمسك بيده اليسرى الأسد، وبيده اليمنى بالكتاب .. وهو دليل نحن نمتلك القوة، ولكن مع الحكمة ...! فيا لها من عبرة بليغة.

  

   

الصورة: مدخل جامعة أمريكية: ملك أشوري بيده شبل أسد

 

   

وثمة جدارية أخرى موجودة في متحف لندن، ذات قيمة فنية عالية، تمثل ملكا آشوريا يصطاد الأسد باستخدام السهام، ولاحظ العربة القتالية ودواليبها.

 نصل إلى العبرة من هذا العرض، هو أن الأسد لعب دورا في حياة العراقيين، فهم كانوا يصطادونه، ويتشبهون بقوته العضلية، ويتغلبون عليه، وهذا كان مبعث فخرهم

 يحكى أن الخليفة العباسي المعتصم (ولد سنة 179 هجري وتوفي بمدينة سامراء في 18 من ربيع الأول سنة 227 هجرية.4  من فبراير سنة 842 ميلادي)  وهو أبن الخليفة الرشيد، تولى الخلافة بعد أخوه المأمون، كان شجاعاً قوياً يربي في بستان بيته الأسود، وذات يوم افلت أسد من قفصه، وهاجم الخليفة، فكان له حارس شجاع، وجه ضربة هائلة لرأس الأسد جعلته يخر على الأرض مغشيا عليه .. فما كان من الخليفة إلا وأن قرب هذا الضابط الشجاع.

  

 

   

(الصورة: ملك آشوري يصطاد الأسود، جارية في متحف لندن)

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

ضرغام الدباغ

التجديد .... احذروا الألغام ..!

 

ضرغام الدباغ

 

هناك أنواع عديدة من الألغام تستخدم ضد أهداف مختلفة وفي ظروف وأغراض مختلفة، فهناك الألغام ضد الأفراد، والألغام ذد الآليات، والألغام المضادة للدروع بأنواعها وأحجامها المختلفة، وهناك لغم له أسم طريف " مصائد المغفلين " وهذه يطيب لي أن أستخدمها في السياسة بناء على وظيفتها وليست تسميتها فحسب.

 

مصائد المغفلين هي عبارة عن ألغام صغيرة، وقد تكون صغيرة جداً، ولكنها شديدة الفاعلية. تزرع هذه الألغام " مصائد المغفلين " في أماكن لا تخطر على البال، يتعثر بها قليلوا الحذر كأن توضع في ظرف رسالة لا تثير الشبهات ....! فتقل من يحاول فتح الرسالة، أو تبتر أصابعه على الأقل جزاء عدم حذره...! أو خلف لوحة زيتية رائعة يتغافل من يريد أن يستولي عليها وينتزعها من مكانها على الجار فتنفجر وتودي بحياته. فالمغفلين يقتلون أو تبتر أجزاء مهمة منهم فيصبحون مقعدين يلازمون بيوتهم يتفرجون على التلفاز وعلى المسلسلات الدرامية وما أكثرها ...!

 

خلص ... انتهيت من التلميح ولننتقل للتصريح ..! ليست هناك عبارة، امتهنت، وأهينت حاول مستخدموها أن يغلفوها بما لا تحتمل كمصطلح أو عبارة " التجديد " فيضعون عليها كميات كبيرة من أصباغ وألوان التجميل لتبدو على ما غير عليه في الواقع ترويجاً لسلعة خربانة، تعبانة ... أو حتى مشبوهة .. وأحيانا لكي تنسجم مع منطوق المصطلح " تجديد " للسلعة التعبانة المنتهية الصلاحية (expired) وتكثر الاصباغ طرديا مع وعي الجمهور المتلقي، فيتقلب الأمر إلى مهزلة حقيقية. والمهزلة الأكبر حين يتولى الأمر " التصبيغ والتجميل .... التجديد " أناس لا قبل لهم ولا قدرة، فيصبح حالهم ككلمات الأغنية " لا تلعب بالنار تحرق اصابيعك " .

 

وإذا أسأنا الظن والعياذ بالله ولسنا ممن يسيئون الظنون بسرعة، نقول أن المجددين غير مؤهلين لهذا الدور، فهم كمبتدأ في الرقص، ويتنطح لرقص الفالس ... والجمهور المشاهد الأذكياء يكتشف بسرعة أنهم هواة في الرقص .. وفي حالتنا هواة في الرقص على الكلمات فيأتي التلفيق بدائيا ساذجاً وتلاعب وتحايل (Minipulation) بالكلمات، وقصة التجديد هذه مفضوحة المرامي والأهداف، فكل من يريد أن يدس لنا لغماً يهتف بلوعة " التجديد ... التجديد .." لماذا ... لأن التجديد ينطوي على أن يحاول أن يغير ما عجزت أسلحته فعله .. لهؤلاء نقول كلمة واحدة : " قولوا لنا إن كنتم تقدرون .. تجديد ماذا ..؟ " فهم إما لا يعلمون ماذا يقولون وهو الأرجح، ولكنها كلمة / لغم / قنبلة دخان لإعماء الأبصار نجزم أنهم لا يعلمون ماذا يعني التجديد، أو لا يجرأون على قوله، فمخرج الحفلة  أغبى منهم، ولم يخبرهم بتفاصيل الدور .. وهم مروجون لسلعة فاسدة، ضحى بهم المخرج  بسهولة ...

 

أسفا ً ... على المروجين ... وأسفي على من أبتلع الطعم

هكذا تحدث شولتس

 

ضرغام الدباغ

 

قرأت خطابا للمستشار الألماني أولاف شولتس، أقل ما يقال فيه، أنه خطاب لقائد يشعر بالمسؤولية في كل نصف حرف يتلفظه ..!.. ألمانيا في قلب الأزمة، وفي عين التيارات المختلفة، بين متطرف مع، ومتطرف ضد، وعلى القائد المحنك أن لا يكون مع ولا يكون ضد، هو عليه أن يصيخ السمع جيداً .. ينصت لدقات قلب شعبه، لا يكون شعبويا يبحث عن التصفيق، ولا من يقول له    والله إنك لشجاع، هو لا يريد أن يضع ألمانيا في موضع الخطر، فليكن صدره واسعاً يحتمل الدق والرفس ... أفعلوا ما تشاؤون، قولوا ما تريدون ، لن أعرض ألماني للخطر، لن أضحي بحياة مواطن واحد، لن أهدر مالا جمعه مواطنون بلادي بعرقهم .. بدمهم ودمائهم ودموعهم ... المكانة الاقتصادية التي عليها ألمانيا نتيجة جهد غير أعتيادي، يسهرون الليالي ويكدون في النهارات المثلجة، لكي يزدهر هذا البلد، ويأتي شخص يبحث عن أفاقا وردية كالاحلام ...

 الأحلام لست مهنتي، أنا أشاهد بدقة الأهوال مقبلة، الأفق يصطبغ بالدماء، وشباب بعمر الزهور يقتلون شر قتلة ... يجب أن أتأكد أن كل ألماني حين يضحي بيورو واحد، أنه يضعه في المكان المناسب، البشر ليسوا مشاريع قتل .. ومت يزج بلاده في المخاطر عليه أن يبحث عن المخارج.

 

للأسف الحياة وهذا العصر حاد بحقائقه الجارحة، حين يطلب مني أن أقذف ببلادي في أتون النار، يجب أن أفكر ملياً، أنا أقسمت بالاخلاص والولاء وخدمة الوطن وليس التبرع به ... والمواطنون ينتظرون مني أن أقودهم في حلكة الظلمة إلى حيث الأمان، وليس في مجاهل المجازفات ...

 

هذه مقتطفات من حديث المستشار الألماني أولاف شولتس ...

 

ــ في ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية  "نحن لا ننفّذ كل يُطلب منا"، مضيفا "لأني أقسمت عندما توليت المنصب على عدم إلحاق الضرر بالشعب الألماني".

 

ــ برلين التي تنتقد نهجها السلطات الأوكرانية، تتعرض كذلك لانتقادات على خلفية رفضها فرض حظر على الغاز الروسي لاعتمادها الكبير عليه. وتبرر برلين موقفها بأن حظرا من هذا النوع من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على اقتصاد البلاد.

 

ــ "خرجنا بدرس محوري من التاريخ الكارثي لبلادنا في الفترة بين 1933 و1945، وهو لا لتكرار الحرب أبدا لا لتكرار الإبادة الجماعية أبدا لا لتكرار الحكم المتسلط أبدا".

 

سيادة المستشار الألماني أولاف شولتس ............. تحية أجلال وتقدير لكم، شعبكم يحترمكم ..

 

 

ملفات عراقية

 

مفتوحة أمام العدالة الدولية

 

د. ضرغام الدباغ

 

بوصفي مؤرخاً مجازاً، أؤكد أن لا قضية / ملف عومل بغير عدالة وبجور منقطع النظير كالملفات التابعة المتفرعة من الملف العراقي الذي جرى التعامل  فيه منذ 1990 وحتى قبل أشهر (فبراير / 2022) أي نحو 32 عاماً.

 

وقد سبق لي وان وضعت كتاباً نشر  بعنوان " معاهدات جائرة " شرحنا فيه تأريخ أشهر 12 معاهدة ظالمة، لم تكن العدالة نبراس من عمل فيها وساهم وأقرها، بل كان التنكيل هو هدف مشرعوا وواضعوا المعاهدات بصرف النظر عن العناوين التي تمترسوا وراءها، والديباجات البراقة التي تصدرت المعاهدات، ولكنها في واقع الحال كانت تنكيلاً بالغ الأذى، وانتقاما سياسيا مثل موقفا ر يتسم بالنزاهة، ما كان يجب أن تنزلق إلية القوى التي ساهمت بهذه المعاهدات وفي مقدمتها وضع أسم وشعار المنظمة الدولية زورا وبهتاناً وأففتئاثاً على العدل والقانون والحقيقة.

 

وما أكدناه في مؤلفنا لم يكن يهدف بالدرجة الأولى تحليل المعاهدات  الأكثر جورا في التاريخ، بقدر ما نهدف إلى تأكيد جوهر المعاهدات وما سئول إليه في مجرى التاريخ. والمعاهدات الأكثر جورا بتقديرنا هي :

 

معاهدة فرساي.

صلح بريست.

معاهدة سيفر (1920)

معاهدة لوزان. (1923)

 اتفاقية سايكس بيكو.

 الانتداب البريطاني على العراق 1921.

معاهدة بوتسدام 1945.

 المعاهدات الجائرة بحق الصين

معاهدة كامب ديفيد.

10. أتفاق أوسلو.

11. تقرير دويلفر حول الأسلحة العراقية.

12     . الانتداب الأمريكي على العراق.

 

فالملاحظ أن معظم هذه المعاهدات كانت سبباً مباشراً لصراعات وحروب لاحقة، كمعاهدة فرساي التي وضعت خاتمة جائرة للحرب العالمية الثانية، وكانت السبب المباشر للحرب العالمية الثانية. وصلح بريست ألإرغامي، حين أرغم الاتحاد السوفيتي عن التنازل عن مقاطعات كبيرة ظلما، كانت سببا في المطالبة السوفيتية بإعادة الحق لنصابه. واتفاقية سيفر (10 / آب / 1920)، الظالمة بحق الأتراك التي قادت لحرب التحرير وبتصحيح الموقف في معاهدة لوزان (تموز / 1923)، والتي تضمنت الكثير من الفقرات الظالمة بحق تركيا، والتي هي اليوم مثار صراع سياسي يمكن أن يتطور لصراع عسكري، لتضمنه فقرات مخالفة للقانون الدولي في تحديد المياه الإقليمية. وهذه وضعت لأهداف سياسية لا علاقة لها بالحق والقانون والعدالة.

 

وبدن الخوض في تفاصيل  كثيرة، فالمعاهدات الأخرى كانت تمثل إرادة المنتصرين السياسية وليس الاستناد للحق والمنطق وقوة التاريخ والجغرافيا، ولهذا جاءت جميع المعاهدات والاتفاقيات تمثل الرغبة بالتنكيل والمبالغ به بحق خصوم سياسيين . وخدمة أهداف واستراتيجيات لدول عظمى بعيدة عن المنطقة، ولكنها " تحاول " أن تضمن سيطرتها ومصالحها على التطورات السياسية والاقتصادية لأطول حقبة ممكنة. 

 

واليوم أضيف لتلك الملفات إحدى الملفات العراقية التي بولغ من خلالها الانتقام من العراق ومحاولة إيذاؤه قدر الإمكان وباقصى ما يمكن حتى بأستخدام الغش والتدليس المفضوحين، والتي يمكن مقاضاتها أمام أسوء المحاكم .. ولكن هذا يصعب تحقيقه اليوم، لأن القوى القابضة على العدالة هي من تهين العدالة وتجعله سخرية للزمان، ولكن هذا لا يمكن أن يطول ويتواصل للأبد ... فليس من الضروري أن يبقى القوي قويا غلى الأبد، وأن أن يبقى الضعيف ضعيفا للأبد، والشعوب ستذهب منها سكرة الغضب والرغبة بالانتقام، وستحل محلها التفكير والتأمل في مآل الأحداث والبقاء في قفص الاتهام ودائر العار عذاب ما بعده عذاب يطال الأفراد والجماعات والمجتمعات.

 

ملف التعويضات الذي حدد تاريخ (22/ شباط / 2022) لإنهاء العمل فيه، هو أحد الملفات البالغة الظلم والجور التي فرضت على العراق تعسفاً وإرغاماً، وهو فرع من فروع الملفات العراقية الكثيرة (منها أعمال المفتشين/ الجواسيس) الذين عملوا تحت علم المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) للأسف عاثوا فساداً وتخريبا وتدميرا في العراق بأساليب يرفضها أكثر اللصوص أنحطاطاً،  منها مثلاً تدمير أثاث وسيارات لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل، ولكن هؤلاء المفتشون / الجواسيس اشتغلوا وفق نظرية فليخسر العراق ولو 100 دور إضافية، بهذه الدرجة من الحقد والحقارة كانوا يمثلون العدالة المنتهكة على ايديهم.

 

وبطيه تقرير موجز سريع عن أعمال التعويضات، أدعو المنظمات وجمعيات حقوق الإنسان والدوائر القضائية الاحتفاظ بها، فسيأتي يوم لا محال تثار فيه هذه الخروق للإنسانية والقانون والعدل.

 

هذه اللجنة المسماة لجنة التعويضات كانت تتلاعب بأموال العراق.... حددت 22 02 2022 موعداً لحل لجنة تعويضات العراق للكويت استمر عمل اللجنة 30 سنة. ثلاثة عقود من النهب المتواصل دون هوادة.

في عام 2001، قام صحافي نزيه  ألان غريش Alain Gresh فرنسي (من أصل يهودي مصري)، مدير تحرير صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الرصينة بتحقيق معمق عن تلك اللجنة، نشره في الصحيفة على صفحتين كاملتين. أبرزَ التحقيق نذالة اللجنة وتحيزها وتعمدها هدر أموال الشعب العراقي. جاء فيه:

أعضاء اللجنة كافة من 5 بلدان ناطقة بالإنكليزية: أغلبهم أميركان ومعهم إنكليز، أستراليون، نيوزلنديون وكنديون. عضوية اللجنة ممنوعة على الآخرين.

مصاريف اللجنة في حد ذاتها 500 مليون دولار سنوياً، تستقطع من بترول العراق. أعضاؤها يلهون ويمرحون ويستأجرون "شاليهات" في سويسرا للتزلج على الثلج على حساب الشعب العراقي (مقر اللجنة في جنيف). هذا فضلاً عن رواتبهم الباهظة. وعملهم أشبه بإجازة 5 نجوم مجانية.

السفير الكويتي ومساعدوه دائمو الحضور في مقر اللجنة، يطلعون على الملفات أولاً بأول ويمررون شكاوى بالواسطة، ويعترضون في حال عدم رضاهم عن ملف ما، فتستجيب اللجنة لمطالبهم.

في المقابل، غير مسموح بتاتاً للجانب العراقي الاطلاع على الملفات. يحيلون التقرير السنوي إليه قبل 3 أيام من المصادقة، وهو يضم آلاف الصفحات بالإنكليزي، بحيث يستحيل تحليلها في 72 ساعة. وحتى عند تقديم أي اعتراض أو طلب تصحيح، يجرى رفضهما تلقائياً.

اللجنة تغدق العطاء لأي طلب تعويض كويتي أو لشركة أجنبية عملت في الكويت.

المثال الأكثر "سوريالية": صاحب بقالة كويتي طلب 600 ألف دولار تعويضاً لهبوط مبيعاته خلال 6 أشهر من الاحتلال. فتمّ تعويضه.

الأنكى: قدم الطلب مرتين، مرة باسمه ومرة باسم ابنه. فتم تعويضه مجدداً. أي ما مجموعه مليون و200 ألف دولار! أي صاحب بقالة يربح 200 ألف دولار بالشهر؟

مثال آخر: شركة تنقيب أميركية متواضعة جداً طلبت 24 مليون تعويضاً عن تأخر عملها 6 أشهر. تمت الموافقة على 22 مليوناً. أكد ألان غريش، بعد التحقق، أن ذلك المبلغ يعادل ما لا يقل عن 4 سنوات عمل شاق للشركة في الظروف الاعتيادية.

 

إنها ورقة يانصيب رابحة للكثيرين... عدا عن العراقيين. واستمرت تدر الأرباح طوال 30 عاماً. ولكن لكل نهب نهاية ... ولكل مصيبة خاتمة ... وعبر الحياة تقول لا يهنأ أمرء  بما نال حراماً

 

 

 

 

المركز العربي الألماني برلين

 

المراسلات :

 

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

ملفات عراقية

 

مفتوحة أمام العدالة الدولية

 

د. ضرغام الدباغ

 

بوصفي مؤرخاً مجازاً، أؤكد أن لا قضية / ملف عومل بغير عدالة وبجور منقطع النظير كالملفات التابعة المتفرعة من الملف العراقي الذي جرى التعامل  فيه منذ 1990 وحتى قبل أشهر (فبراير / 2022) أي نحو 32 عاماً.

 

وقد سبق لي وان وضعت كتاباً نشر  بعنوان " معاهدات جائرة " شرحنا فيه تأريخ أشهر 12 معاهدة ظالمة، لم تكن العدالة نبراس من عمل فيها وساهم وأقرها، بل كان التنكيل هو هدف مشرعوا وواضعوا المعاهدات بصرف النظر عن العناوين التي تمترسوا وراءها، والديباجات البراقة التي تصدرت المعاهدات، ولكنها في واقع الحال كانت تنكيلاً بالغ الأذى، وانتقاما سياسيا مثل موقفا ر يتسم بالنزاهة، ما كان يجب أن تنزلق إلية القوى التي ساهمت بهذه المعاهدات وفي مقدمتها وضع أسم وشعار المنظمة الدولية زورا وبهتاناً وأففتئاثاً على العدل والقانون والحقيقة.

 

وما أكدناه في مؤلفنا لم يكن يهدف بالدرجة الأولى تحليل المعاهدات  الأكثر جورا في التاريخ، بقدر ما نهدف إلى تأكيد جوهر المعاهدات وما سئول إليه في مجرى التاريخ. والمعاهدات الأكثر جورا بتقديرنا هي :

 

معاهدة فرساي.

صلح بريست.

معاهدة سيفر (1920)

معاهدة لوزان. (1923)

 اتفاقية سايكس بيكو.

 الانتداب البريطاني على العراق 1921.

معاهدة بوتسدام 1945.

 المعاهدات الجائرة بحق الصين

معاهدة كامب ديفيد.

10. أتفاق أوسلو.

11. تقرير دويلفر حول الأسلحة العراقية.

12     . الانتداب الأمريكي على العراق.

 

فالملاحظ أن معظم هذه المعاهدات كانت سبباً مباشراً لصراعات وحروب لاحقة، كمعاهدة فرساي التي وضعت خاتمة جائرة للحرب العالمية الثانية، وكانت السبب المباشر للحرب العالمية الثانية. وصلح بريست ألإرغامي، حين أرغم الاتحاد السوفيتي عن التنازل عن مقاطعات كبيرة ظلما، كانت سببا في المطالبة السوفيتية بإعادة الحق لنصابه. واتفاقية سيفر (10 / آب / 1920)، الظالمة بحق الأتراك التي قادت لحرب التحرير وبتصحيح الموقف في معاهدة لوزان (تموز / 1923)، والتي تضمنت الكثير من الفقرات الظالمة بحق تركيا، والتي هي اليوم مثار صراع سياسي يمكن أن يتطور لصراع عسكري، لتضمنه فقرات مخالفة للقانون الدولي في تحديد المياه الإقليمية. وهذه وضعت لأهداف سياسية لا علاقة لها بالحق والقانون والعدالة.

 

وبدن الخوض في تفاصيل  كثيرة، فالمعاهدات الأخرى كانت تمثل إرادة المنتصرين السياسية وليس الاستناد للحق والمنطق وقوة التاريخ والجغرافيا، ولهذا جاءت جميع المعاهدات والاتفاقيات تمثل الرغبة بالتنكيل والمبالغ به بحق خصوم سياسيين . وخدمة أهداف واستراتيجيات لدول عظمى بعيدة عن المنطقة، ولكنها " تحاول " أن تضمن سيطرتها ومصالحها على التطورات السياسية والاقتصادية لأطول حقبة ممكنة. 

 

واليوم أضيف لتلك الملفات إحدى الملفات العراقية التي بولغ من خلالها الانتقام من العراق ومحاولة إيذاؤه قدر الإمكان وباقصى ما يمكن حتى بأستخدام الغش والتدليس المفضوحين، والتي يمكن مقاضاتها أمام أسوء المحاكم .. ولكن هذا يصعب تحقيقه اليوم، لأن القوى القابضة على العدالة هي من تهين العدالة وتجعله سخرية للزمان، ولكن هذا لا يمكن أن يطول ويتواصل للأبد ... فليس من الضروري أن يبقى القوي قويا غلى الأبد، وأن أن يبقى الضعيف ضعيفا للأبد، والشعوب ستذهب منها سكرة الغضب والرغبة بالانتقام، وستحل محلها التفكير والتأمل في مآل الأحداث والبقاء في قفص الاتهام ودائر العار عذاب ما بعده عذاب يطال الأفراد والجماعات والمجتمعات.

 

ملف التعويضات الذي حدد تاريخ (22/ شباط / 2022) لإنهاء العمل فيه، هو أحد الملفات البالغة الظلم والجور التي فرضت على العراق تعسفاً وإرغاماً، وهو فرع من فروع الملفات العراقية الكثيرة (منها أعمال المفتشين/ الجواسيس) الذين عملوا تحت علم المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) للأسف عاثوا فساداً وتخريبا وتدميرا في العراق بأساليب يرفضها أكثر اللصوص أنحطاطاً،  منها مثلاً تدمير أثاث وسيارات لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل، ولكن هؤلاء المفتشون / الجواسيس اشتغلوا وفق نظرية فليخسر العراق ولو 100 دور إضافية، بهذه الدرجة من الحقد والحقارة كانوا يمثلون العدالة المنتهكة على ايديهم.

 

وبطيه تقرير موجز سريع عن أعمال التعويضات، أدعو المنظمات وجمعيات حقوق الإنسان والدوائر القضائية الاحتفاظ بها، فسيأتي يوم لا محال تثار فيه هذه الخروق للإنسانية والقانون والعدل.

 

هذه اللجنة المسماة لجنة التعويضات كانت تتلاعب بأموال العراق.... حددت 22 02 2022 موعداً لحل لجنة تعويضات العراق للكويت استمر عمل اللجنة 30 سنة. ثلاثة عقود من النهب المتواصل دون هوادة.

في عام 2001، قام صحافي نزيه  ألان غريش Alain Gresh فرنسي (من أصل يهودي مصري)، مدير تحرير صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الرصينة بتحقيق معمق عن تلك اللجنة، نشره في الصحيفة على صفحتين كاملتين. أبرزَ التحقيق نذالة اللجنة وتحيزها وتعمدها هدر أموال الشعب العراقي. جاء فيه:

أعضاء اللجنة كافة من 5 بلدان ناطقة بالإنكليزية: أغلبهم أميركان ومعهم إنكليز، أستراليون، نيوزلنديون وكنديون. عضوية اللجنة ممنوعة على الآخرين.

مصاريف اللجنة في حد ذاتها 500 مليون دولار سنوياً، تستقطع من بترول العراق. أعضاؤها يلهون ويمرحون ويستأجرون "شاليهات" في سويسرا للتزلج على الثلج على حساب الشعب العراقي (مقر اللجنة في جنيف). هذا فضلاً عن رواتبهم الباهظة. وعملهم أشبه بإجازة 5 نجوم مجانية.

السفير الكويتي ومساعدوه دائمو الحضور في مقر اللجنة، يطلعون على الملفات أولاً بأول ويمررون شكاوى بالواسطة، ويعترضون في حال عدم رضاهم عن ملف ما، فتستجيب اللجنة لمطالبهم.

في المقابل، غير مسموح بتاتاً للجانب العراقي الاطلاع على الملفات. يحيلون التقرير السنوي إليه قبل 3 أيام من المصادقة، وهو يضم آلاف الصفحات بالإنكليزي، بحيث يستحيل تحليلها في 72 ساعة. وحتى عند تقديم أي اعتراض أو طلب تصحيح، يجرى رفضهما تلقائياً.

اللجنة تغدق العطاء لأي طلب تعويض كويتي أو لشركة أجنبية عملت في الكويت.

المثال الأكثر "سوريالية": صاحب بقالة كويتي طلب 600 ألف دولار تعويضاً لهبوط مبيعاته خلال 6 أشهر من الاحتلال. فتمّ تعويضه.

الأنكى: قدم الطلب مرتين، مرة باسمه ومرة باسم ابنه. فتم تعويضه مجدداً. أي ما مجموعه مليون و200 ألف دولار! أي صاحب بقالة يربح 200 ألف دولار بالشهر؟

مثال آخر: شركة تنقيب أميركية متواضعة جداً طلبت 24 مليون تعويضاً عن تأخر عملها 6 أشهر. تمت الموافقة على 22 مليوناً. أكد ألان غريش، بعد التحقق، أن ذلك المبلغ يعادل ما لا يقل عن 4 سنوات عمل شاق للشركة في الظروف الاعتيادية.

 

إنها ورقة يانصيب رابحة للكثيرين... عدا عن العراقيين. واستمرت تدر الأرباح طوال 30 عاماً. ولكن لكل نهب نهاية ... ولكل مصيبة خاتمة ... وعبر الحياة تقول لا يهنأ أمرء  بما نال حراماً

 

 

 

 

المركز العربي الألماني برلين

 

المراسلات :

 

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

الحرب السرية

  

د. ضرغام الدباغ

 

الحروب السرية

1

ضرغام الدباغ

 

الحرب عمل سياسي، بل مرحلة من مراحل تطور ملف سياسي معين، وهذه التسمية (الحروب السرية) التي بوسعي أن أقدم لها وأصفها وأثبت صدق وصحة أطروحتي، هي حروب تدور حين تهدف الدولة المحاربة إخفاء غاياتها الحقيقية، ربما لدناءتها، أو همجيتها، أو ربما لمقتضيات سياسية، وأهداف سرية، الإعلان عنها ينطوي على الضرر أكثر من الفائدة. وكنا قد تعرفنا على أصناف من الحروب، والقوى التي تدعي أنها مسالمة إنما تقيم التحالفات السرية والعلنية، وتعقد المعاهدات، وتبقى طي الكتمان في الخزائن الحديدية، كمعاهدة كامبل ــ  لندن/ 1905 ، أو معاهدة سايكس بيكو / 1919.

 

الحروب السرية  (Secret Wars) : هناك الحروب السرية، وهي خطط تفصيلية تضعها دولة ما تستهدف كياناً سياسياً، لإلحاق الضرر أو التدمير الشامل، ولكن دون إعلان حرب. لأغراض تكتيكية، وتتولي الأجهزة الاستخبارية تنفيذ مهام الحرب السرية، وتتولى تلفيق وترتيب اتهامات بحق الدول والأفراد المسؤولين، التحقق منها سيتطلب وقتاً طويلاً، ترزح فيه الدول المستهدفة في حقل الاتهام، وضغط سياسي وإعلامي واقتصادي تتكبد فيه خسائر مادية ومعنوية.

 

والحروب السرية قد تبدأ بحرب إعلامية، بتجميع مبررات عدوان، وشيطنة الطرف الفلاني، ثم تشجيع جماعات وكتل انشقاقية ودعمها بالمال والسلاح والتدريب، وفرض أنظمة معاقبة اقتصادية وآلية من أجل الإضرار بالاقتصادات الوطنية، وقد تقوم مجاميع عمل سرية بالقيام بعمليات تخريب واغتيالات، وصولاً إلى إقامة مناطق خارج سيطرة الحكومات الوطنية، وفي قائمة الأعمال التي تؤدي هذا الغرض واسعة وكثيرة، وجميعها تعتبر من وجهة النظر القانونية الدولية تدخلاً فاضحاً في الشؤون الدولية، تحضره القوانين والأعراف الدولية.

 

وللجهات المخططة عناصر خلقتها الأجهزة الأستخبارية، سيعتبر بعض ممن يقرأ هذه المقالة، أننا نعتمد على مصطلحات عفا عليها الزمن ... ولكننا سوف لن نترك هؤلاء دون أن ننزع عنهم أخر ورقة تين تستر عورتهم، سنثبت لهم بدقة متناهية، كيف أنهم مقاتلون في الطابور الخامس للثالوث الغير مقدس (أميركا إيران، إسرائيل)، لا داع بعد اليوم للمجاملات السخيفة، وليحدد كل موقعه، مقاتلاً كان، أو سياسياً، أو كاتباً، أو فناناً، هناك حلف، ولهذا الحلف أهدافه، ولكل حلف عناصره، يتشابهون ويختلفون، لا يهم، فلون البشرة لا يغير من جوهر الأمر شيئاً، والثالوث القديم الجديد : الإمبريالية الأمريكية، والصهيونية، الصفوية الفارسية.

 

ربما يستاء، أحد مثقفي الأمة المزورين، إن ساوينا نحن بين أمريكا وإيران الصفوية ؟ لماذا ؟

 

فليتكرم وليقل لنا (س)  لماذا إيران ليست أسوء من أمريكا ؟ ألم تعمل إيران وتساعد على أحتلال أفغانستان .. ؟ ألم ترسل إيران بقواتها لتقاتل المسلمين في الشيشان .. ؟ ألم تقف بالمال والسلاح مع أرمينيا ضد أذربيجان ..؟ ألم تعمل وما زالت تعمل إيران بقواتها المسلحة ومخابراتها وميليشياتها وعملائها في العراق؟ ألم يشاهد بعينه أمريكا تتفاوض مع إيران على أقتسام العراق ..؟ ألا يشاهدون المذابح اليومية للعراقيين والفلسطينيين في العراق ..؟ هل يستطيع المطايا الثقافية للحلف الثلاثي(واشنطن ـ تل أبيب ـ طهران) أن يقولوا لنا ما لفرق في النتيجة النهائية بينهم ..؟ هل يستطيع جوقة الشتامين أن يجدوا الفرق بينهم وبين سلفان شالوم وهنتغتن وفوكوياما وبين ألمع اسم بينهم ؟

 

النتيجة واحدة: شتم العرب والمسلمين، كيفما كان وبأي شكل كان، وتحت أي مسمى كان لا يهم .. المهم النتيجة، صيحة الموضة اليوم هي شتيمة العرب، في كوبنهاجن وطهران وتل أبيب وواشنطن، وحيث يعلو الديك على قمة المزابل .. المهم علو ... ويعتقد أنه يغيظ العرب والمسلمين .. إنكار ثقافتتهم، إنكار دورهم في الحضارة العالمية، مع أن العرب أول من كتب الحرف وأخترع الرقم الذي يستخدمونه...!

 

شتم العرب ... ثقافتهم، حضارتهم، دينهم، لغتهم ... المهم شتمهم ... قضية بكسب بها بعض المأجورون، وينالون مكافئات، وفرصاً للعمل ..وللأسف هناك من يعتقد أنه لا مجال ليشتهر إلا إذا شتم وأسرف في الشتائم، ولكن ولا حرف عن الذي يرقص على الأنغام الفارسية، ويلعب أدوراً صغيرة على المسرح الفارسي،  أليس هذا أمراً عجباً ..؟ ألا تدركون الآن كيف هي ملامح الشعوبية الجديدة، إحدى جبهات الحرب السرية على الإسلام ...؟ الحرب المتعددة الجبهات والأصعدة والوسائل ...!

 

بالطبع، ولو أحصينا الخسائر العراقية، والسورية واللبنانية واليمنية والليبية، والفلسطينية، والمصرية، والجزائرية والمغربية، الخسائر بالأفراد/ العسكريين، والأفراد المدنيين، وبالأسلحة والمعدات، وبالأموال المنقولة وغير المنقولة، لتبين لك أنها تقارب الخسائر في حرب عالمية. نعم هي حرب واضحة، وأحياناً تفلت منهم عبارات تؤكد هذه الحقيقة المخفية ..!

 

هذه المنطقة، وطننا العربي الكبير، كبير وإن جن جنون الحاقدون، ويموت بغيظهم الشعوبيون، ورغم الجهد الخطير المسعور الذي تبذله جبهة عريضة من الدول، إلا أن البلاد العربية تحرز تقدماً تحت القصف، نعم لقد كبدونا خسائر فادحة، وسنخسر المزيد منها قبل أن نلحق الهزيمة التامة بهم. كيف ستأتي الهزيمة ...؟ الهزيمة ستأتي حين سيبذلون أقصى قواهم، وكل قنابلهم، وكل أكاذيبهم، وكل عملاءهم، والاحتياطي المخفي لحد الآن (هم يزجونه في الحرب الآن).

 

ما نعيشه الآن محنة من المحن الكثيرة في تاريخ الأمة، ولكنها ستتلاشي وتضمحل ولا يبقى منها سوى الدهشة ..!... في ساحة التاريخ الفسيحة سيزول من هو طارئ، ويبقى الأصيل يزدهر ... ويمضي للمزابل من يستحق أن يمضي إليها من الممثلين المهرجين وخدم المعتدين .

 

 

 

 

أدلتي على الحرب السرية

2

ضرغام الدباغ

 

تكرر في الأيام الأخيرة سواء في المقال اليومي، أو في البحوث الصادرة عن المركز العربي الألماني. جملة " الحرب السرية على العرب والإسلام ". ولعل القراء يتساءلون إن كان ذلك نتيجة معلومات، ـو استنتاج عقلي، أو فيما إذا كانت لي مصادر على الرأي تؤيد ما أذهب إليه.

وفي الواقع مثل هذا الاستنتاج لم أتوصل إليه عشوائياً أو من خلال الاستماع إلى صوت الضمير، رغم أن أثق بضميري وأتجاهات الميل .. ولكنني كسياسي، لابد من وجود معطيات مادية قوية لتكون دليلي في أتخاذ القرار.

يعرف عن الغرب عامة، حرصهم ودقة تصريحاتهم وألفاظهم، ولكن ليس هناك معصوم، صحيح أن الأمر يدور في المواقع العليا، ولكن لا أحد يضمن عدم التسرب. ولكن الحديث عن سبب هذا العداء والكره للبلاد العربية والإسلامية أمر تكتنفه الألغاز والأسرار. وإذا كان الغرب: الولايات المتحدة وبريطانيا، وبدرجة أقل متفاوتة بقية الدول الغربية، كانت ترى في النظام الملكي العراق عام 1956 خطراً ينبغي الأنتباه له، ويترددون في بيع عدد 6 طائرات نفاثة للعراق الذي كان عضوا في حلف بغداد تحت إدارتهم وحماية لمصالحهم، فما بالك في مراحل قطعت الدول العربية أشواطاً في التقدم، ترى كيف يفكرون اليوم ..؟

 

إشارة الفريق الكسندر ليبيد

مبدئياً، الاتحاد السوفيتي، كان صديقا تقليديا للعرب، وإذا كان هناك سوء تفاهم، فهذه مسألة في العلاقات بين الدول يتحملها الطرفان. ولكن نحن نعلم أن رياح التغير، بل قل عواصف وأعاصير التغير ضربت الاتحاد السوفيتي نفسه، فكان أن أتخذ قرار (وبالطبع هناك تفاصيل كثيرة لسنا بصددها الآن) بحل الاتحاد السوفيتي نفسه، وهو حلم خصوم الاتحاد السوفيتي، ولست متأكداً أن كانت المفاوضات السياسية بين الاتحاد السوفيتي كقائد للمعسكر الاشتراكي، والولايات المتحدة كقائد للمعسكر الرأسمالي، كانت تنطوي على تفصيلات قادت لأتخاذ هذا القرار الكبير، ومقابل ماذا ؟ وقد علمنا مؤخراً أن المفوض السوفيتي (ميخائيل غورباتشوف) قبل بوعود غير مكتوبة ومبهمة بعدم توسيع حدود الناتو، ولكن الغرب لم يكتفي بضم البلدان الاشتراكية، بل وحاول دخول القفقاس (جورجيا)، وله تغلغل في أرمينيا، والضربة الكبرى في محاولاته المحمومة لضم أوكرانيا، وانكرت الولايات المتحدة تعهدها الشفوي الغامض. هذه مقدمة ضرورية لما للبيان اللاحق .

 

الجنرال (الفريق) ألكسندر ليبيد، هو أحد أشهر القادة العسكريين الشبان، شغل منصب نائب قائد قوات المظليين ثم سكرتير مجلس الأمن الروسي وكان مرشحا للرئاسة منافسا ليلتسين ولزعيم الحزب الشيوعي زيوغانوف وحصل على 15% من الاصوات عام 1996 وتحالف مع يلتسين في جولة الانتخابات الثانية لمنع زيوغانوف من الفوز وهذا ما حصل بالفعل فعينه يلتسين سكرتيرا لمجلس الأمن وبههذه المناورات السياسية الغير متقنة، فقد تدريجيا شعبيته كعسكري صارم ونزيه، يطلق الشعارات المدوية ضد الفساد، والمافيات. وبعد فترة شهور أقاله يلتسين (من المرجح لعدم توافقه مع الخط السياسي) ليصبح محافظا لمقاطعة كراسنودار وهناك سقطت المروحية التي كان يقلها. وأعتبر الحادث قضاء وقدر، وسط شكوك لدى الروس، وعدم تصديق المبرر.

 

 ما يهمني هنا، أني قرأت تصريحاً للجنرال ليبيد أستطيع أن أورده بالنص (تقريباً)، إذ صرح ليبيد محتجاً ومستاءاً من السياسة الروسية التي تسمح للغرب بتدمير روسيا وأصدقاءها، والسماح (أو بالاتفاق) على دخول منطقة الشرق الأوسط وشبهها كدخول مجنون إلى قاعة مليئة بالأشياء القابلة للكسر وتحطيمها.

 

في ذلك الوقت المبكر، ساورتني الشكوك، أن غورباتشوف الذي باع أقرب المقربين للاتحاد السوفيتي (إريش هونيكر/ سكرتير الحزب الاشتراكي الألماني الموحد)، ورفض استقبال قادة الدول الاشتراكية وتركهم للقتل (شاوشيسكو) أو للمحاكمات كالرئيس هونيكر والرئيس جيفكوف، ورفض قبله لجوء العديد من المناضلين، ألن يبيع العراق ...؟ بالطبع باع العراق وربما مجاناً .. فقد كان وزير خارجية الاتحاد السوفيتي شيفردنازة متحاملاً أكثر من الأمريكيين على العراق لأنه كان يطمع برئاسة جورجيا، ولكنه طرد منها شر طردة بمكائد غربية، فذهب تملقه أدراج الرياح .

 

مرجحاً ولست متأكداً ما إذا كانت مفاوضات مالطا (3 ـ ـ4 / ديسمبر / 1989)  بين الرئيس السوفيتي غورباتشوف والرئيس الامريكي بوش، قد تضمنت تفاهماً صريحاً بقيام الولايات المتحدة بإعادة رسم خرائط المنطقة دون تدخل روسي.

 

خطاب توني بلير في مجلس العموم

إذا قرأ سياسي محترف خطاب توني بلير، أو شاهده تلفازياً، وبقليل من القدرة على قراءة الوجوه، ندرك أن بلير كان يصطاد الأكاذيب من بحيرة سموم قاتلة . وتوني بلير أعتمد على نظرية ملفقة قانونيا وسياسيا بشكل ذريع، بإطلاقه مصطلح هلامي غير محدد (يحتمل الإضافة والتحميل والتأوبل) خطير، لدرجة أنه يبرر لأي دولة إعلان الحرب، هو" الإسلام السياسي تهديد أمني من الدرجة الأولى "..

 

ورغم أن هيئة الأمم المتحدة وهيئاتها القانونية لم تتوصل إلى تعريف مانع جامع لكلمة الإرهاب أصلاً، فأختراع مصطلح وإدراجه في بيان لحكومة لها خبرة وباع في السياسة الدولية والحروب، ينطوي على خطأ قانوني جسيم، تستحق حكومة المملكة المتحدة أن تحاسب عليه. إذ يمكن بالمقابل القول "الإرهاب المسيحي: أو اليهودي، أو البوذي، أو الهندوسي ..الخ ..

 

وتوني بلير هذا الذي أشتكى منه النواب البريطانيون وكذلك عامة الشعب، بأنه ذنب للسياسة الأمريكية، (ذنب بوش) زعم أمام مجلس العموم/ مستخدماً حزمة أكاذيب يرفضها العقل، زعم أمام البرلمان أن لدية أدلة مادية ثابتة على أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وهذه تمثل خطورة على الأمن القومي البريطاني.

 

هذه المعطيات، تمنح مؤشراً أن هناك قرارا قد أتخذ في جهة ما، ولكن الغرب أختلف في تقدير حجم الخطر وطريقة التصرف حياله، والأسباب كان دون ريب، في إطار الحرب على العرب والإسلام لقطع الطريق لأي محاولة تقدم، والإفلات من الهيمنة. وبتقديرهم أن هذه ستود إلى بروز قوة عالمية عربي / إسلامية، ستكون قوة عظمى(بحجم سكاني وإنتاج اقتصادي) تفرض إرادتها في السياسة الدولية.

 

تصريحات الرئيس بارك أوباما

الرئيس أوبا خلال جولاته في الترويج لحملته الانتخابية، عقد لقاءات عديدة، منها مع الجماهير مباشر. وأذكر وأنا أتابع إحدى لقاءاته هذه أن قال بالحرف الواحد "أتعهد بمواصلة الضغط على العرب والإسلام"

هو لم يقل أتعهد بتصعيدها، ولكنه قال سأواصلها، فهو سيستلم الحكم من بوش الأبن، ولم يكن معقولاً أن يزايد على رئيس غزا بلدين(أفغانستان والعراق) ولكنه عهد حكمه شهد واقعياً أسوء الأحداث، وعرف عنه تصريحاته المعادية للعرب والمسلمين بشدة.

 

" لسنا في حرب مع العرب والإسلام "  هذه جملة أطلقها أكثر رئيس أمريكي بتاريخ الولايات المتحدة كرها بالعرب والمسلمين، وهناك بيت شعر للمتنبي يقول " يكاد المريب يقول خذوني " ولأن أوباما هذا من أب مسلم، فهو يبالغ في إظهار انتماؤه إلى كل شيئ عدا الإسلام، وصولاً لارتداء الطاقية اليهودية. وأبدل أسمه الإسلامي "مبارك" إلى بارك .. نعم هكذا يفعلون ..!

 

باراك أوباما، كان يريد أن يفتتح مرحلة جديدة في الحرب على الإسلام، فقرر أن يلقي خطاباً ساذجا قي هدفه .. إذ لا يريد أن يواجه المسلمين كتلة واحدة، فقرر أن يزور عاصمة إسلامية مهمة، فكروا باندونيسيا، ولكنه تراجع لأن والدته تزوجت بعد والده اندونيسيا مسلماً، وله أخ غير شقيق فيها، فألغيت الفكرة، وتقرر الذهاب إلى أنقرة أو اسطنبول، ولكنهم فكروا أن هذا قد يمنح انطباعاً أن تركيا موقع زعامة إسلامي، فقرروا أن يكون الخطاب في جامعة القاهرة. وبعد أن ألقى الخطاب، شنت الجيوش والطائرات المسيرة الأمريكية هجمات قتل عشوائي، فأرتكبوا جرائم إبادة فضيعة في العراق وأفغانستان. . فالخطاب كان يعني حرفيا " سنشن حربا بلا هوادة على العرب والمسلمين .. وسننظر في أمر العرب الذي يشهرون تحالفهم معنا ..!

إذن هناك حرب على المسلمين ونحن من يقرر نعفي من ونشمل بالقتل من ..!

 

تصريح روسي

حين اشتداد الأزمة الاوكرانية مطلع عام 2022، تراجعت العلاقات الروسية مع بلدان الغرب، أعضاء حلف الناتو. واللافت أن درجة تراجع العلاقات لم تكن بمستوى واحد، فالولايات المتحدة تمثل الطرف الأبعد في رفع درجات التوتر تليها بريطانيا، وألمانيا في الطرف الآخر،  وتليها  فرنسا، اللذان يحاولان إيجاد سبل هادئة لحل التناقضات، وعدم دفع الأمور تتجه للتصعيد، وفي هذا المجال سمعت رأياً أظن كان روسياً أو من الأطراف الداعية للتهدئة، فهناك فكرة في الغرب : دعنا لا ندفع روسيا للمزيد من الألتحام مع الصين ! وهنا تحديداً طرح رأي "ولا ننسي أن روسيا تحارب الإسلام مثلنا في سوريا وأفريقيا .!".

 

عزيزي القارئ ...

لا تعتقد أن الغرب مثقف ومتحضر ويترفع عن الدخول في مستنقعات الحروب الدينية، بل عليك أن تعلم أن الطوائف المسيحية، البروتستانت خاصة ومنهم فئة البيوريتان. (Puritans) الأطهار أو الأنقياء، هم أكثرهم تعصباً، وهؤلاء لهم اليد الطولى في السياسة الأمريكية، ولا يتورعون عن إشهار عدائهم للأرثودوكس، ومن غير المستبعد، أن تجدهم على هذه الدرجة أو تلك من العداء من الكاثووليكية.

 

قد تعتقد للحظة واحدة أننا نبالغ، وأننا معادون للغرب، وأننا نتوهم الكراهية ,,, حسناً فلنتفق على أمر بسيط جداً ولا يحتمل الخطأ ... وهو ... : أنظر .. أقرأ  ... فكر ... أين يقتل العرب والمسلمون وعلى يد أي قوى ...فهؤلاء هم أعداءك

 

ستجد أنهم يقتلون على يد الأمريكان، وإسرائيل وإيران ..... وفي الكثير من الإٌيضاح استهانة بذكاء الناس

 

 

المركز العربي الألماني

برلين

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

 

  فرانشيسكو لارغو كاباليرو

 

القائد الاشتراكي الاسباني الكبير

 فرانشيسكو لارغو كاباليرو

 

ضرغام الدباغ

 

 

فرانشيسكو لارغو كالباليرو ( Francisco Largo Caballero) القائد التاريخي للعمال الأسبان،  الزعيم التاريخي لحزب العمال الاشتراكي الأسباني، ورئيس الاتحاد العام للعمال الأسبان، وزير العمل خلال عهد الجمهورية الأسبانية (1931 ــ 1933)، ثم رئيس وزراء أسبانيا (1936 ــ 1937) خلال الحرب الأهلية الأسبانية ولد عام 1869، توفي في المهجر / فرنسا عام 1946.

 نشأ في أسرة عمالية كادحة، وأمتهن العمل بالجس (من أعمال البناء) حتى أنه شارك بتأسيس نقابة العمال في مجال الجبس، وفي العشرينات من عمره أصبح نقابيا قيادياً، وابتدأ بالسن المبكرة اهتمامه بالشأن العام، حيث أنظم عام 1993 إلى الحزب الاشتراكي العمالي (PSOE) ع وفي غضون سنوات ستة فقط، وصل عام 1899 إلى مرتبة عضو في اللجنة الوطنية للحزب، ثم فاز في الانتخابات البلدية لمدريد عام 1905، بلغ سنه ال 35 عاماً فتفرغ للعمل النقابي والسياسي، وفي عام 1907 أنتخب كأمين الحزب الاشتراكي العمالي فرع مدريد. وفي عام 1908 أنتخب نائبا لرئيس أتحاد نقابات العمال العام، ولكنه دخل السجن لمدة 6 سنوات، بتهمة التهيج الجماهيري والعثور على ملصقات ثورية بداره.

 

 

 

(الصورة لارغو دي كاباليرو في شبابه)

 

وأبتدأ نجم كاباليرو السياسي بالسطوع، في العمل السياسي مساهماً نشيطاً وشجاعاً في الاحداث السياسية من تظاهرات وإضرابات، وأنتفاضات،وفي عام 1918 أصبح الأمين العام لأتحاد نقابات أسبانيا. وفي نفس العام اصبح عضوا في اللجنة القيادية لحزب العمال الاشتراكي. ودافع لارجو كابييرو عن تكتيك التدخل في كل من المؤسسات وفي التجمعات وفي مقالات الصحف، أي الضغط والمشاركة في جميع مؤسسات الدولة التي لها علاقة بـ "المسألة الاجتماعية" بحيث تمت الموافقة على القوانين الاجتماعية التي تحسنت ظروف العمل والمعيشة للطبقات العاملة - وتم الالتزام بها فيما بعد، دون التخلي عن هدفه النهائي " الاشتراكية "، مما يعني التحول الكامل للمجتمع. عندئذٍ شكلت تلك المبادئ التي حددت أساسًا لما أُطلق عليها في حقبة الجمهورية الاسبانية الثانية،  " الكابالارية"، والتي عرفها بعض المؤرخين بأنها إصلاحية ثورية.

 وبنتيجة العمل الثوري الدؤوب، خلال عامين تضاعف عدد المنتسبين أتحاد نقابات العمال من حوالي 100,000 في 1918 إلى 200,000 في سنة 1920، وهو الرقم الذي استمر إلى نهاية العقد. ولأنه الأمين العام لـلأتحادT فقد كانت مهمة كابييرو الرئيسية هي الحصول على عمل موحد مع القوى الثورية لتكون خطوة سابقة " لدمج الطبقة العاملة بأكملها في منظمة وطنية واحدة "، وهو الاقتراح الذي تمت الموافقة عليه في المؤتمر العمالي العام الثالث عشر 1918. وكان هذا في خضم حالة من الصراع الاجتماعي الشديد كما كانت السنوات التي تلت نهاية  الحرب العالمية الأولى، في مدريد حيث برز الاتحاد العام وفي كاتالونيا والأندلس، خلال ما سمى بالبلشفية الثلاثية. مع ذلك لم تنجح تلك المبادرة بسبب الاختلاف في الأيديولوجية (الفوضوية "اللا سياسية" مقابل "التدخل الاشتراكي") والاستراتيجية. بالإضافة إلى ظهور هجمات الجماعات المسلحة في كاتالونيا التي رفضها الاشتراكيون، والذي أدى إلى انفصال منظمتي العمال، على الرغم من أنه تم توقيع اتفاق بين النقابتين في 3 سبتمبر 1920، "للتعامل مع الإجراءات الرجعية والقمعية التي تقوم بها العناصر السياسية وأرباب العمل في إسبانيا"، لكن هذا استمر ثلاثة أشهر فقط بسبب رفض نقابات العمال دعم 50 % من البطالة في الإنتاج في جميع أنحاء إسبانيا استجابة للسياسة القمعية للحكومة وخاصة سياسة الجنرال مارتينيز أنيدو في برشلونة الذي عين حاكمًا مدنيًا لتلك المقاطعة في نوفمبر، فقام باضطهاد الفوضوية النقابية التي جلبت مرحلة جديدة النزاع المسلح في كتالونيا.

 والقضية الأساسية الأخرى التي اشغلت لارجو كاباليرو هي الانقسام الداخلي للاشتراكية الأسبانية بسبب النقاشات حول الاندماج في الأممية الثالثة التي أنشأها بلاشفة لينين في موسكو بعد انتصارهم في ثورة أكتوبر 1917. لقد كان لارجو كاباليرو أحد الزعماء الاشتراكيين الذين عارضوا بشدة دمج الحزب الاشتراكي العمالي، وأتحاد نقابات العمال في الشيوعية الدولية، انتهى الأمر بمغادرة الفصيل الثالث حزب الاشتراكي العمالي لتأسيس الحزب الشيوعي العمالي الأسباني  في نيسان 1921.

 طويلة هي تفصيلات نضال الاشتراكيين الأسبان المنقسم إلى حركات رئيسية، وكان القائد كاباليرو يعمل بهمة ونشاط لتوحيد قوى الاشتراكية الاسبانية في حرمة واحدة.:

الاتحاد العام لنقابات العمال الأسبان.

الحزب الشيوعي الاسباني.

الحزب الاشتراكي العمالي.

الأنارشيست (الفوضويين).

 اندلعت ثورة اليسار الشاملة بعد دخول ثلاثة وزراء من حزب سيدا CEDA اليميني في حكومة أليخاندرو ليروكس في أكتوبر 1934، التي تضامن معهم الاتحاد الوطني للعمل (CNT) فقط في ثورة أستورياس حيث قاد التمرد عمال المناجم الاشتراكيين والفوضويين والشيوعيين. كان لدى عمال المناجم أسلحة وديناميت وكانت الثورة جيدة التنظيم. أعلنت الجمهورية الاشتراكية في عدة مواقع، وتعرضت مواقع الحرس المدني والكنائس والمباني البلدية وغيرها للهجوم. وخلال ثلاثة أيام أضحت كامل منطقة أستورياس تقريبًا بيد عمال المناجم، بما في ذلك مصانع الأسلحة في تروبيا ولا فيجا. وفي غضون عشرة أيام شكل حوالي 30,000 عامل جيش أستوريان الأحمر. كانت هناك أعمال نهب وعنف لا تعزى إلى التنظيم الثوري. لكن القمع كان قويا جدا بحيث وجد الثوار مقاومة من الحكومة اعتبرت أن الثورة هي حرب أهلية على كل الحكم، ولا يزالون غير مدركين أن عمال المناجم بدأوا بالتفكير باحتمال القيام بمسيرة من ميريس  إلى مدريد.

 بعد قمع تلك الثورة اعتقل كابييرو باعتباره قائد لها في 14 أكتوبر. ثم رفعت عنه  الحصانة لغرض محاكمته،  وفي 10 نوفمبر اتهمته المحكمة العسكرية بارتكاب جريمة تزعم تمرد. فقدم الدفاع عنه في فبراير 1935 استئنافاً للمحاكمة في المحكمة العليا وليس أمام محكمة عسكرية بالنظر إلى وضعه كنائب ووزير سابق. تم الرفض من حيث المبدأ الاستئناف حتى إجراء محاكمة شفوية في نوفمبر 1935، فبقي كابييرو في سجن مدريد النموذجي مع زملائه الآخرين من القيادات الثورية، بحيث انعقدت اجتماعات المديرين التنفيذيين لكلا المنظمتين هناك. ونال تصريح بالخروج لمدة عشرين يومًا في أكتوبر 1935 بسبب مرض زوجته الخطير، حيث ماتت في 11 أكتوبر في مصحة تبادل العمال الاشتراكيين الذي أنشأه لارجو كاباليرو نفسه. وقد حضر الجنازة العديد من السياسيين. وما لبث أن تمت تبرئته تحت الضغط الشعبي وأطلق سراحه.

 بعد انهيار حكومة غيرال في 4 سبتمبر 1936، وفي خضم الحرب الأهلية تم تعيين كابييرو رئيسًا للحكومة، وهو أول شخص من حزب عمالي تولى هذا المنصب في إسبانيا. وتولى كذلك وزارة الحرب، حيث أعاد بناء الدولة جزئيًا من خلال دمج الميليشيات العمالية الاشتراكية والشيوعية والفوضوية في الألوية المختلطة. حاول لارغو كاباليرو القضاء على التطوع العشوائي وسلطة الميليشيات عند توليه قيادة الحكومة وإلحاقهم ليكونوا جهازا في إدارته، بدعم من الاتحاد السوفيتي والحزب الشيوعي الستاليني. وبصرف النظر عن مجرى الأحداث، فقد كان همه الأكبر هو الحفاظ على الانضباط في الجيش المنظم حديثًا وابقاء سلطة الحكومة المركزية داخل المنطقة الجمهورية بأي ثمن، معتبرًا أنه بدون القوات النظامية ومدربة جيدا سيكون من المستحيل على الجمهورية هزيمة المتمردين.

 وحين آذنت شمس الجمهورية بالأفول، لم يكن يعد ممكناً البقاء على الأرض الأسبانية، فقطعان الفاشست المتوحشة تجوب البلاد في كل مكان،  والتي أنجزت هيمنتها على البلاد بدعم من القوى الفاشية العالمية (إيطاليا وألمانيا)، ولم يفعل الاشتراكيون بقيادة بلوم الذين كانوا يحكمون فرنسا شيئاً سوى الدعم اللفظي، في حين لم يقف مع الجمهورية داعماً بالقوة غير الاتحاد السوفيتي، الذي واجه صعوبات لوجستية بدعم الجمهورية، ووقفت البلدان الغربية الرأسمالية موقف الداعم الخفي للفاشست الأسبان (الفلانغ) ولفظت الجمهورية آخر أنفاسها في أواسط 1939، بعدها ليقوم الفاشست بتصفية كل من له علاقة بالجمهورية وبقواها اليسارية الثورية وخاصة : الحزب الشيوعي، الحزب الاشتراكي، اللاسلطويون / الأنارشيست (الفوضويون). فشهدت أسبانيا حركة نزوح واسعة إلى فرنسا بصفة خاصة، وكان كاباليرو من آخر النازحين.

 وبعد محاولات عديدة فاشلة للخروج من فرنسا الآيلة للسقوط بيد ألمانيا الهتلرية، إذ كانت الحرب العالمية قد نشبت، وبين أحتجاز وإقامة إجبارية من قبل سلطات فيشي(المتعاونة مع النازي)  التي رضخت أخيرا وسلمت القائد كاباليرو وكان يبلغ من العمر 72 عاماً، للجستابو النازي  في شباط / 1943، قاوم بجسده الواهن الاعتقال والترحيل هاتفاً " أقتلوني  ... أقتلوني " وأجري معه التحقيق في ليون من قبل كبير المحققين الألمان، ثم نقل إلى باريس، وبعدها في تموز / 1943 نقل إلى برلين، ووصل إلى معتقل النازية الشهير سكسنهاوزن في 31 / تموز / 1943 القريب من برلين في مقاطعة أورانينبورغ، بعد أنتهاء الجستابو (البوليس السري الهتلري) من التحقيق معه .

 وبالنظر لتقدم سنه  وتعدد أمراضه، كانت معظم إقامته في مستشفى السجن، وهذا ما أبقاه على قد الحياة حتى نهاية الحرب، وتحرير السجن من قبل الجيش السوفيت والقوى المتحالفة معه (الجيش البولوني الأحمر)،  وناقش الحلفاء معه أمكانية تعاونه مع نظام فرانكو، إلا أنه رفض وفضل العودة إلى باريس، حيث أقام عند أحد اصدقاءه القدامى.

 شارك في باريس في النقاشات التي كانت تجري بكثافة حول مستقبل أسبانيا،  إلا أن وطأة المرض اشتدت عليه، حتى توفي بعد جولات علاج ورقود في المستشفيات حتى توفي هذا القائد الاشتراكي التقدمي الكبير بتاريخ 23 / آذار

 وري جثمانه التراب في 27 / آذار  وسط حضور كبير للجنازة (تجاوز ال 20000 شخص)، وعدد لا يحصى من ممثلي النقابات السياسية والعمالية مع العربات والأعلام واللافتات، كانت تلك الجنازة أكبر من جنازة لأي قائد إسباني في المنفى.... حضر الجنازة القادة الاشتراكيون الإسبان القدماء ومعهم قادة الاشتراكية وممثل عن حكومة فرنسا، والعديد من السياسيين الأسبان المنفيين، وحضور الحكومة جمهورية المنفى برئاسة خوسيه غيرال. وكذلك حضر كلا من ميغيل مورا ودولوريس إيباروري وخوان نيغرين (من القيادات الشيوعية والاشتراكية) ودفنت جثته بمقبرة بير لاشيز في باريس، عند سفح الجدار الفيدرالي المخصص لشهداء كومونة باريس (وهذا تكريم كبير) ثم  نُقلت رفاته إلى مدريد سنة 1978 مع نهاية حكم فرانكو، حيث تم الاحتفال بدفنه بحضور حوالي 500,000 شخص دعوتهم المنظمات الاشتراكية (.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 إشارات وإيضاحات معلومة

1. قُبض على لارجو كاباليرو بمنزله في الساعة الثانية صباحًا، وأُرغم على مغادرة الفراش حيث كانت حرارته حوالي أربعين درجة بسبب إصابته بمرض التيفوس، ونقل إلى السجن. وكان كناليخاس يندد في البرلمان -وفقًا للحكومة- بوجود مؤامرة بدعم خارجي مقرها في بلباو»(Aróstegui - صفحة 89)

 

2. واقعيا تولى كابييرو منصب رئيس الاتحاد منذ سنة 1916 بعدما عانى إغليسياس من مشاكل صحية خطيرة. وترأس معظم دورات اللجنة الوطنية منذ ذلك العام»(Aróstegui - صفحة 122).

 

3. حضر لارجو كاباليرو الاجتماع التحضيري الذي عقد في برن في فبراير 1919 (حيث اتفق مع جوليان بستيرو الذي كان ذاهبا إلى العاصمة السويسرية لإعادة إعمار الأممية الثانية) وحضر مؤتمر أمستردام هذه المرة برفقة بستيرو لإعلان ولادة الاتحاد الاشتراكي الدولي الجديد في يوليو 1919»(Aróstegui - صفحة 168).

 4. من الواضح أن كاباليرو ادرك أهمية المشاركة النشطة في مهام المنظمات الدولية الرئيسية المكرسة لقضايا قانون العمل باعتبارها امتدادًا طبيعيًا للخط الإصلاحي للنقابة في إسبانيا. احتل التصديق على الاتفاقات من هذا النوع مكانًا مهمًا في عهده كوزير للعمل»(Aróstegui - صفحة 168)

 5. La Vanguardia, 26 de noviembre de 1935, p. 28La Vanguardia, 28 de noviembre de 1935, p. 25 y La Vanguardia, 1 de diciembre de 1935, p. 26

 6.  كان خروج لارجو كاباليرو من أسبانيا موضوع حملة واسعة من الصحافة الشيوعية ومن حزبه بالذات الذي أصدر مكتبه السياسي في 2 فبراير -قبل أربعة أيام فقط من خروج رئيس الجمهورية والحكومة أيضًا-قرارًا ذكر فيه:«يدين المكتب السياسي للطبقة العاملة والشعب الأسباني الفرار المخزي للسيد لارجو كاباليرو من أرض الوطن، الذي يحيط به مجموعة صغيرة من أعداء وحدة الشعب الإسباني [و] من تنظيماتهم، لقد فعل الكثير وتمكن بيده من تخريب عمل الحكومة وكسر وحدة شعبنا ومقاومته التي توجها الآن منهزما ومعه عمله الإجرامي»(Aróstegui - صفحة 671).

 7. من الأهمية التي عزاها نظام فيشي منذ اللحظة الأولى إلى تفاهم جيد مع أسبانيا فرانكو هو وضع شخصيات الجمهورية الأسبانية اللاجئة في فرنسا ذات أنشطة سياسية في سجن أو حبس في أماكن حراسة. ناهيك عن التعامل الإجرامي للمحتل النازي [في جزء فرنسا الذي كان تحت سيطرتهم المباشرة]. وبالتالي فإن وجود لاجئ بأهمية الرئيس السابق لحكومة الجمهورية الأسبانية والقائد الرمز للاشتراكية الأسبانية في إقليم فيشي لن يغفل عنه في أي وقت.»(Aróstegui - صفحة 691).

 8. تعرض في سجن ليموج "لمعاملة قبيحة" شملت العري والبرد والجوع وهو في سن السابعة والسبعين وحالته الصحية محفوفة بالمخاطر، واستمر على ذلك مدة واحد وثلاثين يومًا"، وهي ظروف غير ملائمة لعمره المتقدم الحالة الصحية والتمثيل السياسي والاجتماعي ".»(Aróstegui - صفحة 700).

 9. في كتاب "رسائل إلى صديق (مذكراتي)"، الذي نشر بعد مرور ست سنوات على وفاته، كرس كابييرو فصلًا طويلًا بعنوان "جحيم معسكرات الاعتقال الألمانية". "قصص الرعب لا تذكر شيئًا جديدًا بالنسبة إلى ما كان معروفًا عن معسكرات الاعتقال النازي، ولكن هناك مقاطع ذات أهمية بسبب التاريخ المبكر لكتابتها. يتحدث كابييرو بصراحة عن القتل بإطلاق النار أو الشنق أو الاستحمام بالغازات السامة وأفران المحرقة.»(Aróstegui - صفحة 714).

  المركز العربي الألماني برلين

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراسلات :

Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de

 

هل ستنتج الأزمة الاوكرانية

 

نظاما عالميا جديداً

 

ضرغام الدباغ

 

 

ابتداء نتفق مع علماء العلوم السياسية والمحللين والباحثين أن أزمة أوكرانيا سوف لن تمر بدون نتائج كبيرة،  إن مباشرة أو غير مباشرة .. وهذه النتائج ستضاف إلى التراكم الذي يتواصل منذ 1990، أي منذ نهاية الحرب الباردة التي أفرزت النظام الدولي الجديد والذي أطلق عليه العولمة (Globalisation). الأزمة الاوكرانية ستصيب النظام العولمي إصابات بالغة، ولكن ليس الأزمة الأوكرانية هي الوحيدة التي أنهكت الديناصور الإمبريالي.

 

الحرب العالمية الأولى أنتجت نظام عصبة الأمم الذي شرعن الاستعمار صراحة وعلنية، وراحت الدول الاستعمارية القديمة والجديدة (ألمانيا وايطاليا والنمسا) تحاول مزاحمة الدول الاستعمارية القديمة (بريطانيا وفرنسا)، وفي تفاعلاتها اللاحقة، قادت إلى الحرب العالمية الثانية، التي أنتجت معسكرين : اشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والرأسمالي بقيادة متروبول الرأسمالية الاحتكارية الولايات المتحدة الأمريكية. وسرعان ما تهاوى التحالف الدولي الذي هزم دول المحور " ألمانيا، أليابان، إيطاليا "، وبدأت الحرب الباردة بين معسكرين عملاقين.

 

الحرب الباردة انتهت، بتراجع الاتحاد السوفيتي الذي قرر حينها بعد قراءة دقيقة وجرد مادي للموقف السياسي والاقتصادي والعسكري، عدم مواجهة الولايات المتحدة وحليفاتها (الناتو)، وما ينتج عن الحروب من اقتسام نفوذ سياسي واقتصادي وحصد لمكاسب الفوز، جرى على نحو هادئ، ذلك أن القيادة السوفيتية قررت إنهاء الحرب سلميا وعلى طاولة مفاوضات بين الرئيس بوش الأب والسوفيتي غورباتشوف، مفاوضات مالطا (3 ـ 4  / ديسمبر / 1989)، ومن المرجح وجود ملاحق سرية في التفاوض السوفيتي / الأمريكي، ويفترض أن الاتحاد السوفيتي أقر بتسليم بعض مناطق نفوذه التقليدية للأمريكان، ومنها وفي مقدمتها الشرق الأوسط، وهو ما يفسر الهجمة الشرسة العدوانية الأمريكية على دول الشرق الأوسط.

 

بيد أن حسابات الحقل لا تنطبق غالبا على حسابات البيدر، فالغول الأمريكي الذي اعمته نشوة الانتصار، وأعتقد أن الدنيا بأسرها دانت له، وفي هذه اللحظة بالذات ابتدأ انحدار النظام الإمبريالي / العولمي، فشعور بالأستيلاء التام ومصادرة حقوق ومصالح الغير، سيؤدي إلى موقف جديد، أعداء وحلفاء، و سيقود بالضرورة إلى أن يعيد المهزوم حساباته جذرياً، وحتى الحلفاء أن يتوجسوا خيفة من تزايد طلبات المنتصر، وتجاهل لمصالحهم .. لذلك لا يمكن اعتبار سقوط أوكرانيا لوحدها سببا في سقوط النظام الدولي وبروز نظام دولي جديد فالأحداث التي جرت بعد عام 1990 وتراكمها هي حالتي قادت إلى موقف دفعت النظام العولمي إلى خنادق الدفاع  .. في تدشين لعملية سقوط بطيئة  النظام العولمي. فالنظام العولمي سوف لن يسقط بمعركة عسكرية نووية، ولا يسقط اقتصاديا بسهولة، فهو ما يزال له انياب ترليونية وصناعات فائقة الجودة ومتقدمة على أعتاب الثورة التكنولوجية الرابعة والخامسة.

 

ثمة ظاهرة مهمة جداً في العلاقات الدولية، وتتمثل في بروز التحالف الصيني ــ الروسي، تحالفا متيناً واعداً ينبأ بقيام قوة تتمتع بقوة سياسية واقتصادية وعسكرية لا يمكن تجاهلها، قوة سترغم النظام العولمي الأحادي القطب على إعادة حساباته، وأن مؤشرات التوازن الدولي (بكافة مقاييسه) لا تشير إلى تفوق النظام العولمي، وهذه الحقيقة الموجعة سترغم قائدة النظام العولمي على إعادة تقيمه الشامل للموقف، ومن ذلك قيام تحالف أوكس (AUKUS) الذي تشكل الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا عموده الفقري، والذي وضع نصب عينيه السيطرة على حوض الاطلسي والباسفيكي والهندي كهدف أولي .. حتماً وضعوا خطوط دفاعهم حيال العدو الافتراضي (الصين وروسيا) الذي تتطور قواه باستمرار.

 

الرئيس صدام حسين لم يكن قد تلقى علومه في جامعات راقية. ولم يكن قد درس الاستراتيجية، لكن مثله مثل ستالين والجنرال جياب هزم دولتين عظميين (فرنسا والولايات المتحدة) بدون أن يدخل كلية عسكرية ولا كلية أركان، والقادة العظام الذين لم تسنح لهم ظروفه ليتعلموا في مدارس راقية، ولو فعلوا ذلك لكانوا من المتفوقين والعباقرة في ميدان العلم.

 

وهناك نظرية معروفة تقريبا على نطاق واسع، وقال بها افلاطون، " أن العلماء والفلاسفة لا يصلحون أن يكونوا رؤساء دول ". لأن الرؤساء لا يتعاملون بالسياسة وفق معطيات علمية، بل يعملون في السياسة ونصب عينيهم تحقيق مصالح الدولة وقد ينطوي عملهم أحياناً على خطوات وأعمال يعتبرها العلماء من قبيل المغامرات، والمجازفات .

 

سمعت يوماً وشاهدت بعيني الرئيس صدام يتحدث أمام التلفاز وجمع من المراقبين، بما معناه :  أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ مميتاً وهاجمت العراق، فسيكون هذا العدوان هو بداية نهاية الإمبراطورية الأمريكية وسوف تظل تتدحرج إلى أن تصل القاع. وأني أعتقد أن الرئيس صدام كان سيعجز (لو سئل) عن تقديم الحجة العلمية / الفلسفية على مقولته الخطيرة، التي أطلقها على الأرجح في تنبؤ مدهش، ورؤية عبقرية للتطور وحتمياته التاريخية.  إذن كيف تنبأ الرئيس صدام بهذه النهاية الفضيعة للولايات المتحدة، وما نشهده الآن هو المقدمات الحتمية لمسار تاريخي.

 

النظام الرأسمالي " رأسمالية الدولة الاحتكارية "، تمترست وراء شعارات "الديمقراطية"، " حقوق الإنسان "، " حقوق المرأة" ، و" حقوق المثليين " ، وفي الواقع الموضوعي تمارس الولايات المتحدة ما يخالف معظم هذه الشعارات. فمن أبسط الملاحظات التي يكتشفها أي إنسان دون أن يحتاج لثقافة عميقة، أننا لم نشهد تغيراً النظام الرأسمالي حتى بعد حروب عالمية (الأولى والثانية)، أو ما يقرب منها(كوريا، فيثنام، أفغانستان، العراق)، حروب كارثية زجت بلدانها فيها، تسببت في خسائر بشرية ومادية يصعب حصرها. ورتبت أوضاعها الداخلية بحيث يستحيل أن يحدث تغير جوهري في السلطة. والنظام الرأسمالي العولمي أرتكب خطيئة كبيرة وجرائم خطيرة ضد الإنسانية في العراق وأفغانستان، والجرائم التي أرتكبها الكيان الصهيوني محسوبة على النظام العولمي الداعم المادي والمعنوي للنظام العنصري.

 

النظام الرأسمالي لا يستطيع الاستمرار إلا على وقع هدير المدافع، والتوسع ضرورة واختلاق الأزمات والتصعيد لدرجة الصراعات المسلحة مهنة دوائر الحرب، ليجري تنفيس احتقان الموقف وإيجاد أسواق، حيوية للنظام الرأسمالي هي وفق قاعدة " من لا يكبر ... يصغر " 

 

 

فن الذرائع

في إشعال الحرائق

 

ضرغام الدباغ

 

الولايات المتحدة تلعب دور مشعلة الحرائق ... انتهى العالم من الفاشية والنازية والعسكرتاريا اليابانية في تموز / 1945، ولكن الولايات المتحدة لم تكتفي من ملايين الضحايا المدنيين والعسكريين ممن ذاقوا ويلات الحرب العالمية الثانية ...(نحو 50 مليون ضحية) فبدأت الولايات المتحدة مباشرة بالابتزاز النووي، ولكن بعد أن كسر الاتحاد السوفيت ألاحتكار النووي، اخترعت الولايات المتحدة  مبدأ " الحروب بالوكالة ". ثم اخترعت مبدأ آخر، " العصا والجزرة "، ثم مبدأ اللعب على حافة الهاوية "، وقامت بربط العالم بشبكة معقدة من الأحلاف العسكرية (ناتو، سنتو، سياتو) التي تحمل صراحة شعارات التوسع، رافضة مبدأ التعايش السلمي، إلي يتقبل تعايش أنظمة مختلفة سياسياً في إطار من التعاون الإنساني، وشرعت تمارس سياسات العقوبات، والحصار، والحملات السريعة والتهديد والابتزاز.

 

وحين قبل الاتحاد السوفيتي خيار السلام على هذه السياسات، وأقدم على حل اتحاد الجمهوريات السوفياتية وحلف وارسو، ولكن الولايات المتحدة واصلت تعزيز حلف الناتو، وإظهار نواياها التوسعية، رغم أن روسيا والصين تحولتا للنظام الرأسمالي، ترى ما هو سبب مواصلة أجواء التوتر الدولي ...؟ لماذا تظهر الولايات المتحدة حالة العداء الشديد مع الصين وروسيا لدرجة اللعب على تخوم الحرب الباردة واحتمالات تحولها لحروب ساخنة ..! ترى هل هناك سبب جوهري كبير وحاسم لهذه الدرجة ..؟ هل هو تقاسم نفوذ سياسي واقتصادي جديد ...أم تحقيقاً لنبوءة فوكوياما وهنتغتن في رؤيته لصراع حتمي عرقي/ عقائدي مع الصين والكونفوشيوسية .. وهل تستحق هذه الذرائع حرباً عالمية جديدة وملايين من الضحايا الأبرياء ..؟

 

الولايات المتحدة والغرب عموماً يتذرعون بشعارات من قبيل " حقوق الإنسان " والديمقراطية " وحقوق الأقليات والمجاميع العرقية والدينية"، وتوفير الحياة الكريمة للمرأة وأخيراً الحرية التامة لمثليي الجنس ..! ..وبكل بساطة شديدة هذه نكات سياسية مضحكة جداً ولكنها شديدة المرارة، وتسيل منها الدماء .... وأي تمساح مفترس في نهر الكونغو ومستنقعات الأمازون  له الحق في الحديث عن حقوق الإنسان أكثر من الولايات المتحدة .. إذ توجد إحصائية فلكية عن عدد ضحاياها في جميع قارات وبحار العالم، بل هم لوثوا حتى المياه والسماء وأضروا البيئة، وانتهاك البشرية عندهم مشرع بالقوانين وأكثر من 25% من شعبهم (من السود) يتعرضون للتميز العنصري بوسائل شتى، ويندر أن يمر عام ما لم تقم انتفاضات للسود تقمع بالقوة المسلحة، ولا يوجد مجتمع يمتهن كرامة المرأة بقدر مجتمعاتهم، فالمرأة لها وظيفة أساسية هو التعري بسبب وبدون سبب إثارة الرغبة والشهوة، ومهنة الدعارة لها فروع وشركات وعصابات ووظائف فرعية يعتاش منها الملايين ...وحتى البنات حين يمارسن المسابقات الرياضية في الملاعب يدخلن الملاعب شبه عاريات ... وكأن السباق يدور في التعري لأكبر جزء من أجسادهن .

 

ـ حقوق المرآة: شاركن النسوة في البلاد العربية في الوزارات قبل الولايات المتحدة وقبل الكثير من الدول الأوربية، ففي 1958 كانت في العراق وزيرة، وكذلك في مصر، وسوريا ولبنان والأردن، والكويت، ودولة الأمارات العربية، والمغرب، وموريتانيا، والجزائر وتونس، وفي البرلمانات، وهناك كادر علمي كبير من النسوة في الجامعات، وفي كافة أوجه الحياة الفنية والسياسية والاجتماعية، بما في ذلك نسوة تعاطين الأعمال في التجارة والصناعة، وفي البلاد الإسلامية الأخرى تقلدن حتى منصب رئيس الوزراء كما في أندونوسيا وباكستان وبنغلادش. ربما هناك بعض من الاختراق لحقوق المرآة، ولكن مثل هذه الحوادث تحدث في مجتمعات كافة الدول حتى في بلدان الغرب كأمريكا وكندا وفرنسا وبريطانيا، وهذه الأرقام بعض من ذلك تتحدث عن نفسها.

ــ  في الولايات المتحدة الأمريكية هناك 79% من الرجال يضربون النساء، وهناك 17%   من النساء يدخلن غرف الإسعاف نتيجة لذلك الضرب. ونشرت مجلة التايم الأمريكية أن حوالي 4 آلاف زوجة من حوالي ستة ملايين زوجة تنتهي حياتها نتيجة لهذا الضرب. وأشار مكتب التحقيقات الفدرالية إلى أن 40% من حوادث القتل ضد السيدات يرتكبها الأزواج، وفي إحدى الدراسات في إحدى المستشفيات الكبرى الأمريكية جاء أن 25%من محاولات الانتحار التي تقدم عليها الزوجات يسبقها ماض حافل بضرب أزواجهن. أي أن ذلك الضرب عامل هام من عوامل الأقدام على التخلص من الحياة. وتبعا لتقرير الوكالة الأمريكية المركزية للفحص والتحقيق  F.P.T   فأن هناك زوجه يضربها زوجها كل 18 ثانيه. ومحاولات الانتحار التي تقدم عليها الزوجات يسبقها ماض حافل بضرب أزواجهن.

ــ  وفي فرنسا: نقلت صحيفة (فرانس سوار) في تحقيق لها حول الموضوع أن 92.7 % من عمليات الضرب بين الأزواج في المدن، و 60% من استغاثات الليل من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن. ويقول الكاتب الفرنسي الكسندر دوما: إنهن كرقائق اللحم كلما ضربتهن كلما أصبحن أكثر طراوة، ومع ذلك لم يحل أحد الكاتب دوما لمحكمة الجنايات الدولية.

ــ وفي بريطانيا: ظهر أن 10% من المشاركات في أحد الاستفتاءات يضربهن أزواجهن، و 70% منهن يشعرن بالمهانة في حياتهن الزوجية، وفي تقرير بريطاني ذكر أن 77% من الحالات يضرب الزوج زوجته دون أن يكون هناك مبرر لهذا الضرب.

ــ  وفي كندا: مائة وخمسون ألف رجل يضربون نساءهم، ونشرت مجلة (التايم) الأمريكية أن حوالي ( 4000 ) زوجة من حوالي ستة ملايين زوجة تنتهي حياتها نتيجة لهذا الضرب.

 

ـــ  حق تقرير المصير

لمن يمكنه فتح الكومبيوتر، فليكتب على الغوغل (أنتشار الجيش الأمريكي)، أو (أنتشار الجيش الفرنسي)، ومنها سيعلم كم يحترم الغرب الحريات الديمقراطية وتقرير المصير، ويكتشف أن هذه المصطلحات تستخدم فقط لأغراض سياسية، أو ليحاول من يبحث عن الحقائق، أن الحروب الأمريكية في القارات، وسيشاهد بنفسه، أنه قليل هي تلك البلدان التي لم تنال الموت من الجيش الأمريكي.

 

ــ الحريات الديمقراطية /

هل هناك تميز عرقي في الغرب والولايات الامريكية خاصة ................. نعم وبشدة.

هل هناك تميز على أساس الدين في الغرب والولايات المتحدة خاصة ....... نعم وبشدة.

هل هناك تميز على أساس الطائفية المسيحية ................................نعم وهذه تشد في المرحلة الراهنة.

 

ـــ حقوق الإنسان ..

.مصطلح من كلمتين فقط، تستخدمه الولايات المتحدة خاصة والغرب عموماً، حين يضعون دولة ما أو حتى  شعبا ما تحت المطرقة، وينهالون عليه بحسب درجة سخطهم أو رضاهم عن ذلك الشخص أو الحكومة. وقد يتهم شعباً بأكمله أنه لا يحترم حقوق الإنسان.  جوهر حقوق الإنسان عندهم  هي أن يرقص زعيم أي دولة وحكومة على موسيقاهم السياسية، وإذا فعل ذلك فهو عظيم ...!

بالأمس كتبت، أن الغرب حين يتخبط بين الإنكار الساذج، والكذب، والتغافل، وتزوير الحقائق، ورفضه رؤية الحقائق رغم كونها ساطعة، ويعاند كي لا يضطر مرغماُ للقبول بالحقيقة، فهذه بداية التخبط والانحدار في إعلام كان أحترافياً، وسياسيون كانوا رغم وساختهم، إلا أنهم يضيفون على أنفسهم هالة من الاحترام، فالفرق بين ونستون تشرشل وتوني بلير ليس كبيراً، والمسافة ليست بعيدة جوهرياً، ولكن بلير يكذب علناً كالذباب، ويصعر خده، ويكذب أمام مجلس العموم بقلة حياء لا يفعلها أسقط الساقطون، راح زمن يرؤساء الدول وزعماء كشارل ديغول، وجاء زمن يتمرقص فيه ولد ويعرب عن سخطه لأن عن فئة واسعة فقط لأنهم لا يأكلون لحم الخنزير ..! ويصدر أوامره،  إما أن تمارسون دينكم كما أمركم أو أغلق مساجدكم ... ولا يقول له أحد أنك ضد حقوق الإنسان ..يحق لي أن أقلل الأدب أو أفرش مظلة القانون حماية لمن يقلل الأدب، ويحق لي أن أتجاسر وأشتم وأسخر، وأنت لا يحق لك إلا القبول، وهذه من جملة مبادئ حقوق الإنسان..!

 

وزير الدفاع الحالي لويد أوستن أعلن قائلاً أن الحروب التقليدية استنزفت أميركا وقد ولى عهدها بعد أن أفقدت الولايات المتحدة آلاف البشر ومليارات الدولارات. منذ إعلان استقلالها في الرابع من شهر يوليو/تموز 1776، خاضت الولايات المتحدة الأميركية العديد من الحروب في مختلف دول العالم. هذه الحروب أفقدت الولايات المتحدة آلاف البشر ومليارات الدولارات، فكان من الطبيعي أن يعلن وزير الدفاع الحالي لويد أوستن أن "الحروب التقليدية استنزفت أميركا وقد ولى عهدها".

ـــ يرسلون جيوشهم ليقتل الناس في دول أخرى .... في نحو عشر دول يقصف ويقتل ويغتصب... وأنت الإرهابي ولسنا نحن ... بل إذا قاومتني أنت إرهابي .. هم أبطال تاريخ العالم الأسود في القتل والنهب والاغتصاب، ومع ذلك يتهمون غيرهم.  (على مدار تأريخها منذ استقلالها عن بريطانيا (246 عاما) غاب تورط الجيش الأميركي في مغامرات عسكرية بالخارج 17 عاما فقط).

ـــ لدولةٍ كأميركا  تبلغ نسبة نفقاتها العسكرية 45% من الإنفاق العسكري العالمي ولديها 725 قاعدة عسكرية في الخارج، ويتحكّم صانعوا الأسلحة فيها بالدولة العميقة ويحددون السياسة الخارجية المسؤولة عن 20 مليون قتيل منذ سنة 1945. في هذا الصدد يقول مارتن لوثر كينغ : "إن حرب فييتنام هي أحد أعراض المرض الذي يضرب الذهنية الأميركية التي تقوم على دعائم ثلاث هي العنصرية والمادية والعسكرة."

ـــ وإذا أضفنا إلى ذلك أن العجز التجاري مع أوروبا والمكسيك وكندا وروسيا قد تفاقم أيضاً، يمكننا قياس الصعوبات التي تضرب القوة العظمى المتداعية. لكن ذلك ليس كل شيء. إذ أنه بالإضافة إلى العجز التجاري، فقد تعمّق العجز في الميزانية الاتحادية (779 مليار دولار مقابل 666 مليار سنة 2017). لقد ارتفعت النفقات العسكرية بشكلٍ مذهل. حيث أن ميزانية وزارة الدفاع لسنة 2019 هي الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة وقد وصلت إلى 686 مليار دولار. بينما أنفقت الصين في السنة ذاتها 175 مليار، رغم أن عدد سكانها يبلغ أربعة أضعاف الولايات المتحدة. وليس من المفاجئ أن تضرب الديون الاتحادية رقماً قياسياً بلغ 22175 مليار دولار. أما الديون الخاصة بالشركات والأفراد فهي تصيب المرء بالدوار إذ بلغت 73000 مليار دولار.

ـــ لا مشكلة لي شخصيا مع الهولوكوست، فهي فضيعة بأحداثها، وأكثر فضاعة بنتائجها، ولكن لاحظ أنهم يعوضون اليهود من مال غيرهم، ثم يحكمون بالسجن 8 سنوات لمن  ينكرها ويذكر خلاف ذلك ... هذه حرية الرأي عندهم ..!

ـــ يشتمون رموزا دينية ويعتدون عليها بالكلمة والرسم والفعل، ويعتدون عليك بأسم حرية الرأي ..!

ـــ العالم بأسره يعبر عن اشمئزازه عن معتقل غوانتنامو ... ولكنهم لا يعتبرونه خرق لحقوق الإنسان.

ـــ أقاموا سجوناً سرية في أوربا (افتضح أمرها)، ولكن من غير المسموح الكتابة عنها ...

ــ ولماذا نذهب بعيداُ .. فالعراقيون والعرب يعرفون تفاصيل يندى لها حتى من كان جبينه من الخشب ...  من أحداث جرت في سجن أبو غريب على أيدي الأمريكان، شكليا قدمت الفاعلة الرئيسية للمحاكم وأدينت شكلياً، إلا أنها نال عفواً وتولت مناصباً أعلى ...

ـــ بموجب معطيات نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" (كانون الثاني / 2022) خلال خمس سنوات، شن الجيش الأمريكي أكثر من خمسين ألف غارة جوية في أفغانستان وسوريا والعراق. وقد اعترف بقتل 1417 مدنياً خطأ في غارات جوية في سوريا والعراق منذ 2014. والعدد الرسمي للقتلى في أفغانستان 188 مدنياً سقطوا منذ 2018. " وتفيد وثائق وزارة الدفاع الأمريكية أن 4 % فقط من الأخطاء في تحديد العدو أدت إلى سقوط مدنيين. لكن التحقيق الميداني الذي أجرته الصحيفة يدل على أن نسبة هذه الحوادث تبلغ 17 % وسقط خلالها ثلث القتلى والجرحى المدنيين.

ــ الشرطة الأمريكية أسوء شرطة في العالم من حيث أطلاق النار الحي بدون إنذار على أي مواطن لا يمتثل لأمر الوقوف. أفاد تقرير لصحيفة الواشنطن بوست أن عناصر الشرطة الأمريكية قتلت 86 شخصا على الأقل، وأن هذه الحوادث وقعت في عامي 2015 و2016.

ــ يندر أن يمر يوم في الغرب، أن يقتل فيه شخص مسلم، أو ملون، أو من عناصر الأقليات، وتهاجم دور عبادة ومراكز ثقافية، وهناك سجل مذهل يوثق جرائم العنف والقتل، ولكن هذا ليس بإرهاب ... تهمة الإرهاب توجه فقط  للمسلم، أما الآخرون ... فهم مختلون عقلياً، أو يعانون من أزمة نفسية أو صدمة عائلية ... يستحقون العناية الصحية والاجتماعية وليس المحاسبة ...!

 

 

أفكار ميكافيلية في الإمارة

 

ضرغام الدباغ

 

يتحدث ميكافيلي هنا عن إيطاليا المجزأة، وكان كثير الاهتمام بوحدة إيطاليا، ومن يحب بلاده يحبها موحدة عزيزة، ويقدم الولاء لها على أي اعتبار آخر، فهو يريد القول أن الأمير عليه أن يتصرف بطريقة تكون مقبولة من شعب الإمارة التي صار الاستيلاء عليها.

 

" الممتلكات التي اكتسبت بهذه الطريقة (أي بالضم) إما أنها قد ألفت حكم أمير آخر فيما سبق أو كانت ولايات حرة يلحقها الأمير بممتلكاته.. إما بقوة أسلحته هو أو بقوة أسلحة غيره أو يسقطها في يده حسن الطالع أو قدرة خاصة ".(13)

وتصريف هذه المقولة تصلح في حال إعادة الاتحاد لقطرين، كالوحدة الفيثنامية، أو الوحدة اليمنية، أو مشاريع الاتحاد والوحدة عليها أن تراعي هذا الجانب.

ولكن إن شئنا أن نبحث المقولة في العلاقات الدولية غير حالات الوحدة والاتحاد، فنذكر أن فكرة الضم والإلحاق هي فكرة استعمارية تكاد تختفي بصيغها التي عرفت بها منذ الثورة الصناعية والفتوحات الاستعمارية وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن القوى الكبرى ما تزال تمارس ذات السياسة ولكن بصيغ حديثة، فحشد كبير من الدول النامية هي دول شكلية فحسب، لها مقعد في الأمم المتحدة ولها علمها ونشيدها الوطني وإذاعة رسمية، لكن الدول الكبرى تتدخل حتى في صغائر الأمور تبعاً لمصالحها السياسي والاقتصادية والاستراتيجية، وفي سائر شؤونها حيثما عن لها ذلك. فالتبعية الاقتصادية ما توال في أقسى أشكالها، وهو ما أفضى إلى تبعية سياسية، والأنكى من كل ذلك، أن القوى العظمى تحاول اليوم (وهي تصادف النجاح والمقاومة)، فرض أنماط من الثقافات وصيغ الحياة والدخل في دقائق الحياة اليومية ومفرداتها، بل هي سمة العصر وأحدى ملامحه الرئيسية.

وقد تخفي الدول العظمى أساليب تدخلها وراء عدة أقنعة: كالديون وال(المساعدات) وبرامج التنمية، وما إلى ذلك من العلاقات المشروطة على الأرجح، والتي تمثل المدخل للتدخل في الشؤون الداخلية، انتهاء بفرض المعاهدات غير المتكافئة التي تلب حاجات الدولة العظمى، ونادراً ما تهتم بهموم وهواجس الدولة الصغيرة، الطالبة للمساعدة.

ــ عن الملكيات المتوارثة يكتب " إن الصعوبة في المحافظة علي الدول الوراثية التي الفت حكم أسرة حاكمة أقل بكثير منها من حكم الملكيات الجديدة لأنه يكفي ألا نتجاوز أوضاع السلف وان نتهيأ للطوارئ المقبلة "

ومن النادر في الأنظمة المتوارثة، أن يستمر نظام الحكم على ذات السمت الذي كانت عليه، بسبب اختلاف القدرة الزعامية لوارثي الزعامة، من جهة وتغير الظروف والمعطيات السياسية والاقتصادية من جهة أخرى، ناهيك عن أن الوارث لا يجد ذات البواعث التي كانت لمن سبقه.

ونجد أن أفكار أبن خلدون في هذا المجال أكثر علمية ونضجاً، فميكافيلي يرى هنا ولكن دون أن يتوصل لذلك كما فعل أبن خلدون، أن الدول تتعرض للشيخوخة، بسبب فقدان العصبية التي دعت لنهوضها، وهو في ذلك ينتقد الأنظمة الملكية، ومن هنا وصفت أفكار ميكافيلي بأنها جمهورية مبكرة.

ويحاول مفكرون رجعيين أمثال: صامؤيل هنتغتن، وفرانسيس فوكوياما، أن يخلقوا عناصر شد جديدة بإشاعة مشاعر التخوف من هذه الجهة أو تلك، والهدف الرئيسي هو الإبقاء على حالة الشد العصبي، والالتفاف، عن طريق اختراع مخاطر موهومة.

وكان وزير الخارجية الأمريكي الكسندر هيغ، قد صرح أن لا بد من إيجاد المبررات لحلف الناتو، وابتكار جبهات ومواجهات. وأحدث تلك الأساليب، هو مشروع الدرع الصاروخي التي تحاول الولايات المتحدة تأسيسه في أوربا، هي تدعي أنه لحماية شرق أوربا من مخاطر وهمية(الصواريخ الإيراني) وعلى الرغم من أن هذا المبرر هزلي، ولا يصدقه أحد، إلا أن إجراءات تتخذ وتداعيات تحدث، وهناك ملامح أزمة تلوح في الأفق، الغاية منها إبقاء الأوربيين تحت شعور أنهم تحت حماية الولايات المتحدة القوية والضامنة للسلم والأمن على حافتي الأطلسي.

ـ كتب مكيافيلي " ولكن حين نستولي علي ممتلكات في منطقة تختلف معنا في اللغة والقوانين والعادات فإن الصعوبات التي لابد من التغلب عليها عظيمة ".

هذا خطاب يصلح لدعاة الإمبريالية والعولمة اليوم، وما لم يقله ميكافيلي لأنها لاحقة لعصره، أن الاستعمار هو مشروع اقتصادي / سياسي، والإمبريالية نموذج أعلى للاستعمار القديم (Colonialism)، أما العولمة فهي أعلى أشكال الإمبريالية، وهي مشروع اقتصادي / سياسي / ثقافي، أكثر تكاملاً من أي مشروع استعماري سابق، لأن التوسع الثقافي وسبله قد بلغت شأواً كبيراً، في ثورة شاملة رفيعة المستوى في جميع وسائل النقل والمواصلات (Communication System) من أبرز ملامحها: استخدام الأقمار الصناعية، وانتشار الحاسوب(الكومبيوتر) والهواتف النقالة، وآلات التصوير الديجتال وغيرها، وسهولة الانتقال بالطائرات، وهي أدوات تستخدمها دوائر العولمة في نشر ثقافة موحدة، عابرة للقارات والأمم، يملي فيها الأقوى إرادته ومعتقداته الثقافية، كما هي وسيلة لشعوب العالم الثالث في تحسين أدائها الثقافي، واستخدام هذه المعطيات لمصلحتها.

ــ " أن من لم تؤخذ أرضه منه لإقامة مستعمرة عليها سيحتفظ بالولاء له أي للأمير والخوف من أن تؤخذ منه أرضه مثلهم ".

ويكاد مكيافيلي يشير إلي أسلوب الدعاية بالترهيب، ولو عاصر ميكافيلي عالمنا اليوم، لأشار إلى أشهر واقعة تهديد وترهيب وابتزاز في التاريخ الحديث والقديم والحديث، ولأدرك أن تهديد القوي المتغطرس ليس على الدوام تأتي بثمارها، ونعني بها الجلسة التي هدد فيها وزير الخارجية الأمريكي بيكر وزير الخارجية العراقي طارق عزيز، بقوله سنعيد بلدكم إلى القرون الحجرية ما لم تقبلوا إنذارنا (Ultimatum). وقد رفض الوزير العراقي الإنذار، إذ لم يكن أكثر من استسلام كامل.

بوسع الدول العظمى اليوم بما تملكه من قوة هائلة، نقل جيوش جرارة خلال ساعات إلى أي بقعة في الكرة الأرضية وزجها في معارك قد تحرز النصر في صفحاتها الأولى، بيد أن هذه القوى سوف لن تكسب النتائج سياسياً، أو لنقل، أنها لن تستطيع التحكم في المسارات اللاحقة سياسياً بالدرجة الأولى، ولكن عسكرياً أيضاً، وسف تحتاج هذه الدولة العظمى، إلى مساعدة وجهود سياسية / عسكرية / أخلاقية لدول أخرى في معركتها.

ـ ويقول مكيافيللي " إن إهانتنا لإنسان لابد أن تكون إهانة تعنينا عن أن نخشي انتقامه "

ويريد ميكافيلي هنا القول أنك عندما تلحق الإهانة كضرر معنوي، أو إلحاق الضرر بطرف ما، عليك أن تتوقع ردود فعله إن عاجلاً أو آجلاً، وربما بطريقة تختلف عن تلك التي أقدمت عليها.

وفي السياسة المعاصرة، ورغم ضعف العوامل الأخلاقية، إلا أن هزيمة الولايات المتحدة في فيثنام خلقت عقدة نفسية لدى صناع القرار السياسي في هذه الدولة العظمى ما تزال تعاني منها، وقد أضافت العمليات الحربية في العراق الدائرة منذ سبعة سنوات المزيد من العقد السياسية، بعد الخسائر الكبيرة في الأفراد والمعدات التي منيت بها القوات المسلحة الأمريكية بخاصة.

ـ (من كان سببًا في قوة غيره هلك )..

 كتب نيقولا مكيافيلي تحت عنوان (لماذا لم تثر مملكة داريوس علي خلفاء الاسكندر عقب وفاته). يقول:  " الممالك التي عرفها التاريخ قد حكمت بطريقتين.. إما حكمها أمير وأتباعه يساعدونه في حكم المملكة كوزراء بفضله وإجازة منه.. أو حكمها أمير ونبلاء يتبوءون مراكزهم بدون مساعدة من الأمير.. ولكن لقدمهم.. ولمثل هؤلاء النبلاء ولايات ومواطنون لهم خاصة يعترفون بهم سادة عليهم بطبيعة الحال.. وللأمير في تلك الولايات التي يحكمها أمير وأتباعه سلطان أكبر من سلطان الأمير الثاني.. لأنه لا يوجد فوقه سواه ".

وفي السياسة المعاصرة نفهم ذلك أن القوى العظمى تدير أزمات، أو ملفات معينة، أو ربما مناطق كاملة بواسطة وكلاء تعمل على إمدادهم بمصادر القوة، أو تسمح لهم أن يكونوا مراكز قوى ليخدموا سياستها في نهاية المطاف، ولكن الولايات المتحدة كقوة عظمى تستخدم هذا المبدأ، تحرص أن تخلق قوى لتكون في مصلحتها وتحت قيادتها، وليس خلق قوة من أجل المطالبة بشراكة. وهناك فرق قانوني / سياسي كبير بين مصطلحي: تحت إشراف أو تحت كنف (Supervision) ومصطلح شراكة (Partner).

ـ يطرح مكيافيلي ثلاثة أساليب لإخضاع المستعمرات الجديدة التي لا نتفق معها في لغة أو جنس.. وهي التخريب، نقل السلطة إليها، تتويج حكومة عملية. وتمارس القوى العظمى هذه السياسة منذ عصر الاستعمار، وبكثافة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وشيوع أساليب الاستعمار الجديد. وتنصيب حكومات عميلة خيار محبب للمستعمرين القدامى والجدد، وكذلك في عصر العولمة.

وتنصيب حكومات متعاونين من أبناء البلاد وسيلة التجأ إليها كل المحتلون عبر العصور في محاول لإيجاد عناصر / شريحة ت