الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

بوكايو ساكا… صاحب الوجه الطفولي بجينات ملوك السماء!

 

لندن ـ بوكايو ساكا، يصنف كواحد من أقران ليونيل ميسي وأصحاب القامة القصيرة، بطول فتى في منتصف العقد الثاني، وملامح وجه تفوح منها براءة الأطفال والمراهقين، لكن بمجرد نزوله إلى أرض الملعب، يتحول إلى وحش كاسر، مطوعا موهبته الطبيعية الخام، لخدمة الفريق والمنظومة الجماعية للمدرب، والأهم، تمتعه بالمرونة اللازمة لشغل ما لا يقل عن 3 أو 4 مراكز بنفس الجودة والكفاءة، لما لديه من قدرات ومؤهلات نادرة، في ما يُعرف بالنكهة البرازيلية، بإحكام السيطرة على الكرة وتصدير كل معاني الذعر الكروي لمدافعي الخصوم، بحيل مختلفة في المراوغة والانطلاق كالسهم من الثبات، بالجينات المتوارثة في وطن جيجي أوكوشا ورشيد يكيني وأموكاشي وباقي أساطير ومشاهير منتخب «النسور الخضراء»، وفي رواية أخرى ملوك السماء، مجسدا المقولة العربية الشهيرة «احترس ممن اقترب الأرض».

النشأة وحلم الطفولة

ولد الملقب باسم ساكينيو، في سبتمبر/أيلول 2001، في عاصمة الضباب، لأسرة من الطبقة العليا المتوسطة، تنحدر من أصول أفريقية خالصة، كان يعولها الأب يومي ساكا وزوجته أدينيك ساكا، ابنة واحد من أشهر رجال الأعمال، الذين هجروا لاغوس النيجيرية، من أجل الدراسة في المملكة المتحدة، وكأغلب المهاجرين والوافدين من الماما أفريكا، نشأ الطفل الصغير، في منزل وعائلة تتنفس المركولة المجنونة بوجه عام، ومدفعجية آرسنال على وجه الخصوص، ضمن عشرات الملايين في كل أرجاء العالم، الذين أصيبوا بمتلازمة عشق الغانرز، تأثرا بعجائب وغرائب الغزال الأسمر تييري هنري، وباقي نجوم الجيل الذهبي في بداية الألفية الجديدة تحت قيادة الأستاذ آرسين فينغر.
يروي الشاب العشريني في مقابلة متلفزة، أن والديه كانا مصدر إلهام كبير له، منذ كان طفلا بعمر 7 سنوات، وحلمه الأول اختبار موهبته في أكاديمية ناديهم المفضل، ورغم صعوبة الوصول إلى مقر أكاديمية المدفعجية، البعيد عن مكان عمل وإقامة الوالد، إلا أنه كان يتناوب التضحية مع زوجته، للتكفل برحلات تنقل الصغير من المدرسة إلى أكاديمية الكرة ثم إلى المنزل، وذلك، لثقة الوالد الكبيرة في قدرات وموهبة طفله، خاصة بعد نجاحه في اجتياز الاختبارات، واستقراره على أفضل قرار اتخذه في حياته، بالانضمام إلى أكاديمية أسطورة النادي ليونبيرغ، في الوقت الذي كان يفضل فيه جُل الأطفال الذهاب إلى مدرسة المدمر تييري هنري ودينيس بيركامب وآخرين.

التواضع وانتهاز الفرص

يبقى أغلى وأهم درس تعلمه ساكا في رحلة البحث عن أضواء الشهرة والنجومية، ما جاء أولا من الوالد في سن المراهقة، بالتحلي دائما وأبدا بالتواضع داخل المستطيل الأخضر، وبذل قصارى جهده طوال الـ90 دقيقة، بدون افتعال أزمات أو مشاكل مع لاعبي المنافس أو حكم المباراة، وهي النصيحة التي تعلمها من مدربه الاسكندينافي، الذي راهن الجميع على انفجار موهبة ساكا، قبل أن يحتفل بعيد ميلاده الـ20، في فترة قيادته لشباب آرسنال، وهذا ما تحول إلى حقيقة، منذ ترقيته إلى فريق 17 عاما ومنحه عقدا احترافيا، تمهيدا للدفع به الى الفريق الأول، وحدث ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بمشاركته كبديل في الشوط الثاني أمام فورسكلا بولتافا في بطولة اليوروباليغ، وبعد أشهر تعد على أصابع اليد الواحدة، من لحظة تخرجه من مدرسة غرينفورد الثانوية.
سجل ظهوره الأول مع فريقه اللندني في قلب ملعب «الإمارات»، ضد كاراباغ في اليوروباليغ في يناير/كانون الثاني 2019، غير أنه شارك للمرة الأولى على المستوى المحلي أمام فولهام، ما جعله أول لاعب من مواليد الألفية الجديدة يدافع عن قميص الغانرز في البريميرليغ، قبل أن ينجح في تثبيت أقدامه في التشكيل الأساسي، في فترة ما بعد إصابة كيران تيرني وسيد كولاسيناك، حيث كان مشروع ظهير بمواصفات عالمية، ليتحول في وقت قياسي إلى حجر أساس ولا غنى عنه في مشروع المدرب ميكيل آرتيتا، منذ وضع القلم على أول عقد طويل الأجل في مسيرته في يوليو/تموز 2020، وحسنا فعل في نهاية الموسم، بكسر حاجز الـ50 مباراة على مستوى الدوري الإنكليزي الممتاز، وهو بعمر 20 عاما.

مفترق طريق

تزامنا مع توهج موهبته في الجزء الأحمر لشمال لندن، كان يشق طريقه مع منتخبات شباب إنكلترا، بتدرج سلس من منتخب لآخر، بداية من فريق الناشئين تحت 16 عاما نهاية بالمنتخب الأولمبي، إلى أن حصل على فرصة العمر من المدرب ساوثغيت، في ودية النمسا على هامش الاستعداد ليورو 2020، ليفرض نفسه على القائمة المدافعة عن مهد كرة القدم في البطولة الأوروبية. ورغم تألقه اللافت في جُل المباريات، وبالأخص مباراة جمهورية التشيك، التي خرج منها بجائزة أفضل لاعب، إلا أنه تعرض لواحدة من أشرس حملات الهجوم عليه، وصلت لحد إهانته عنصريا وتهديده بالقتل، جراء ركلة الجزاء التي أهدرها أمام إيطاليا في المباراة النهائية، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على حالته النفسية والمعنوية، وبالتبعية تسبب في إبطاء صعوده النيزيكي، خاصة في بدايات الموسم الماضي، قبل أن يتحرر من القيود رويدا رويدا، ويعود بالنسخة المخيفة التي يبدو عليها في حملة البحث عن أول لقب بريميرليغ منذ قرابة العقدين من الزمن.

عراّب ثورة الغضب

صحيح المدرب آرتيتا، ومعه مجلس الإدارة، يجنون الآن ثمار الصبر على المشروع، بعمل جماعي يلامس الكمال الكروي، بعد سنوات من التخبط، سواء قبل وصول المدرب الإسباني أو بعد توليه المهمة خلفا لمواطنه أوناي إيمري عام 2019، لكن يبقى ذو الأصول النيجيرية، أشبه بالعلامة الفارقة في ثورة الغضب، التي يقوم بها الفريق في الوقت الراهن، متربعا على صدارة الدوري الإنكليزي، بفارق ثماني نقاط كاملة عن أقرب مطارديه ثنائي مانشستر، سيتي ويونايتد، بمساهمة لا يستهان بها من ساكا، مشاركا في ما مجموعه 13 هدفا، بواقع 6 أهداف من توقيعه بالإضافة إلى صناعة سبعة، من مشاركته في 18 مباراة حتى الآن، أقل بخمسة أهداف فقط من حصيلته في التسجيل وصناعة الأهداف على مدار الموسم الماضي.
والمثير للإعجاب، أنه استعاد ثقته بنفسه كما كان قبل اليورو، بعد حضوره الطاغي مع المنتخب الإنكليزي في نهائيات كأس العالم، ولولا الخروج من دور الثمانية على يد الجار الوصيف المنتخب الفرنسي، لنافس بقوة على الجوائز الفردية المرموقة في البطولة، لكن الشيء المؤكد، أنه في حال استمر على نفس المنوال حتى نهاية الموسم، وقاد فريقه للفوز بأول لقب للبريميرليغ، منذ نسخة اللاهزيمة عام 2004، سيكون منافسا فوق العادة على الجوائز الفردية الأكثر أهمية في وطن كرة القدم، بعد حصده جائزة أفضل لاعب الموسم الماضي من قبل الجماهير، واحتفاظه بجائزة لاعب العام في ملعب «الإمارات» للعام الثاني على التوالي، فهل سيواصل مع مارتن أوديغارد وتشاكا وباقي الرفاق بنفس الزخم لإعادة مجد المدفعجية المفقود؟ أم ستكون هناك متغيرات في النصف الثاني من الموسم؟ دعونا ننتظر ونستمتع بمغامرة آرتيتا الجريئة مع أستاذه ومعلمه بيب غوارديولا والقادم من الخلف بسرعة الصاروخ إيريك تين هاغ ومشروعه مع الشياطين الحمر.

«القدس العربي»

 
الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا