سياسة

أطفال غزة وعائلاتهم.. كيف مزقتهم إسرائيل بين الشمال والجنوب؟

40 بالمئة من المفقودين في غزة أطفال لا يعرف إذا فارقوا الحياة أو ترعاهم عائلات أخرى وفق تقارير دولية

غزة/ حسني نديم/ الأناضول

-40 بالمئة من المفقودين في غزة أطفال لا يعرف إذا فارقوا الحياة أو ترعاهم عائلات أخرى وفق تقارير دولية
-19 ألف طفل فلسطيني في غزة يعيشون بدون والديهم أو أحدهما بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية وفق الأمم المتحدة
-الطفلة ميرا للأناضول: مشتاقة جدا لرؤية والدي المحاصر في شمال غزة
-الفلسطينية فاطمة للأناضول: منذ عام كامل لم أر ابني وابنتي وزوجي الموجودين شمال القطاع

لم تترك إسرائيل وسيلة من وسائل الإبادة إلا واقترفتها في قطاع غزة، بما في ذلك تمزيق شمل العائلات الفلسطينية، حيث افترق كثير من الأطفال عن أسرهم بسبب إصرار الجيش الإسرائيلي على فصل شمال القطاع عن جنوبه، واتباعه سياسة التهجير القسري.

منظمات دولية تقدّر أن نحو 20 ألف طفل فلسطيني بات غير مصحوب بوالديه أو بأحدهما، إضافة إلى أن 40 بالمئة من المفقودين البالغ عددهم 15 ألفا، أطفال لا يُعرف إن كانوا قتلوا أو ترعاهم أسر أخرى.

وحذرت الأمم المتحدة، من أن إصدار إسرائيل أوامر متكررة لعائلات في شمال قطاع غزة بالنزوح للجنوب، يرشح تزايد حالات انفصال الأطفال عن أسرهم.

وعبر ممر “نتساريم” تفصل إسرائيل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، بينما أظهرت صور أقمار صناعية أن تل أبيب وسّعته حسب ما نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، في 26 أغسطس/ آب الماضي.

**مشتاقة لحضن أبي

الطفلة ميرا حسن (9 أعوام)، تقيم في مخيم للنازحين داخل مستشفى “شهداء الأقصى” في دير البلح (وسط) مع والدتها وجدها وجدتها، فيما بقي والدها شمال قطاع غزة، برفقة والديه الكبيرين بالسن لرعايتهما.

وبلغة الطفولة البريئة تقول الطفلة للأناضول: “أنا مشتاقة جدا لرؤية أبي والجلوس في أحضانه”.

وتساءلت: “متى ستنتهي حرب الإبادة الإسرائيلية كي ألتقي مع أبي وأقاربي؟”

ولا يختلف حالها عن حال شقيقتها كاميليا، التي تكبرها بعام واحد، إذ تقول للأناضول: “والدي قرر البقاء في شمال قطاع غزة، مع جدي وجدتي لرعايتهما، ونزحنا من المنزل برفقة جدي وجدتي؛ والدي أمي، إلى مستشفى الشفاء بغزة”.

وانتقلت عائلة ميرا وكاميليا، إلى مجمع الشفاء الطبي، بحثًا عن الأمن والأمان، بعد عملية نزوح متكررة داخل مدينة غزة، قبل اقتحام الجيش الإسرائيلي للمجمع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وإجبار النازحين بداخله على المغادرة باتجاه جنوب ووسط القطاع.

وتضيف الطفلة كاميليا بصوت حزين: “غادرنا ولم نحمل معنا أي شيء، وكنا نظن أنها أيام معدودات ثم سنعود إلى منزلنا”.

وتشير إلى معاناة العائلة بعد نزوحها، وعدم توفر الأغطية والملابس الشتوية في حينها، واضطرارها لاستخدام أغطية أسرة المستشفيات الملطخة بالدماء لمقاومة البرد الشديد.

وتتساءل الطفلة كاميليا: “ما الذنب الذي ارتكبناه حتى يفرق الاحتلال الإسرائيلي بيننا وبين والدنا؟! ما ذنبنا لنعاني بسبب عدم وجود والدنا معنا؟!”

وتقول: “اشتقت لوالدي كثيرًا، ولضمه بقوة، واشتقت لعماتي وخالتي وجديّ، واشتقت للعودة إلى منزلنا ومدارسنا”.

أما الأم الفلسطينية فاطمة، فأجبرها الجيش الإسرائيلي على النزوح المتكرر، فمن شمال قطاع غزة إلى مجمع الشفاء، وعند اقتحامه تم تهجيرها مرة أخرى إلى الجنوب برفقة والدها ووالدتها وأشقائها، لكنها لم تتمكن من اصطحاب ابنها الرضيع وابنتها الصغيرة، اللذين ظلا مع زوجها في بيت جدهم في المدينة.

وتقول الوالدة للأناضول: “نزحت مع والدي ووالدتي وأشقائي إلى جنوب قطاع غزة، بعدما أجبرنا الجيش الإسرائيلي على ذلك”.

وتضيف بحزن عميق: “أشتاق لهم كثيرًا، عام كامل لم أتمكن من رؤيتهم أو عناقهم، والحصار الإسرائيلي فرق بيننا وشتت جمعنا، ولم أتمكن من العودة إليهم وهم الآن موجودون في بيت جدهم شمال قطاع غزة”.

وتتابع: “عندما نزحت كان ابني محمد يبلغ من العمر 3 أشهر فقط، والآن بعد مرور عام كامل أصبح عمره عام وثلاثة أشهر، وابنتي الآن عمرها عامان ونصف، عام كامل مر وهما يكبران بعيدين عني”.

وتحلم فاطمة بانتهاء حرب الإبادة الإسرائيلية أو إعلان وقف لإطلاق النار يمكنها من العودة إلى منزلها وعائلتها في شمال قطاع غزة.

وفي 5 أكتوبر الجاري، بدأ الجيش الإسرائيلي عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة شمالي القطاع، قبل أن يعلن في اليوم التالي بدء اجتياحه لها بذريعة “منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”، بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتهجير سكانها.

**عائلات مشتتة

في 9 أكتوبر الجاري، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إن حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، مزّقت العديد من الأسر، واضطر كثير من السكان البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، إلى الفرار مرارا وتكرارا، ما أدى إلى تشتت تلك الأسر”.

وأرجأت السبب إلى أن “مجرد التنقل داخل منطقة صغيرة في قطاع غزة، ينطوي عليه مخاطرة كبيرة قد تصل أحيانا إلى الموت”.

وفي 24 أغسطس الماضي، قال متحدث منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” كاظم أبو خلف في بيان، إن حرب الإبادة الإسرائيلية رفعت عدد “الأطفال غير المصحوبين في قطاع غزة إلى 19 ألف طفل”.

و”الأطفال غير المصحوبين” هم الذين انفصلوا عن كلا الوالدين والأقارب الآخرين، ولا يتلقون الرعاية من شخص بالغ بموجب القانون أو العرف، حسب تعريف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وفي إشارة إلى ارتفاع مذهل للإحصائيات، انتشرت مؤخرا ملصقات وصور بين خيام النازحين في قطاع غزة للبحث عن أطفال فُقدوا خلال حرب الإبادة، أو خلال رحلة النزوح التي يعيشها أهالي القطاع، حسب الأمم المتحدة.

وفي 10 أكتوبر الجاري، قالت المديرة الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا أديل خضر، في بيان، إن استمرار أوامر النزوح الإسرائيلية للفلسطينيين في شمال غزة، يرشح بزيادة معدلات انفصال الأطفال عن أسرهم.

وأوضحت خضر، أن “تكثيف العمليات العسكرية (الإسرائيلية) في شمال غزة، يعرض الأطفال لمخاطر جسيمة من القتل أو التشويه أو الاعتقال أو الانفصال عن والديهم ومقدمي الرعاية، وسط الخطر والفوضى المستمرين”.

وأشارت إلى أن “الاضطرار للفرار عدة مرات في غزة، وسط العمليات العسكرية المتكررة دون نهاية في الأفق، يحرم الأطفال من القليل من الأمان والاستقرار المتبقي لهم”.

المسؤولة الأممية طالبت بوقف فوري لإطلاق النار، لمنع المزيد من المعاناة وإنقاذ أرواح الأطفال. وأكدت أنه “بدون ذلك، فلن يكون بقاؤهم على المحك فحسب، بل أيضا لن تبقى إنسانيتنا”.

ويعيش نحو مليوني نازح فلسطيني داخل مراكز إيواء مختلفة في قطاع غزة ظروفا صعبة يفتقدون فيها لسبل العيش الكريم، فيما تنتشر بينهم الأمراض المعدية بسبب الاكتظاظ ونقص المياه والغذاء وانخفاض أدوات ومستوى النظافة.

وبدعم أمريكي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية على غزة خلفت أكثر من 143 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وتواصل تل أبيب هذه الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى