سياسة

اقتراحات ترامب غير القانونية بشأن غزة هي امتداد طبيعي لعقود من السياسة الأمريكية المخزية تجاه فلسطين   رائد صالحة

اقتراحات ترامب غير القانونية بشأن غزة هي امتداد طبيعي لعقود من السياسة الأمريكية المخزية تجاه فلسطين

 

رائد صالحة

واشنطن ـ «القدس العربي»: رفض العديد من المراقبين الأمريكيين اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة باعتباره مخططاً عفويا وغريباً من غير المرجح أن ينفذه، إلا أن الإعلان بدا وكأنه نتيجة لبعض التخطيط على الأقل، حيث قرأ من ملاحظات معدة سلفا من اقتراح تم تجميعه قبل زيارة «مجرم الحرب» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقت طويل.
وفي حين أن هذا قد يكون من بين المبادرات الأكثر تطرفًا ضد الفلسطينيين التي خرجت من واشنطن على الإطلاق، إلا أنه امتداد منطقي لعقود من السياسة الأمريكية الحزبية المخزية لدعم احتلال إسرائيل واستعمارها للضفة الغربية، فضلاً عن الاعتراف بضمّ إسرائيل غير القانوني لمرتفعات الجولان، والاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ودعم حصار إسرائيل المستمر منذ عقود وحروبها المدمرة المتعاقبة على قطاع غزة، من خلال حرمان الفلسطينيين من الحقوق المتساوية، إما من خلال حل الدولتين القابل للتطبيق أو دولة ثنائية القومية مع ضمان الحقوق للجميع، أسهمت الولايات المتحدة في ظهور المتطرفين العنيفين على الجانبين، ومنحت الإسرائيليين الأكثر قوة ترخيصًا لتصعيد فرضهم لنوع من نظام الفصل العنصري.
ولاحظ الباحث الأمريكي ستيفن زوينيس في مقال نشرته منصات تقدمية أمريكية أن ترامب طرد الفلسطينيين من أجل إعادة بناء غزة بشروط الولايات المتحدة وإسرائيل، بالإشارة إلى أن الكثير من مساحات غزة تحولت إلى أنقاض، ولم تعد قادرة على إعالة السكان.
وفي حين أشار إلى محنة الفلسطينيين باعتبارها نتيجة «لسوء الحظ»، إلا أنها في الواقع نتيجة لاستهداف متعمد للبنية التحتية المدنية من قبل القوات الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة. وقد وصف إجماع قانوني دولي متزايد هذا الحصار المستمر بأنه إبادة جماعية، وهو ما أصبح ممكنا من خلال الدعم الحزبي للمساعدات العسكرية غير المشروطة، واستغلال حق النقض من جانب الولايات المتحدة خمس مرات لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي كانت تدعو إلى وقف إطلاق النار، والهجمات على جماعات حقوق الإنسان والمؤسسات القانونية الدولية التي سعت إلى المساءلة عن تصرفات الحكومة الإسرائيلية.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على منصة إكس أن الولايات المتحدة سوف «تجعل غزة جميلة مرة أخرى». وفي حين أعرب أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين عن تشككهم، أبدى آخرون تأييدهم. وقال السيناتور الأمريكي تومي توبرفيل (جمهوري من ألاباما) إن الاقتراح «فكرة جيدة».
وقال محللون أمريكيون إن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية قد أعدت بالفعل خطة في تشرين الأول/اكتوبر 2023 لإبعاد جميع الفلسطينيين من غزة إلى صحراء سيناء المصرية، حيث دعا وزراء في حكومة نتنياهو مرارًا وتكرارًا إلى طرد الفلسطينيين من غزة واستعمار المنطقة. وفي الخريف نفسه، اقترحت إدارة بايدن على المصريين قبول هجرة الفلسطينيين إلى المنطقة. وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية زعمت لاحقًا أن اقتراح الإدارة كان مجرد إجراء قصير المدى، إلا أن المصريين شككوا في أن إسرائيل ستسمح للاجئين بالعودة، في ضوء رفض إسرائيل التاريخي احترام حق العودة لموجات سابقة من اللاجئين الفلسطينيين.
والآن بدأت مثل هذه الخطط تؤتي ثمارها. فقد أمر نتنياهو الجيش الإسرائيلي بإعداد خطط لتنظيم إجلاء الفلسطينيين من غزة. ورغم أن الأردن ومصر، اللتين اقترح ترامب أن تستوعبا الجزء الأكبر من اللاجئين، أوضحتا أنهما لن تقبلا الفلسطينيين الذين أجبروا على الرحيل من فلسطين، فإنهما لا تستطيعان منع إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، من طردهم، حسبما قال العديد من المحللين الأمريكيين.
وقال محللون أمريكيون إن حقيقة أن أحداً من قيادات الحزب الديمقراطي في الكونغرس أو في أي مكان آخر لم يطالب باعتقال نتنياهو وفقاً لقرار المحكمة الجنائية الدولية، أو حتى اعترض على دعوته، قد شجعت ترامب ونتنياهو على إعلان دعمهما لهذا التطهير العرقي لأهالي قطاع غزة. ومع استمرار أغلبية الديمقراطيين في الكونغرس في دعمهم للمساعدات العسكرية غير المشروطة لإسرائيل على الرغم من مذبحة عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والتهديد بطرد مليونين آخرين، يبدو أن هذين الزعيمين اليمينيين يعتقدان أن لا شيء يوقفهما.
ولاحظ محللون أمريكيون أن إدارة ترامب قدمت نسخا مختلفة من هذا السيناريو ــ أحدهما يتضمن قوات أمريكية، والآخر لا يتضمن ذلك. أحدهما يتضمن شراء غزة، والآخر لا يتضمن ذلك. ويرى أحد السيناريوهات رحيل الفلسطينيين بشكل دائم من غزة، ويتصور سيناريو آخر غيابا مؤقتا بينما تتم إعادة بناء القطاع من أنقاض القنابل.

ملامح غزة المستقبلية

هذه التغييرات لم تنجح في إقناع الرأي العام الأمريكي: إذ يعارض 74 في المئة من الأمريكيين فكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة وطرد سكانها الفلسطينيين، وفقاً لاستطلاع جديد أجرته وكالة «رويترز» للأنباء ومؤسسة «إبسوس». ومن بين الجمهوريين يعارض 55 في المئة هذه الخطوة ويؤيدها 43 في المئة.
وقد قوبلت خطة ترامب غير الواضحة للسيطرة على قطاع غزة وإعادة تطويره وتحويله إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» بغضب عالمي يهدد بمزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
وقال محللون أمريكيون إن الكثير من مفهوم ترامب لخطة غزة بعيد المنال، في أفضل تقدير. وبدون حل للقتال، فإنه أمر لا يمكن تصوره. كما أن وقف إطلاق النار الهش الذي قد يؤدي إلى وقف دائم للقتال بين إسرائيل وحماس قد ينهار في أي يوم، فقد تبادل الجانبان الاتهامات بانتهاك الهدنة.
لقد أذهل ترامب الحلفاء والمساعدين على حد سواء الأسبوع الماضي عندما رسم لأول مرة ملامح غزة المستقبلية، بعد إعادة بنائها والسيطرة عليها من قبل الولايات المتحدة، ونقل سكانها الفلسطينيين إلى مصر والأردن وربما أبعد من ذلك. لقد تصورها في نهاية المطاف كجيب سياحي مزدهر، وصور الأبراج والوظائف وقال بدون دليل إن الفكرة تحظى بشعبية واسعة النطاق.
ولكنه لم يضع مخططا للمسار الذي وضعته الولايات المتحدة للتغلب على الصراع العسكري الحالي، باستثناء التعبير عن دعمه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإثارة التهديد بـ«الجحيم» لحماس إذا لم تطلق سراح الرهائن المحتجزين في غزة بحلول ظهر يوم السبت.
واستخدم ملك الأردن عبد الله الثاني لهجة تصالحية في اجتماعه مع ترامب، لكنه ألمح إلى أن الزعماء العرب ــ الذين لم يدعم أي منهم علنا مقترح ترامب ــ سوف يأتون إلى الولايات المتحدة لعرض أفكارهم الخاصة.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تناقض الملك عبد الله مع ترامب بشكل أكثر مباشرة.
وقال الملك في تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر: «أكدت موقف الأردن الثابت ضد تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، وهذا هو الموقف العربي الموحد، وإعادة إعمار غزة بدون تهجير الفلسطينيين ومعالجة الوضع الإنساني المزري يجب أن يكون الأولوية للجميع».
وبالنسبة للتقدميين، فإن اقتراح الرئيس دونالد ترامب بالتوسع الإقليمي هو تذكير فقط للطموحات الإمبريالية التوسعية.
وقال نائب المدير التنفيذي لمنظمة «بيانات من أجل التقدم»، ريان أودونيل، يوم الأربعاء: «تظهر هذه النتائج عدم شعبية نية ترامب المعلنة للولايات المتحدة للسيطرة بشكل غير قانوني و/أو قسري على مناطق مختلفة في جميع أنحاء العالم، وخاصة غزة».
وتابع أودونيل قائلاً: «على نطاق أوسع، يعكس هذا نمطًا من السياسات التوسعية التي يتبناها ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي سياسات تغذي عدم الاستقرار بدلاً من حل الصراع. غالبية قوية من الناخبين يعارضون سيطرة الولايات المتحدة على غزة وإعادة توطين الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، وحتى أن عددًا أكبر من المشاركين يرفضون فكرة إرسال الولايات المتحدة لقوات إلى الشرق الأوسط لإنجاز هذه الخطة».
وأضاف أن «الرأي العام في هذا الشأن واضح: إن الرأي العام الأمريكي يرفض هذا الاقتراح غير الواقعي والمزعزع للاستقرار».

المصدر : جريدة (القدس العربي) لندن

زر الذهاب إلى الأعلى