مقالات رأي

الأساسيات: ما يجب البدء به أولًا رشا عمران

 

 

كما لو أنه انفجار بركاني، وكما لو أن البشر خرجوا من فوهة البركان”، كان هذا هو الوصف الذي أطلقته على السوريين صديقتي السورية التي عادت إلى دمشق في اليوم التالي لفرار المجرم الوضيع، لتغطي لوكالة الأنباء التي تعمل بها تفاصيل اليوميات السورية بعد السقوط. تقول صديقتي: كيفما التفتِ ستجدين مظاهرات واعتصامات، وأينما ذهبتِ ستقابلين مجموعات تستعد لإطلاق مبادرة أو حزب أو تجمع، وتتساقط عليكِ البيانات من كل حدب وصوب. الجميع يتحدثون بالسياسة ويناقشون مستقبل البلد، والجميع يحلمون بشكل الدولة التي يريدونها ويحاولون الدفاع عن وجهة نظرهم وأحلامهم ورؤيتهم. الجميع يتنفسون الصعداء رغم القلق والخوف، كما لو أن صخرة صماء قد انزاحت عن صدورهم.

وفي الحقيقة، هذا ما نشعر به نحن أيضًا، الذين لم تتح لنا الظروف عودة سريعة إلى بلادنا. هذا ما نفعله جميعًا نحن في الخارج حين نلتقي وجهًا لوجه أو حين نتواصل افتراضيًا. لا يوجد حديث يخرج عن دائرة سوريا حاليًا بين السوريين. ما من سوري يستخدم وسائل التواصل هذه الأيام إلا ليكتب وجهة نظره عما يحدث وعما يجب أن يحدث، أو ليقرأ ما يُكتب عن سوريا أو يتابع آخر التقارير الصحفية ونشرات الأخبار. فجأة، عادت سوريا لتكون حديث العالم، والأهم أنها عادت لتكون وطن السوريين الذين، لأول مرة منذ ما يقارب القرن من الزمن، يشعرون أنهم أبناء وطن ينتظر منهم كل ما يمكنهم أن يقدموه له، لا مجرد رعايا ومرابعين في مزرعة تمتلكها عائلة ما وتعاملهم كالعبيد.

الحرية مسؤولية. تكاد تسمع هذه الجملة على ألسنة الجميع، وتكاد تقرأها في كل ما يكتبه السوريون. إذ إن الثمن الذي دفعه الشعب السوري مقابل هذا اليوم كان ثمناً باهظًا جدًا، باهظًا إلى حد لا يمكن نسيانه أو القبول بأنصاف حلول للمستقبل السوري، أو فقدانه نتيجة استهتار بالحرية التي امتلكها أخيرًا، أو التصرف بها بوصفها استحقاقًا فرديًا لا جمعيًا ووطنياً. وهذا ربما أيضًا ما يجعل الجميع في حالة تأهب تجاه كل خطأ يحدث، خشية فقدان هذه اللحظة أو استعادة المنظومة الماضية التي كادت أن تفتك تمامًا بالوجدان السوري، لولا أن جاءت الظروف والمصالح والتقاطعات الدولية لأول مرة في صالح هذا الشعب.

لو قضينا سنوات نحتفل، نحن السوريين، بهذا الخلاص لما اكتفينا. فما تَبدّى من إجرام النظام وفساده وعمالته وخيانته يكاد يفوق الوصف حقًا. والحقيقة أن ذلك فاق توقعات حتى أشد معارضيه جذرية وأكثرهم معرفة بمدى إجرامه. إذ لا وصف لماهيته ومنظومته الإجرامية. لا كلام قادر على شرح أو التعبير عن هذا الفجر في الإجرام، ولا خيال يمكنه أن يصل إلى خيال جلادي النظام وتفننهم في تعذيب ضحاياهم.

وهذه ربما أولى التحديات في سوريا الجديدة التي سوف تواجه السوريين: كيف سيتم احتواء غضب أهالي ضحايا التعذيب والمختفين والمغيبين؟ وكيف سيتم الاعتناء بالمفرج عنهم من المعتقلات والسجون السورية، وكلهم خرجوا وهم في حالات نفسية وصحية بالغة السوء، وتحتاج إلى فرق عمل طبية من كل الاختصاصات لتتمكن من إعادة تأهيلهم واستعادة حياتهم الطبيعية؟ هذا تحدٍ كبير يوازي تحدي ملف العدالة الانتقالية، وهو أكثر ما يثير الجدل بين السوريين حاليًا، حيث يطالب البعض بعفو عام يتمكن من خلاله من تبقى من المجرمين من النجاة، وهو ما يبدو مناسبًا لما يريده المجتمع الدولي.

تلفزيون سوريا

زر الذهاب إلى الأعلى