مقالات رأي

الإسراف بالأفراح والاحتفالات وإرباك التوازن النفسي للطبيعة البشرية  !!!  د. محمد سعد الدين

 

تكاد الأوصال الاجتماعية والعلاقات العائلية  تصل الى ادنى مستوياتها  في عصرنا الحديث رغم طوفان الاحتفالات والافراح التي لا تنتهي واعصار المناسبات التي تكاد لا تتوقف.

الاحتفال  بالاشياء الجميله  ضرورة انسانية يحتاجها الناس على اختلاف مجتمعاتهم وخلفياتهم الدينية ومستوياتهم الاجتماعية، وللتعبير عن أفراحهم ومشاعرهم المشروعة ولتنشيط عاطفتهم ودفعها نحو الايجابية كما انها تترجم الاحاسيس الطيبة وتعكس شكر الانسان لربه ولمن سخرهم لتحقيق ما يحب ويصبو إليه.

لهذا شرع الله الفرح للمؤمنين وحدد لهم اطاره وحدوده وتفاصيله فكان الاحتفال بقدوم العيدين الفطر والاضحى فرحا بصيام رمضان وقيامه وعودة المؤمن الى حياته الطبيعة ومتاعها الحلال بعد انجاز مهمته السامية الصعبة. وكان الفرح بقدوم عيد الاضحى بعد تادية فريضة الحج وما يتبعها من غفران ذنوب العباد ومسح خطاياهم واقترابهم من ربهم. وكان الاحتفال والوليمة عند عقد القران و الزواج فرحا بتكوين لبنة جديدة  تساهم في استمرارية تماسك المجتمع واداء الرسالة التي خلقنا الله من اجلها.

كما ان الاسراف بالمال والطعام يؤدي الى نتائج عكسية تفسد على الانسان متعته التي انعم الله عليه بها، وتنهكه ماديا فتزيد الضغوطات النفسية عليه ويحاصره الحسد وتلاحقه غيرة المحيطين. إن المبالغة بالاحتفالات وابتكار المناسبات بلا خلفية شرعية او اجتماعية  تؤدي هي الأخرى الى انهاك المشاعر واستهلاك العواطف في غير مكانها مما يجعل من الانسان فريسة سهلة للاكتئاب والامراض النفسية كما تزيد الاعباء المالية على العائلة وتغيير اولاياتها مما قد يفكك اوصراها ويضعف تماسكها.

فقد انتشرت في العقود الماضية القليلة وبشكل غير مسبوق ابتكار المناسبات الاحتفالية بلا ضوابط منطقية او اعراف تراثية، والمبالغة في الاحتفال بالمناسبات المستحقة فكان احتفال الاهل (بتخرج) اطفالهم من الحضانة احتفالا قد يوازي في تكاليفه و تفاصيله في بعض الاحيان ما كان يصرفه اجدادنا عند عقد القرآن. وكانت الاحتفالات باعياد الميلاد للكبار وللصغار وكأنها أعياد كبرى، وكان الاحتفال بتواريخ اخترعها اخرون مختلفون عنا  في ثقافتهم كعيد الام والاب والعازب وكان الاحتفال باعياد الاخرين من خلفيات لا صلة لها بعقيدتنا، بل وصل الأمر ببعض السفهاء للاحتفال بالانفصال عن شريك حياتهم، حتى تزاحمت الأعياد وكثرت الاحتفالات طيلة ايام العام  مما افقد الناس هيبة الفرحة وسلب منهم شوق انتظار الأعياد، وأفرح بالوقت نفسه الخبثاء من التجار وعرّابي هذه الاحتفالات .

ربما لا يعلم الكثيرون ان هناك علاقة طردية بين المبالغة غير المنطقية بالاحتفال بكل شئ، وبين ازدياد الشعور بعدها بالوحدة والانعزال الاجتماعي، وربما الاكتئاب والقلق. وانه إذا كان الفرح والاحتفال بتعقل ضرورة يحتاجها الانسان بشدة فان المبالغة بها تصبح مرضا اجتماعيا تنهك العباد وتفسد علاقاتهم فيما بينهم.

زر الذهاب إلى الأعلى