التعداد السكّاني في العراق: مطالبات ومخاوف لدى الأقليات… وتعهد حكومي بمعالجة الإشكاليات
بغداد ـ «القدس العربي» مشرق ريسان: في الوقت الذي تستنفر فيه الحكومة العراقية، لإجراء التعداد العام للسكّان يومي 20-21 من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، عقب مرور نحو 40 عاماً على آخر تعداد أجري في البلاد، بُغية الإفادة من نتائجه في التنّمية، طالب سياسيون ورجال دين مسيحيون، بإضافة فقرة «الانتماء القومي» ضمن الاستمارة الخاصة بالتعداد،
ودعا البطريرك الكلداني لويس روفائيل ساكو، المسيحيين إلى مشاركة واسعة في التعداد السكاني، مشيراً إلى أن 100 ألف مسيحي يقيمون في دول الجوار «كنا نتمنى أن يشملوا بالتعداد».
مشاركة فعالة
وجاء في بيان أورده إعلام البطريركية الكلدانية، أنه «مع اقتراب موعد التعداد العام لسكان العراق ولأهميته، يدعو البطريرك المسيحيين، إلى المشاركة الفعالة في هذا الواجب الوطني بالغ الأهمية».
وشدد على «التعاون مع الفريق المكلف للقيام بهذا المسح السكاني» مضيفاً: «كنا نتمنى أن يشمل هذا التعداد آلاف العراقيين (المقيمين) في بلدان الجوار ومن بينهم مائة ألف مسيحي، وإضافة فقرة عن الانتماء القومي» مشيرا إلى أن «التنوع قوة وليس اختلافاً».
ساكو، أعرب عن تطلعه إلى «الدقة والصدق والنزاهة من قبل الفريق المكلف بالتعداد والمواطنين في إعطاء معلومات صحيحة».
في الأثناء، وجهت 4 جهات سياسية كلدانية، رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ورئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، ووزيري التخطيط في العراق وإقليم كردستان، بإضافة فقرة خاصة بـ«الانتماء القومي» لأبناء الشعب المسيحي بعد خانة الديانة في استمارة التعداد السكاني.
وذكرت الجهات الموقعة على البيان، (الهيئة السياسية الكلدانية العليا، حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، حزب المجلس القومي الكلداني، الرابطة الكلدانية العالمية) في بيان صحافي خاطبت فيه الكلدانيين والمسيحيين في العراق والخارج قائلة: «يقبل شعبنا في بلاد الرافدين على تجربة ديمقراطية مهمة، ألا وهي التعداد السكاني الوطني الشامل بعد عقود خلت من هذه الممارسة الديمقراطية المهمة والتي من شأنها تأسيس قاعدة معلومات وبيانات حكومية رسمية، سترسم على أساسها السياسات الحكومية، وستتخذ على أثرها القرارات الاقتصادية والتنموية، وتوضع الخطط الاستراتيجية المستقبلية لخدمة الوطن في مختلف المجالات».
ووفق البيان، «نتائج هذا التعداد السكاني ستحدد مسارات القرارات الخاصة بتخصيص الميزانيات الخدمية والتعيينات الحكومية في المستقبل القريب، وايضاً سوف يعكس التعداد بنتيجته التركيبة الديمغرافية للعراق عموماً».
ودعا البيان «جميع أبناء شعبنا وأبناء وطننا للالتزام بالتعليمات الخاصة بالتعداد والتعاون الكامل مع لجان التعداد والدوائر الحكومية والأمنية المعنية، مع الأخذ بنظر الاعتبار المطالبات المهمة لهيئتنا السياسية الكلدانية العليا».
القوى السياسية الأربع قدّمت في بيانها، ثلاثة مطالب تتعلق بـ«إضافة خانة وفقرة خاصة بالانتماء القومي لأبناء شعبنا المسيحي بعد خانة الديانة، فبعد أن يقوم الموظف المختص باختيار خانة الديانة المسيحية تضاف خانة القوميات والهويات التاريخية والحضارية التي يتكون منها شعبنا المسيحي (الكلدان، الآشوريين، السريان، الارمن)».
ثلاثة مطالب
ووصف البيان هذا المطلب بأنه «عادل، ونتمنى أن يأخذ بنظر الاعتبار من قبل وزارة التخطيط العراقية والسلطات المختصة».
أما الطلب الثاني فتمثّل بـ«إيجاد آلية مستقبلية من أجل إجراء تعداد لأبناء شعبنا المسيحي المهجر من كلدان وسريان وآشوريين وأرمن، ومن أبناء المكونات الأخرى والذين تقدر أعدادهم بالملايين من الذين يقطنون خارج العراق، بسبب الاقتتال الداخلي وإرهاب القاعدة والمذابح، من سيفو مرورا بسميل وصوريا والانفال وحلبجة وصولاً إلى مذابح التي اقترفها داعش» حسب البيان.
ولفت إلى أن «أبناء شعبنا عراقيون ومن حقهم أن يتم تسجيلهم كمواطنين عراقيين في التعداد السكاني، وإلا لن تعكس النتيجة الكثافة السكانية الحقيقية لأبناء المكونات من مسيحيين وإيزيديين وغيرهم».
وأخيراً شددت القوى السياسية المسيحية على وجوب أن «لا تعتبر نتائج التعداد- بأي شكل من الأشكال- بديلاً عن تطبيق أي مواد دستورية كالمادة (125) والمادة (140) وغيرها، كما لا يجب أن تعتبر انعكاساً ديموغرافياً لمناطق تواجد شعبنا التاريخية في سهل نينوى بسبب تعرض غالبيتهم للتهجير بعد عام 2003 والأحداث المؤلمة التي ألمت به بعد ذلك».
وأكد البيان أن «الحقيقة يعكسها تعداد في الواقع يكون فيه قد تم إلغاء التغيير الديموغرافي وتأثيرات المذابح وسياسات الأنظمة الدكتاتورية القمعية، وإرجاع الواقع إلى أصله كما كان في تعداد 1957 والذي يعتبر أكثر واقعية من غيره».
ودعا البيان السوداني، وبارزاني، ووزير التخطيط العراقي محمد علي تميم، ووزير التخطيط في إقليم كردستان دارا رشيد، المعنيين بهذه التجربة الديمقراطية المصيرية «لإنصاف أبناء شعبنا المسيحي من كلدان وسريان وآشوريين وأرمن جنباً إلى جنب مع جميع المكونات التي يتشكل منها فسيفساء وطننا العريق». وسبق أن طمأن السوداني المواطنين عندما أكّد أنَّ التعداد العامّ للسكّان والمساكن، ستنتج عنه «بياناتٌ أساسيَّة تُوظّف في وضع الخطط التنمويَّة حصراً».
تركمانياً، قال آيدن معروف، وزير شؤون المكونات العرقية والدينية في حكومة إقليم كردستان إن التعداد السكاني العام المرتقب في البلاد لا ينبغي أن يستخدم لأغراض سياسية في المستقبل.
وأشار معروف، وهو أيضا عضو الهيئة التنفيذية للجبهة التركمانية العراقية، إلى أن التعداد مهم لجميع العراقيين لا سيما التركمان.
وقال إن التعداد سيُتخذ أساسا للمشاريع والموازنة وعدد مقاعد مجلس النواب العراقي وعدد مقاعد مجالس المحافظات في العراق.
وذكر أنه تم حذف مادة العرق والدين من التعداد، لافتا إلى أن العراق حاليا غير مؤهل لتعداد على أساس العرق والدين.
ودعا كافة العراقيين لا سيما التركمان خاصة في كركوك للمشاركة في هذا التعداد.
وقال: «في الماضي، كان التركمان والمجموعات العرقية لا يثقون بالتعدادات السكانية لأن الأطراف المعنية في العراق كانت تستخدم هذه التعدادات دائما لمصالحها الخاصة».
وأضاف: «لا ينبغي استخدام هذا التعداد لأغراض سياسية في المستقبل. يجب إجراء هذا التعداد من أجل الشعب العراقي وتنمية البلاد».
والسبت، حذر النائب عن الجبهة التركمانية في البرلمان العراقي أرشد الصالحي، من محاولات تغيير ديمغرافي في محافظة كركوك قبل بدء التعداد السكاني المزمع في البلاد بعد أيام، وأبدى مخاوفه من تسجيل المجموعات السكانية التي تم توطينها لاحقا، في إحصاء كركوك، معتبرا ذلك تهديدا للهوية التركمانية للمدينة.
وقبل أسبوع، حذر وزير التخطيط في إقليم كردستان دارا رشيد من تسييس عملية التعداد السكاني. وبدأت المخاوف من تغيير التوازنات الديموغرافية في الإقليم بعد قرار التخلي عن حقل القومية في التعداد، ما يتيح تسجيل وافدين إلى الإقليم على أنهم سكان أصليون، وخاصة في المناطق مثار الخلاف مثل كركوك وحلبجة وديالى، بالإضافة إلى سنجار غرب الموصل حيث تباطأت الحكومة في إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية. في المقابل، أشار المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، إلى حزمة من القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء لـ«تبديد مخاوف» مختلف الأطراف، ومعالجة كل الإشكاليات.
كما أشار إلى «الإجراءات الفنية والعملية التي اتخذت من قبل وزارة التخطيط ونظيرتها وزارة التخطيط وهيئة الإحصاء في إقليم كردستان.
وأردف: «حرصنا على تجسيد المواطنة العراقية في أسئلة التعداد وابتعدنا عن أي إشكالات قد تسبب بعض المطبات للعمل حرصاً على تنفيذه» منوّهاً إلى أن «جميع الأطراف السياسية تدرك الأهمية الاستثنائية الكبيرة للتعداد».
واعتبر أن «أهم القرارات هو الفصل بين الإحصاء الوارد في المادة 140 (المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل) والتعداد العام للسكان، كما نص قرار المحكمة الاتحادية رقم 73 لعام 2010» مشدداً على أن التعداد «لا علاقة له بالمادة 140 ولا يمثل أساساً لتنفيذها».
كما ذكّر بقرار إعلان «تأجيل النتائج» في المناطق المتنازع عليها لحين «تدقيقها ومقاطعتها مع بيانات البطاقة التموينية لوزارة التجارة والهجرة والمهجرين فيما يتعلق بالنزوح والترحيل وبيانات وزارة الداخلية وفقاً لتعداد 1957». ولفت إلى أن أربع ديانات ذكرت في استمارة التعداد، هي: «الإسلام والمسيحية والصابئة والإيزيدية» مشيراً إلى أنه «بإمكان الشخص أن يذكر أي ديانة أخرى خامسة إذا كان راغباً في ذلك». وأعلنت اللجنة الأمنية العليا، في بيان مقتضب أمس، عن حالة الإنذار القصوى (ج) لجميع القطعات الأمنية، خلال يومي حظر تجوال الخاص بإجراء التعداد السكاني.
وفيما يتعلق بآلية إجراء التعداد للنازحين ـ الإيزيديين خصوصاً ـ في مخيمات إقليم كردستان العراق، أفاد رئيس الكتلة الإيزيدية في مجلس النواب العراقي، نايف خلف سيدو، أن الإيزيديين في مخيمات إقليم كردستان «يحتسبون على مناطقهم الأصلية وليس أماكن تواجدهم الحالية».
سيدو قال في مؤتمر صحافي مشترك مع المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، في مجلس النواب، أمس الإثنين، إن «الوزارة أكدت لهم أن العملية تجري بأعلى معايير السرية، ولا يتعلق التعداد بأي شكل بقطع رواتب شبكة الرعاية الاجتماعية أو الامتيازات الأخرى، بل يهدف إلى تحقيق العدالة وضمان حقوق جميع المكونات».
وذكّر بقرار المحكمة الاتحادية الذي نص على وجوب زيادة مقاعد كوتا الإيزيديين «بعد إجراء عملية التعداد السكاني» مشيراً إلى أن «هذا الأمر يجعل من المشاركة أمراً مصيرياً يحدد مستقبلنا في العملية السياسية وكذلك تمثيلنا البرلماني في المرحلة المقبلة».
في هذا السياق، دعا الإيزيديين إلى «المشاركة الفاعلة في التعداد، لأنهم مسؤولون أمام الأجيال القادمة وكذلك عن الحقوق السياسية والبرلمانية» ورأى أن هذه المشاركة «من شأنها إحباط آمال الجهات التي تحاول الهيمنة والسيطرة على القرار الوطني الإيزيدي».
سؤال في عريضة التعداد عن «الثلاجة» يثير جدلاً في العراق
يترقب العراقيون إجراء تعداد عامٍ للسكّان من المقرر إجراؤه نهاية الاسبوع الجاري، بعد غياب دام 37 عاماً عن آخر تعداد جرى عام 1987 شمل عموم محافظات البلاد، من بينها إقليم كردستان، غير أن بعض الأسئلة المتعلقة بـ«المقتنيات المنزلية» والأجهزة الكهربائية والإلكترونية، أثارت جدلاً واسعاً بشأن مدى الإفادة منها «تنموياً».
وحسب وزارة التخطيط العراقية، فإن التعداد السكاني 2024 سيشمل إحصاء 18 مادة منزلية، منها (السيارة، الثلاجة، مكيف الهواء والتلفاز) وغيرها.
واعتبرت أن «عمليات الترقيم والحصر» التي بدأت في الأول من أيلول/ سبتمبر الماضي من المتوقع أن تنتهي قبل نهاية الشهر الجاري، مما سيوفر بيانات شاملة حول الوضع المعيشي للأسر العراقية.
وتتألف استمارة التعداد «الإلكترونية» من 12 صفحة، تضم معلومات تعريفية عن المنطقة ونوع السكن، إضافة إلى معلومات أخرى عن السكّان وأعمارهم وصلة القرابة وحالتهم الصحية وتحصيلهم الدراسي وعملهم وغيرها.
لكن، المعلومات الواردة في الصفحة الأخيرة من قائمة التعداد، هي التي يدور حولها الجدل، كونها تضم أسئلة للأشخاص مدرجة تحت بنّد «السلع المعمّرة» تتعلق بامتلاكهم أم لا (سيارة، دراجة نارية، ثلاجة، براد ماء، مبردة، مجمدة، غسالة ملابس، سخان ماء، مكيف هواء، مولدة كهربائية، تلفاز، مكنسة كهربائية، حاسبة شخصية، أجهزة لوحية، هاتف ذكي، منظومة إنترنت منزلية، غسالة صحون، منظومة تصفية مياه كهربائية).
وسرعان ما تساءل المدوّنون وصفحات على منصّات التواصل الاجتماعي «بتهكّم» عن الحاجة لمثل هذه الأسئلة، ومدى الجدوى من إدراجها ضمن قائمة التعداد العام.
ويخشى العراقيون من استعانة الحكومة بهذه المعلومات، في قطع المعونات المالية عن المسجلين ضمن شبكة الرعاية الاجتماعية، فيما يقول آخرون أن الهدف من ذلك هو فرض ضرائب جديدة على العراقيين. ويقول «الراصد صلاح النصراوي العبادي» في صفحته على «فيسبوك» إن «التعداد السكاني سيشمل المواد المنزلية منها الثلاجة والمبردة والغسالة والسخان والتلفاز والمولد والمجمدة» متسائلاً باللهجة المحلّية: «عندي قفص بلابل (طيور) وكناري هم (كذلك) محسوبات على التعداد السكاني؟».
وأضاف: «كل ما هو في البيت والبيت نفسه هو حق شخصي من حر مالي الخاص، والدولة لا دخل لها بهذا الشيء، ولا يوجد نص قانوني يتيح لهم معرفة ممتلكاتي الشخصية، أما ممتلكاتي العقارية إن وجدت، فهي مسجلة في السجل العقاري».
في حين، كتب الحقوقي مسلم عقيل الربيعي، يقول: «بصراحة دائماً كنا نتساءل لماذا لا يتم إحصاء المواطنين من خلال البطاقة الوطنية أو من خلال بطاقة الحصة التموينية أو من خلال المختارية، بجمع ومطابقة القوائم، وكنا نفرح دائماً عندما نسمع بالتعداد السكاني والذي من الممكن أن ينصف محافظتنا من حيث التزايد الهائل في أعداد الوافدين والمهجرين اليها، وحصة المحافظة من تمويل المشاريع اللازمة للبنى التحتية وأزمة السكن الحادة وغلاء المعيشة وتدني الأجور وكثرة البطالة وعدم تطابق موازنتها مع حصة الفرد من الخدمات».
وأضاف: «لكن يبدو أن التعداد السكاني أخذ منحى آخر ليصب في خدمة استيفاء الضرائب وأجور استهلاك الطاقة وغيرها من الأمور إن لم أكن مخطأً» مستدركاً بالقول: «لذا دعونا نتساءل لنقارن حجم الثلاجة والسخان ونوع السيارة وموديلها والغسالة والمكيف، إضافة الى ما تحتويه القائمة من حجم وجودة وكفاءة وتأريخ صنع، نقارن كل ذلك مع ما يمتلكه أبسط الساسة».
المصدر : جريدة (القدس العربي) لندن