المسيحيون في العراق يطالبون بإبعاد الميليشيات عن مناطقهم في نينوى
أهالي نينوى بمن فيهم المسيحيون يدركون أنّ حضور الميليشيات في محافظتهم يجعلها في قلب التوتّرات وعرضة لتهديد دائم بتفجّر صراعات دامية.

جزء من هوية العراق مهدد بالزوال
المسيحيون في العراق يطالبون بإبعاد الميليشيات عن مناطقهم في نينوى
أهالي نينوى بمن فيهم المسيحيون يدركون أنّ حضور الميليشيات في محافظتهم يجعلها في قلب التوتّرات وعرضة لتهديد دائم بتفجّر صراعات دامية.
الموصل (العراق) – جدّد ممثلو المكون المسيحي في عدد من مناطق محافظة نينوى بشمال العراق مطالبتهم بإبعاد الميليشيات عن مناطقهم، نظرا لما تمثّله من عبء على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني في تلك المناطق التي ماتزال تعاني تبعات مرحلة احتلالها والسيطرة عليها من قبل تنظيم داعش المتشدّد رغم مضي ثماني سنوات على هزيمته واستعادة مناطق نينوى وغيرها من المناطق الأخرى من سيطرة مقاتليه.
وأتاحت حرب داعش لعدد من الميليشيات الشيعية في أغلبها من دخول المحافظة للمشاركة في مواجهة التنظيم لكنها رغم نهاية الحرب تشبثت بمواقعها هناك وفرضت مشاركتها في ضبط الوضع الأمني بل تسربت إلى نسيج المؤسسات المدنية من خلال حضورها في الحكومة المحلية، بل فرضت نفسها طرفا مهيمنا على المشهد الاقتصادي من خلال مكاتبها الاقتصادية التي تقوم من خلالها بإدارة المشاريع التجارية ومشاريع إعادة الإعمار.
ووجه المسيحيون من الكلدان والأشوريين والسريان والأرمن في نينوى مذكرة رسمية إلى كل من رئيس مجلس النواب العراقي ونائبيه ورئيس المحكمة الاتحادية وأعضاء المحكمة ورئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي وأعضاء اللجنة ورؤساء الكتل النيابية وأعضاء مجلس النواب ورئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وأعضاء مجلس المفوضين، ضمنوها جملة من مطالبهم.
وجاء في مقدمة تلك المطالب مطلب إخراج الميليشيات من مناطق المسيحيين في نينوى، حيث ورد في المذكرة الموقّعة من قبل رئاسة المجلس السياسي للتحالف المسيحي وحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني وحزب المجلس القومي الكلداني وحزب حركة تجمع السريان والرابطة الكلدانية العالمية والهيئة الإدارية لشؤون طائفة الأرمن الأرثودكس والجمعية الأرمنية، أنّه بات من الضروري “سحب الميليشيات المسلحة من قرى ومدن أبناء شعبنا في سهل نينوى وإسناد الملف الأمني لأبناء المكون المسيحي-الإيزيدي من سكان سهل نينوى الأصليين من خلال المؤسسات العسكرية والأمنية المنصوص عليها في الدستور العراقي لضمان حماية مناطقنا من استغلال الميليشيات المنفلتة والتدخلات السافرة في شؤون أبناء شعبنا.”
وينظر لحضور الميليشيات في نينوى بما في ذلك ميليشيا بابليون المسيحية بقيادة ريان الكلداني المتحالف مع زعماء الميليشيات الشيعية الموالية لإيران والمستهدف بعقوبات أميركية باعتبارها عاملا لعرقلة بسط الاستقرار في المحافظة وتعطيل استكمال عملية الإعمار وطي صفحة الدمار الهائل الذي خلفته الحرب على داعش في مختلف المرافق والمنشآت العمومية والخاصّة.
وفي يونيو 2014 فوجئ سكّان نينوى ومركزها الموصل المدينة الكبيرة المتعدّدة عرقيا ودينيا وذات العمق التاريخي، بعناصر تنظيم داعش يغزون مدينتهم ويسيطرون عليها بكثير من السهولة بعد أن عبروا المناطق المؤدية إليها والتي تفصلها عن الحدود مع سوريا في ظل انهيار صادم للقوات العراقية أرجعه خبراء الشؤون الأمنية والعسكرية إلى حالة الضعف الشديد التي طالت تلك القوات في فترة حكم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالي والتي تسرّب خلالها فساد كبير إلى مؤسسات الدولة بما في ذلك مؤسساتها الأمنية التي عانت أيضا تسرّب الاعتبارات الطائفية والحزبية إلى صفوفها عندما أصبحت تلك الاعتبارات متحكمة في اختيار منتسبيها وتعيين قادتها على حساب معيار المهنية والكفاءة الأمر الذي أفقد سكان الكثير من المناطق الثقة في قوات الجيش والشرطة، بل دفع بعض الناقمين منهم إلى التعاون ضدّها مع التنظيمات المتشدّدة.
وساهم المقاتلون الشيعية المعبّأون طائفيا بفاعلية كبيرة في مواجهة داعش وهزيمته، لكنّهم رفضوا بعد ذلك مغادرة المناطق السنيّة التي دخلوها بمناسبة الحرب وتمسّكوا بمواقعهم الإستراتيجية في المحور الرابط بين الموصل والحدود السورية رغبة في تأمين ممر بين العراق وسوريا كانت إيران قبل سقوط نظام بشار الأسد تستخدمه في تنقل ميليشياتها بين البلدين وفي إمداد تلك الميليشيات بالسلاح.
ويدرك أهالي نينوى بمن فيهم المسيحيون أنّ حضور الميليشيات في محافظتهم يجعلها في قلب التوتّرات وعرضة لتهديد دائم بتفجّر صراعات دامية.
وقالت الأطراف الموقعة على المذكرة “إن أبناء المكون المسيحي في بلاد الرافدين يشكلون أحد أقدم وأعرق المكونات الحضارية القومية والدينية في هذا الوطن، وقد أسهموا عبر التاريخ في بناء الحضارة الرافدينية التي كان لها أثر بارز على السيرة الإنسانية في مختلف بقاع الأرض.”
ومع ذلك، يضيف أصحاب المذكرة، “فقد تعرض هذا المكون الأصيل إلى سلسلة من المجازر والإبادات الجماعية في التاريخ الحديث، كان آخرها ما اقترفته التنظيمات الإرهابية كتنظيم القاعدة وداعش، إضافة إلى العصابات المسلحة والميليشيات المنفلتة، مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة وهجرة أعداد أكبر إلى خارج الوطن، الأمر الذي يهدد الوجود التاريخي لهذا المكون في العراق.”
وورد أيضا في المذكرة التي طالبت بعدد من الحقوق السياسية والمدنية قول أصحابها “رفعنا مطالبنا العادلة مرارا إلى القيادات العراقية.. واليوم نعيد طرح هذه المطالب عليكم مرة أخرى، إيمانا منا بضرورة الحفاظ على التنوع الديني والقومي، وتعزيز قيم العيش المشترك والسلم الأهلي وترسيخ مبادئ الديمقراطية والحريات الدينية في العراق، وذلك انسجاما مع الدستور العراقي الدائم والاتفاقيات الدولية التي يلتزم بها العراق كعضو في الأمم المتحدة.”
ومن بين المطالب التي تضمنتها مذكرة المكونات المسيحية “تشريع قانون خاص بالأحوال الشخصية لأبناء المكونات الدينية غير المسلمة بما في ذلك المسيحيون والإيزيديون والصابئة المندائيون بالتشاور مع المرجعيات الدينية ورؤساء الكنائس وبما يراعي التعاليم الدينية لكل مكون لضمان حقوقهم وضمانا لاستقلاليتهم في شؤونهم الدينية.”
وتم مؤخّرا في العراق إقرار تعديل على قانون الأحوال الشخصية بناء على مقترح قوى دينية حرصت عن تضمين ما اعتبرته ملاءمة للقانون مع الشريعة الإسلامية، فيما تعرّض التعديل لانتقادات حادّة باعتباره نكوصا كبيرا وتراجعا عن حقوق المرأة بما في ذلك إرغامها على الزواج في سن مبكّرة.
كما حمل التعديل تجاوزا على حقوق المسيحيين الذين أصبحوا يطالبون بقانون أحوال شخصية خاص بهم يتلاءم مع معتقداتهم وتعاليم دينهم.
المصدر : جريدة (العرب) لندن