انتهى الدرس يا غبي بانة القاسم

انتهى الدرس يا غبي
بانة القاسم
من زمان كنا نلعب لعبة طفولية اسمها فين عروستي، حيث يقوم احد الاطفال باخفاء لعبة معينة وخلال مدة زمنية محددة يتوجب على الباقين البحث عن اللعبة وإحضارها. وكلما كان الطفل ماهرا في اخفاء اللعبة تكمن صعوبة ايجادها. ما أجمل الزمن عندما يعاود دوراته ليكبر فيه الأطفال وتصبح الألعاب رهائن ويصبح الزمن المحدد هو مقياس إيجاد هذه الرهائن ولكن …. بشروط قاسية جدا.
كبر الأطفال وتعلموا أن يخفوا اللعبة في مكان يستحيل الوصول اليه، وكان الرهان على تتمة اللعبة الدموية هو الانتصار. لم يكن الاطفال هذه المرة يلعبون مع أشباههم بل كانوا يجابهون أعداء بأرواح شياطين، ففي سبيل إيجاد اللعبة دمروا كل ما طالته أيديهم من حجر وشجر وحيوان وكائن حي. قتلوا البشر بالآلاف ودمروا المساكن على أهلها. وبعد أن عجزت اسرائيل في العثور على الرهائن (اللعبة)، وبعدما تسلمت فرق الصليب الأحمر الأسيرات الاسرائيليات الثلاث بموجب الاتفاق بين اسرائيل وحماس على صفقة تبادل الأسرى بين كلا الطرفين، ذكرت وسائل اعلامهم أن المحتجزين كانوا في المنطقة الشمالية لمحور نتساريم أي المنطقة التي تسيطر عليها القوات الاسرائيلية منذ اكثر من سنة حيث أقامت فيها مواقع عسكرية وتجهيزات لوجستية واستخدمتها كمنطقة عسكرية لانطلاق عملياتها العدوانية ضد غزة وأهلها وضد الشباب الأبطال الذين أعجزوها بإمكانياتهم البسيطة وإرادتهم الحرة في النيل من عزيمتهم أو العثور على محتجزيهم.
انتهت اللعبة يا أغبياء. كان الأسرى بين أيديكم ولكن الله أعمى أعينكم كما أعمى قلوبكم. والانتصار اليوم لمن صبر في معركة عض الأصابع، رغم كل الدمار المحيط والإنسان المحطم الذي فقد أهله وبيته ومصدر رزقه بات على العالم أن يعلن النتيجة في نهاية الجولة ويقدم الكأس للبطل الصامد على أرضه.
وعلى هامش قصص الربح والخسارة، هناك شعب كامل بدأ اليوم بالعودة الى الحياة بعد طقس موت يومي سحب منه أحبته فردًا فردًا يومًا بعد يوم. هذا الشعب عمر خيمته وزرع طعامه وحاول تضميد جراحه تحت وطأة أصوات الرصاص والقنابل والزنانات اليومية. هناك شعب يستقبل يومه القادم بأمل سلام لا يكون مؤقتا على هوى عدوّه وعلى مزاج قتلته. أتابع على وسائل التواصل الاجتماعي كيف تعود العوائل الغزاوية الى دورها وهم حفاة عراة إلا من الأمل ببعض بناء يستر أيامه القادمة وبعض عفش وسقف ينسيهم ذل الخيمة وغدرها يوم تمطر السماء …أفرح معهم عندما يجدون بيوتهم وينعصر قلبي عندما لا تستقبلهم إلا أطلال مكان كان اسمه بيتهم. وبين خيبة وفرحة مؤقته يعود الغزاوي ليبدأ حياة قاسية بالكثير من الألم والكرامة.
صحفية وكاتبة من اسرة جريدة (البلاد) لندن اونتاريو