تراجع الدبلوماسية أمام القوة العسكرية في الشرق الأوسط
واشنطن – “القدس” دوت كوم – سعيد عريقات
ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، اليوم الأحد، أن الفرصة الأخيرة الأفضل للتوصل إلى خطة سلام بين إسرائيل والفلسطينيين كانت في عام 2008، عندما كان رئيس وزراء إسرائيل آنذاك إيهود أولمرت مستعداً للتنازل عن أراض في الضفة الغربية، والسماح لبعض اللاجئين باستعادة أراضيهم، بل وحتى التنازل عن السيطرة على البلدة القديمة في القدس للجنة دولية كجزء من الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة.
ثم انهارت الصفقة المحتملة، لأسباب لا يزال أولمرت يجد صعوبة في تفسيرها. وقال في مقابلة حول محادثاته الفاشلة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس: “كان هذا شيئاً من شأنه أن يغير الشرق الأوسط. لم يكن مستعداً للمجازفة”.
من جانبه، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنه لم يُمنح الفرصة المناسبة لفحص الخريطة المقترحة للضفة الغربية وطلب المزيد من الوقت. وبعد أيام، استقال أولمرت تحت سحابة من اتهامات الفساد، وماتت الصفقة.
لا أحد في إسرائيل اليوم يفكر في مثل هذه المحادثات السلمية، وسط مخاوف من أن الدولة الفلسطينية ذات السيادة ستجد أن من الأسهل شن هجوم آخر مثل الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول الماضي، والذي أسفر عن مقتل 1200، منهم 311 جنديا، “وإشعال فتيل الحرب في غزة” بحسب الصحيفة.
ويشير تحليل الصحيفة إلى “تراجع الدبلوماسية أمام القوة العسكرية، في تحول في إسرائيل يعكس سنوات من انعدام الثقة والصفقات الفاشلة، مثل الجهود الفاشلة في عام 2008، والتي عززت الاعتقاد بين الخصوم بأن أياً من الجانبين لن يتفاوض بحسن نية. ويشك المسؤولون والخبراء في أن هذه المواقف سوف تنعكس في أي وقت قريب”.
“ومن بين الدول الديمقراطية، من المتفق عليه على نطاق واسع أن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها من ما يسمى بحلقة النار التي تواجهها من إيران ومقاتليها بالوكالة في لبنان والعراق وسوريا واليمن الذين يريدون تدمير إسرائيل” وفق إدعاء الصحيفة.
ولكن انفجارات أجهزة النداء (بيجرز) واللاسلكي (ووكي توكي) القاتلة التي وقعت الأسبوع الماضي ضد عناصر حزب الله في لبنان بينهم أعداد كبيرة من المدنيين ــ والتي أعقبتها الضربة التي شنت يوم الجمعة في بيروت واستهدفت قائداً كبيراً لحزب الله وأسفرت عن مقتل 45 شخصاً على الأقل، ولا يزال العديد في عداد المفقودين ــ أثارت المخاوف من أن إسرائيل، مع استمرار الحرب في غزة، تبتعد عن مفاوضات وقف إطلاق النار لتحرير الرهائن لصالح العمل العسكري الذي قد يشعل حرباً إقليمية أوسع نطاقاً.
وتنسب “نيويورك تايمز” إلى إفرات رايتن ماروم، العضو اليسارية في البرلمان الإسرائيلي، قولها في مقابلة يوم الأربعاء: “المسار الصحيح والخطوات الصحيحة هي بالتأكيد إبرام صفقة الرهائن، أولاً وقبل كل شيء، ولا شيء آخر. يتعين علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لإعادتهم إلى ديارهم الآن”.
ابنها، وهو جندي، منتشر على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، حيث ينتظر أكثر من 60 ألف مقيم إسرائيلي العودة إلى ديارهم بعد مغادرتهم العام الماضي عندما بدأ حزب الله قصف المنطقة احتجاجاً على الحرب في غزة.
وقالت رايتن ماروم: “يتعين علينا أن نتعامل مع الشمال لأن حزب الله موجود هناك”. ولكن “كانت هناك خطة وإستراتيجية لإنهاء الحرب في قطاع غزة، أولاً وقبل كل شيء، ثم التعامل مع الشمال”.
وقالت إن الدبلوماسية لم تعد تبدو أولوية، في ظل السياسات العدائية المتزايدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقالت رايتن ماروم: “أعتقد أن هذا يعكس رأي هذه الحكومة وسياستها بشكل عام. لقد اختار نتنياهو، مع شركائه المتطرفين في الائتلاف، هذا المسار وما زالوا يختارونه”.
ولم يستجب مكتب نتنياهو لطلب التعليق الأسبوع الماضي. وفي يوم الأربعاء، رداً على تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية، قال مكتبه إنه ينفي بشدة “الادعاء بأنه نسف أي صفقة على الإطلاق بسبب اعتبارات سياسية”.
ومع ذلك، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت قبل بضع ساعات أن “مركز الثقل يتحرك شمالاً”، في إشارة إلى التركيز الجديد على حزب الله.
لقد أسفرت الهجمات المتطورة في لبنان يومي الثلاثاء والأربعاء عن مقتل العشرات من الأشخاص – من عناصر حزب الله، ولكن أيضًا العديد من المدنيين، بما في ذلك الأطفال. وأدت الانفجارات إلى إصابة الآلاف، ونشر الذعر في جميع أنحاء لبنان، وأثارت مخاوف دولية من أن إسرائيل قد تخاطر بتصعيد التوترات في المنطقة. وفي أعقاب تلك الهجمات والضربة التي وقعت يوم الجمعة، رد حزب الله يوم الأحد بوابل من الصواريخ التي توغلت في عمق الأراضي الإسرائيلية أكثر من معظم هجماته السابقة. وقال جوزيب بوريل فونتيليس، كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، في بيان يوم الأربعاء: “أعتبر هذا الوضع مقلقًا للغاية”. ودعا “جميع أصحاب المصلحة إلى تجنب حرب شاملة، والتي سيكون لها عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها وخارجها”.
المصدر : جريدة (القدس) الفلسطينية