تمرد فلول الأسد في معقل العلويين: دور خفي لإيران وحزب الله
الأتراك استبقوا التصعيد بالاحتجاج على النشاط الإيراني في سوريا.

اختبار صعب على الإدارة الجديدة
دمشق – خاضت قوات الأمن السورية الجمعة معارك لليوم الثاني على التوالي لإخماد تمرد ناشئ في معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد. ويثير الهجوم المدروس والمنظم بشكل كبير تساؤلات حول وجود جهات خارجية على الأرض لإسناد تحرك فلول الأسد، وأي دور لإيران وحزب الله في ذلك.
ويجد البحث عن دور إيران وراء هذا التمرد، الذي تم إفشاله، مبرره في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قبل أيام واحتج فيها على الدور الإيراني، ما يكشف أن الاستخبارات التركية كانت على علم مسبق بوجود مثل هذا التحرك.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان في حسابه على منصة إكس إن العملية كانت منظمة بشكل كبير، “ما يدل على وقوف جهة ما خلفها، قد يكون حزب الله عمل على تسهيل مرور السلاح، وربما طرف آخر، لكن هناك من يساند هذه المجموعات.”
ويرى متابعون للشأن السوري أن الهجوم يأتي ضمن مناخ من التحريض السياسي والإعلامي في إيران ضد التغيير الذي حدث في سوريا، وفي ظل تصريحات رسمية تتحدث عن ردّ فعل من “شرفاء سوريا”، كما جاء في كلمة للمرشد الأعلى علي خامنئي في ديسمبر الماضي حين قال “أتوقع أن يشهد المستقبل ظهور مجموعة شريفة وقوية في سوريا أيضًا.”
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال في حديثه عن مآلات الوضع في سوريا إن “من يعتقدون حاليا بتحقيق انتصارات مؤكدة، لا ينبغي لهم أن يفرحوا قبل الأوان.”
ووصفت أغلب وسائل الإعلام الإيرانية، خاصة المرتبطة بالحرس الثوري، القوات الحكومية السورية بـ”عناصر الجولاني”، وفلول الأسد بـ”قوات المقاومة”، ضمن تغطية تبشر بتغيير الوضع لصالح حلفاء إيران.
ويدعم التلميح باستمرار إلى تغيير الوضع في سوريا، بما يعيد إلى إيران نفوذها هناك، اتهامها بالوقوف -إما بشكل مباشر أو عبر ميليشيات حليفة لها في سوريا- وراء الاحتجاجات، وهي اتهامات يرددها على نطاق واسع نشطاء داعمون للإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
كما يتهم النشطاء حزب الله بتأمين تهريب السلاح إلى فلول الأسد المتمركزة في المناطق العلوية عبر شبكات التهريب التي أقامها منذ سنوات طويلة قبل تدخله المباشر لإسناد قوات الأسد ومواجهة الجماعات المسلحة المعارضة.
وجندت الحكومة في عهد الأسد أعدادا كبيرة من الطائفة العلوية في أجهزة الأمن والجهاز الإداري في الدولة، والكثير منهم رفض تسليم السلاح إلى الإدارة الجديدة في ظل مخاوف من المحاسبة وخاصة من الاستهداف الطائفي للعلويين. ويقول ناشطون علويون إن الطائفة تعرضت للعنف والهجمات منذ سقوط الأسد وخاصة في ريف حمص واللاذقية.
وألقى بيان صادر عن مجموعة من رجال الدين العلويين، من المجلس الإسلامي العلوي، باللوم في أعمال العنف على الحكومة، قائلا إن قوافل عسكرية أرسلت إلى الساحل بحجة مواجهة فلول النظام “لترهيب وقتل” السوريين. ودعا إلى وضع المنطقة الساحلية تحت حماية الأمم المتحدة.
ونأت إيران بنفسها عن التصعيد، ونقلت وسائل إعلام محلية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي قوله إن “إيران، إذ تذكّر بمسؤولية الحكومة المؤقتة عن ضمان أمن جميع المواطنين السوريين، تعارض بشدة انعدام الأمن والعنف وقتل وإيذاء السوريين الأبرياء من كل جماعة وعشيرة، وترى في ذلك حافزا لعدم الاستقرار الإقليمي.”
لكن مراقبين يرون أن الأمر لا يقف عند خطاب الانتقام المتبادل بين أنصار الإدارة الجديدة وفلول الأسد، وإنما يرتبط أيضا بالصراع التركي – الإيراني غير المعلن على سوريا، وهو ما نجحت أنقرة وطهران في إخفائه منذ تدخل إيران في صف الأسد ودعم تركيا المباشر للمعارضين وتدريبهم وتسليحهم، وأن ما يجري فيه مسعى من طهران للرد على أنقرة التي كانت وراء سقوط الأسد وخسارة الإيرانيين لنفوذهم.
وظهرت أولى مؤشرات الانزعاج التركي في التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية التركي، حيث قال الأسبوع الماضي في مقابلة تلفزيونية إن السياسة الخارجية الإيرانية المعتمدة على الفصائل المسلحة “خطيرة” ويجب تغييرها.
وأضاف “إذا كنت تحاول إثارة التوتر في دولة ثالثة، تستطيع دول أخرى أن تزعجك أيضا عن طريق دعم جماعات في بلدك،” في تلميح إلى أن أنقرة يمكن أن ترد على تحريك إيران ميليشيات حليفة في سوريا بتحريك أنشطة ضدها.
وتشهد محافظة اللاذقية توترات أمنية منذ أيام، لكن الاشتباكات بدأت الخميس في قرية بيت عانا، بعدما منعت مجموعة من الأهالي بالقوة قوات الأمن من توقيف مطلوب بتهمة تجارة السلاح، وفق المرصد السوري، وكذلك في مدينة جبلة حيث هاجم مسلحون موالون للأسد ليل الخميس رتلا لقوات الأمن، موقعين قتلى، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة، وترسل الإدارة الجديدة تعزيزات كبيرة.
وخاضت قوات الأمن اشتباكات في القرية مع مسلحين تابعين للعقيد السابق في الجيش السوري خلال حقبة الأسد سهيل الحسن، الملقب بـ”النمر”، والذي كان يلاقي تأييدا كبيرا من أوساط الموالين للأسد ويعد من أبرز قادته العسكريين.
وقال مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي ليل الخميس “ضمن هجوم مدروس ومعد مسبقا، هاجمت مجموعات عدة من فلول ميليشيات الأسد نقاطنا وحواجزنا، واستهدفت العديد من دورياتنا في منطقة جبلة وريفها، ما نتج عنه سقوط العديد من الشهداء والمصابين في صفوف قواتنا،” من دون تحديد العدد.
وشهدت مدينة اللاذقية التي تقطنها غالبية علوية، في الأيام الأولى بعد الإطاحة بالأسد، توترات أمنية كانت قد تراجعت حدتها في الآونة الأخيرة.
المصدر : جريدة (العرب) لندن