مقالات رأي

توازنات دقيقة لا تحتمل الخطأ ….!  ضرغام الدباغ / برلين

المنطقة (شرقي المتوسط) تمر في حالة التهاب صراعات مسلحة، تجاوزت مرحلة ومستوى النزاعات والاشتباكات الحدودية، إلى مرحلة الصراع العسكري الواسع النطاق، وبالطبع غاية الصراع العسكري / الحرب، هو أعادة توزيع مواقع النفوذ، ودرجة تأثيراتها على التوازنات الاقليمية.

وتؤشر طبيعة الصراعات إلى وجود تحالف ثلاثي: الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، وتحت هذا التحالف العريض دارت، وتدور علاقات بينية/ جانبية، بين الأطراف. ونشهد حالياً تداعياتها. أي بعبارة أدق النتائج العملية للمختبر الواقعي لسير الاحداث. فالعلاقة بين كل طرف مع الأطراف الأخرى تحددها مصالح، متفق عليها في الإطار العام، فالولايات المتحدة بوصفها الراعي الأكبر للتحالف الذي يهدف إلى تأمين المصالح الغربية والتي تواجه احتمالات كبيرة على مسرح العلاقات الدولية وتطورها الوشيك.

في المنطقة بوجه عوامل التغير السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وتلتحم إسرائيل مع المصالح الغربية، بقوة، في حين أن مصالح الغرب وإن تلقي مع الفرس / الملالي في موضوعات جوهرية، إلا أنهما الطرفان (إسرائيل وإيران) ليسوا بأمم، بل تجمع شعوب، تتسلط عليهم، حركات سياسية (الصهيونية) / دينية (ولاية الفقيه) تعتمد التلفيق في دمج مفردات الفكر الديني في السياسة، وتصيغ منها نظرية تلفيقية، ويمثل التخادم بين أطراف التحالف الثلاثي: الصهيونية، شعاراً مصلحياً، وولاية الفقيه، بإدارة الولايات المتحدة. وهي بالطبع ليست أمة كذلك. يتولى منتج السيناريو لصق الأهداف فيما بينها، وإضفاء اللمسات الفنية على عمليات الغش التمويه، وللتفاوت المعلوم في القدرة الفنية للأطراف، فقد تلعب المصادفات دورها في كشف الجانب التلفيقي في العمليات. والتحركات الفعلية السياسية / العسكرية، تحتاج لقدر عال من التنسيق، تنسيقا يتقارب به مع مستحقات الواقع،

الصراع في أوكرانيا، هو صراع بلغ درجته التناحرية (الصراع المسلح)، وضعت الولايات المتحدة مؤشراته وأبعاد اللعب والملعب، الهدف القريب هو استنزاف روسيا، ومنعها من تحقيق تراكم داخلي (Accumulation)سيقود لنفوذ خارجي، ولكن ما جرى هو العكس تماماً، إذ تمكنت روسيا من إفشال هذا الهدف بفعل مزايا عديدة تمكنت روسيا من استثمارها بصورة جيدة، والهدف البعيد الذي سيظل قائماً للمستقبل، هو التوصل لتفكيك روسيا كدولة واسعة المساحة والسكان والموارد تضم كافة مستلزمات الدولة العظمى القطبية، وهذا أهم ما يؤرق اميركا .

والهدف الثابت الحيوي بالنسبة للولايات المتحدة، والذي حرص الرؤساء الأمريكان على حد السواء (جمهوريون وديمقراطيون) على تطبيقه، هو الحيلولة دون نهوض سياسي/ اقتصادي عربي، فيحيل أكثر من خمسمائة مليون عربي ومن ورائهم أكثر من مليار مسلم في العالم إلى قوة عظمى، والأمريكان يدركون أن المعطيات الحالية في أفول، والعالم سيشهد إن عاجلاً أو آجلاً تغيرات جوهرية في التوزان العالمي، والتغيرات (بروز اقطاب جديدة) سوف لن يكون في صالحها. والغرب (عالم الأنكلوسكسون) قد حزم أمرة واتفقوا على تسليم مقاليد القيادة للولايات المتحدة، وإن كانت اقل شأناً من الأوربيين الغربيين، ولكنهم يقرون بواقعية، أن أسراب المهاجرين للعالم الجديد نجحوا بمساعدة القدرات والموارد التي يتمتع بها العالم الجديد(القارة الأمريكية)، نجحوا في وضع أسس لكيان دولة عملاقة، تحوز على كافة مستحقات النهوض والتقدم.

والغرب، وهذه خلاصة لم تعد سراً، ولا حديث سري يدور في أوساط العلماء، والخبراء حصراً، يتعرض لعوامل التعرية منذ عقود طويلة (منذ الثلاثينات)، والفشل يلاحقه في كل مشروعاته، لأنه يفتقر إلى قدرة الامريكان خاصة، والغرب عامة، إلى الحوار والعلاقات المتكافئة مع سواهم، وعندهم تلعب عناصر غير مهمة دوراً، كلون البشرة، والشعر ولون العيون، ناهيك عن الشعور بالتفوق العرقي والديني.

ولكن رياح التقدم تهب وتتصاعد رغم ما يضعون من عراقيل أمامها، ولسنوات طويلة وضعت الولايات المتحدة واوروبا الغربية قوائم دقيقة بمنع الاتحاد السوفيتي/ روسيا والصين، ودولا ناهضة مثل العراق، الحصول على ما يساعد في الحصول على (Know how) وإن كانوا يدركون أن هذه محاولة عبثية، وقبل أن ينصرم القرن العشرين، أقر علماء التخطيط والاقتصاد في الغرب، أن مدة 4 سنوات هي الأقصى لأبعاد الأسرار العلمية / التكنيكية عن الوصول لأيدي القوى الناهضة الأخرى (الاتحاد السوفيتي، الصين، دول نامية) ولكنهم سيحاولون جدهم في تأخير العملية. وما كان يعتبر سراً خطيراً، تجده اليوم في صفحات الانترنيت ..!

لماذا تتعرض المنطقة بالتحديد من بين سائر مناطق العالم لهذا الحجم الكبير من الجهد السياسي والعسكري ..؟ فبالإضافة لقدراته السياسية والاقتصادية والعسكرية الممتازة، لراعي التحالف المخرج ومهندس السيناريو والتصوير، والذي يفقد ببطء شديد القدرة على هيمنتها، بسبب ظهور قوى جديدة على مسرح السياسة الدولية، ستقودها في نهاية المطاف إلى الانزواء في حدودها. هي تحاول التصدي لهذه العملية المادية التاريخية، في محاولات سوف لن يكتب لها النجاح، لأنها مخالفة للتطور التاريخي وقوانينه.

خبير ألماني، في مطلع القرن الواحد والعشرين، أعترف بيأس من فشل محاولات الغرب منع تسرب أسرار التكنولوجيا، إلى القوى الناهضة، ولكنه عول، وطالب، الحفاظ على التقاليد الصناعية للغرب، وعول على فشل القوى الناهضة محاكاة الغرب في المستوى الرفيع في عدد من الصناعات الدقيقة كالقطارات فائقة السرعة، والطائرات، والأدوية المنقذة للحياة، والصناعات الفضائية، وصناعات الروبوت (الإنسان الآلي)، والساعات الممتازة. والسلع الاستهلاكية الفاخرة، ولكن حتى هذه الصناعات رفيعة المستوى، هناك قوى ناهضة بدأت في إنتاجها …!

هناك طريفة تروى في مجالس الرجال، تنطوي على حكمة، واكتشاف الحلول المحيرة التي تحتاج لذكاء ودهاء. وتدل فيما تدل، على أن السياسة بحر لجب لا ضفاف له، ويمكن للعاملين في مجال السياسة الوصول لحلول ناجعة، قد تبدو أنها معقدة ولكن …. كل عقدة ولها حل، ربما تنطوي على تعقيد، أو على عدة تحركات، تبدو للبعض معقدة ومتعبة، ولكن الحل مضمون 100%.المسألة هي: فلاح لديه خروف وذئب وسلة من الحشيش. كيف يستطيع هذا الفلاح نقل الخروف والذئب والحشيش إلى الضفة الثانية من النهر ولكن القارب صغير لا يحمل أكثر من شيء واحد (إما الخروف أو الذئب أو الحشيش) لكيي لا ينفرد الذئب بالخروف فيأكله، أو ينفرد الخروف بالحشيش فيلتهمه؟

الحل يتمثل بأربع خطوات / نقلات هي : 

ينقل الخروف اولا

ثم يعود وينقل الذئب وبعيد معه الخروف، 

يتركه ثم يأخذ سلة الحشيش ينقلها

ثم يعود وينقل الخروف

بالطبع القراء سوف يتساءلون …  ما لغرض من هذه الطريفة …؟

لاحظوا، أن المنطقة تمر بمنعطفات خطيرة. وممرات إجبارية، هناك ثلاث قوى هجينة التكوين (تجمع أمم)، وسط بحر من أمة عريقة قديمة، هذه القوى الثلاث توصلت لنظرية، أن لابد أن تتفاهم فيما بينها وإلا فإن القوى الثلاث يصبحون في مهب الرياح والعواصف. ولا يحتاج الأمر سوى لغلطة واحدة ويصبح كل شيئ في خبر كان. وهذه القوى لا أحد يحب الطرفين الآخرين، ولا يكن له الاحترام العميق، والكل يطمع بالكل. وثلاثتهم يبدأون بحرف (أ) ولكننا سنرمز لهم  . احرف  (A : B : C(

الطرف (A) وهو الأخ الأكبر الراعي للتحالف غير المقدس، يتمتع بقوة كبيرة، وهو العمود الفقري للتحالف، وهذا من خارج المنطقة، ونقطة القتل في بدنه الطويل العريض، ليست هنا، بل في مواجهات تدور في ساحات أخرى. ستقود إلى ضعف تدريجي، واللكمة القاضية ستكون هنا في المنطقة، لكي تكتمل نظرية انهيار وسقوط القوى العظمى.

الطرف (B) وهو طرف يعاني من قلة احترام الأوساط، لوضاعة الأسس والمنطلقات القانونية والسياسية، والطرف (B) يحاول التغلب على هواجسه السياسية / الأمنية بما في ذلك إلغاء وجود كيانه بشكل تام، وإقامة كيان يحفظ للجميع الحرية والأمان. وهواجسه تدفعه لارتكاب المزيد من الأخطاء التي ستشكل في أمد ليس ببعيد، الأسس الموضوعية لأنهياره وسقوطه، لذلك فهو يعيش في المرحلة الدموية ذروة هواجسه. وبسبب عمق التناقضات التي وضع نفسه فيها، يخونه دهاؤه وذكاؤه في تلمس الحل الصحيح للأمة التاريخية التي يجد نفسه فيها.

الطرف (C)  وأزمة هذا الطرف، أنه يعاني (كزملاؤه في التحالف)  من هاجس القضاء على كيانه، لأنه يشبه كائناً خرافياً حرص مؤسسوه، أن يكون بيضة القبان الذي يحفظ لهم مصالحهم في منطقتهم التي تعج بثلاثة عناصر لها قدرة التطور ليتحول إلى كيانات ذات قدرة عالمية : 1/ الاتحاد السوفيتي ــ روسيا، 2/ العرب والإسلام 3/ تركيا وشعوب التوركومغول (Turko mongol). لذلك يحاول الطرف (C)  أن يصدر هواجسه، ويثبت أهميته في تقرير الأوضاع،

وأخيرا أود القول، إن شئنا أن يبقى المستقبل(حتى القريب) في مدى رؤيتنا، علينا أن نراقب بدقة، وأن نولي البحث والعلماء أهمية قصوى.

زر الذهاب إلى الأعلى