سياسة

جريدة ( العرب) اللندنية : قوى سودانية تحاول ترميم الخلافات السياسية بحثا عن السلام

مصادر لـ"العرب": 17 حزبا شاركت في اجتماع بالقاهرة توافقت حول مبادئ الثورة.

القوى السياسية السودانية تبحث عن قواسم مشتركة تبني عليها التوافق

تحاول قوى سياسية سودانية إيجاد مكان لها في المعادلة الحالية بين الجيش والدعم السريع وعدد من الحركات المسلحة وبناء التوافقات للوصول إلى وقف الحرب، والمساهمة في إدخال المساعدات الإنسانية ووقف خطاب الكراهية، وانصب التركيز خلال اجتماع في القاهرة على سد الخلاف بين القوى السياسية في اليوم التالي لوقف الحرب.

القاهرة – أفرز تمسك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بالاستمرار في الحرب حراكا سياسيا تقوده أحزاب وتيارات مدنية خارج البلاد، بحثا عن توافق مفقود للضغط لوقف الصراع، وإيجاد نقاط مشتركة استعدادا لليوم التالي لإنهاء القتال، وهو ما عكسه حضور تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) في لندن وعدد من العواصم الأوروبية لشرح موقفها، وتعدد المبادرات التي تهدف إلى بناء الثقة بين الأحزاب.

وعقدت قوى سياسية سودانية اجتماعا مغلقا في القاهرة الخميس، لإيجاد نقاط اتفاق بين أحزاب تعاني من تجذر الخلافات بينها، واستطاع الاجتماع جمع ممثلين عن حزب الأمة القومي، والحزب الشيوعي، وممثلين لعسكريين متقاعدين على طاولة واحدة، وكان من المخطط للاجتماع أن يبقى في نطاق سري انتظارا لضم أكبر عدد من القوى السياسية السودانية.

وكشف مصدر شارك في اجتماع القاهرة لـ”العرب” عن مشاركة 17 حزبا، بينها المؤتمر الشعبي، والمؤتمر السوداني، والبعث القومي، والحركة الاتحادية، وحزب التحالف السوداني، والحزب الوحدوي الناصري، والحزب الوطني الاتحادي، والحركة الشعبية شمال جناح عبدالعزيز الحلو، فضلا عن حزبي الأمة القومي والشيوعي، وجرى بدعوة من تنظيم العسكريين المتقاعدين المعروف باسم “تضامن”.

وأضاف المصدر أن الأحزاب التي شاركت في الاجتماع توافقت على أربع نقاط محددة وهي: وقف الحرب، والمساهمة في إدخال المساعدات الإنسانية، ووقف خطاب الكراهية، وتنفيذ مبادئ وأهداف ثورة ديسمبر، وأن تشهد الفترة المقبلة المزيد من الاجتماعات لإيجاد السبل الملائمة لتحقيق النقاط المتوافق عليها، وبدا الاجتماع الأول أشبه بعصف ذهني لما يمكن أن تتوافق عليه القوى السياسية من قواسم مشتركة.

وشدد المصدر ذاته في حديثه لـ”العرب” على أن تنظيم العسكريين المتقاعدين يشارك في الاجتماعات كوسيط وطرف، والتعرف على رؤية كل حزب للحل واستخلاص النقاط المشتركة ورفع الحرج عن أي من الأطراف التي لها أهداف ليست محل توافق، وانصب التركيز على سد الخلاف بين القوى السياسية في اليوم التالي لوقف الحرب.

وأشار إلى أن غياب الجهة التي يمكن أن تلعب دور الوساطة بين القوى المدنية والاستعانة بعدد من العسكريين المتقاعدين ممن تعرضوا للإبعاد من جانب الحركة الإسلامية أمر لقي استحسانا من القوى السياسية، وكان الهدف أن يحل السودانيون خلافاتهم، ولم تدعم أي جهة في الخارج أو الداخل الاجتماع، باستثناء تنظيم “تضامن”.

وقال المصدر إن هذه التحركات لا تتعارض مع أخرى موازية تقوم بها “تقدم” لتشكيل جبهة مدنية عريضة لوقف الحرب، ومثل هذه الاجتماعات تتكامل مع الجهود التي تستهدف إذابة الخلافات الحزبية والبحث عن ثقل سياسي يشكل رقما مهما في عملية إنهاء الحرب، وتخفيف تداعيات الانقسامات الحزبية بعد وقف الصراع.

بعض السودانيين لديهم يقين بأن أزمة بلدهم تكمن في تشرذم النخب السياسية وانقساماتها وتفضيل مكاسبها الضيقة على حساب الدولة الوطنية

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام الماضي، ظلت قوى مدنية وسياسية تعمل من أجل تكوين “تحالف مدني موحد”، يضغط على القادة العسكريين في الجانبين المتحاربين لوقف الحرب، واستعادة التحول المدني الديمقراطي، وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، وانتهت لتشكيل “تقدم” الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.

ورغم أن “تقدم” أوسع تكتل مدني تكون بعد اندلاع الحرب، إلا أنه لم يشمل قوى سياسية يسارية، أبرزها الحزب الشيوعي الذي كون تحالفا تحت مسمى “تحالف قوى التغيير الجذري”، وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي كون تحالفا باسم “الجبهة الشعبية العريضة للديمقراطية والتغيير”.

وحاول اجتماع القاهرة الذي سبقته اجتماعات في عواصم مختلفة إيجاد مكان للقوى السياسية في المعادلة الحالية بين الجيش والدعم السريع وعدد من الحركات المسلحة.

وغالبية الأحزاب على قناعة بأنها خسرت كثيرا جراء الحرب، ولم يعد لها القبول الذي حظيت به بعد الإطاحة بنظام البشير، ولدى بعض السودانيين يقين بأن أزمة بلدهم تكمن في تشرذم النخب السياسية وانقساماتها وتفضيل مكاسبها الضيقة على حساب الدولة الوطنية التي يتراجع الاهتمام بها.

وبات الانفصال عن القواعد الشعبية في الولايات السودانية بحاجة إلى حراك قوي على مستوى قيادات المهجر مع تنامي الانتهاكات التي تعرض لها مدنيون مؤخرا، وبدا الشعب السوداني مقتنعا بأنه جرى تسلميه لمجموعات تمتلك سلاحا دون أن يتحقق الضغط السياسي المطلوب للتخفيف عنهم.

وصول الرئيس الجديد للولايات المتحدة ترامب قد يكون فرصة لتحريك قيادات الأحزاب في المهجر لتعزيز الضغوط الأميركية لإنهاء الحرب

وقد يكون وصول الرئيس الجديد للولايات المتحدة دونالد ترامب، فرصة لتحريك قيادات الأحزاب في المهجر لتعزيز الضغوط الأميركية لإنهاء الحرب، وأن القوى السياسية عليها أن تستعد جيدا لليوم التالي لوقفها، كي لا تجد نفسها أمام تحولات قاتمة، خاصة أن لديها أحقية في الوصول إلى رأس السلطة، حال جرت استعادة المسار الديمقراطي الذي تمت عرقلته عبر الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021.

وأشار القيادي في التيار الوطني السوداني نورالدين صلاح الدين إلى وجود تفاعل بين عدد من المبادرات على الساحة، بينها المبادرة السودانية لإنهاء الحرب، ويقودها عدد من شباب لجان المقاومة في عدد من الولايات ممن نشطوا عقب الإطاحة بنظام البشير، والآلية الوطنية لدعم التحول الديمقراطي، وتقودها عضو مجلس السيادة السابق عائشة موسى، ومن المقرر أن تعقد الآلية اجتماعا بنهاية هذا الشهر.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن كل المبادرات لا تتخطى حاجز الأمنيات تجاه إحداث فعل حقيقي يؤثر في الحرب الراهنة ويشكل نقطة انطلاق بعد وقفها، وأن الاجتماع الذي شهدته القاهرة في يونيو الماضي لم يُفرز تطورات مستقبلية رغم توافق الأحزاب والحركات على أهداف مهمة، كذلك الوضع بالنسبة لدعوات الاتحاد الأفريقي للأحزاب والقوى السياسية، ويبقى هناك غياب للإرادة السياسية نحو الوصول إلى توافق مدني مطلوب حول قضايا المرحلة الحالية.

وشدد على أن إحداث التوافق بين القوى السياسية يتطلب مخاطبة قضيتين رئيسيتين من الصعب الوصول إلى توافق بشأنهما، قضية الإصلاح الأمني، فهناك قوى ترى أن القوات المسلحة يجب أن تكون نواتها الرئيسية، في حين تتحدث رؤية عن ضرورة إنشاء جيش جديد يكون خليطا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة وغيرها من التشكيلات العسكرية الموجودة على الساحة.

وتابع أن القضية الثانية تتمثل فيما يمكن تسميته بـ”المغنم” وتتعلق بهياكل الحكم بعد إنهاء الحرب والمدى الزمني للفترة الانتقالية وسعي الحركات المسلحة للحصول على حصصها بالسلطة انعكاسا على اتفاق جوبا ورؤية قوى الحرية والتغيير بأنها تعبّر عن قوى الثورة ولها علاقات دولية قوية وأحزاب أخرى سوف ترى أن لديها الأحقية في التواجد بهذه الهياكل ومن ثم فالخلافات سوف تدب دون وصول إلى توافق.

المصدر : جريدة (العرب) لندن

زر الذهاب إلى الأعلى