حكومة السوداني في جردة حساب السنتين عبد اللطيف السعدون
تضمّنت الطريقة التي عرض بها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، “إنجازات” حكومته في السنتين الماضيتين قدراً من “المغالطات وعمليات التشويش”، وهو الوصف نفسه الذي أطلقه السوداني على ملاحظات منتقديه الذين سجّلوا على حكومته فشلها في حل المشكلات التي يعانيها العراقيون الذين أصبحوا نافدي الصبر من كثر ما تلقّوا من وعود من حكومات ما بعد الاحتلال، حتى إن بعضهم فقدوا ثقتهم في الحكومة إلى درجة أنهم لم يعودوا في وارد السؤال عما أنجزته، وعما لم تُنجزه.
وفي استفتاء أجرته قناة عراقية، قدّر مواطنون من شرائح مختلفة نسبة الإنجاز التي حققتها حكومة السوداني على مدى السنتين بين 1% و15% في أحسن الأحوال، فيما قال السوداني إن نسبة الإنجاز كانت 62 %، وسبق ذلك اعترافه بأن حكومته “واجهت صعوباتٍ في ملفّات”، و”تأخّرت في إنجاز ملفّات أخرى”، وعاد لاحقاً ليقرّ أيضاً بأنها “واجهت تحدّيات مالية ونقدية ومؤسسية وتشريعية”، محاولاً شراء الوقت، وإخلاء مسؤوليته عن هذا القصور.
وفي عرضه هذا، تجاهل أبرز المشكلات التي يعانيها العراقيون، في وقت أشار فيه إلى اهتمام حكومته بمعالجة أمور أقل أهمية وخطورة، مثل “فكّ الاختناقات المرورية” و”خدمة ملايين الزائرين”، و”توزيع 130 مليون سلة غذائية شهرياً”، و”مشاريع الأبنية المدرسية”، (والفضل في الإنجاز الأخير يعود إلى أصدقائنا الصينيين)، وهكذا.
وبالتأكيد، ليس هذا “مربط الفرس”، فثمّة مشكلات أساسية، كان على حكومة السوداني التصدّي لحلها، وهي من وعد بذلك، لكن يدها تبدو مغلولة لأسبابٍ أصبحت معروفة. ولذلك لم يمكنها التقدّم خطوة واحدة باتجاه الحل، وأولى تلك المشكلات السلاح الذي تختزنه المليشيات التي استطاعت أن تتوغّل، وان تكون صاحبة اليد الطولى في اتخاذ القرار، وقد تناسلت حتى أصبحت أزيد من 70 مليشيا يتبع معظمها الحرس الثوري الإيراني، وهي تمسك عملياً بقرار السلم والحرب، طبقاً لإرادة طهران التي تعتبر تلك المليشيات أذرعاً نافذة لها، تستخدمها متى شاءت ووفقاً لحساباتها الاستراتيجية ولمتطلبات أمنها القومي، وهو أمر لم يُنكره الإيرانيون أنفسهم.
وفي إطار ما سماه السوداني “تحقيق الاستقرار الأمني”، يكفي أن يشار إلى أن حكومة الولايات المتحدة نفسها، وهي الراعية للعملية السياسية في العراق، لا تزال تعتبر العراق منطقة خطرة. ولذلك أبقت على تحذير مواطنيها من السفر إلى العراق بسبب انعدام الأمن، ويكفي أيضاً أن يشار إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر وثقت في النصف الأول من هذا العام (2024) 618 حالة اختفاء أشخاص، وكانت قد تسلّمت خلال العام الماضي (2023) أكثر من 1500 شكوى من أسر مفقودين لم تتوفّر معلومات عنهم، كما تعاظمت ظاهرة “الإفلات من العقاب” إلى درجة أن المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت ضد ناشطي حراك تشرين ظلوا في منأى عن الحساب، وما زال بعضُهم يحتل مواقع مهمّة في السلطة.
هناك أيضاً ما يؤخذ على حكومة السوداني أنها لم تتمكّن من وضع الخطط العملية الكفيلة بدرء دابر الفساد الذي دخل كل مؤسّسة ومرفق وزاوية، ووراء هذه الآفة المستشرية المافيات التي استطاعت أن تضع رهن خدمتها كل مؤسّسات الدولة، وفي ضمنها سلطة القضاء. وإذا كان السوداني قد اعتمد “فلسفة جديدة في استرداد الأموال والمطلوبين”، فان واقع الحال المرئي يشي بعكس ذلك، وتبدو المعالجات المطروحة قاصرة وغير عملية، وقد تؤدّي إلى ما هو أدهى. والإشارة هنا إلى لائحة “قانون العفو العام” الموضوعة أمام البرلمان بانتظار تشريعها، والتي قيل إنها تنصّ على شمول المحكومين بجرائم الفساد بالعفو، إذا ما أعادوا إلى الدولة ثلث ما نهبوه، وبإعطائهم فرصة لشراء ما تبقّى من مدّة عقوبة السجن المحكومين بها مقابل بضعة دنانير عن كل يوم. ومثل هذه المعالجات بقدر ما تثير السخرية فإنها ربما تحفّز آخرين إلى ارتكاب جرائم السرقة، وانتظار تشريعات مماثلة في المستقبل تمنحهم “الامتيازات” نفسها التي يضمنها التشريع المقترح.
بقي أن نذكر بالخير حزمة التدابير التي اتخذتها الحكومة في إطار تخفيف الفقر، وإيجاد أعمال لفئات من العاطلين، مع التشديد هنا على أنها تظل قاصرة إذا لم تقترن بالتخطيط الجادّ لإنشاء قاعدة صناعية وإنتاجية نشيطة، خصوصاً أن العراق يعاني في وضعه الحاضر مشكلة الديون، (يقدّرالدين الخارجي بـ 21 مليار دولار، والدين الداخلي بنحو 70 تريليون دينار) واحتمال اننخفاض أسعار النفط (المورد الوحيد)، وانعكاسات ذلك على الوضع الاقتصادي العام.
بالمختصر المفيد، يكشف ما نلمسه أننا أكثر بؤساً مما نتصوّر، وأن مشكلاتنا قد تبقى من غير حل!.