حملات تحريضية ضد الناشطات العراقيات لرفضهن القوانين المجحفة
العراق يخلو من مقومات الأمن الرقمي والعقوبات غير رادعة للمعتدين.
هدف للقمع
تواجه النساء العراقيات خصوصا الناشطات والإعلاميات تحديات جديدة تهدد أمنهن وسلامتهن على الإنترنت، بما في ذلك التحرش والتشهير والتهديدات والمطاردات الرقمية وغير ذلك من الأوجه المتعددة للتحرش الرقمي، بسبب التعبير عن الرأي والدفاع عن قضاياهن في ظل غياب حلول قانونية رادعة.
بغداد – بات العنف الإلكتروني ضد النساء في العراق ظاهرة منتشرة حتى أصبح يشكل النسبة الأعلى من مجمل أنواع العنف الذي تتعرض له، ويوجه بشكل خاص ضد الناشطات الحقوقيات والعاملات في الحقل الإعلامي عند طرح قضايا جدلية دينية أو سياسية في المجتمع المحافظ، مع غياب الحلول والمعالجات، سواء من قبل الجهات المعنية أو المنظمات النسوية.
وأطلق عدد من المختصين تحذيرات من خطورة التعليقات السلبية التي تتعرض لها الكثير من النساء في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة إذا تضمنت سباً وتشهيراً وقذفاً وأحياناً تصل إلى التهديد أيضاً، لما يترتب عنها من عقوبات قانونية، فضلاً عن تأثيرها النفسي على الشخص صاحب المحتوى، مشددين على ضرورة اللجوء إلى الانتقاد البنّاء وانتقاد السلوك والمحتوى وليس الشخص نفسه.
ومع ازدياد الاعتماد على المنصات الرقمية تواجه النساء تحديات جديدة تهدد أمنهن وسلامتهن على الإنترنت، وتقول المديرة التنفيذية لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، ريا فائق الخفاجي، في تصريحات نقلتها وكالة شفق نيوز المحلية، “أصبح العنف الرقمي ضد النساء قضية متزايدة الأهمية لما يتعرضن له من أشكال متعددة من الإساءة عبر الأنترنت، بما في ذلك التحرش والتشهير والتهديدات والمطاردات الرقمية وغير ذلك من الأوجه المتعددة للتحرش الرقمي”.
العنف الرقمي ضد النساء ارتفع في الآونة الأخيرة نتيجة عدم وجود حلول جذرية لهذه المشكلات والتحديات
وأوضحت الخفاجي أن العراق يخلو من مقومات الأمن الرقمي والأمن الجسدي والسلامة النفسية، حيث لا تولي أهمية كبيرة للنساء عندما يتحدثن عن العنف الرقمي الذي يتعرضن له من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تصل أحياناً إلى الابتزاز والفدية بسبب مخترقي الأمان الرقمي.
وأشارت إلى أن “النساء وخاصة العاملات في مجال الإعلام والسوشيال ميديا والمدونات، يتعرضن لحملات شنيعة تخلو من شرف الخصومة، كما تعرضتُ أنا شخصياً والكثير من الزميلات أيضاً لهذا النوع من الحملات الرقمية من خلال التشهير والتهديد بالقتل علناً لانضمامي لتحالف 188 والوقوف بالضد من تعديل قانون الأحوال الشخصية”.
وتحدثت العديد من الناشطات العراقيات على الشبكات الاجتماعي عن التحريض والاعتداءات اللفظية والهجمات الإلكترونية التي يتعرضن لها بسبب نشاطهن الحقوقي ورفضهن تمرير قوانين مجحفة بحق النساء العراقيات، وقالت إحداهن:
TalabaniAla@
ناشدت أجهزة الدولة لمتابعة الصفحات والمواقع المسيسة، بعضها تعود لجهات متنفذة، والتي قامت بحملة تسقيط وتشويه ضد العراقيات الرافضات لتعديل قانون الأحوال الشخصية.
جمعنا ورصدنا المواقع والصفحات والأسماء وسوف نسلمها إلى جهاز الأمن الوطني والقضاء لإجراء اللازم وفق القانون.
وكتبت مدونة:
Aries___s3@
زي ما هو واضح لنا من المنشور والكومنتات، هناك مجموعات تتبنى خطاب كراهية تجاه النساء، متذرعين بمفاهيم مغلوطة مثل “الرجال ضحايا” أو “الرجال المظلومون” . هذا النوع من الخطاب يعزز الميسوجينية بشكل كبير، مما يؤدي إلى خلق بيئة معادية للنساء، وخاصة الفتيات الشابات.
وجاء في تغريدة لإحدى الناشطات:
DinaRaad3@
تواجه النساء في العراق، بالإضافة إلى القمع الممنهج، حملات تحريضية لا تجد أي ردع من قبل السلطات أو المجتمع. هذه الحملات تجد دعماً من قبل رجال ونساء حقوقيين وقضاة وحتى المؤسسات العسكرية. اليوم، لم تتمكن قوات الأمن من حماية النساء اللواتي تعرضن للضرب والإهانة، بل حتى الرجال الذين وقفوا إلى جانبهن تعرضوا للاعتداء.
وأضافت الناشطة:
DinaRaad3@
إن هذا النظام يستخدم الخطابات الدينية كأداة لتبرير قمعه وفرض هيمنته على النساء. يتحدثون عن تكريم المرأة والجنة تحت أقدام الأمهات، ولكن في الوقت ذاته يسلبون حقوق الأمهات ويقمعونهن. يجب على كل امرأة أن تعي مدى عمق هذا النظام وكمية الأكاذيب التي يستخدمها لتبرير قمعه. إذا لم نقف معاً ونرفض هذا النظام الظالم، سنواجه كوارث في المستقبل. التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية ستؤدي إلى مزيد من القمع والمآسي للنساء، وسحب الأطفال من أمهاتهم هو مجرد بداية لهذه الكارثة. علينا أن ندرك أن هذا النظام لا يفرق بين امرأة وأخرى، بغض النظر عن مكانتها الاجتماعية أو مظهرها الخارجي. يجب أن تتكاتف النساء، وتترك خلافاتهن جانباً، وتتوحد في مواجهة هذا النظام الجائر. يجب أن نرفض استلاب هويتنا وأجسادنا، وأن نرفض الخطابات التحريضية التي تهدف إلى إضعاف قوتنا وتفريقنا. لن نحصل على حقوقنا إلا إذا وقفنا معاً ضد هذا النظام وتكاتفنا لرفض القمع والظلم.
وارتفع العنف الرقمي ضد النساء في الآونة الأخيرة نتيجة عدم وجود حلول جذرية لهذه المشكلات والتحديات، وتقول الخفاجي لذلك من الضروري تسليط الضوء على هذه الظاهرة المقلقة، والمطالبة بإيجاد حلول سريعة واتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة العنف الرقمي، وحماية حقوق النساء في هذا الفضاء الرقمي.
من جهتها، لفتت اختصاصية الطب النفسي، بتول عيسى إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة للكثير من الأشخاص السلبيين بإظهار أنفسهم عبر التعليقات السلبية والتنمر والابتزاز لسهولة العملية التي لا تتطلب سوى تسجيل حساب باسم وهمي ثم يكتب ما يريد.
وأضافت عيسى، أن التعليقات السلبية لها تأثير سلبي على المقابل، رغم أن البعض ممن يظهر على السوشيال ميديا هم في الأساس يستحقون الانتقاد، لكن الانتقاد البنّاء وليس بالتعليقات السلبية والنقد الجارح، أي انتقاد السلوك والمحتوى وليس الشخص نفسه.
وتابعت “أما التعليقات السلبية فهي تؤثر سلباً خاصة إن كان الشخص يقدم محتوى جيد لكن يعاني من عيب خلقي في مظهره، لذلك قد تؤدي هذه التعليقات السلبية به إلى ترك سوشيال ميديا والانعزال والاكتئاب وقد تصل به أحياناً إلى الانتحار كما يحصل في بعض دول العالم.
وشددت عيسى على ضرورة وضع قانون لحماية الأشخاص من هذه التعليقات السلبية من خلال معاقبة كل شخص يتنمر أو يعلق بطريقة سلبية بهدف إيذاء الشخص الظاهر على مواقع التواصل.
وبالنسبة لعقوبة تلك السلوكيات في القانون العراقي، فالتعليقات المسيئة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تحمل سباً وتشهيراً وقذفاً وأحياناً وتصل إلى التهديد الواضح للمقابل، تدخل من باب السب والقذف والتهديد بشكل عام في القانون العراقي، لعدم وجود مواد صريحة لجرائم الفضاء الرقمي بهذا الخصوص.
وأوضح الخبير القانوني محمد جمعة، أن “عقوبة السب والقذف بمنشور أو بتعليق عام، هي الحبس نحو 6 أشهر والغرامة، حسب تقدير المحكمة، لكن في بعض الأحيان تحصل جريمة السب والقذف برسالة خاصة وليس بمنشور أو تعليق عام، وفي هذه الحالة يعاقب عليها بالغرامة فقط، بأن لا تزيد عن 500 ألف دينار ولا تقل عن 250 ألف دينار”. وهي عقوبات ليست رادعة.
وخلص الخبير القانوني، في ختام حديثه إلى القول إن “النساء كثيراً ما يتعرضن لهجمات السب والقذف والتشهير وحتى التهديد، لأن هناك الكثير من يستكثر على المرأة أن تطرح رأيها أو تدافع عن قضية ما، لذلك يواجهن مثل هذه الجرائم أكثر من الرجال”.
المصدر : ( العرب) لندن