سياسة

خلاصة انتخابات كردستان العراق: لا تغيير لمسار الحكم

حزب بارزاني يحافظ على مكانته ويفتح باب التفاهمات على تشكيل الحكومة.

أربيل (العراق) – أظهرت النتائج الأولية لانتخابات برلمان إقليم كردستان العراق التي أجريت الأحد تقدم الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة السياسي الكردي المخضرم مسعود بارزاني على منافسيه في عدد المقاعد البرلمانية المتحصّل عليها، ليحافظ بذلك على مكانته في قيادة السلطة بالإقليم، مسقطا شعار تغيير مسار الحكم الذي رفعه طوال الحملة الانتخابية منافسه الأول وغريمه التاريخي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني نجل الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني.

كما أسقطت النتائج فرضية صعود السياسي المنشق عن حزب الاتحاد لاهور شيخ جنكي كزعيم لقوة سياسية ثالثة جديدة متمثلة في حزبه المؤسَّس حديثا جبهة الشعب، بينما كرّست حراكَ الجيل الجديد بقيادة رجل الأعمال ساشوار عبدالواحد كقوة ثالثة منافسة للحزبين الكبيرين الديمقراطي والاتحاد.

كما كرّست النتائج التراجع الكبير والثابت لحركة التغيير “غوران” التي تهاوت مكانتها بعد أن كانت في سنوات سابقة قد تجاوزت حزب طالباني الذي انشق عنه زعيمها الراحل نوشيروان مصطفى وقفزت إلى مرتبة القوة السياسية الثانية في الإقليم.

ومن مجموع المقاعد المئة لبرلمان الإقليم حصل الحزب الديمقراطي، بحسب نتائج أولية على تسعة وثلاثين مقعدا، وحصل حزب الاتحاد على ثلاثة وعشرين، وحراك الجيل الجديد على خمسة عشر، بينما لم تحصل جبهة الشعب سوى على مقعدين وحركة التغيير على مقعد واحد.

وخالفت الانتخابات الأجواء المتوتّرة التي ميزت المسار الطويل نحو إجرائها والذي امتد لسنتين بسبب تأجيلها المتكرّر وطبعت الحملة الانتخابية بسبب الخطاب الناري للحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني. وجرى الاستحقاق بهدوء وسلاسة. كما خالفت التوقعات بتسجيل عزوف انتخابي قياسي، محقّقة نسبة مشاركة مرتفعة في الاقتراع بلغت اثنين وسبعين في المئة.

وتعني النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات عدم حدوث تغييرات تذكر على الوضع السياسي في إقليم كردستان العراق حيث احتفظ الحزب الديمقراطي بمكانته التي تخوّل له العودة مجدّدا إلى قيادة سلطات الحكم الذاتي في الإقليم، بينما احتفظ حزب الاتحاد الوطني بمكانة الشريك الأول له، بعد أن كانت قيادته قد أعلنت طموحها نحو القفز بالحزب إلى المرتبة الأولى رافعة شعار تغيير مسار الحكم.

ولا ينفي تقدّم الحزب الديمقراطي ضرورة التفاهم مع قوى أخرى لبلوغ النصاب المطلوب والتمكّن من تشكيل الحكومة الأمر الذي سيفرض عليه تقديم تنازلات سيتم لاحقا تحديدها في ضوء مطالب الشركاء، وكذلك في ضوء الوضع العام في الإقليم وعموم العراق. ويترأس الحزب الديمقراطي منذ سنوات حكومة إقليم كردستان العراق ممثلا بالقيادي في الحزب مسرور بارزاني، بينما يتولّى ابن عمّه نيجيرفان بارزاني منصب رئيس الإقليم.

ولا يستبعد مراقبون أن يضطر الحزب مستقبلا للتنازل عن أحد المنصبين لحزب الاتحاد الوطني تحت ضغوط قوى عراقية حليفة للأخير وتستطيع الضغط على سلطات الإقليم باستخدام الورقة المالية بما في ذلك مسألة رواتب الموظفين المحليين.

ويفتح استكمال المعركة الانتخابية، على معركة أهم تتمثّل في تشكيل حكومة جديدة للإقليم وهي عملية تمرّ حتما عبر سلسلة من التفاهمات حول تشكيل التحالفات والتوصّل إلى اتفاقات بشأن توزيع المناصب والمسؤوليات.

وتظهر التجارب الانتخابية التي أجريت في العراق ككل منذ ما بعد سنة 2003 وجود تعقيدات تعقب كل استحقاق انتخابي وتؤدّي في الغالب إلى تأخير في ترتيب شؤون السلطة بسبب التنافس الشديد على مناصبها واستسهال نثر التحالفات وإعادة تشكيلها على أسس مصلحية خالصة لا علاقة لها بالمبادئ والأفكار والبرامج. ومثّلت الانتخابات المحلية التي أجريت في العراق أواخر السنة الماضية نموذجا عن التعطيل الذي يتسبب فيه تنافس القوى السياسية على المناصب.

وكان الحزبان الرئيسيان في كردستان العراق جزءا من المعركة الانتخابات في المحافظات العراقية وقد قاد انخراطهما إلى جانب قوى أخرى عربية وتركمانية في التنافس على قيادة الحكومة المحلية في كركوك إلى تأخير كبير في تشكيل تلك الحكومة تجاوز الثمانية أشهر بعد إجراء الانتخابات. ولم تنتظر دوائر سياسية كردية إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الرسمية حتى شرعت في الحديث تشكيل الحكومة الجديدة وما تتطلّبه من تفاهمات.

ورصد المتابعون لشؤون الإقليم تراجعا عن حدّة الخطاب السياسي الذي طبع الحملات الانتخابية وميلا إلى الهدوء والواقعية خصوصا من قبل قيادات الحزب الديمقراطي الذين آثروا التكلّم بلسان رجال الدولة بما يناسب المسؤوليات التي تخوّل النتائج الانتخابية لحزبهم القيام بها على رأس هرم السلطة في الإقليم وفي أبرز مفاصل مؤسسات الحكم.

وقال نيجيرفان بارزاني أثناء إدلائه بصوته في الانتخابات “سنجلس معا بعد انتهاء الانتخابات ونشكل الحكومة خدمة لإقليم كردستان بأسرع وقت”. وكتب العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري الذي سبق له أن شغل منصبي وزير للمالية والخارجية في الحكومة الاتحادية العراقية عبر حسابه في منصّة إكس “مرة أخرى فاز الحزب الديمقراطي الكردستاني في انتخابات إقليم كردستان العراق في عملية ديمقراطية حرة ونزيهة وسلسة”، مضيفا “من المؤكد أن هناك حاجة إلى ائتلاف لتشكيل الحكومة المقبلة”.

ويتطلّب تشكيل الحكومة الوصول إلى نسبة خمسين زائد واحد من مجموع مقاعد البرلمان وهو أمر غير متاح لأي حزب بمفرده، رغم امتلاك الحزب الديمقراطي أسبقية على منافسيه نظرا لكون عدد مقاعده في البرلمان يقرّبه من بلوغ ذلك السقف. وسيتوقّف الأمر على معرفة توجّه أصحاب مقاعد الكوتا الخمسة المخصصة للأقليات وإن كانوا داعمين لحزب بارزاني، كما سيتوقّف على قدرة الحزب على استمالة قوى متحصلة على مقاعد للتحالف معها.

وقال صبحي المندلاوي عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني إنّ الأخير “تفوق على باقي الأحزاب من حيث عدد الأصوات في انتخابات برلمان إقليم كردستان وفق النتائج الأولية”، مضيفا في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنّ “المرحلة المقبلة ستشهد تحالف الحزب مع أطراف أخرى داخل الإقليم من أجل تشكيل الحكومة الجديدة”.

وعلى الطرف المقابل لفت برهان الشيخ رؤوف القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أن أيا من الكتل السياسية في الإقليم بما فيها الحزب الديمقراطي لم تحصل على نسبة خمسين زائد واحد وبالتالي لا يمكن لأي كتلة أن تمضي في عملية تشكيل الحكومة بمفردها.

ونقلت عنه وسائل إعلام محلية قوله “هناك حاجة لإجراء مفاوضات بين الأحزاب السياسية الفائزة بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات من أجل رسم الخارطة السياسية الجديدة للإقليم للمضي بتشكيل الحكومة”، متوقّعا أن تكون “المباحثات والمفاوضات صعبة بين الأطراف السياسية الفائزة”.

واعتبر رؤوف أن حزب الاتحاد رغم حصوله على المرتبة الثانية بعد الحزب الديمقراطي “لكن وضعه من حيث عدد المقاعد أفضل من السابق”. كما ذهب عضو الاتحاد محمود خوشناو في ذات الاتجاه معتبرا أنّ “حزب الاتحاد الوطني وحراك الجيل الجديد والعدل الاسلامية وحركة التغيير لديها وجهات نظر متقاربة”، في إشارة إلى إمكانية تحالفها.

لكنّ خوشناو أقرّ بأنّ المفاوضات بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات ستكون صعبة حيث لن يتمكن أي حزب من تشكيل الحكومة بمفرده من دون التحالف مع باقي الأطراف، وهو ما سيشكل صعوبة في مرحلة ما قبل ولادة الحكومة الجديدة في الإقليم.

المصدر :  جريدة (العرب) لندن

زر الذهاب إلى الأعلى