تقارير إخبارية

خمسة كنديين لا يزالون محتجزين في السعودية فيما أوتاوا متكتّمة

اجتماع في الرياض بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود ونظيرته الكندية ميلاني جولي في 7 آذار (مارس) 2024.

الصورة: X/Mélany Joly

RCI

علم راديو كندا من وزارة الشؤون العالمية في أوتاوا أنّ خمسة مواطنين كنديين هم محتجزون حالياً في سجون المملكة العربية السعودية، لكنّ الوزارة لا تزال متحفظة بشأن أسباب اعتقالهم ومددها.

وأحد هؤلاء الكنديين معتقل من أكثر من سنة ونصف دون محاكمة لأسباب يُعتقد أنها متعلقة بتغريدات على منصة ’’إكس‘‘ للتواصل ’’أُعجب بها أو شاركها (مع سواه)‘‘، وفقاً لأقاربه الذين تحدثوا إلى راديو كندا.

’’بتاريخ 2 آب (أغسطس) 2024، وزارة الشؤون الشؤون العالمية الكندية على علم بأنّ خمسة مواطنين كنديين هم محتجزون في المملكة العربية السعودية‘‘، كتب المتحدث باسم الوزارة كيفن سويت في رسالة بالبريد الإلكتروني.

’’لأسباب تتعلق بالسرية، لا يمكن الكشف عن أيّ معلومات أُخرى‘‘، أضاف المتحدث.

وقضية هؤلاء الكنديين المسجونين في المملكة العربية السعودية لم تتمّ مناقشتها علناً حتى الآن من قبل الحكومة الكندية.

ونجمَت عن المرة الأخيرة التي انتقدت فيها كندا علانية سجل سلطات المملكة السعودية في مجال حقوق الإنسان أزمةٌ دبلوماسية خطيرة بين البلديْن. كان ذلك في آب (أغسطس) 2018 بعد أن دعت وزارة الخارجية الكندية السلطات السعودية إلى إطلاق سراح نشطاء حقوق إنسان مسجونين لديها، من بينهم سمر بدوي، شقيقة المدوّن رائف بدوي الذي اعتُقل زهاء عشر سنوات في سجون المملكة ولا يزال خاضعاً لقرار من سلطاتها بحظر السفر.

وندّدت آنذاك المملكة السعودية بـ’’تدخّل‘‘ أوتاوا في شؤونها وطردت سفير كندا لديها واستدعت سفيرها في أوتاوا وجمّدت كلّ تبادل تجاري أو استثمار جديد مع كندا.

ولم يتمّ استئناف العلاقات بين الدولتيْن حتى أيار (مايو) 2023.

وبعد عشرة أشهر على ذلك، في آذار (مارس) 2024، قامت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي بزيارة رسمية إلى العاصمة السعودية الرياض حيث اجتمعت بنظيرها السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود.

وكان اجتماع ثنائي بين الوزيريْن قد عُقد في الشهر السابق، شباط (فبراير)، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن العالمي في ألمانيا.

هل أثارت الوزيرة جولي مع المسؤولين السعوديين قضية الكنديين المعتقلين في المملكة، وخاصة أولئك المحتجزين دون محاكمة أو حكم؟ تتجنّب وزارة الخارجية الكندية الإجابة على السؤال بشكل مباشر، مكتفية بالقول إنّ ’’الموظفين القنصليين (الكنديين) على اتصال بالسلطات المحلية في المملكة العربية السعودية‘‘.

خلال زيارتها إلى الرياض ناقشت الوزيرة جولي ’’كيف يمكن لكندا والمملكة العربية السعودية تعزيز العلاقات الثنائية‘‘، كما جاء في بيان صحفي صدر بعد الزيارة، ’’ورحّبت أيضاً بالتقدّم الذي أحرزه البلدان منذ أيار (مايو) 2023 وهو التاريخ الذي أُعيد فيه السفراء إلى مهامهم‘‘.

كندا ’’هدف سهل‘‘

أدّت الأزمة بين أوتاوا والرياض، وفقاً للعديد من المراقبين، إلى ظهور ’’خطوط حمراء جديدة‘‘ بشأن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، خاصة لدى الدول الغربية التي بات عليها أن تكون حريصة على عدم تناول هذا الموضوع الحسّاس بالنسبة للسلطات السعودية بصوت عالٍ.

البروفيسور توماس جونو، وهو أستاذ مساعد في كلية الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية في جامعة أوتاوا، من هذا الرأي.

ووفقاً لجونو، سعت المملكة السعودية من خلال قطع علاقاتها بكندا عام 2018 إلى جعل أوتاوا ’’مثالاً للديمقراطيات الغربية الأُخرى‘‘. هذا ’’لأنّنا هدف سهل‘‘، يوضح الأستاذ الجامعي، ’’نحن لسنا مُؤثِّرين مثل الولايات المتحدة ولسنا عضواً في الاتحاد الأوروبي‘‘.

لا يمكن أن يُنظر إلى المملكة العربية السعودية على أنّها ترضخ للضغوط الغربية في مجال حقوق الإنسان. لذا، فإنّ انتقادات علنية من قبل كندا يمكن أن يكون لها تأثير معاكس.نقلا عن توماس جونو، بروفيسور مساعد في كلية الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية في جامعة أوتاوا

منذ عام 2017، وتحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية والذي يشغل أيضاً منصب رئيس حكومتها منذ أيلول (سبتمبر) 2022، تسعى الرياض إلى تلميع صورتها من خلال اعتماد بعض الليونة في الأعراف والتقاليد، كالسماح للنساء بقيادة السيارات وتهميش دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعادة فتح دور السينما والسماح باختلاط الجمهور في الحفلات الغنائية وما شابه ذلك.

لكنّ حرية التعبير في المملكة السعودية هي أبعد ما تكون عن هذا الانفتاح. وتدين المنظمات الحقوقية باستمرار الاعتقالات التعسفية والأحكام القاسية التي تستهدف الناشطين والمعارضين في المملكة المحافظة.

وأحد الأمثلة الأكثر وضوحاً على عدم تسامح السلطات السعودية مع الانتقادات كان مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فهو قُتل بوحشية وقطعت أوصاله في عام 2018 أثناء وجوده في قنصلية بلاده في إسطنبول في تركيا.

وفي شباط (فبراير) 2021 اتهمت الولايات المتحدة وليّ العهد السعودي علناً بـ’’المصادقة‘‘ على قتل الخاشقجي الذي كان من سكان العاصمة الأميركية واشنطن.

وحتّى الأميركيين لديهم ’’تأثير محدود‘‘ على حليفهم السعودي، خاصة فيما يتعلق بسياسته الداخلية، حسب البروفيسور جونو.

ففي عام 2021 أُلقي القبض في مطار الرياض على سعد إبراهيم الماضي، وهو سعودي يحمل الجنسية الأميركية ويبلغ من العمر 72 عاماً، لانتقاده سلطات المملكة على وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد عام حكمت عليه السلطات السعودية بالسجن 16 عاماً.

وإحدى إشارات فقدان واشنطن نفوذها في الرياض هي تمديد السلطات السعودية عقوبة السجن بحق الماضي إلى 19 عاماً في شباط (فبراير) 2023، بعد أشهر قليلة من زيارة مثيرة للجدل قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المملكة.

وأُطلق سراح الماضي أخيراً في آذار (مارس) 2023، لكنه لا يزال غير قادر على الانضمام إلى أسرته في ولاية فلوريدا الأميركية بسبب حظر السفر الذي فرضته عليه السلطات السعودية.

’’صحيح أنّ إصلاحات اجتماعية وثقافية كبيرة تحدث في المملكة العربية السعودية منذ عدة سنوات، لكن هذا لا يعني أنّ القمع قد تراجع، بل على العكس من ذلك‘‘، تقول جُوي شيا، الباحثة في منظمة ’’هيومن رايتس وُوش‘‘ الحقوقية الدولية، غير الحكومية، التي تحقق في انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.

بعد مقتل جمال خاشقجي، تمّ عزل محمد بن سلمان على الساحة الدولية لفترة وجيزة، لكنّ علاقاته الاقتصادية والأمنية استُؤنِفت بعد ذلك بقليل. وهذا لم يؤدِّ إلّا إلى جعله أكثر جرأة، وهو اليوم يتصرف بحصانة تامة من العقاب.نقلا عن جُوي شيا، باحثة في منظمة ’’هيومن رايتس وُوش‘‘ الحقوقية

’’أصبحت المملكة العربية السعودية دولة بوليسية حقيقية‘‘، تقول من جهتها السعودية لينا الهذلول، التي تنشط في منظمة ’’القسط‘‘ التي توثّق انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة السعودية والواقع مقرها الرئيسي في العاصمة البريطانية لندن.

ووفقاً للهذلول، يُسجَّل تحت سلطة الأمير محمد بن سلمان المزيد والمزيد من الاعتقالات التعسفية وحالات الاختفاء القسري وفترات الاحتجاز الطويلة دون تهمة أو محاكمة.

وتدعو الهذلول، التي تعرّضت شقيقتها لُجيْن للتعذيب في السجون السعودية حيث أمضت ثلاث سنوات بسبب اتصالاتها بوسائل إعلام ومنظمات غير حكومية أجنبية ودبلوماسيين أجانب، السلطاتِ الكندية إلى إدانة الانتهاكات في نظام العدالة الجنائية السعودي بصوت عالٍ، وترى أنه ’’سيكون من النفاق عدم القيام بذلك‘‘.

لكنّ البروفيسور جونو ليس من رأي الناشطة الحقوقية السعودية، فوفقاً له إذا ما أقدمت السلطات الكندية على توجيه ’’انتقادات علنية‘‘ للسلطات السعودية فإنّ هذا قد يفاقم أوضاع حقوق الإنسان في المملكة وقد يلحق أذىً بالكنديين المحتجزين هناك.

’’بالنسبة لكندا، من الأفضل لها أن تكون متحفظةً في العلن‘‘، يرى جونو، و’’علينا ألّا نقفز إلى استنتاج مفاده أنّ هذا (الموقف) هو افتقار إلى الشجاعة، فمن المحتمل جداً أن يكون براغماتيةً، وضروريةً مع الأسف‘‘.

(نقلاً عن تقرير لرانيا مسعود على موقع راديو كندا، ترجمة وإعداد فادي الهاروني)

 

زر الذهاب إلى الأعلى