مقالات رأي

ذئب بلا أسنان بانة القاسم

 

على حافة الفرح نعيش احتفالا بنهاية قصة درامية طالت حبكتها حتى مل المشاهد وفقد صبره السامع على مدار أكثر من خمسين عامًا. كل ما نعرفه أن بطل الحدث قرر أن يخرج من المشهد ويعلن الفصل الأخير من مسرحية دموية لم نكن المشاهدين فيها فقط، بل كنا أبطال الأحداث والكومبارس والضحايا.

حمل بشار الأسد الرئيس المهزوم بقايا نفسه وهرب في عتمة ليل قد حمل للسوريين معه نهارًا مختلفًا عما ألفوه خمسين عامًا، هرب بعد أن جرد البلد من ثروتها المالية والكثير من احتياطي الذهب والآثار. كأنما جاء ليسرق ويرحل، أو كأنما كل ما استطاعه هو أن يلملم ما تصل يداه اليه ويرحل كأي لص معتاد على السرقة أو منطقه فقط هو جمع المال (من وطنه) وتهريبه الى حيث يستطيع أن يساوم مهربيه بأثمانه. يالها من نهاية هزيلة تليق فقط بلصٍّ غير محترف، لص أبله، لم يستطع أن يحمي وطنه كالرجال، فسرقه كاللصوص وقاطعي الطرق وهرب يتقاسم الغنائم مع أعداء شعبه. قد يكون هذا الكابوس الطويل الذي عشناه في سوريا قد انزاح حقًا مخلفًا وراءه شعبًا مثقلًا بالوجع وخيبة الأمل بعد أن فجعه بأولاده ولقمة عيشه. بعد أن شرّد أكثره في شرق الكرة الأرضية وغربها وقتل ببراميله أعدادًا كبيرة منه على أرضهم وأخفى في غياهب سجونه شبابهم وأطعمها لآلات التعذيب والتنكيل تأكل أرواحهم وعقولهم وذاكرتهم. وأما زهرة الشباب فقط حرقها بنيران معاركه وجعل الأخ يقتل أخاه في معارك خاسرة. قبل عشر سنوات قلت لصديقتي )التي تنتمي للطائفة العلوية( والتي فقدت أخاها الغالي في إحدى المعارك الداخلية، قلت لها: إنه يعاملكم كخراف المحرقة، وعندما تحين لحظة النهاية سيغادر دون حتى أن ينظر من طائرته الى ما خلفته يده الآثمة.  سكتت السيدة رغم أن موقفي المعارض لم يك يعجبها ولكنها وقتها استمعت لكلامي دون مناقشة. ولأنني أحبها لم تنته هذه الصداقة كما كان مهيّأً لها، ولأنها تحبني، ظللنا صديقتين على الرغم من اختلاف الرأي المبني على المذهبية منها والمبدأ مني. كم خسرنا أصدقاء وكم خسر البعض أهله وأخوانه وأحبابه وكم تفرق الأصحاب بسبب اختلاف الرأي مع النظام أو ضده. كم تقسمت بيوت وعائلات وتهشمت علاقات وانتزعت ثقات في سبيل انتصار الرأي من مع النظام ومن ضده. كل هذا كان يحدث خلال سنوات عجاف أكلت من سوريا الأخضر واليابس وداست على كل القيم النبيلة التي تربى عليها الشعب الطيب. كل هذا كان يحدث وقبور تحفر في الخفاء حولنا كي تودع بها مجموعات بشرية هم أولادنا وأحبابنا، وسجون تتكاثر كالطاعون في زوايا المدن الوديعة كي تستوعب أعدادًا متكاثرة من المتهمين بأي تهمة يلفقونها لهم كي يرضوا رؤساءهم. كل ذلك كان يحدث والشعب يستيقظ نهارًا كي يبحث عن لقمة عيش يسرقون نصفها ويجبرونه على قبول الأقل. الأقل من الخبز والكهرباء والوقود والحقوق المدنية والكرامة. الأقل من الحرية، الأقل من الفرح. صنعوا له بطاقة (ذكية) كي يتقاسموا معه لقمته وخبزته وجرة غازه وشمة الهواء، خنقوه حتى ينسى أنه إنسان وأخذوه في مسيرات صاخبة كي يصفق ويهلل لجلاده كإنسان آلي لا عقل له ولا إرادة. هذه كانت حال سوريا يا سادة طيلة أعوام خلت … واليوم استقبلت ساحات الوطن السوري حالة فرح من نوع آخر، حالة احتفاء برحيل ذلك اللص الهارب الذي ستنفرج برحيله أسارير البلاد وتستقبل العدالة والحرية والمساواة، وخروج المساجين ومحاربة الفساد .. الكثير من الأمل يغزو روح الشعب المتعب. وهناك الكثير من التساؤلات أيضًا. سوريا الآن بيد من؟ والى أين ستمضي؟ وكيف ستعيش الحرية وهناك عدو يتربص على أبوابها لا نعلم الى أين تتجه نيته؟ وكيف ستكون سوريا القلعة الصامدة القوية بعد أن دمرت آلتها العسكرية عن بكرة أبيها؟ وبعد أن حل جيشها وصار جيش احتفالات واستعراض مثل قرود السيرك. سوريا أيها الذئب الجميل الذي كنت ترهب العالم بقوة وجودك كيف اقتلعوا أسنانك في غفلة عن الوعي؟؟؟ 

أرجو الخيرلبلدي الغالي سوريا، وأرجو أن أفرح أكثر وأخاف أقل في الأيام القادمة عل العمل على تحقيق مطالب الثورة على الأرض يريح الأنفس قليلًا.

زر الذهاب إلى الأعلى