رئيس للانقاذ.. حان زمن التخلص من الطبقة السياسية الفاشلة د. منى فياض

مبروك للشعب اللبناني رئيسه المنتخب، الذي حمل خطابه، كل ما يحلم به الشعب اللبناني، وثار من اجله عام 2019، من اجل استعادة الدولة. دولة القانون والمساواة. برجاء ان تتحقق الآمال المعقودة.
لكن، هل كان يجب ان نمرّ بكل هذا الخراب، وبحرب إسرائيلية ضروس، كي يفرض علينا المجتمع الدولي والعربي أن ننتخب هذا الرئيس؟
لقد أُجبر النواب أخيراً على القيام بواجبهم، بعد استنكاف لعامين ونيف. ويصعب ان نشكرهم على ذلك.
الشكر للمجتمع العربي والدولي، الذي سمح بانتخاب هذا الرئيس الذي يبشّر بالتأسيس للاستقلال الحقيقي، ولإرساء دولة القانون والمساواة. دولة تستعيد عروبتها. دولة مستقلة ومحايدة، بعد اكثر من نصف قرن على فقدانها للسيادة على أرضها.
نأمل خيراً في أن يحصل الرئيس على الدعم الضروري لتحقيق برنامجه؛ والعمل على قانون انتخاب جديد، يسمح بانتخاب مجلس نيابي يمثل طموحات الشعب اللبناني، ويتماشى مع مواصفات رئيس الدولة المنتخب، المعروف بنزاهته، والذي أقسم على تحرير لبنان وحمايته وشعبه.
ننتظر الانتخابات المقبلة، على أمل ان يتمكن المواطن اللبناني من حسن اختيار ممثليه، للتخلص من الطبقة السياسية التي حكمت في العقود الماضية. طبقة ظلت تتصرف كأن شيئاً لم يكن، بالرغم من الجحيم الذي أغرق لبنان جراء الحرب الاسرائيلية، التي أعادت احتلال أجزاء من الجنوب؛ وبالرغم من اغتيال السيد حسن نصرالله وسقوط الاسد المدوّي، والزلزال الذي اصاب المنطقة.
تغير الوضع الاقليمي ولم يتغير من تحكموا بلبنان، وأبقوا لبنان تحت الوصاية الخارجية، ولم يأخذوا علماً بالواقع الاقليمي والدولي الذي ولد من رحم “طوفان الاقصى”، سوى مرغمين . وبكل صفاقة، يتحدثون عن التدخل الخارجي وفقدان السيادة!!
أغرقونا في ظاهرة الجمود السياسي، وإنكار الواقع، التي وسمت الطبقة السياسية اللبنانية، عبر عقود طويلة.
فكيف يمكن تفسير ذلك؟
تشكلت الطبقة السياسية في لبنان منذ الاستقلال، بناءً على نظام المحاصصة الطائفي الذي قصد العدالة في التمثيل. لكنها تورطت تاريخيا، بشبكة من المصالح الفردية والعائلية والطائفية. وعجزت عن بناء وطن ودولة، ينتمي اليها مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات. لم يكن همها سوى الحفاظ على مصالحها، وحماية امتيازاتها الطائفية على حساب مصالح الشعب والدولة.
ولبنان، في موقعه، يمرّ بأزمات كبرى تتكرر دورياً. ويمرّ بصراعات داخلية وصلت في مرحلة معينة الى حرب أهلية واحتلالات متتابعة. وخلال هذه المحطات ترسّخت لدى السياسيين قناعة بأن الجمود والمماطلة، يوفران لهم أماناً أكبر من المغامرة بالقيام بتغييرات داخلية ضرورية، قد تكون غير متوقعة النتائج.
عاشت القيادة السياسية دائما من حالة إنكار للواقع، الذي يتغير بانتظام، فلا تعترف بالواقع المتغير، ومن هنا تبنيها لعقلية الحصار. فأمام التحديات والضغوط المستمرة، تتبنى هذه النخب عقلية دفاعية، تجعلها غير مستعدة للاعتراف بالتحولات. خوفاً من خسارة السيطرة والسلطة.
ما ساعد هذه الطبقة في قدرتها على الاستمرار، ما نعاني منه من غياب المحاسبة الشعبية لها؛ بعد ان تم إضعاف بنى الدولة، والبنى النقابية ومؤسسات الرقابة والمحاسبة، وتم حصر عمل المؤسسات المدنية والاجتماعية بأدوار الاغاثة والعون، كبديل عن الدولة المقصّرة دائماً.
وفي ظل غياب الاحزاب الحقيقية، كون السمة الغالبة للأحزاب السائدة، كونها طائفية، تلجأ من ناحية، الى الزبائنية لربط جمهورها؛ ومن ناحية اخرى، الى تأليب مكونات الشعب، متعدد الطوائف والمذاهب، ضد بعضهم البعض. ما أدّى الى عدم فعالية النظام الديمقراطي، وتغييب آليات المراقبة والمحاسبة. كل ذلك سمح للسياسيين ان يعتادوا على عدم مواجهة عواقب سوء إدارتهم.
يوجد في خلفية هذا المشهد نظام الولاءات: فالولاء ليس للوطن، لأن التركيبة الزبائنية، تعمّق الولاءات الشخصية والطائفية، وتجعل الطبقة السياسية غير مضطرة لمواكبة التغييرات الكبرى، لأن الدعم الشعبي لا يعتمد على الأداء، بل على الخدمات.
هناك ايضاً من الزاوية السياسية، ارتهان معظم السياسيين للخارج:
فالطبقة السياسية اللبنانية، لطالما كانت مرتبطة بالقوى الإقليمية والدولية. وهذا يجعلها تتردد في اتخاذ مواقف تواكب التحولات الإقليمية، لأن ارتباطاتها الخارجية تتعارض أصلاً مع بعضها البعض.
وامام الخوف من انهيار “الوضع القائم”، يصبح الحفاظ على الوضع كما هو، أسهل من مواجهة تداعيات التغيير في النظام السياسي، أو العلاقات مع الأطراف الإقليمية.
نأمل ان يحصل التغيير مع العهد الجديد، بمواكبة ودعم من الشعب المتعطش لاسترجاع الدولة، ومن المعارضة ومن القوى العربية والدولية، لتطبيق البرنامج الطموح.
لعلّ ذلك يخدم في التحول، نحو نظام أكثر عدلاً، ويخفف من تأثير المحاصصة الطائفية والاستتباع الخارجي. على ان يقوم المجتمع المدني بدوره في المراقبة والمحاسبة، وان يصبح أكثر فاعلية على المستوى السياسي، بتنشيط الحوار العام حول التغيير السياسي والاجتماعي.
مع ملاحظة، أن لا بأس بمن يعتبر انه حصل توافق، حفظا لماء الوجه. فكما قال الرئيس، وإذا انكسر أحدنا انكسرنا جميعاً.
*يُنشر بالتزامن مع بثه عبر أثير إذاعة “صوت لينان”
عن موقع (جنوبية)