صحيفة “نيويورك تايمز” : إيران تتوخى الحذر بعد الضربات الإسرائيلية ضد حزب الله
واشنطن – “القدس” دوت كوم – سعيد عريقات
ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن زعماء في طهران أشاروا إلى أن حركة المقاومة اللبنانية (حزب الله) هي التي سترد على إسرائيل بعد مقتل حسن نصر الله والتفجيرات في بيروت، في تلميح لنأي إيران بنفسها عن مواجهة محتملة مع إسرائيل والغرب.
ويستعرض تقرير الصحيفة الأحد، كيف أنه في المشهد المضطرب في الشرق الأوسط، كان يمكن للمرشد الأعلى الإيراني المسن آية الله علي خامنئي أن يعتمد دائمًا على التحالف الوثيق والولاء الثابت والصداقة العميقة لحسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، وبالتالي ، فإنه عندما قتلت إسرائيل السيد نصر الله في غارة جوية ضخمة يوم الجمعة، فقد قضت فجأة على قوة مفردة في التسلسل الهرمي للشركاء المقربين من خامنئي.
وقد رعت إيران لمدة 40 عامًا حزب الله باعتباره الذراع الرئيسي للقوى والميليشيات المرتبطة بها، كدفاع أمامي ضد إسرائيل. ولكن في الأسبوعين الماضيين، بدأت قدرة حزب الله في الانهيار تحت موجة تلو الأخرى من الهجمات الإسرائيلية على قياداته وترسانته واتصالاته.
وتدعي الصحيفة أن “الآن، انفتحت الخلافات داخل الحكومة الإيرانية حول كيفية الرد على مقتل السيد نصر الله، حيث يزعم المحافظون ضرورة الرد القوي، بينما يدعو المعتدلون، بقيادة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، إلى ضبط النفس”، وأن ذلك ترك إيران، وزعيمها الأعلى، في موقف ضعيف.
وتنسب الصحيفة إلى أربعة مسؤولين إيرانيين عرفوا السيد نصر الله شخصياً وأطلعوا على الأحداث، بما في ذلك عضوان في الحرس الثوري الإسلامي، (وطلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث علناً) إن خامنئي كان متأثراً بشدة بوفاة صديقه وكان في حالة حداد، لكنه اتخذ موقفاً هادئاً وعملياً.
يشار إلى أن خامنئي تبنى نفس النبرة في العلن. فبدلاً من مهاجمة إسرائيل، أصدر بيانين متحفظين، أشاد فيهما بالسيد نصر الله باعتباره شخصية رائدة في العالم الإسلامي ومحور المقاومة، وقال إن إيران ستقف إلى جانب حزب الله.
ومن الجدير بالذكر أن خامنئي أشار إلى أن حزب الله، وليس إيران، هو الذي سيقود أي رد على إسرائيل، وأن إيران ستلعب دوراً داعماً. وقال خامنئي: “إن كل قوى المقاومة تقف إلى جانب حزب الله. وسوف يكون حزب الله، على رأس قوى المقاومة، هو الذي سيحدد مصير المنطقة”.
وقال بعض المحللين إن هذه إشارة لافتة للنظر إلى أن خامنئي قد لا يكون لديه أي وسيلة للرد بفعالية في الوقت الحالي على الهجوم الإسرائيلي على حليفه الأول في المنطقة. “وفي مواجهة الاختيار بين الحرب الشاملة مع إسرائيل أو الاختباء من أجل الحفاظ على الذات، يبدو أنه اختار الخيار الأخير” بحسب الصحيفة.
وتنسب الصحيفة إلى سنام فاكيل، مدير الشرق الأوسط في تشاتام هاوس في لندن قوله: “لقد تم كبح جماحهم بالكامل من قبل إسرائيل في هذه اللحظة” مذكرا إلى “إن بيان خامنئي يشير إلى خطورة اللحظة والحذر؛ لكنه لا يلتزم علناً بأي شيء لا يستطيع تنفيذه”.
يشار إلى أنه بعد تصريحات خامنئي، كان هناك موجة من ردود الفعل من كبار المسؤولين الإيرانيين والقادة العسكريين بنفس النبرة الحذرة، حيث استعانوا بمجموعات ميليشيات أخرى في المنطقة للانتقام. وقال الجنرال حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري، إن “حزب الله وحماس وغيرهما من المسلحين الفلسطينيين” هم الذين سيوجهون الضربات إلى إسرائيل.
وفي طهران، ألقى نبأ وفاة السيد نصر الله بظلال من الصدمة والقلق على كبار المسؤولين الذين تساءلوا في مكالمات هاتفية خاصة وخلال اجتماعات طارئة عما إذا كانت إسرائيل ستضرب إيران بعد ذلك، وما إذا كان خامنئي سيكون هدفها التالي، كما قال المسؤولون الإيرانيون الأربعة في مقابلات هاتفية.
وقال محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني السابق، في مقابلة أجريت معه من طهران يوم السبت مع صحيفة نيويورك تايمز: “كانت هذه ضربة قوية بشكل لا يصدق، ومن الناحية الواقعية، ليس لدينا مسار واضح للتعافي من هذه الخسارة”. وأضاف: “لن نذهب إلى الحرب، فهذا أمر غير وارد. لكن إيران لن تتراجع عن مسارها في دعم الجماعات المسلحة في المنطقة، ولا في تهدئة التوترات مع الغرب. كل هذه الأشياء يمكن متابعتها في نفس الوقت”. وقال أبطحي إن الشعور الجماعي بين المسؤولين الإيرانيين كان “صدمة وغضب وحزن وكثير من القلق”.
ولكن هذا لم يكن مختلفا تماما عن المشاعر التي سادت بعد هجمات حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول، عندما احتفلت إيران وحلفائها الآخرون بالتوغل المفاجئ. عندئذ، هاجم حزب الله على الفور تقريبا شمال إسرائيل بالصواريخ ويستمر في تبادل إطلاق النار. ونشطت إيران تدريجيا شبكتها من “محور المقاومة” لفتح جبهات ضد إسرائيل وخلق حالة من الفوضى في المنطقة للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لوقف إطلاق النار مع حماس.
بالنسبة لإيران، بحسب الخبراء، فقد كان الرهان هو إبقاء الضغط مستمرا دون إشعال حرب إقليمية شاملة.
و”في نواح كثيرة، وصلت المواجهة التي استمرت عاما بين إيران ووكلائها وإسرائيل إلى ذروتها العنيفة عندما قُتل السيد نصر الله. ويبدو أن جهود إيران لإضعاف إسرائيل من خلال وكلائها أتت بنتائج عكسية، مما أدى إلى ضربة كارثية ضد حليفها الأثر إستراتيجية”.
وعندما انتشرت الأخبار بأن إسرائيل ربما قتلت السيد نصر الله، دعا خامنئي إلى اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي في منزله، كما قال المسؤولون الإيرانيون، خلال الاجتماع، انقسم الناس حول كيفية الرد. وزعم أعضاء محافظون، بمن في ذلك سعيد جليلي، المرشح الرئاسي السابق المؤثر، أن إيران بحاجة إلى إرساء الردع بسرعة من خلال توجيه ضربة إلى إسرائيل، قبل أن يجلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب إلى طهران، وفقًا لمسؤولين مطلعين على الاجتماع.
قال المسؤولون الإيرانيون إن الرئيس الإيراني الجديد ، مسعود بيزشكيان، الذي قضى الأسبوع الماضي في إخبار زعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن حكومته تريد نزع فتيل التوترات والتوافق مع الغرب، جادل ضد مثل هذا الرد، قائلاً إن إيران يجب ألا تقع في فخ نصبه السيد نتنياهو لحرب أوسع نطاقًا.
وزعمت أصوات معتدلة أخرى في المجلس أن نتنياهو تجاوز كل الخطوط الحمراء، وإذا شنت هجمات على إسرائيل، فقد تواجه إيران هجمات مروعة على بنيتها التحتية الحيوية، وهو أمر لا تستطيع البلاد تحمله، كما قال هؤلاء المسؤولون، خاصة في ظل الحالة المزرية للاقتصاد.
وبحسب الخبراء، فقد واجهت إيران سلسلة من التحديات على الصعيد المحلي ، من السخط العام ضد الفساد الحكومي وسوء إدارة الاقتصاد والصعوبات الواسعة النطاق إلى اختراق إسرائيل إلى صفوف الجيش والسياسة الإيرانية.
ويشار إلى أنه في نيويورك، أثناء الجلسة ال79 (الذي غطت مجرياته صحيفة القدس) قال بيزشكيان للصحافيين إن إيران مستعدة “لإلقاء أسلحتها إذا ألقت إسرائيل أسلحتها”، ودعا إلى تدخل قوة دولية لإحلال السلام في الشرق الأوسط.
وقد اضطر بيزشكيان إلى التعامل مع أزمتين رئيسيتين خلال الشهرين اللذين قضاهما في منصبه: اغتيال إسرائيل للزعيم السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في طهران ليلة تنصيبه، ومقتل السيد نصر الله الجمعة، 27 أيلول 2024.
وبحسب خبراء ، فقد جعلته هاتان الأزمتان هدفاً سهلاً للمحافظين في إيران الذين انتقدوا رسالته التصالحية في نيويورك، قائلين إنها أظهرت ضعفاً وشجعت إسرائيل على قتل السيد نصر الله. وزعم المحافظون أن إيران يجب أن تنشر مقاتلين في لبنان، كما فعلت مع الحكومة السورية في حربها الأهلية، لمساعدة حزب الله في حالة اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل.
وقال رجل الدين المحافظ آية الله محمد حسن أختري، رئيس اللجنة الإيرانية لدعم الفلسطينيين والرئيس السابق للعلاقات الدولية في مكتب خامنئي: “لقد هاجمت إسرائيل الخلية الأساسية للمقاومة، وبالتالي لا يمكننا أن نبقى غير مبالين”.
وقال عضوان في الحرس الثوري الإيراني ــ بما في ذلك استراتيجي كان في اجتماعات تخطيطية خلال اليومين الماضيين حول كيفية رد إيران ــ في مقابلات (مع صحيفة نيويورك تايمز) إن الأولوية الفورية لإيران هي مساعدة حزب الله على العودة إلى الوقوف على قدميه، وتسمية خليفة للسيد نصر الله، وتشكيل هيكل قيادي جديد وإعادة بناء شبكة اتصالات آمنة. وبعد ذلك، يمكن لحزب الله أن يخطط لرده على إسرائيل، على حد قولهما.
وقال عضوان في الحرس الثوري إن إيران تخطط لإرسال قائد كبير في فيلق القدس إلى بيروت عبر سوريا للمساعدة في توجيه تعافي حزب الله.
المصدر : جريدة (القدس) الفلسطينية