مقالات رأي

طائر فينيق 17 تشرين يخرج من الرماد.. مع «العماد» و«السلام»! علي الأمين

 

 

عادت جذوة 17 تشرين، لتتقد من جديد، وتخرج مثل طائر الفينيق اللبناني من رمادها، لتُحيي الحالة الوطنية والدستورية من سباتها العميق، والتي تمثلت اليوم بكسر طوق الطغمة الحاكمة، عبر إنجاز ثان يسجل لها، بتسمية القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة، ليتماهى مع حدث إنتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ليشكلا اللبنة الأولى لإعادة بناء الدولة وإخراجها من دائرة الدويلة، وترميم المؤسسات لتعبيد الطريق امام الحرية والسيادة والاستقلال.

تكليف القاضي نواف سلام رئيسا للحكومة، يفعّل دينامية جديدة على مستوى السلطة في لبنان، بدأت بانتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، من خارج المنظومة الحاكمة ومن خارج المعارضة، وحتى الطبقة السياسية التي انتخبته، كما سمّت لاحقاً سلام لرئاسة الحكومة.

دينامية التغيير اطلقتها ثورة ١٧ تشرين، التي اظهرت بوضوح يأس اللبنانيين من الطبقة الحاكمة وامكانية إصلاحها، وعبّرت بوضوح عن سعي لتغيير شامل.

لم يتحقق المطلب في ذاك الزمن، بل امكن قمع الانتفاضة وتشويهها، قمع تكفّل به “حزب الله”، عبر عملية قمع منظم، وتشويه من داخلها من خلال رفض بعض مكوناتها، او عجزها عن بلورة مشروع جامع، قادر على مواجهة المنظومة الحاكمة وضعضعة تماسكها، فكانت الانتخابات النيابية عام ٢٠٢٢ ونتائجها، تعبير عن تشويه إرادة اللبنانيين، بقيام خيار بديل متماسك في مكوناته النيابية، ومتناغم في رؤاه ونظام اولوياته.

بذور ١٧ تشرين بقيت حيّة، ولم يستطع القمع والتشويه كتم انفاس الحياة فيها، وبقي الناس يحفظون للجيش وقائده، «تفلّته» من جريمة قمع المتظاهرين، التي ارادت المنظومة زجّه بها، وبقي محافظا الى حدّ كبير على الحيادية اولا، وحماية المتظاهرين الى حدّ معقول من بطش الميليشيات، التي راحت تضرب بسيف شعار طائفي ومذهبي.

دينامية التغيير انطلقت اليوم، من داخل السلطة ومن موقعين دستوريين، اي الرئاسة الأولى ورئاسة الحكومة، وهذا ايضا ما كان ليتمّ، لولا التحولات التي شهدها لبنان خلال الحرب، من انكفاء السطوة الايرانية، التي جعلت “حزب الله” مقررا في انتخاب الرئيس، وتشكيل الحكومات وفرطها، وكان سقوط نظام الاسد عنصرا حيويا، في تفعيل دينامية التغيير في لبنان، بعدما تم اخراج ايران فعليا من هذا البلد، وحُرِّر لبنان من سطوة سورية، دامت اكثر من خمسة عقود، وسطوة ايرانية امتدت لربع قرن على الأقل.

لا غضاضة في الإشارة، الى الدور الاميركي والفرنسي والعربي، من خلال اللجنة الخماسية، في دفع عجلة التغيير الى الأمام، هو جليّ في انتخاب الرئيس جوزاف عون، وضمنيّ في تسمية نواف سلام، هو اعلان قبل ذلك عن انتقال لبنان من ساحة حروب لتصفية حسابات اقليمية ودولية، بقرار اميركي منذ العام ١٩٦٩ مع اقرار اتفاق القاهرة، الى مرحلة بناء استقرار لبناني على قاعدة الدولة. تقاطع مصالح دولي وعربي وشعبي لبناني، فرض دينامية التغيير على حساب ثنائية الدولة-الدويلة.

التحديات كبرى فيما وصل اليه لبنان، من تصدع وانهيارات على مختلف المستويات، لم يكن ليتخيله او يصل العدو اليه في تمنياته، وبالتالي ما هو مقبل من الايام هو الأصعب، وهو المعيار في ان يكون لبنان دولة او ساحة.

المؤشرات تدفع الى التفاؤل حتى الآن، فاللبنانيون ادركوا بعدما لمسوا معنى وثمن تهميش الدولة الباهظ، ان القانون بداية طريق استعادة كرامتهم وحقوقهم كمواطنين، في بلد يُحكَم من رجال يعني لهم الدستور والقانون ويروي تاريخهم احترامهم له والتزامهم به.

فخامة الرئيس ودولة الرئيس نموذجان مبشران على هذا الصعيد، لذا ثمة فرح لبناني اليوم، يبشر بفرح عميم، لكل لبناني طامح ان يكون مواطنا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى