فكر وفن

عبد الحسين شعبان في ثمانينيته   د. عبد الحميد الصائح *

        الشكر جزيل الشكر للشيخ الوجيه السيد ماجد الشيخ كامل آل سميسم ولآل سمسيم الكرام جميعاً ، وهم يقيمون عرسًا فكريًا اجتماعيًا هذا اليوم باستضافة استاذنا المناضل والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان  في عيد ميلاده الثمانين، وهي التفاتة  كريمة ذات بعد عال من الوفاء والعاطفة، حين يوقّع  شعبان على ثمانينه في مسقط رأسه، النجف ، نجف الشفاعة والمغفرة ، الارض الوحيدة في هذا الوجود التي تطمئن في حقولها أرواحنا ، كما احييكم ايها الاخوة ة الحضور الكرام واهنئكم بحلول شهر رمضان المبارك أعاده  الله تعالى عليكم وعلى أبناء شعبنا جميعاً بالخير والعافية والنجاح.  

وبعد:

       حين تقترب انسانياً من شخص كاتب أو فنان أو مفكر تتحول اللغة بعيداً عن المنهجية ولغة النقد والتقييم، إلى لغة القلب والتحسس عن قرب لسماته وحياته اليومية  وطموحاته ومستوى مقاومة نوازعه الإنسانية المعتادة . 

       ذلك ما حصل معي مرارًا مع الصديق والاستاذ المفكر الموسوعي عبد الحسين شعبان الذي حاورته وكتبت عن بعض كتبه قبل ما يقرب الثلاثين عامًا.

     وقبل قول كلمة مباشرة عنه، اهنئه ، أهنئ عبد الحسين شعبان على الجائزة التي تمنح له الآن في هذا  الحفل  الكريم ، فهي اعلى المراتب التي وصلها  ، وأعلى الجوائز التي حصدها ، وأجلّ التكريمات التي حدثت له في حياته، جائزة ، أن يكون في النجف ، ان تحتفي به مدينتُه  مستودعُ سره ومشيمتِه احتفاء مختلفاً عما رآه في مدن الدنيا التي حط رحاله عندها ، توشحه بتاريخها وتاريخه معا،  وتلوح له  بطفولته ، وتبارك آلامه ومحطات حياته المتقلبةَ في  منفاه الطويل ،وتقر من خلال اهلها الكرام أنها راضية عن ابنها المشاكس الذي لعب بالحياة مثلما لعبت به، منتصرا للعدالة في هذا العالم . 

     وهو شرف لنا جميعاً وفرح شخصي أن نكون في حضرة النجف، حضرة الروح وحضرة النبوّة والخلود والاجتهاد والاحتجاج واعلاء قيم الانسان الروحية إلى جانب اعلاء قيم العلم والعمل والفكر والجدل فيه. 

       ولأن عبد الحسين شعبان من هذه البيئة التي تنافس نفسها ان لم تجد منافسا لها. أشرق هذا الفتى باندفاعه وثوريته ويساريته التي لا يجدها – من خلال فكره وكتاباته – بعيدة او حتى مختلفة عن ثورية ألائمة ومدرسة العدالة التي شكلت مشتركا للديني واللاديني، للراهب والعالم، لسندة المحراب ولسكنة المختبر. فالثورة على الظلم وحق الانسان في الحياة، وتغير الاولويات بين وسائل حب الدنيا والتضحيةِ بها، انما هو واحد في كوكب النجف  مدينة الثوار التقاة الخالدين هذه.

    عرفتُ الدكتور عبد الحسين شخصيا من خلال العمل المباشر معه تحديدا عام 2000 في لندن التي وصلتها للتو بعد ان حاورته عن بعد اذاعيا وقد لفت اهتمامي وأنا أحاوره بداية التسعينات من القرن الماضي، انه كان الوحيد من بين المعارضين الذي يسمي الحصار على العراق بالحصار الجائر في زمن يتردد فيه الكثير منهم  عن قول ذلك  ومواقف شتى انا شاهد عليها .  التقيته مباشرة وكان يراس المنظمة العربية لحقوق الانسان في بريطانيا، في أحرج مرحلة يمر بها العرب وممثلو بلدانهم المتنازعة داخل المنظمة، الكويت والعراق ليبيا  اليمن السودان المغرب الجزائر فلسطين التي بقيت عين القلادة في  اهتمامه الفكري والنضالي فشهدت في أثناء أدائه نمطا فريداً من الدبلوماسية المسؤولة  والاحتواء السياسي وحسن التدبّر في الادارة والحوار مع الآخر .

         في تلك الفترة وبدعمٍ منه كنت عضوا في المكتب التنفيذي للمنظمة مسؤولا عن الثقافة والاعلام، بمعنى اني كنت قريبا جدا من الدكتور، يشرف على مجلة (الضمير) التي اقوم بتحريرها، ويحرر الكتب من الدراسات التي ينشرها  هو او تضمها المؤتمرات التي يقعدها ، فوجدته على مهارة عظيمة ودقة في المهنية ككاتب وصحفي . لا يتوقف عند تخصص محدد كان مهمومًا بقضايا الإنسان  موفِقا بين السياسي والثقافي ، يناضل ضد العنصرية في العالم في مراكز دولية حساسة مشرفا على منظمة معروفة لمناهضة العنصرية والصهيونية ، معرضا نفسه للمخاطر ومتحديا أعتى الانظمة حين كتب عن ظاهرة الاختطاف السياسي والف كتابا عن منصور الكيخيا الذي الهب غضب السلطات الليبية في حينه . ثم تجده يؤلف من هو العراقي ويدقق في صحة الوثائق التي تقود حياتنا ومستقبل بلادنا .  كما كتب في السيرة والادب والشعر  والفنون وحقوق المرأة وأزمة الفقر والرأسمالية والدين والمجتمع  والذاكرة والفلسفة والاسلام والحضارة، وكانت له اراء جريئة مسؤولة  ليست استعراضية ، جرأة تتأتى من قوة الرأي ووضوحه  وايضا من ثقلِ المصادرِ التي يستند اليها .

       ولعل النجفَ وأهلَها  راقبوا عبد الحسين الذي  يفتّش عن المشتركات بين الاسلام والعلمانية الثورية ، بين الشيوعية والقومية  بين التطلع إلى السلام وعدم الاستسلام ، بين رفض الاحتلال ورفض الديكتاتورية وهي مواقف تبدو للبعض متناقضة لكنها في حقيقتها تنطلق من مصدر واحد ، هي منظومة الحرية والعدالة والانسان  كمركزٍ وهدف . رافعاً راية حقوقَه غاية ووسيلة معاً.

       ايتها الاخوات ايها الاخوة …. اتوقف هنا ولن أتوقف عن  الحديث بحق الاستاذ الدكتور عبد الحسين شعبان ، فهي شهادة لا تنقطع عن ابنكم ابن العائلة العريقة الذي غادر النجف  فتى محارباً شرساً عاشقا، ترك فينا نحن الذين عشنا معه وقراناه وتعلمنا منه هناك رصيدًا من الفكر والثورة والعراك مع الدنيا ومتاهات المنافي،  وعاد اليكم سندباداً مرهقاً في الثمانين لاستعادة الفتوّة من النجف مرة اخرى .

 

كلمة الدكتور عبد الحميد الصائح خلال الاحتفال التكريمي للمفكر والباحث العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان في ديوان آل سميسم بالنجف الاشرف في 5 آذار / مارس 2025.

 

 *مدير المركز الثقافي العراقي في بريطانيا

شاعر وإعلامي

 

زر الذهاب إلى الأعلى