(فرانس 24) : “دليل التخريب الميداني البسيط” يعود من 1944 كأداة لـ”مقاومة” ترامب؟

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (يسار) ورئيس Tesla و SpaceX إيلون ماسك، في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 في براونزفيل، تكساس. © أ ف ب/ أرشيف
الشرق الأوسط (فرانس 24)
الكتاب المجاني الأكثر تحميلا حاليا هو “دليل التخريب الميداني البسيط” الذي كتب عام 1944 من قبل مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS) سلف وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). ولم يكن نجاح هذا الكتاب مفاجئا بالنسبة للمؤرخين المختصين في أجهزة الاستخبارات خصوصا في ظل تزايد المقاومة ضد أولى قرارات دونالد ترامب وإيلون ماسك.
كتابان مختلفان من حقبتين مختلفتين. في 20 كانون الثاني/يناير 2017، عندما تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة للمرة الأولى اكتشف عالم النشر أن رواية جورج أورويل الشهيرة المعنونة “1984”، والتي تعكس الواقع المرير للنظام الشمولي قد تصدرت مبيعات الكتب وانتشرت في كل مكان. وبعد ثمانية أعوام، ومع عودة رجل الأعمال إلى البيت الأبيض عرف العالم رواجا سريعا لكتاب مختلف تماما: هو “دليل التخريب الميداني البسيط”.
وفي 1 شباط/فبراير 2025 أصبح هذا الدليل، الكتاب الأكثر شعبية على منصة الكتب المجانية العالمية “مشروع غوتنبرغ“.
حين يتفوق دليل التجسس على شكسبير
في يوم الأحد 2 شباط/فبراير وحده، اقتنى أكثرمن 34,000 شخص هذا الدليل الصغير الذي يشمل حوالي 20 صفحة. و في الأسبوع التالي لتنصيب دونالد ترامب، تم تحميل “دليل التخريب الميداني البسيط ” 158,421 مرة على الإنترنت. وهكذا تقدم هذا الكتاب الموجه للمقاومين خلال الحرب العالمية الثانية بفارق كبير على روائع الأدب العالمي التي أصبحت من حقوق “الملك العام” مثل “موبي ديك”، “روميو وجولييت” أو “أليس في بلاد العجائب“.
هل ويليام دونوفان، مدير مكتب خدمات الأمن الخارجي في بداياته، ومؤلف هذه الوثيقة، أقوى من شكسبير أو هيرمان ميلفيل؟ حسب تساؤل سايمون ويلميتس، المتخصص في تاريخ أجهزة الاستخبارات في جامعة ليدن في هولندا، الذي يقول إن “هذه الوثيقة، التي رفعت عنها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السرية عام 2008، تصف نوعا ما تقنيات عادية للتخريب، مقابل عمليات التخريب الكبرى مثل تفجير الجسور“.
ويلخص سايمون ويلميتس الهدف من هذا المنشور بأن الجواسيس الأمريكيين الذين كانوا يعملون ميدانيا في أوروبا في نهاية الحرب العالمية الثانية استخدموا هذا الدليل، و”كان الهدف منه هو تقديم نصائح لتعليم المواطنين، خاصة في فرنسا، تقنيات بسيطة وفعالة في الوقت نفسه، لعرقلة المحتلين الألمان دون إثارة الشكوك“.
تعلم كيف تصبح عديم الكفاءة
يغطي دليل التخريب للمبتدئين هذا، مجموعة عريضة جدا من مواقف الحياة اليومية، وخاصة في المجال المهني. على سبيل المثال، ينصح رئيس أول جهاز مخابرات أمريكي خارجي المخربين المتدربين بإسقاط لفات كاملة من الورق في أحواض مراحيض المصانع المهمة للألمان من أجل إغراقها. كما يطلب من عمال السكك الحديدية طبع عدة تذاكر تحمل نفس أرقام المقاعد في القطارات التي يستخدمها الجنود الألمان. ويشير ويليام دونوفان إلى أن هذه “الأخطاء البسيطة” تؤدي حتما إلى خلق حالات صراع و فوضى.
يقول سايمون ويلميتس إن مهمة هذا الدليل وبصورة عامة “هي تعليم أي موظف في ذلك الوقت كيف يصبح عديم الكفاءة”. فهو يشجع قادة الفرق على تكريم أصحاب الأداء الأقل كفاءة مقابل توبيخ أولئك الذين يقومون بعمل جيد. كما يقترح على من يقوم بتقديم عرض عمله أمام الحضور أن يركز قدر الإمكان على إغراق محتوى الحديث في التفاصيل، أو الإصرار على الجوانب الأقل إثارة للاهتمام.
فالموظف في أسفل سلم الهرم المهني له دور متكافئ مع الكوادر في هذه الحرب النفسية. فكل ما يجب على الجميع فعله هو “تطبيق القواعد حرفيا وبدقة” من أجل إبطاء تنفيذ المهام قدر الإمكان. فيمكن مثلا للسكرتير المسؤول عن الرد على المكالمات الهاتفية أن يبقي المتصل منتظرا لفترة أطول من اللازم، أو حتى نسيان إعلام المدير العام بالمكالمات المهمة.
والهدف هو تعطيل تقدم الآلة الاقتصادية قدر الإمكان في الأراضي المحتلة. يقول روبرت دوفر، المتخصص في قضايا الاستخبارات والأمن القومي في جامعة هال: “هناك أمثلة تاريخية على نجاح تطبيق هذه التقنيات، خاصة في مصانع إنتاج المحركات التي أنتجت في نهاية الحرب قطع غيار مدة صلاحيتها قصيرة“.
هل هي معارضة صامتة لدونالد ترامب وإيلون ماسك؟
وبالنسبة لهذا الخبير، فإن هذا الدليل يفسر ما يمكن أن “يُعرف بـ’حرب البراغيث‘، أي الأفعال التي تكون قليلة العنف، ولكنها شديدة الإزعاج، مثل برغوث على أنف كلب“.
ويشير سيمون ويلميتس إلى أنه من وجهة نظر تاريخية، يعد هذا الدليل “مثيرا للاهتمام ويكشف عن العقلية السائدة في مكتب الخدمات الاستراتيجية في أيامه الأولى”. ويوضح هذا المتخصص أن تلك المجموعة الصغيرة كانت مشكلة من “عناصر مبدعة للغاية وقاموا بمبادرات غير مسبوقة في مجال الاستخبارات”. فعلى سبيل المثال، نشر رجال ويليام دونوفان، دليلا حول أشكال التنكر المثالية للتجسس.
ولم تكن عودة الشعبية والانتشار لهذا الدليل في عام 2025 مفاجئة للخبراء الذين حاورتهم فرانس24: “لقد أثار فعلا اهتمام أوساط اليمين المتطرف و’البقائيين‘ الباحثين عن حول كيفية ’محاربة‘ الدولة العميقة، وكذلك معارضي دونالد ترامب وإيلون ماسك“.
فقد كتب موقع 404 ميديا المتخصص في تأثير تكنولوجيا المعلومات: “إذا أردت أن تفهم مدى شعبية ’دليل التخريب الميداني البسيط‘، فكل ما عليك فعله هو زيارة منتديات موظفي الخدمة المدنية الأمريكية على موقع ريديت (Reddit) [شبكة تواصل اجتماعي مؤثرة]”.
فهذه المنتديات تعج فعلا بالدعوات إلى “المقاومة” ضد جهود دونالد ترامب وإيلون ماسك. الرامية للسيطرة الكاملة على أجهزة الدولة وتحويلها إلى هيئات موالية بنسبة 100%.
هل يتعلق الأمر بـ”مقاومين” جدد؟
ويواصل ويليمتس، الأمر لا يقتصر فقط على دونالد ترامب، فوصوله إلى الرئاسة لم يزد إلا من “تضخيم ظاهرة بانت بوادرها منذ عام. ففي ذلك الوقت، ارتبطت شعبية هذا الدليل بشكل مباشر بالإرهاق الذي ينتاب الموظفين في مكان العمل، وظاهرة “الانسحاب الهادئ”. وهو سلوك يتمثل في القيام بأقل قدر ممكن من الجهد للتعبير عن الاحتجاج على ظروف العمل السيئة.
ويلخص روبرت دوفرهذا بقوله: “لم تعد روح المرحلة بالنسبة لهؤلاء الأفراد نقاش المحتوى الأيديولوجي، كما كان الحال خلال الفترة الأولى من رئاسة دونالد ترامب حينما كان الجميع يقرأ رواية ’1984‘. اليوم هم يقرؤون أعمالا تطبيقية تمكنهم من اتخاذ إجراءات ميدانية”، وهذا لا يعني في المطلق أن هؤلاء “مقاومون” أو “منسحبون بهدوء” على أهبة الاستعداد لتطبيق دليل التخريب للمبتدئين الذي أنتجه أسلاف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ولكن الانتشار الواسع لهذا العمل يشير إلى عقلية مواجهة ملحوظة في الولايات المتحدة. سواء في مجال السياسة أو في المؤسسات.
المصدر : موقع ( فرانس 24)
النص بالفرنسية: سيباستيان سايبت/ أعده للعربية: عبد السميع عبد الحي