مقالات رأي

كلام كثير عن قنبلة ديمغرافية في العراق عبد اللطيف السعدون

أبواب العراق مشرعةً في موسم عاشوراء، فيدخل آلافُ يُرجّح ناشطون أن يكون منهم من استوطنوا ومُنِحوا الجنسية

كلام كثير عن
قنبلة ديمغرافية في العراق

عبد اللطيف السعدون

أبواب العراق مشرعةً في موسم عاشوراء،

فيدخل آلافُ يُرجّح ناشطون أن يكون منهم من استوطنوا ومُنِحوا الجنسية

في العراق كلامٌ كثيرٌ عن قنبلة ديمغرافية نشطة، وقابلة للانفجار في أيّ لحظة، عملت على صنعها جهات عديدة تريد الشرّ لهذا البلد، والكلام الكثير يخصّ أرقاماً إحصائيةً كانت مُخبَّأة في سجلّاتٍ ودفاترَ حكوميةٍ لا تصل إليها عيون الجمهور العام، قبل أن يكشفها ناشطون أكّدوا أنّ 762 ألفَ زائرٍ من أصل إيراني أو أفغاني أو باكستاني مُنِحوا الجنسيةَ العراقيةَ بعد مكوثهم في العراق، خلال زيارة عاشوراء في سنوات العقد الأخير، ومعظمهم لم يتجاوز مكوثُه أكثر من بضعة أشهر أو حتّى أسابيع، وأنّ تلك العمليات كانت بأوامر من جهات نافذة، ولا تُعلَن كي لا تثير غضب الناس، الذين يرون فيها مخطّطاً مشبوهاً يهدف إلى إجراء تغييرات في البُنية السكّانية في البلاد، بدفع من إيران، التي تسعى لإخضاع العراق، ووضعه في دائرةِ نفوذها جزءاً من مشروعها العرقي الطائفي، الذي يُشكّل محورَ استراتيجيتها في المنطقة.
يضيف هؤلاء الناشطون أنّ حركةً واسعةً لتشييد مئات المساكن بدأت تنمو في أطراف مدينتي النجف وكربلاء، لإسكان “العراقيين الجدد”، وأنّ قيادات في أحزاب حاكمة ومليشيات تقود هذه العملية وتدعمها، مشيرين بإصبع الاتّهام أيضاً، إلى “الحوزة العلمية”، التي يقال إنّها عملت على تجنيس أكثر من ألفي دارس من أصول غير عراقية، وضمنت لهم معيشتهم وسُكْناهم. إلى هنا، والحكاية لم تنته فصولاً، إذ انتقلت العدوى إلى المناطق الحدودية مع إيران، التي تشهد هي الأخرى تغييرات ديمغرافية خطيرة، وخصوصاً في مدينتي خانقين ومندلي، وغيرهما من مدن محافظة ديالى، وفي واقعة واحدة ضبط مكتبُ تحقيق النزاهة في المحافظة 1360 وثيقةَ إصدار جنسية غير مُستكمِلة الشروط القانونية، من أصل 4333 حالةً جرى منح الجنسية العراقية فيها لأجانب لم تتوافر في معاملاتهم الشروط التي يفرضها القانون العراقي لمنح الجنسية، وكانت إقامتهم في العراق لا تتعدّى السنة الواحدة في معظم الأحوال.

ولهذه الوقائع مُقدّماتٌ سبقتها، فقد كانت طهران “شاطرة” منذ أن قُدِّرَ لها أن تضع يدها على القرار العراقي في السنوات الأولى التي أعقبت الغزو الأميركي، وأن تشرع في تنفيذ مُخطَّطها الديمغرافي، مُستغِلَّةً هيمنتها على بعض قيادات الأحزاب الدينية، التي عادت من “المنفى”، حيث جرت عمليةٌ واسعةٌ لتجنيس آلاف الايرانيين ممّن كان النظام السابق قد طردهم في بداية الثمانينيّات، ثم امتدَّت تلك العملية التي أعطيت اسماً مُضلِّلاً هو “إعادة الجنسية”، لتشمل فيما بعد كثيرين منحدرين من أصول أفغانية وباكستانية، ومنهم من كان يعمل في دول الخليج، وقَدِمَ للعراق في موسم زيارة عاشوراء، وضمنت له جهات عراقية الإقامةَ والعملَ، والجنسيةَ أيضاً. وتوافق تداولُ تداعياتِ هذا المُخطَّط المشبوه في العلن مع إعلان وزير الشؤون الدينية الباكستاني شودري حسين “اختفاء” 50 ألفَ مواطنٍ باكستاني في العراق، بعد أدائِهم مراسيم زيارة عاشوراء، ثم قيل إنّهم لم يختفوا، بل “تخلَّفوا عن العودة”. وبالطبع، فإن المعنى واحد. واتجه الحديث بعد ذلك إلى “أنّ هؤلاء ستُعدَّل أوضاعهم بما يتماشى مع القانون العراقي”، وتبيّن لاحقاً أنّ هذا العدد الكبير من الباكستانيين جاؤوا في موسم زيارة عاشوراء في مدى سنوات وليس في سنة، وأنّ من أبقاهم “شركاتٌ وجهاتٌ وعدتهم بإيجاد أعمال لهم في العراق”، وقالت صحف باكستانية إنّ أعدادهم أكثر من 100 ألف، فيما عجزت السلطات العراقية عن تقديم إحصائية دقيقة لأعدادهم، لأنّ مُعظمهم يدخلون عادة من طريق إيران، وجرت العادة أن تكون أبواب العراق مشرعةً في موسم عاشوراء، فيدخل العراقَ الآلافُ من دون سمةِ دخولٍ أو حتّى جوازِ سفرٍ، وفي غمرة الضجّة التي أثيرت بشأن ذلك، اضطرت دوائر الجنسية العراقية إلى إعلان أنّ من بقي منهم هو 4176 زائراً فقط، ويُرجّح ناشطون أن يكون هؤلاء الباقون في العراق قد مُنِحوا الجنسية العراقية، واستوطَنوا العراق بعد حصولهم على عمل، وأصبحوا من أهل البلد، وربما حصلوا على امتيازات أخرى (!)
هذا بعض كلام كثير يدور بين عراقيين عن القنبلة الديمغرافية النشطة، التي زرعتها إيران في بلادهم، وتركتها لتفجّرها وقت ما تقتضي مصلحتها ذلك، وهم لا يملكون أمام هذه التداعيات كلّها ردّاً، بعدما أصبح مركز القرار العراقي بيد وكلائها النافذين، الذين يمتلكون من فائض القوّة ما يمكّنهم من كتم كلّ صوت وطني يقف في وجه هيمنة دولة ولاية الفقيه، ويتصدّى لمخططاتها.
كاتب وصحفي عراقي من جيل الرواد ، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، *
شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة “المثقف العربي”
يكتب مقالا اسبوعيا في (العربي الجديد) لندن

زر الذهاب إلى الأعلى