كيف أنهار نظام الأسد ضرغام الدباغ / برلين
كتب وقيل الكثير، وسيصدر المزيد في هذا الموضع الذي يبدو محيراً لبعض الناس والقوى، وحتى حكومات وأنظمة، كيف سقط نظام ديكتاتوري ربما هو الأعنف في التاريخ الحديث والقديم، خلال عشرة أيام من 8/ نوفمبر إلى 8 / ديسمبر. وفات عن الكثيرين أن الثورة السورية اندلعت فبراير / شباط عام 2011 (14 عاماً)، لقى فيها مئات الألوف مصارعهم (نحو مليون ونصف)، وملايين الجرحى والمعاقين، وملايين المهجرين خارج وطنهم (نحو 15 مليون مهاجر)، وملايين النازحين داخل البلاد.
هذه الأرقام التقريبية، متواضعة، ولكنها تدل على أن النظام، لم يكن مقتصداً في قتل المستائين، المعارضين، المنتفضين، الثوار … فأي ضرب من إبداء المعارضة لم يكن مقبولاً لدرجة القتل، ويستوي في ذلك الأطفال والنساء، والشيوخ، بل وتعدى ذلك إلى القتل الجماعي، والعشوائي، وصولاً إلى القتل باستخدام البراميل المتفجرة، ومسح أحياء وبلدات بأكملها، وصولاً إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، والسجن العشوائي، والتعذيب لدرجة الموت، والإعدام الميداني (دون محاكمة)، وتواصل هذا النهج الدموي دون توقف، والثورة مرت براحل مد وجزر، وجرى تشوبها كالعادة، خلافات سياسية وآيديولوجية، وبلغت درجات الخمود، ولكنها لم تتوقف ابداً ولم تعلن استسلامها، وبقيت تحافظ على رقعة مساحة (محافظة ادلب) كقاعدة خلفية لها.
قيادة الثورة / تجمع الفصائل العسكرية توصلت إلى إقامة قيادة عسكرية مشتركة، وضعوا العوامل المشتركة في المقدمة، وتجنبوا التناقضات الثانوية فيما بينها، في الواقع كانت وحشية النظام هي من دفعت الجميع لتجاهل تناقضاتهم الثانوية، انصياعاً لمستحقات القاسم المشترك الأعظم، وباشروا بإقامة تدريبات مشتركة، والتهيوء للمعارك المقبلة، وعكفت على دراسة عميقة للموقف السياسي على مسرح السياسة الدولية، ودراسة الموقف السوري القطري بكافة أبعاده، وموقف القوى المشاركة في العدوان على الشعب السوري : روسيا وإيران، وميليشيات ذيول إيران (عراقية، لبنانية، أفغانية، باكستانية) ومفردات الساحة العربية بالتفصيل، واحتمالات الموقف بكافة أبعاده، وشرعت بإعداد خطط دقيقة على أيدي خبراء تخطيط عسكريون سوريون من قوات الثورة، وبأدراك عال للمسؤولية الوطنية ومصير الوطن الصوري الذي تحدق به الأخطار المهلكة،
هذه الوحدة الوطنية المتلاحمة متمثلة بالقوى الثورية، يقابلها،
تراجع ملحوظ للمستوى الاقتصادي للبلاد، فالنظام لم يعد يمتلك شيئاً، والقوى الأجنبية هيمنت على المقدرات الاقتصادية، ودمرت النسيج الاجتماعي ، فالمصانع ليست آلات صماء يديرها اجراء، بل هي نسيج من علاقات اجتماعية / إنتاجية / إنسانية، وهذه دمرت من أساسها،
والجيش الذي كان يبلغ يوماً نحو نصف مليون جندي، لم يعد سوى بضعة ألاف بسلاح قديم متهالك، مستهلك، وجنود مرهقين بدنياً ونفسياً، وشعورهم بأنهم شبيحة يطاردون شعبهم، فلم تعد هناك قضية وطنية، وهم يدركون أن قيادتهم تتعامل سراً مع العدو عبر الوسطاء، على مدار الساعة، وفي عالم لم يعد يحتفظ بالأسرار،
يعلم جنود هذا الجيش المكلفون بحماية النظام الذين يتناولون وجبة يومية: حبة بطاطا واحدة، بيضة مسلوقة، حبة طماطة، رغيف خبز، ويتساءلون هل هناك شيئ يستحق من أجله أن يقتل الجندي السوري، مواطناً سورياً، ونظام يرفل بالفساد من قمة رأسه وحتى أخمص قدميه.
الجيش، قادته وجنوده، يعلمون أن مهمة الجيش أصبح حماية النظام الفاسد المنحرف وطنياً، وسياسيا واجتماعياً، وثمة حقيقة قاسية وبشعة في سوريا هي أن نظام الرئيس الأسد لا يتعاون مع عصابات المخدرات أو يسهل عملها مقابل رشاوى ولكن العكس هو الصحيح، حيث يعمل جميع تجار ومهربي المخدرات تقريباً لصالح الحكومة لأن جهاز الدولة نفسه يعمل كأكبر عصابة مخدرات في البلاد.
وفي دراسة استقصائية أجرتها صحيفة نيويورك تايمز أن الكثير من إنتاج وتوزيع المخدرات تشرف عليه الفرقة الرابعة المدرعة بالجيش السوري، وهي وحدة نخبة يقودها ماهر الأسد، الأخ الأصغر للرئيس. ومن هنا يتأكد من لا يعلم، أن حماية الوطن وتحرير أراضيه هي آخر ما يفكر به النظام وأنهم في الواقع يحمون رئيساً يمتلك هو وأسرته 4 مصانع مخدرات، تنتج المخدرات (الكبتاغون، وترامادول) بكمية تعادل 80% من المخدرات المستهلكة في الشرق الأوسط، تدر عليه أرباحاً تقدر 6 مليار دولار.
نظام أدخل القوى الأجنبية للبلاد، فجرح كرامتها قبل سيادتها، ناهيك عن المخاطر المميتة التي تحدق بها .
سيستغرق وقتاً وجهداً لأن تستعد سوريا (بعد التحرير) للحمتها الوطنية بعد أكثر من نصف قرن على نظام طائفي، لا يتورع عن إقامة المجازر، استرخص سيادة الوطن ومستقبله، من أجل مكاسب عائلية،
النظام فقد خواصه، النظام الذي أنبثق عام 1963، بدأ يحتضر، ثم أصيب بطعنة قاتلة بعد 1971، فالنظام الذي كان يعتبر قومياً / اشتراكياً، بل اعتبر في وقت أمل قوى اليسار العربي، أبتدأ يبتعد عن هذا المركز، وفي عام 1974 صار ضالعاً في القوى التي تتآمر على مشروع النهوض العربي، حين ساهم في قمع الحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينية، وقبلها أعلن العداء للحركة التقدمية السورية، فالنظام تخلى عن آخر خنادقه، وحين دخل النظام في مشروع توريث الحكم، أنتهى كنظام يمثل البعث العربي الاشتراكي.
ومنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في فبراير /2011، عجز النظام عن استيعاب طموح وآمال الجماهير، فالأجيال الجديدة من الشبيبة، تتطلع إلى أفق سياسي جديد، وبعد مضي نحو أربعة عقود على 8 / آذار / 1963، عجز النظام أن يكون الأفق المنشود. فلم يبقى حتى الغطاء الشفاف الذي يلبي الحد الأدنى من آمال الجماهير، فليس هناك أمل في التطور السياسي ولا الاجتماعي ولا الثقافي، وبتحالفه مع نظام ثيوقراطي طائفي / ديني (نظام ملالي طهران) أصبح القمع هو الخيار الوحيد، الذي تواجهه الجماهير، وأن على الشعب بأسره أن يتحول لفقرة بسيطة، ولم يعد النظام مقبولاً ولو بدرجاته الدنيا.
الاسد الأبن أحترق أبتداء من فبراير / 2011 بصورة درامية، لم يعد يحظى بالقدر القليل جداً من الاحترام حتى عند حلفاؤه وأصدقاؤه، إذ تصرف طوال رئاسته بسلسلة طويلة جداً من الاخطاء، بحيث لم يعد مقبولاً لأي طرف قريبا كان أو بعيدا، وسيقض ما تبقى من عمره بتعاسة وشعور بالضعة على الصعيد الشخصي وصفر … نعم صفر كبير في الحياة العامة السياسية والاجتماعية والثقافية، والسبب أنه في الواقع يفتقر لكل شيئ، ولا يمتلك من مزايا القادة حتى من الصنف الابتدائي، فلا هو طبيب، ولا سياسي، ولا ضابط، ولا يمتلك أي تاريخ سياسي له، فهو لم يكن حزبياً، (في حزب البعث العربي الاشتراكي) حزباً يقدس المراتبية الحزبية، ولا مثقفا في بلد الثقافة فيه هي من تقاليد الحياة العامة، هو لا شيئ .. لا شيئ البتة، عدا كونه أبن حافظ الاسد، أستدعوه من لندن ليقود حزباً وبلداً مهماً، ولهذه المزايا البسيطة جداً، نال أكثر مما يستحق بكثير … والآن ليخلد إلى الاستراحة تفوح منه ومن ثيابه رائحة الدماء، المخدرات، وسمعة ملوثة أنه قاتل، نهب أموال شعبه، وتاجر رسمي للمخدرات، ولم يعد أمامه أمر متاح الآن سوى انتظار الموت بضجر.