للحــُبِ عــيدُ اخترعنــَاهُ !!! عبدالهادي شلا

لا شك أن التقدم الحضاري وتطور الزمن بأدواته قد فتحا المجال أمام العقل والمشاعر كي تتخذ نهجا غير تقليدي في كل أمور الحياة بعد أن استقر الإيمان في القلوب وتفتحت البصيرة على عوالم الخير وأصبح من الصعب أن يتحول الفرد إلى ما لا نفع منه، وأن عيدا مثل عيد الحب لا يمكن أن يكون إلا لتأكيد المحبة بين الناس، ومن يرى غير ذلك أو يفعل منكرا فقد شطط عن الدرب وأخرج العيد من جماله وبهجته.
الحب قيمة إنسانية عالية تسمو بالروح ولا أعتقد أن إنسانا أحب يستطيع أن ينسى من أحب مهما تعددت الأسباب وطال البعاد والفراق فقد قال الشاعر:
“نـَقـِّـل فُـؤادَكَ حيثُ شـِئتَ مِنَ الهـَوى ما الحـُبُ إلا للحبيبِ الأولِ”
كثيرون لم تفارقهم صورة تلك “الفتاة أو الفتى الأول” الذي طرق باب القلب، ومثلهم مازالوا يحتفظون برسائلهم الأولى البريئة التي تبادلوها وأخفوها بين صفحات الكـُتب حتى اصفر لونها ولم تفقد بريقها في النفس كلما وقعت عليها العين فيتجدد الشعور الجميل ويخفق القلب كأول عهده بالحب.
يستحق الحب من الجميع أن يحتفل به وان يستعيد ذكرياته وينتشى بها وللمحب أن يصنع صورة جديدة لمن أحب يضيفها من خياله الخصب الذي اكتسبه في مسيرة الحياة.
وله أن يبقى ثابتا على حب بعض الذين ارتبط بهم ونشأ بينهم وتربى على أيديهم فلا تبدله الأحداث ولا تضيع خفقات قلبه تحت وطأة وضغط الحياة.
ولا يكون الحديث عن الحب والمحبة إلا حضرت كلمات نزار قباني:
“الحـُبُ في الأرضِ بعضٌ من تَخيـُلنا لو لم نَجـِدهُ عليها لاختـَرعناهُ”
لنكتشف أن الحب غريزة في البشر به تستقر النفس وتسكن راضية وسعيدة.
يَحتفل كثير من دول العالم “الكنيسة الشرقية” يوم الرابع عشر من فبراير من كل عام بعيد الحب، في حين يُحتفل به يوم السادس من يوليو حسب “الكنيسة الغربية”، فما حكاية هذا اليوم الذي يسعد به البشر لما يحمل من معانيَ ومشاعرَ تلتقي على أسمى صفة يمكن للإنسان أن يتصف بها؟!
أشارت الروايات إلى أن الإمبراطور الروماني “كلاوديوس” قد ظن أن الرجال بالزواج يتهربون من الالتحاق بالجيش لأن القانون كان يمنع المتزوجين من الالتحاق به، لكن قديساً اسمه “فالنتيونس” يعتنق المسيحية كان يزوج الشباب سراً، فألقي القبض عليه ونُفذ فيه حكم الإعدام.
وتشير القصص إلى أن عددا من الشباب قد زاره في فترة حبسه قبل إعدامه يوم الرابع عشر من فبراير 269م، ومعهم رسائل قالوا فيها إن: الحب أفضل من الحرب، وهي أول رسائل الحب التي كُتبت.
وهناك رواية أخرى بأن قسيسا مسيحيا آخر اسمه” فالنتيونس” قد تم سجنه لمعاونته المسيحيين، وخلال فترة توقيفه أحب ابنة السجان الذي كان قائما عليه، وانتهى الأمر بإعدامه، لكن البابا “يوليوس” فيما بعد أقام كاتدرائية فوق قبره واعتبر يوم الرابع عشر من فبراير 469 يوما مقدساً.
وبعد أن تحرر الناس من قيود الكنيسة أخذ الاحتفال بعيد الحب نظرة إنسانية سرعان ما تحولت إلى فعل اقتصادي مادي، فغلب عليه ظاهرة التسوق وتبادل الهدايا التي يرمز لها بالقلب الأحمر الذي كان يعتقد أنه مصدر كل العواطف، لكنه أصبح مقترنا بالحب فقط، وأن اللون الأحمر يرمز إلى الأحاسيس والمشاعر الجياشة.
وفي 1969 خرج هذا التاريخ من التقويم الكاثوليكي وصار مناسبة اقتصادية في عالم السوق التجارية تخصص لها شركات الإعلان مساحات كبيرة عبر كل وسائل الإعلام، وتدب حركة غير عادية في الأسواق، وتعرض المحلات التجارية نماذج لقلوب حمراء، و ورود وغيرها يقبل عليها المحتفلون.
في مجتمعاتنا العربية اختلفت الآراء حول الاحتفال بهذا اليوم، وأنه تشبّه بغير المسلمين، وهذا من المحرمات استناداً إلى روايات وآيات تنهى عن الحب لغير الله ورسوله في المقام الأول، وأن حب الوالدين والأهل والأصدقاء مقدم أيضا ضمن المشاعر الإنسانية الواجبة.
لكن رأياً آخر لم يجد غضاضة في الاحتفال بهذا اليوم كعادة اجتماعية بشرط عدم الخروج عما تطلبه الشريعة في تعامل الأفراد مع بعضهم، وتبادل الهدايا المحببة: “لا مانع أبدًا فى الشرع أن الناس تتفق على أيام معينة يجعلونها خاصة لبعض المناسبات الاجتماعية طالما لا تختلف مع الشريعة، مثل يوم تكريم الأم فلا مانع منه، ولا مانع أن نتخذ يومًا من الأيام كي يظهر كل شخص للآخر مشاعره نحوه وأنه يحبه”.