سياسة

لليهود: أتظنون أن “أوشفيتس” تمنحكم الضوء الأخضر لارتكاب جرائم حرب بحق الشعوب؟  جدعون ليفي *

  

لن يذهب رئيس الحكومة، نتنياهو، هذه السنة للاحتفال بالذكرى الثمانين لتحرير معسكر الإبادة أوشفيتس في بولندا، لخوفه من الاعتقال عقب إصدار “لاهاي” أمر الاعتقال ضده. هذه المفارقة الصعبة والكبيرة للتاريخ تقدم لنا نقطة التقاء سريالية، كان يصعب تخيلها حتى الفترة الأخيرة. علينا تخيل نتنياهو وهو يهبط في كراكوف ويصل إلى أبواب أوشفيتس، ثم يعتقله رجال الشرطة في بولندا تحت لافتة كتب عليها “العمل يحرر”. مجرد تفكير بأن رئيس حكومة إسرائيل هو الوحيد من بين كل الشخصيات والدول الذي يمنع من المشاركة في احتفال ذكرى أبناء شعبه لخوفه من القانون الدولي الذي يحلق فوق رأسه؛ المستشار الألماني يحق له المشاركة، أما نتنياهو فلا.

قبل ثمانين سنة، عندما تم تحرير أوشفيتس، هذا كان يبدو التطور الأكثر هستيرية الذي يمكن تخيله. أما الآن فالأمر مختلف. قبل ثمانين سنة، كان يمكن لليهود اختيار إرث من اثنين. وهذا لم يعد موجوداً، لن يقف اليهود ذات يوم أمام خطر مشابه. هذا لن يتكرر؛ لا أحد في العالم سيقف أمام هذا الرعب مرة أخرى؛ إسرائيل اختارت الخيار الأول مع إضافة قاتلة: بعد أوشفيتس، مسموح لليهود فعل أي شيء. وقد طبقت ذلك في السنة الأخيرة مثلما لم تفعل في أي يوم. رئيس الحكومة هرب من احتفال أوشفيتس، ربما هذه هي الطريقة الأكثر فظاظة لإثبات ذلك. كون أوشفيتس هي المكان الأول الذي يخشى نتنياهو الوصول إليه من بين كل الأماكن في العالم، أمر يصرخ بالرمزية وبالعدل التاريخي.

زعماء دول أخرى سيشاركون في الاحتفال الذي سيجري في 27 كانون الثاني القادم، أما نتنياهو فلا؛ لأنه مطلوب من قبل المحكمة التي تشكلت عقب ما حدث في أوشفيتس بسبب جرائم حرب هو متهم بها، والتي أصبحت تشبه جرائم أوشفيتس بسرعة مدهشة. المسافة بين أوشفيتس وغزة، مع توقف مؤقت في لاهاي، ما زالت طويلة، لكن لم يعد بالإمكان الادعاء بأن المقارنة لا أساس لها من الصحة. عندما نقرأ المقال الذي نشره ينيف كوفوفيتش حول ما يحدث في محور الموت في نتساريم (18/12) ندرك أن هذه المسافة تتقلص بشكل مستمر.

كان محظوراً دائماً مقارنة أي شيء بالكارثة وبحق. لم يكن هناك شيء مثلها. جرائم الاحتلال القاسية جداً تتقزم أمام جرائم أوشفيتس. إضافة إلى ذلك، فإن هذه المقارنة دائماً أخرجت إسرائيل بيضاء كالثلج، واعتبر من يقف ضدها لاسامياً. في نهاية المطاف، لا توجد معسكرات إبادة في غزة، لذلك يمكن صد أي تهمة بسهولة. لا توجد معسكرات إبادة، لذلك فإن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. أيضاً لن يكون في أي يوم معسكرات إبادة في غزة. مع ذلك، بدأت المقارنة تصرخ من تحت الأنقاض ومن القبور الجماعية.

عندما يعرف الفلسطينيون في غزة أن المكان الذي تركض فيه الكلاب الضالة تتراكم فيه الجثث لنهشها، فإن ذكريات الكارثة تبدأ في الظهور. وعندما يكون في غزة المحتلة خط موت وهمي ويكون الموت مصير كل من يجتازه، حتى لو كان طفلاً جائعاً أو شخصاً معاقاً، فإن ذكريات الكارثة تبدأ في الهمس. وعندما يتم تنفيذ تطهير عرقي في شمال القطاع وتتجلى علامات الإبادة الجماعية، فإن ذكريات الكارثة تصبح مدوية بالفعل.

7 أكتوبر بدأ يرتسم كانعطافة مصيرية لإسرائيل، هو يشبه الكارثة السابقة، حرب 1967، التي هي أيضاً لم يتم تشخيصها في الوقت المناسب. ففي حرب الأيام الستة، فقدت إسرائيل الحياء، وفي 7 أكتوبر فقدت الإنسانية. وفي الحالتين يدور الحديث عن ضرر لا يمكن إصلاحه.

في هذه الأثناء، يجب التفكير بالمكانة التاريخية وإدراك معناها: الاحتفال بالذكرى الثمانين لتحرير أوشفيتس، يسير زعماء العالم بصمت، ويسير إلى جانبهم الناجون الذين ما زالوا على قيد الحياة، أما مكان رئيس حكومة الدولة التي قامت على أنقاض الكارثة فهو غير موجود، وذلك لأن دولته أصبحت مجذومة، وبات مطلوباً من قبل المحكمة المقدرة جداً بسبب جرائم حرب. يجب رفع الرأس للحظة عن فضيحة حاني بلفيس وقضية فيلدشتاين: لن يكون نتنياهو في أوشفيتس، لأنه مطلوب بسبب جرائم حرب.

* هآرتس 22/12/2024

عن (القدس العربي) لندن

 

زر الذهاب إلى الأعلى