مئات الشهداء بمجازر “سهام الشمال”.. والحرب الشاملة تقلق العالم
الولايات المتحدة الأميركية ترسل المزيد من القوات إلى المنطقة (سوشيال ميديا)
“سهام الشمال” هو الاسم الذي اختاره العدو الإسرائيلي لعمليته العسكرية الموسعة في لبنان. إنها عملية عسكرية إذاً، لم يطلق عليها مصطلح الحرب. “سهام الشمال” هو العملية الرابعة، بعد عملية “الليطاني 1978″، و”سلامة الجليل 1982″ و”تغيير الاتجاه 2006”. لكنها حرب مختلفة في الشكل وفي المضمون. في اليوم الأول من هذه العملية ارتكب الاحتلال مجازر عنيفة، أدت إلى سقوط ما يقارب الـ 500 شهيد، وجرح أكثر من 1600. عائلات بأكملها لقت حتفها تضم نساء وأطفال. إنها المجازر الإسرائيلية في لبنان تتجدد، بذريعة ضرب أهداف عسكرية. عملية اشتملت على تهجير عشرات الآلاف من أبناء الجنوب والبقاع والذين علقوا في سياراتهم على الطرقات بسبب الازدحامات الخانقة. تواصلت الغارات الإسرائيلية في الليل بعد النهار، موجات كثيفة من عمليات القصف والاستهداف، ما بين البقاع والجنوب.
اتصالات دولية
على وقع التصعيد الكبير، شهدت الأروقة الدولية بعض الاتصالات بين وزراء الدول العربية، وعدد من المسؤولين الدوليين، فعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً في نيويورك لإدانة العدوان والمطالبة بخفض التصعيد، أما فرنسا فدعت مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة. الأمين العام للأمم المتحدة عبّر عن قلقه من تصاعد المواجهات، كذلك صدرت مواقف منددة عن دول عديدة عربية وأجنبية.
وأعربت دولة قطر عن إدانتها الشديدة للعدوان الإسرائيلي على لبنان، الذي أسفر عن سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى. وفي بيان صادر عن وزارة الخارجية القطرية اليوم، 23 ايلول 2024، حذرت قطر من خطورة تصاعد العنف في المنطقة، معتبرة أن الوضع قد ينزلق إلى حرب إقليمية شاملة، لا سيما في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة. وأشارت الوزارة إلى أن استمرار التصعيد ناتج عن غياب أي رادع لتصرفات إسرائيل وخرقها المستمر للقانون الدولي، فضلاً عن إفلاتها من المحاسبة. وحذرت من أن هذا الوضع يزيد من تعقيد الأزمات في المنطقة ويعرضها لمزيد من التوترات التي قد تكون لها تداعيات خطيرة على المستوى الإقليمي والدولي. ودعت الخارجية القطرية المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لإلزام إسرائيل بوقف عدوانها على لبنان وقطاع غزة، مجددة التزام دولة قطر بدعم كافة الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. كما أكدت على موقف قطر الثابت في دعم لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، ودعم الجهود الرامية لتعزيز استقراره وازدهاره.
ودعت الخارجية السعودية المجتمع الدولي والأطراف المؤثرة إلى تحمل مسؤولياتهم في السعي لإنهاء الصراعات القائمة، مؤكدة على أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته، بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي. أما مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل فعبّر عن خشيته من حرب شاملة في الشرق الأوسط قائلاً: “التصعيد في لبنان خطير”. بينما دعا وزير خارجية بريطانيا إلى وقف اطلاق النار فوراً.
التصعيد التدريجي
وذكرت هيئة البث العام الإسرائيلية (“كان 11”)، أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قرر أن يكون تصعيد العمليات العسكرية والهجمات على لبنان تدريجيا، وذلك “في محاولة لتجنب حرب شاملة وفرض تسوية” على الحزب، تتيح إعادة سكان شمالي إسرائيل إلى منازلهم. وبحسب التقرير، عرضت المؤسسة العسكرية على نتنياهو خيارين رئيسيين لتصعيد العمليات والهجمات الواسعة في لبنان: الأول “تنفيذ سلسلة هجمات دراماتيكية ضد حزب الله بشكل متزامن”، والثاني “تنفيذ العمليات المخططة بشكل تدريجي”، وقد فضل نتنياهو الخيار الثاني. وأفادت القناة بأن إسرائيل قامت بإبلاغ الولايات المتحدة بالهجوم الواسع الذي بدأت بشنه اليوم على لبنان. ووفقا للتقرير، فإن واشنطن “أعطت الضوء الأخضر للهجوم – انطلاقًا من القناعة بأنه لا يمكن في الوقت الحالي التوصل إلى اتفاق دبلوماسي يؤدي إلى وقف إطلاق النار في الشمال وإعادة السكان إلى منازلهم”.
في السياق، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي اجتماعات أمنية وسياسية، وقد تم تفويضه إلى جانب وزير الدفاع مجدداً باتخاذ القرارات والخطوات اللازمة، كما صادق رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي على خطط جديدة لتوجيه المزيد من الضربات لحزب الله. ونقلت القناة ١٢ الإسرائيلية أنه وفق تقديرات الجيش الإسرائيلي فإن استهداف بيروت أو تل أبيب قد يؤدي إلى حرب شاملة. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية فإن المجلس الوزراي المصغّر والذي أنهى جلسته منتصف الليل قرّر توسيع عمليات القصف في لبنان، وفي نفس الوقت نقلت الوسائل الإعلامية عن استعداد إسرائيل لمنع التصعيد في حال وافق حزب الله على ترتيبات أمنية حدودية جديدة.
عودة السكان
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، قال إننا “نواجه وضعاً صعباً منذ 11 شهراً ومواطنونا يعانون وتحركنا يهدف لتغيير هذا الواقع، والجيش مستعد وسنفعل كل ما هو ضروري لإعادة السكان إلى الشمال بأمان”. ولفت هاغاري، إلى أن “أمامنا أيام مليئة بالتحديات ولا تغيير على تعليمات الجبهة الداخلية، ونحن نواجه التهديدات على كافة الجبهات ونتصدى لها باسم شعبنا”، معتبراً أن “مخطط حزب الله هو تحويل جنوب لبنان إلى ساحة معركة للاعتداء على إسرائيل”وأفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مسؤولين إسرائيليين كبار، بأن “لن نتوقف قبل عودة السكان إلى منازلهم وهذا سيستغرق بعض الوقت، وإسرائيل وحزب الله لم يظهرا بعد شيئاً من قدراتهما ونحن في حدث متدحرج”.
الضمانات لإسرائيل
وقد أعرب المتحدث بإسم البيت الأبيض جون كيربي، مساء اليوم، عن قلقه من التصعيد الذي يشهده حالياً في الشرق الأوسط. وأعلن كيربي أنّه “لا نزال نعتقد أن الحل الدبلوماسي قابل للتحقيق ومُلِح”. أضاف: “التزامنا بضمانات “إسرائيل” الأمنية صارم وثابت ضد جميع التهديدات المدعومة من إيران بما في ذلك حزب الله”. وزارة الدفاع الأميركية أعلنت أن “الولايات المتحدة سترسل عدداً محدوداً من القوات الإضافية إلى الشرق الأوسط في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة، بدون أن تذكر تفاصيل إضافية”. وقال المتحدث باسم البنتاغون المايجور جنرال بات رايدر للصحافيين: “في ضوء التوتر المتزايد في الشرق الأوسط، ومن باب الحيطة والحذر، نرسل عدداً محدوداً من العسكريين الأميركيين الإضافيين لتعزيز قواتنا الموجودة بالفعل في المنطقة”، رافضاً تقديم مزيد من المعلومات لأسباب أمنية”. وحذر رايدر من “تصعيد العنف بين إسرائيل وحزب الله”، داعيا إلى “حل دبلوماسي”. وأضاف: “من الواضح أن هناك احتمالا لتصعيد هذه العمليات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله بحيث تخرج عن السيطرة لتصبح حرباً إقليمية أوسع نطاقاً، ولهذا السبب من المهم للغاية أن نعالج الموقف من خلال الدبلوماسية”.
معارضة الغزو البرّي
وأعلن مسؤول كبير بالخارجية الأميركية في بيان، أن أميركا تركز على كسر حلقة الضرب والضرب المضاد بين إسرائيل وحزب الله، قائلاً: “نعارض غزواً برياً إسرائيلياً للبنان ونعمل بجد للوصول إلى حل دبلوماسي بين إسرائيل وحزب الله. ولفت المسؤول الاميركي إلى أن التركيز الرئيسي لنقاشات وزير الخارجية انتوني بلينكن مع الحلفاء والشركاء هو إيجاد سبيل لمنع المزيد من التصعيد، وأفكار واشنطن تعكس مناقشاتها التي أجرتها مع الإسرائيليين. وشدد على أن أميركا تركز على كسر حلقة “الضرب والضرب المضاد” بين إسرائيل وحزب الله، وأكد بان واشنطن لا تعتقد أن الغزو البري للبنان سيسهم في تقليل التوتر بالمنطقة، ومن المهم للجميع أن يأخذوا التحضيرات الإسرائيلية على محمل الجد. ورداً على سؤال عن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه حزب الله، قال: “لا أتذكر فترة في الذاكرة الحديثة أدى فيها التصعيد إلى عدم التصعيد”.
المصدر : (المدن) البيروتية