من ذاكرة العلاقات الدبلوماسية ضرغام الدباغ / برلين
مراسم تقديم أوراق الاعتماد من السفير الذي قبلت سفارته، إلى ملك/ رئيس البلاد، هي الافتتاح الرسمي للعلاقات الدبلوماسية بين دولتين، وبالتأكيد يحرص السفراء إبداء أعلى آيات اللطف والتهذيب، لتكون بداية حسنة مشجعة للعلاقات. ومن جانبهم الملوك والرؤساء، يستقبلون هذا اللطف والتهذيب الذي يظهره السفير الذي يرافقه خلال مراسم تقديمه لأوراق اعتماده، الشخصيات المهمة من طاقم السفارة من الدبلوماسيين والملحقين.
وشخصياً سمعت من عدد من الدبلوماسيين الممتازين، ذكريات طريفة، منها حالة نادرة أن يقدم سفير أوراق اعتماده 3 مرات لنفس الرئيس، لم أسمع حادثة مماثلة لها، تلك التي صادف حدوثها لسفير الجمهورية العربية السورية، د. صلاح الدين الطرزي، وهو دبلوماسي رفيع المستوى اختارته وزارة الخارجية ليمثل بلاده في جمهورية الصين الشعبية، وبعد فترة قصيرة تمت الوحدة الاندماجية الكاملة بين مصر وسورية في دولة واحدة، وأصبح للبلدان سفارة واحدة، أختير الدكتور الطرزي أن يكون سفيرا للجمهورية العربية الماحدة في بكين، فقدم أوراق اعتماده مرة ثانية للرئيس ماوتستونغ، وبعد سنوات قليلة حدث الانفصال المشؤوم، فانفصلت الدولتان، وأعيد فتح سفارة الجمهورية العربية السورية في بكين، وبقاؤ الدكتور الطرزي سفيرا فيها.
وحين قدم الدكتور الطرزي أوراق اعتماده للمرة الثالثة، كانت تلك حادثة نادرة للسفير المخضرم، وللرئيس ماوتسي تونغ على حد السواء، والطرزي بالإضافة لتخصصه في القانون الدولي (أهله فيما بعد ليكون عضوا في محكمة العدل الدولية / بروكسل) فهو يجيد لغات عدة، ومثقف ثقافة عميقة، تجعله أهلاً لمحادثة الزعماء التاريخيين، ويسمع منهم ما لا تذكره أوراق الكتب والصحائف، فحدثني د. الطرزي عن علاقته الوثيقة بالزعيم الصيني، الذي أقترح عليه مرة أن يخرجا في عطلة نهاية الأسبوع، بنزهة معاً، أراد منها الزعيم الصيني أن يروي للسفير الطرزي ذكريات شبابه وصباه، في مسقط رأسه، وكانت أسرة الزعيم الشيوعي من الاقطاعيين الأثرياء، ولهم في المنطقة الخاصة بهم، قصر كبير أشيه بالحصن أو القلعة،
لا شك أن يخص زعيم تاريخي كماوتسيتونغ، سفيراً أجنبياً/ سورياً، بذكريات وأحداث شخصية، دلالة على عميق احترامه لبلاده ولشخص السفير، فروى للسفير تفاصيل القصر، وأهم أحداثه، وحين خرجا لبوابة القصر، كان هناك نهير صغير(جدول) وجسر صيني الطراز التقليدي، قال الزعيم ماو: أن والده كان قد عنفه بسبب أفكاره الماركسية وانظمامه للحلقات الثورية خلال دراسته في الجامعة، وأن ذلك من شأنه أن يهدد مكانة الاسرة الاقتصادي ونفوذه الاجتماعي/ السياسي، وقال له والده، أنه إن واصل هذه الأنشطة، فعليه أن يغادر الاسرة ويختار لنفسه مكاناً آخر.
يقول القائد ماو أنه فكر بمقترح والده، والخيارات البديلة المتاحة، ولكن شيئ كان أكيداً، أنه سوف لن يترك العمل الثوري، ومهما كانت الخيارات الأخرى، فإنها أهون من أن يهجر العمل الثوري، فيقول حين خرجت من القصر، وقفت هنا في منتصف هذا الجسر الصغير / الكبير في معناه، ونظرت للقصر / الحصن، فقررت أن التحق بالصين لا بعائلتي.
صلة لطيفة ملؤها الاحترام المتبادل بيني وبين السفير الطرزي، كان يحرص على لقائي كلما قصدت البلد الذي كان يعمل فيه. فنلتقي بأحرام متبادل وفي كل زيارة أستفيد منه كثيراً . للأسف توفي د. الطرزي بحادث سير مؤسف في السبعينات.
رباط السالفة:
سفير إيران البهلوية في بغداد، حين قدم أوراق اعتماده للرئيس عبد السلام عارف، تلفظ ببضعة كلمات لا يقولها عاقل حصيف حين قال أن بلاده تأمل معاملة ال … العراقيين معاملة جيدة (أو شيئ من هذا القبيل)، فما كان من الرئيس عارف، إلا أن قاطعه ونهره، أن المقابلة انتهت، وحديثك هذا غير مقبول، ورفض قبول اعتماده.
ولكن الملالي هم آخر البشر الذين يستفيدون من التجارب، فيصرون على مواصلة اللعب طالما اللعب ببلاش، فيموت غيرهم وحتى مواطنيهم، ولكنهم لا يتعلمون، فقد أتصل الملالي بالشخصية السياسية السورية الكبيرة د. برهان غليون للأستاذ بجامعة السوربون / باريس، عارضين عليه المحادثة، فحين أستفسر الدكتور غليون عن فحوى المحادثة ” ماذا تريدون من سوريا “، فيا لدهشة الدكتور غليون كانت الإجابة ” نريد كل سوريا، فهي يوما كان الفرس (إيران لم تكن موجودة بعد ..!) يحكمونها قبل 3000 سنة ..؟
بالله عليكم ماذا نسمي هذا الهذيان … حمى ..؟ زهايمر … مس من الجنون ..؟ وأنا الذي أحسنت الظن حين اعتقدت أن الملالي سيدركون حجم الأخطار وحتما هم بصدد مراجعة سياساتهم … الدول تستفيد من عقلائها، ومن تجاربهم، ويقرأون ويستفيدون من تجارب غيرهم، فيكون طرحهم مهذباً عاقلاً حصيفاً، هل الفرس مصابون بفايروس، أم مرض أم ماذا … ألم يبق عقلاء بينهم ينصحونهم بأنهم سيهدمون البلاد بأسرها ..
هم مرضى … ولا ينفعهم البراسيتول …! الامر بحاجة لعملية جراحية والله أعلم …!