وداعا الى المجد والخلود اخي أبو شيرين احمد موسى جياد
لي مع الأخ العزيز الراحل البروفسور د. طارق يوسف إسماعيل “أبو شيرين” علاقة متواصلة تزيد عن ربع قرن، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة كالكري الكندية.
بعد اتصالات عديدة عبر البريد الإلكتروني التقينا لأول مرة في جامعة اكستر/بريطانيا عام 1998 خلال احدى المؤتمرات التي كان ينظمها اخونا القدير د. كامل عباس مهدى خلال عمله في تلك الجامعة آنذاك. خلال ذلك اللقاء تمت مناقشة أمور عديدة من ضمنها 1-اقترح قيامي بنشر دراستي عن مشكلة الديون العراقية في المجلة الاكاديمية “الدراسات العربية الفصلية Arab Studies Quarterly” التي تصدرها رابطة الاكاديميين العرب-الأمريكيين The Association of Arab-American University Graduate. تم ذلك ونشرت دراستي في عدد خاص عن العراق: الحصار والعالم، في خريف عام 2001. 2- مقترحه بتأسيس محفل أكاديمي دولي معني بالشأن العراقي، والذي تحقق لاحقا بإصدار مجلة اكاديمية مرموقة وهي “المجلة الدولية للدراسات العراقية المعاصرة International Journal of Contemporary Iraqi Studies “، ثم تغير عنوان المجلة الى “مجلة العراق والعالم العربي المعاصرة Journal of Contemporary Iraq & the Arab World (JCI&AW) “، حيث تولى مع زوجته بروفسورة جاكلين هيئة تحرير المجلة، التي تصدر عن مؤسسة Intellect.
نشرتُ في هذه المجلة عدت دراسات وقد كلفني بروفسور طارق بالقيام بمهمة ” المحرر الضيف Guest Editor” وتم ذلك لأكثر من مرة. كما كان يطلب مني تقييم مسودات بعض الدراسات لغرض نشرها في المجلة، ومراجعة بعض فصول أحد كتبه قبل نشرها.
اضافة الى مهامه الجامعية (التدريس والاشراف على طلبة الدراسات العليا في قسم العلوم السياسية) وجهوده في التأليف وتفرغه للإجازات الاكاديمية وانشغالاته في تحرير المجلة، كان الفقيد سكرتير عام الرابطة الدولية لدراسات الشرق الوسط (IAMES) ورئيس لجنة برنامج المؤتمر الدولي لدراسات الشرق الاوسط (WCMES). وفي هذا المجال وجه لي دعوات رسمية لتنظيم حلقة نقاشية وتقديم أبحاث في المؤتمرات التي عقدت في اسبانيا وتركيا وتونس.
التقينا ثانيتا في مؤتمر عن المفكر العراقي المشهور د. على الوردي، نظمته الجامعة الامريكية في بيروت شباط 2014، وكانت فرصة ثمينة لأنني أقدر عاليا واستفيد كثيرا من حواراتنا وافاق التعاون بيننا. وكان متابعا جيدا لمداخلاتي وما انشره من دراسات ومشجعا على ما اطرحه من اراء.
بعد صدور الجزء الثالث من سلسلة كتبي عن ” توثيقة القطاع النفطي العراقي Iraq Petroleum Sector Chronicle ” اتصل بي مهنئا وأبلغني بانه طلب من امينة المكتبة في جامعة كالكاري شراء الكتب لأهميتها كمصدر للطلبة في بحوثهم عن العراق. واقترح قيامنا بتأليف كتاب مشترك اتناول فيه تطورات القطاع النفطي بعد الاحتلال ويتناول هو الجوانب الأخرى وخاصة السياسية. بعد فترة من تواصلنا بشأن الكتاب والمنهجية التي سنعمل بموجبها انقطع التواصل من جانبه لفترة، ثم استلمت رسالة الكترونية يخبرني فيها بانه يكتبها من المستشفى حيث يرافق زوجته وشريكته في جميع النشاطات الاكاديمية، بروفسورة جاكلين، حيث ان حالتها غير مطمئنة وهو، لذلك، يواجه ظروف صعبة. تبادلنا بعض الرسائل لعدة أشهر بعد تحسن وضعها الصحي، ثم انقطع تواصله ثانيتا لفترة غير قصيرة، مما اثار قلقي ودفعني للكتابة اليه خاصة بعد ان لاحظت عدم ذكر اسم الأستاذة جاكلين ضمن هيئة التحرير في اخر اعداد المجلة. لم أستلم منه أي جواب رغم تكرار محاولاتي، واخيرا اطلعت على الخبر المحزن بوفاته يوم السبت الماضي الموافق 27 أكتوبر الحالي من خلال منصة المشترك المرموقة.
كان الأخ أبو شيرين وخلال تواصلي المكثف معه طيلة هذه الفترة طيب القلب، دمث الاخلاق، مخلص للمبادئ الوطنية التقدمية، منفتح الفكر والسلوك حتى مع الاختلاف في الراي والمواقف، متواضع في الحوار، مشجع للمساهمات والطروحات الاكاديمية الرصينة التقدمية الهادفة.
وداعا والرحمة والخلود اخي أبو شيرين، ستبقى ذكراك وافكارك خالدة كخلود اسمك، وسنواصل المسيرة على خطاك التقدمية وافكارك المنيرة ومنهجيتك الموضوعية البناءة. سأفتقدك كثيرا ويحزنني بعمق رحيلك قبل ان نبدأ العمل على كتابنا المشترك. أتمنى مخلصا ان ينبري بعض زملائنا الاكاديميين القيام بمهمة تحرير المجلة الاكاديمية (JCI&AW) لضمان استمراريتها وحفظا لإرثها وعرفانا بجهود ومساهمات الأساتذة المرحومين المؤسسين جاكلين وطارق اسماعيل.
احمد موسى جياد
النرويج
29 تشرين اول/أكتوبر 2024