غزة بين واقع الحرب وأوهام السلام ادهم ابراهيم

شهدت المنطقة حدثًا مهما” بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحماس، والذي تضمن تبادل الرهائن بالمعتقلين الفلسطينيين، أعقبه مؤتمر في شرم الشيخ تحت شعار “السلام في الشرق الأوسط”.
وقال الرئيس الأميركي قبل مغادرته مصر “لقد نجحنا معا في ما اعتقد الجميع أنّه مستحيل. أخيرا، لدينا سلام في الشرق الأوسط .
ورغم الأجواء الاحتفالية التي أحاطت بالحدث، يبقى السؤال الأهم: هل هو سلام فعلي أم مجرد هدنة مؤقتة؟
تأتي هذه التطورات ضمن المرحلة الأولى من خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تضمنت إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وإنهاء الهجوم الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عامين على الأراضي الفلسطينية، والذي خلّف دمارًا واسعًا وحوّل أحياء غزة إلى أنقاض .
لكن الانتقال السياسي يبدو أكثر تعقيدًا؛ إذ تنص المقترحات على تشكيل حكومة انتقالية فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية ، مهمتها إدارة الخدمات العامة فقط، دون أن تمتلك سلطة سيادية حقيقية.
رغم إعلان الهدنة جاءت تصريحات زير الدفاع الإسرائيلي لتؤكد أن الجيش “يستعد لمرحلة ما بعد الإفراج عن الرهائن”، في إشارة إلى إمكانية استئناف الحرب بهدف نزع سلاح حماس وتدمير ألانفاق .
هذا الموقف يعكس رفض حكومة اليمين المتطرف، برئاسة نتنياهو، لأي مسار سلام حقيقي أو حل سياسي دائم، في وقت تواصل فيه إسرائيل قضم الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات، رافضةً بشكل قاطع مبدأ حل الدولتين الذي اعترفت به العديد من الدول دعمًا لدولة فلسطين .
في المقابل، اكدت دول أوروبية عديدة اعترافها بدولة فلسطين، بينما أكد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أن “السلام العادل والدائم يجب أن يقوم على حل الدولتين”، مع التزام الاتحاد الأوروبي بالمساهمة في الحكم الانتقالي وعمليات إعادة الإعمار ودعم السلطة الفلسطينية.
اما الولايات المتحدة فتمضي في سياستها التقليدية الداعمة لتل أبيب معتبرة ان الاستقرار يمر عبر الأمن الإسرائيلي، لاعبر العدالة للشعب الفلسطيني.
وفي ظل استمرار التعنت الإسرائيلي ورفض الانسحاب الكامل من غزة، يظل مستقبل المنطقة عرضة لمخاطر الحروب والنزاعات. فالحرب الأخيرة، التي اندلعت منذ السابع من أكتوبر، لم تكن سوى مواجهة غير متكافئة، استخدمت فيها إسرائيل مختلف أنواع الأسلحة ضد شعب أعزل، فحوّلت غزة إلى “مدينة أشباح”.
ورغم توقف القتال، تبقى حالة اللايقين هي السمة الغالبة ، اذ لا احد يعرف ما إذا كانت الهدنة مقدمة لسلام مستدام ام مجرد فاصل بين حريين .
أخطر ما في خطة السلام المطروحة أنها تفتقر إلى وضوح في القضايا الجوهرية: لا جدول زمني محدد للانسحاب الإسرائيلي، ولا تصور واضح لقوات حفظ السلام أو إدارة المعابر. بل إن إسرائيل تحتفظ – بحسب بنود الاتفاق – بالسيطرة على أكثر من نصف مساحة القطاع في المرحلة الأولى.
هذا يعني عمليًا أن “السلام” المعلن لا يلغي الاحتلال، بل يُعيد تعريفه بأدوات جديدة، سياسية واقتصادية هذه المرة.
كما تبقى التساؤلات مطروحة حول طبيعة قوات حفظ السلام ودورها، ومن سيضمن فتح المعابر وتدفق المساعدات وإعادة الإعمار في ظل غياب الثقة بين الأطراف كافة.
إن ما جرى في شرم الشيخ يبدو مشروعًا سياسيًا أمريكيًا أكثر من كونه مسارًا حقيقيًا للسلام، هدفه إعادة توجيه المنطقة بما يتماشى مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية، لتبقى فلسطين الضحية الدائمة لأي مشروع تحت لافتة “الشرق الأوسط الجديد”.
لقد أصبحت الحرب عبئًا سياسيًا واستراتيجيًا على كل من إسرائيل وواشنطن، مما دفعهما الى إنهاء القتال، الا ان ذلك لا يعني تحقيق السلام، بل مجرد توقف مؤقت لإعادة ترتيب الأوراق.
صحيح أن وقف الحرب المروعة على غزة يستحق الاحتفاء، غير أن الفرح يتضاءل أمام فظائع الحرب والدمار والمعاناة الإنسانية الهائلة.
وعلى إسرائيل أن تتقبل حقيقة أن الحرب انتهت دون تحقيق “نصر” حقيقي، وأن شرعيتها الدولية تضررت بعمق، ولن يُصلحها مجرد اتفاق أو هدنة مؤقتة.
إن المشاريع المطروحة لا يمكن أن تحقق السلام ما لم تُربط صراحةً بالاعتراف بدولة فلسطين على وفق حل الدولتين .
فالمنطقة لن تشهد “شرق أوسط جديد” إلا عبر تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية .
والى ان يتحقق ذلك ،ستبقى المنطقة تعيش بين سلام معلن وهدن مليئة بالشكوك .
ادهم ابراهيم