سياسة

الصعود المقلق لمعاداة السامية د. ألون بن مئير *

أي شخص ينكر أن الإحتلال الوحشي للضفة الغربية والحرب في غزة لم يغذيا صعود معاداة السامية هو ساذج متعمد.

إن معاداة السامية متفشية ولن يتم القضاء عليها تمامًا في أي وقت. إنها تخدم حاجة مختلفة لأشخاص مختلفين يبحثون عن منفذ لإشباع معتقداتهم وتصوراتهم الخاطئة التي تولدت لديهم، ويحتاجون إلى شخص يلقون اللوم عليه لإشباع هذه الإحتياجات لمجموعة متنوعة من الأسباب؛ كان اليهود بمثابة هدف مناسب. ومع ذلك، هناك عوامل أخرى تساهم في صعود معاداة السامية والتي تؤثر سلبًا على اليهود بغض النظر عن مكان إقامتهم. ويعزى صعود اللاسامية الأخير في المقام الأول إلى الحرب الإنتقامية المدمرة التي تشنها إسرائيل ضد حماس في غزة والوحشية المستمرة للإحتلال في الضفة الغربية.

لا مفر من الأدلّة المزعجة التي تؤكد أن صعود معاداة السامية سيستمر في التصاعد طالما استمرّ قمع الفلسطينيين وطالما استمرت حكومة نتنياهو المتعصبة في السلطة، وطالما استمرّ غياب الحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وسوف تلطّخ سمعة إسرائيل أخلاقياً بشكل متزايد، وسوف يتحمل يهود العالم العواقب الرهيبة لمعاملة إسرائيل للفلسطينيين التي شجعت معاداة السامية على مطاردة وتهديد ومهاجمة اليهود الأفراد والمؤسسات اليهودية.

الأسباب الجذرية لمعاداة السامية
عند دراسة الأسباب الجذرية لمعاداة السامية، من المهمّ وضع الدرجة التي ارتفعت بها بالتوازي مع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المستمر في سياقها، وكيف شكلّت عقلية معادي السامية. يمكن إرجاع معاداة السامية إلى العصور القديمة التي سبقت المسيحية وقد تطورت لتناسب ظروف تاريخية مختلفة، من الإضطهاد الديني إلى النظريات العنصرية والمشاعر المعادية للصهيونية.

هناك العديد من العوامل الرئيسية التي تساهم في استمرار معاداة السامية، بما في ذلك:

التوترات الدينية:
أصبح الإعتقاد بأن اليهود مسؤولون عن صلب المسيح، المعروف بتهمة قتل الإله، حجر الزاوية في معاداة السامية المسيحية. وقد اشتدّت بشكل كبير مع ظهور المسيحية في أوروبا. ويؤول ذلك جزئيًا إلى الإختلافات الدينية والروايات المعادية لليهود كدين أقلية في أوروبا المسيحية. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما كان اليهود بمثابة كبش فداء للمشاكل المجتمعية، متّهمين إياهم بمختلف الكوارث والمآسي عبر التاريخ.

نظريات المؤامرة:
أدّت الأفكار القائلة بأن اليهود يسيطرون على الحكومات والبنوك ووسائل الإعلام إلى ترسيخ الصور النمطية السلبية؛ غالبًا ما يُنظر إلى اليهود على أنهم غرباء ومختلفون ثقافيًا، وبالتالي غير لائقين ليكونوا جزءًا لا يتجزأ من التيار الرئيسي للبيئة الإجتماعية الثقافية للمسيحيين. وأخيرًا، كما قال جان بول سارتر، “اختار معادي السامية الكراهية لأن الكراهية هي عقيدة؛ عند البداية، اختار التقليل من قيمة الكلمات والأسباب”. [التأكيد مضاف]

الصعود الحديث في معاداة السامية:

كانت هناك في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في الحوادث المعادية للسامية في جميع أنحاء العالم، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل. فقد أدت التوترات السياسية إلى تعجيل صعود التطرّف، سواء من أقصى اليمين أو أقصى اليسار. وأصبح العنصريون البيض أكثر وضوحًا وصراحة، حيث ألقوا باللوم على اليهود في إخفاقاتهم. وقد مكنت منصات وسائل التواصل الاجتماعي من انتشار خطاب الكراهية المعادي للسامية، واكتسب الهتاف العنصري الأبيض والمعادي للسامية بمقولة “لن يحلّ اليهود محلّنا” والذي تم استخدامه على نطاق واسع خلال مسيرة توحيد اليمين في عام 2017 في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا، قوة جذب واسعة النطاق. وهو متجذّر بعمق في نظرية المؤامرة “الإستبدال العظيم”، والتي لها تاريخ طويل وقبيح من معاداة السامية.

الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني

غالبًا ما يؤدي الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى ارتفاع حادّ في الحوادث المعادية للسامية على مستوى العالم ولعب بشكل مباشر في أيدي معاداة السامية. وبحسب أغلب الروايات، فإن احتلال إسرائيل الوحشي للضفة الغربية والحرب الإنتقامية التي شنتها إسرائيل على غزة ألحقت خسائر فادحة في الأرواح والدمار. ويرى المنتقدون أن هذه الحرب غير متناسبة، مدفوعة بالإنتقام والكراهية الشديدة للفلسطينيين التي ترسّخت في النفسية الإسرائيلية.

يستخدم معادوالسامية الإنتقادات المشروعة لأفعال الحكومة الإسرائيلية كغطاء لكراهيتهم، مؤكدين أنه على الرغم من أن اليهود يظهرون ظاهريًا قيمًا أخلاقية، مثل الرعاية والرحمة وقدسية الحياة، إلا أنهم في الداخل أشرار وانتقاميون واستغلاليون، وأن معاملة إسرائيل القاسية للفلسطينيين تقدم مظهرًا واضحًا للطبيعة الحقيقية لجميع اليهود.

وعلاوة على ذلك، فإن هجوم إسرائيل على غزة وخاصة حرمانها المتعمّد للفلسطينيين من تلقي المساعدات المنقذة للحياة عزّز رواية حماس بأن إسرائيل تسعى إلى تطهير إسرائيل من الفلسطينيين بالعنف والقمع والترهيب، مما أجبرهم على الفرار من أرضهم. إن التصريحات التي أدلى بها أعضاء الحكومة الإسرائيلية التي تدعو إلى ضم ّالضفة الغربية وتصفّق لترامب الذي يريد أن ينفي الفلسطينيين من غزة لم تفعل سوى إضفاء الشرعية على الخطاب العام لحماس، مما كان بمثابة وقود إضافي لمعاداة السامية.

تأثير معاداة السامية على يهود العالم:

لقد أثر الصعود الحاد في معاداة السامية على اليهود في جميع أنحاء العالم بدرجة غير مسبوقة منذ صعود ألمانيا النازية. ووفقًا لتقرير جديد نشرته المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية لإسرائيل، شهد عام 2024 زيادة بنسبة 340 في المائة في الحوادث المعادية للسامية في جميع أنحاء العالم مقارنة بعام 2022، في ما اعتبره المؤلفون “عام الذروة” لمعاداة السامية.

وكما ذكرت رابطة مكافحة التشهير أن الحوادث المعادية للسامية من أكتوبر 2023 إلى 24 سبتمبر 2024 زادت بنسبة 200٪ مقارنة بالعام السابق. وفي العام الذي سبق 7 أكتوبر 2023، كان هناك 3325 حادثًا معاديًا للسامية؛ وفي العام التالي، من 7 أكتوبر 2023 إلى 24 سبتمبر 2024، كان هناك أكثر من 10000 حادثة، تتراوح من التحرّش اللفظي أو الكتابي إلى التخريب والإعتداء الجسدي والهجمات على المعابد اليهودية والعنف في المدارس والجامعات، بمساعدة الإستخدام

الشامل لوسائل التواصل الإجتماعي.

في كل مرة تقع فيها حادثة، يشير نتنياهو وزمرته إلى صعود معاداة السامية، متجاهلين حقيقة أنهم يتسبّبون في ذلك. ومن باب السّخرية، يستغلّ نتنياهو هذه الحوادث لتشجيع المزيد من اليهود على الهجرة، وهو ما يمثّل قمة النفاق.

وفي حين تم إنشاء إسرائيل لتوفير شعور عميق بالأمن والحماية لجميع يهود الشتات وتقديم ملاذ لأولئك الذين يريدون جعل إسرائيل وطنهم، فقد أصبحت إسرائيل بشكل مثير للسخرية عبئًا وليس سنداً لليهود في الشتات. إن الإغتراب المتزايد لليهود عن إسرائيل هو مظهر حزين لفشل إسرائيل في الإرتقاء إلى مستوى رؤية مؤسسيها التي دُفنت الآن تحت بقايا الأحلام المحطّمة التي هلك العديد من اليهود وهم يحاولون الحفاظ عليها.

لقد قال سلافوي جيجيك، الفيلسوف والمنظّر النقدي السلوفيني، أن معاملة إسرائيل للفلسطينيين تخلق إطارًا أخلاقيًا وسياسيًا يؤدي إلى تفاقم معاداة السامية. وفي خطاب ألقاه في معرض فرانكفورت للكتاب لعام 2023، أكّد جيجيك أن “الفلسطينيين يُعاملون بصرامة باعتبارهم مشكلة. ولا تقدم لهم دولة إسرائيل أي أمل، بل تحدّد بشكل إيجابي دورهم في الدولة التي يعيشون فيها”. وزعم أن هذا التجريد المنهجي من الإنسانية يعزّز الإستياء ليس فقط تجاه إسرائيل ولكن أيضًا تجاه الهوية اليهودية على نطاق أوسع، حيث تضع الدولة نفسها كممثّل وحيد للمصالح اليهودية العالمية.

تمكن اليهود على مرّ القرون من التغلب على الإعتداءات المعادية للسامية المتكررة ولكنهم تمكّنوا من الإرتقاء إلى مستوى التحديات وإيجاد الخلاص من المحن التي واجهوها. لقد صمدوا لأن الدفاع عن حقوق الإنسان والإلتزام بالقيم الأخلاقية كانا أساسيين لبقائهم. والقلق اليوم هو أن الحكومة التي يقودها نتنياهو تخلت عن هذه القيم وخانت المبادئ الأخلاقية ذاتها التي حمت اليهود على مرّ القرون.

ينبغي على اليهود وغير اليهود على حد سواء الذين يشعرون بالقلق والإنزعاج من صعود معاداة السامية أن يواجهوا الواقع المطلق المتمثل في أن الفلسطينيين موجودون وسيستمرون في الوجود بغض النظر عما تقوله إسرائيل أو تفعله.

ما دامت إسرائيل ترفض إيجاد حلّ مقبول للطرفين للصراع مع الفلسطينيين، فإن معاداة السامية ستستمر في التصاعد على حساب كل من إسرائيل واليهود في الشتات.

  • اكاديمي واستاذ جامعي امريكي
  • المقالة مرسلة من الكاتب
زر الذهاب إلى الأعلى