طب وعلوم

هل تتسابق النطف حقاً للوصول إلى البيضة؟ د. محمد أمين الأعظمي  *

أود أن أبين أولاً أن هذه المقالة للثقافة العامة، ولا يجب اتخاذها مرجعاً، فالمرجع في هذا الشأن الطبيب المختص.

من المعلومات الشائعة أن النطف (الحيوانات المنوية) تتسابق للوصول إلى البيضة ومن ثم تخصيبها. فهل هذه المعلومة صحيحة، أم أنها مجرد وهم متداول؟

غالبًا ما يُوصف إخصاب البيضة أو الخلية الجنسية الأنثوية بأنه سباق سباحة أسطوري، تسبح خلاله ملايين الحيوانات المنوية بأقصى سرعة ممكنة نحو البيضة ليفوز أحدها – لعله الأسرع أو الأقوى أو الأتم صحة أو الحامل لأفضل المورثات على الإطلاق أو لعله الحيوان المنوي الذي يحمل أكثر من صفة من الصفات سالفة الذكر- بالسباق، ومن ثم يخترق الأغشية المحيطة بالبيضة ليوصل جيناته إليها، فتستعيد البيضة التي أصبحت الآن مخصبة كامل المجموعة الكروموسومية التي تميز نوعها، وأعني بذلك الإنسان أو أيٍ من أنواع الحيوان.

ولكن هل يحدث هذا حقًا؟ هل تتسابق الحيوانات المنوية حقًا للوصول إلى البيضة؟ الجواب نعم ولا، هذا ما قاله ديفيد جي. مِلرDavid J. Miller، الأستاذ في قسم علم الحيوان بجامعة إلينوي أوربانا- شامبين University of Illinois Urbana-Champaign، لموقع لايف ساينس Live Science. وأضاف:

 اللاعب الرئيس في كل هذا هو في الواقع الجهاز التناسلي الأنثوي.

إن مفهوم “سباق” الحيوانات المنوية نحو البيضة ليس دقيقًا تمامًا.

تسبح الحيوانات المنوية بالفعل خلال هذه العملية، لكن الحركة الرئيسية، كما يرى مِلر، تُوفرها انقباضات الجهاز التناسلي الأنثوي. فهناك انقباضات في الرحم تُشبه إلى حد كبير انقباضات الجهاز الهضمي يمكنها تحريك السوائل في تجويف الرحم.

ويشير مِلر هنا إلى أن دراسة أجريت عام ١٩٩٦ أوضحت مدى فعالية هذه الانقباضات. إذ وضع العلماء كريات بحجم الحيوانات المنوية في أرحام ٦٤ امرأة، فوصلت بعض هذه الكريات إلى قناتي فالوب (قناتي البيض) حيث يحدث الإخصاب عادةً – في غضون دقائق.

مع ذلك، فإن وصول حيوان منوي لا يعني بالضرورة أنه قادر على القيام بعملية الإخصاب. ويوضح مِلر: “تحتاج الحيوانات المنوية إلى مرحلة نضج نهائية تحدث في القناة التناسلية الأنثوية، وهي مرحلة تعتمد على الوقت. لذا، فإن الحيوانات المنوية التي تفوز بالسباق، إن صح التعبير، تحتاج إلى مزيد من الوقت قبل أن تتمكن من تخصيب البيضة فعليًا”.

ومن المنطقي أن يحتاج الحيوان المنوي إلى مساعدة إضافية. فهو حين يسبح في اتجاه محدد، تحتاج البيضة إلى التحرك بعكس ذلك الاتجاه كي يتم اللقاء به، كما صرحت سابين كويل Sabine Koelle، أستاذة التشريح وعلم الحياة التكويني (علم الأجنة) في كلية الطب والعلوم الطبية بالكلية الجامعة/دبلنUniversity College Dublin ، لموقع لايف ساينس Live Science. لا تستطيع البيضةَ السباحة، ولكن أهداباً شبيهة بالشعيرات القصيرة تساعدها على ذلك.

وأضافت كويل: “تضرب الأهداب بإيقاع يساعد على نقل البيضة، ولأن الحيوانات المنوية قادمة من الاتجاه المعاكس، فإنها ستضطر إلى مقاومة التيار الناتج عن حركة الأهداب. وأضافت كويل: “في الواقع، تتطلب حركة الحيوان المنوي الفردية جهدًا أقل للتحرك للأمام وجهدًا أكبر للتحرك نحو منتصف أو محور القناة. لأنه إذا اقترب كثيرًا من الجدران فإنه قد يلتصق بها ويتوقف عن التقدم نحو البيضة”. وبينما يدفع الجهاز التناسلي الأنثوي الحيوانات المنوية نحو البيضة، فإنه يُقصي أيضًا الأقل حظاً منها. وبَيَّنَ أحد الباحثين أن ما يصل إلى 70% من الحيوانات المنوية لا تتجاوز عنق الرحم، ولا يصل إلى حيث توجد البيضة إلا أقل من 1% من الحيوانات المنوية. أما الباقي، فتتولى الخلايا المناعية في الرحم التخلص منها.

تصل القلة من الحيوانات المنوية إلى أبعد ما يمكنها في قناة فالوب، حيث تلتصق بجدار القناة انتظارًا لوصول البيضة. وهذا مكان آخر تختار فيه الأعضاء التناسلية الأنثوية الحيوانات المنوية الفائزة: فقد لاحظ العلماء أن الحيوانات المنوية ذات المظهر الطبيعي أكثر قدرة على الالتصاق بالجدار ما يوفر لها بعض الفوائد الأيضية التي تزيد من عمرها.

وعند وصول البيضة، تسمح قناة فالوب للحيوانات المنوية ذات المظهر السليم فقط بالانفصال عن الجدار. أما الحيوانات المنوية غير السليمة، فلا تطلقه قناة فالوب، فهي إذن العامل الرئيسي لاختيار الحيوانات المنوية الجيدة. وهكذا نرى الجهاز التناسلي الأنثوي يبذل قصارى جهده للتخلص من الحيوانات المنوية الأقل كفاءةً بحيث لا تصل إلا الحيوانات المنوية السليمة إلى البيضة. وهكذا، يصبح الإخصاب أشبه بمقابلة عمل وليس سباقًا. ومع هذا، نرى أن هناك أمراضًا وراثية تنتقل بواسطة الحيوانات المنوية ولا يعيقها كل الخطوات الوقائية سالفة الذكر. ويرى مِلر أن هناك مؤهلات معينة يجب توفرها للتقدم لمهمة الإخصاب في الوقت المناسب، وقت الإباضة.

البيضة تقرر أي الحيوانات المنوية ستخصبها

تسبح ملايين الحيوانات المنوية نحو البيضة، ولكن واحداً منها فقط هو الذي يُخصبها. وتُبين دراسة جديدة أن الجهاز التناسلي الأنثوي والبيضة هما من يختار المرشح الأنسب من الحيوانات المنوية لتخصيب البيضة من خلال آلية ما زالت غير واضحة. وقد وُثقت ظاهرة انتقاء الحيوانات المنوية هذه بعد التزاوج في بعض الأنواع.

الاستنتاجات والآثار

تُظهِرُ نتائج الأبحاث المتأخرة أن عوامل جذب كيميائي بين البيضة والحيوان المنوي تُسهّل اختيار الشريك. وفي هذا المجال يقول أ. د. جون فيتزباتريك Professor John Fitzpatrick من جامعة ستوكهولم: “كان السائل الجريبي من إحدى الإناث أفضل في جذب الحيوانات المنوية من أحد الذكور، بينما كان السائل الجريبي من أنثى أخرى أفضل في جذب الحيوانات المنوية من ذكر آخر”.

يعتقد الباحثون أن هذه الدراسة وفهم كيفية تخصيب الحيوانات المنوية للبيض يُمكن أن يُساعد الأزواج الذين يُعانون من العقم. ويستطرد فيتزباتريك قائلا: “من المُرجح أن يكون جذب البويضات لحوالي 18% من الحيوانات المنوية من ذكور مُحددة أمرًا بالغ الأهمية أثناء عمليات الإخصاب. ويضيف: “قد يكون هناك عدم توافق كيميائي بين الحيوانات المنوية والسائل الجريبي، مما يُصعّب عملية الحمل”.

إن فكرة اختيار البيض للحيوانات المنوية جديدةٌ حقًا في مجال الإخصاب في البشر. ويرى أحد الباحثين أن دراسة كيفية تفاعل البيض والحيوانات المنوية قد يُساعدنا في نهاية المطاف على فهم بعض أسباب العقم غير المعروفة اليوم.

الخلاصة:

يحدث الإخصاب بالتقاء الحيوان المنوي بالبيضة واندماجه بها. ولا تعيش البيضة بعد خروجها من المبيض أكثر من 24 ساعة. أما الحيوانات المنوية، فقد تعيش لمدة 3-5 أيام داخل الجسم. وهناك فترة خلال كل شهر تُسمى “فترة الخصوبة” يكون الحمل فيها ممكنًا. تبدأ هذه الفترة من حوالي خمسة أيام قبل الإباضة إلى يوم الإباضة. وتكون أفضل فرص الحمل عندما يكون الحيوان المنوي موجودًا في قناة فالوب مستعدًا للقاء البيضة. وقبل أن يتمكن الحيوان المنوي من تخصيب البيضة، يجري “تحضيره” من خلال عملية تُعرف باسم “التمكين”. خلال هذه العملية، يخضع الحيوان المنوي لتغييرات تتسبب بها سوائل الجهاز التناسلي الأنثوي تساعده على اختراق البيضة. وعند وصول الحيوانات المنوية إلى البيضة، يمكن لأحدها أو حتى العديد منها أن تلتصق بالبيضة، ومن ثم تخترق طبقتها الخارجية المسماة المنطقة الشفافة.  ولا يستطيع سوى حيوان منوي واحد اختراق الطبقة الثانية من البيضة (المنطقة الشفافة) ملامسًا الغشاء الداخلي للبيضة حيث يحدث الإخصاب. وتمنع آلية داخل البيضة دخول أي حيوان منوي آخر.

اكاديمي عراقي (من كتاب جريدة البلاد – لندن اونتاريو )

من الطبعة الورقية

زر الذهاب إلى الأعلى