الرئيسية || من نحن || || اتصل بنا

 

  

المقاومة العراقية

والمُستعمر ذو النوايا الطيبة

هيفاء زنكنة

 

في استعراضه لمسؤوليات وزارة الدفاع البريطانية، في مجلس العموم، يوم 13 آذار/ مارس، ذكّر وزير الدفاع بَن والاس المجلس بتزايد التهديدات في العالم حيث « يستمر الشرق الأوسط في إيواء الإرهاب» لهذا السبب «لا تزال المملكة المتحدة تدعم حكومة العراق كجزء من التحالف العالمي ضد داعش». مبينا، كمثال، استخدام طائرة عن بعد (درون) تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني بشن غارة على عضو قيادي في داعش في شمال سوريا وإطلاق صاروخين من طراز هلفاير. وأن استخدام الدرون القاتل كان ضروريا لأن « نشاط الفرد كان مرتبطًا بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية… وهذه الإجراءات حيوية لتقويض مثل هذه التهديدات الإرهابية، وحماية المواطنين البريطانيين ودعم شركائنا الدوليين».
كيف نقرأ هذا التصريح؟ ما هي الرسالة التي يخلفها قول وزير الدفاع «يستمر الشرق الأوسط في إيواء الإرهاب» في عقول مستمعيه في بريطانيا وأمريكا وعموم أوروبا؟ آخذين بنظر الاعتبار أن تصريحه كان في مجلس العموم البريطاني والذي تتم نقل جلساته مباشرة بواسطة الإعلام المرئي والمسموع، بالإضافة إلى تناقله في الصحافة المكتوبة. تكمن خطورة هذه التصريحات وتغطيتها إعلاميا، في تشكيلها وعي المواطن الغربي. خاصة وأن نقل جلسات البرلمان يتم عبر قنوات البي بي سي، والذي تشير استبيانات الرأي العام إلى أن 79 بالمئة من متابعي الأخبار البريطانيين يثقون بما تبثه. وغالبا ما يتم بث الخطب التي يراد إيصالها إلى أكبر عدد ممكن من المستمعين والمشاهدين في أوقات يكون فيها المتلقي على استعداد للإصغاء والرضا. ليس مستغربا، إذن، ومن ناحية حجم الرضا، عند سؤال البريطانيين عما إذا كانوا يعتقدون أن قرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بخوض الحرب كان صائباً أم خاطئاً، قال 54 بالمئة ​​إنه كان صائباً. وعلى الرغم من حجم المظاهرات الكبير لمناهضي الحرب، قبل بدء الهجوم على العراق، ما أن أعلن جورج بوش وتوني بلير بدء الغزو تحت مُسمى « عملية حرية العراق» حتى ارتفع الدعم الشعبي للحرب مساندة للقوات. فوصل التأييد للحرب، وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب، إلى 72 بالمائة في الفترة من 22 إلى 23 آذار/ مارس.
لا يمكن، بأي حال من الأحوال، اعتبار تصريح وزير الدفاع البريطاني زلة لسان أو تصريحا شخصيا قابلا للتأويل كوجهة نظر، كما أثارت زلة لسان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن وصف فيها غزو العراق بأنه «وحشي وغير مبرر» في إطار حديثه عن الحرب الروسية في أوكرانيا، بل يجب التعامل معه كموقف سياسي حكومي مبني على أيديولوجيا عنصرية منهجية ترى في الشرق الأوسط مأوى للإرهاب، وتقدمه إلى العالم بهذا الشكل، وتتعامل معه وفق هذا المنظور كما نرى في فلسطين والعراق وسوريا.
لماذا؟ ما الذي يمنح ترسيخ هذه الصورة أهميتها في السياسة البريطانية، والمستنسخة، غالبا، في التوجه السياسي والإعلامي الغربي، وفي الإعلام العربي بمفارقة تُجسد الاحساس بالدونية؟

بينما يعمل الاستعمار، بتحويراته الناعمة/ القاتلة الجديدة، بمثابرة لا تكل على تحقيق سياسته في الاستغلال الاقتصادي والهيمنة العسكرية والأيديولوجية، لضمان وجوده، عبر الاتفاقيات ورعايته طبقة الحكام بالنيابة، وصمته المدوي عن جرائمها، سيبقى الأمل في النهوض الجماهيري

يهدف تكرار وترسيخ هذه الصورة إلى تجريد شعوب المنطقة « الأخرى» من إنسانيتهم، فلا يثيرون أي تعاطف أو تقارب أو مسؤولية أخلاقية، إذ يتم اختزال وجودهم في سيرورة الإقصاء الأخلاقي، إلى مصدر للتهديد والخطر، وبالتالي تسويغ التخلص منهم. وهو ما عملت الإدارة الامريكية والمملكة المتحدة على تسويقه في غزوها للعراق، ومنح قواتهما الضوء الأخضر لارتكاب الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان، من التعذيب في بوكا وأبو غريب إلى مجازر مدينة حديثة والقائم. فمن السهل ممارسة أبشع الفظائع إذا كانت ضد « الآخر- الإرهابي» والذي لا يُثير قتله تساؤلا كما لا يُشكل معضلة أخلاقية بل بالعكس تماما، حينئذ يُصبح القتل ضروريا لحماية المواطنين. وهو التبرير الذي لجأ إليه وزير الدفاع البريطاني عند استخدام الدرونز القاتلة والصواريخ لتنفيذ عمليات الاغتيال، خارج القانون، في بلدان أخرى. كون البلدان التي يتم قصفها مأوى للإرهابيين» الذين يشكلون تهديدا لأمن وحماية المواطنين البريطانيين ودعم شركائنا الدوليين وهذه الإجراءات حيوية لتقويض مثل هذه التهديدات الإرهابية» حسب قوله. وهو ذات التبرير الذي تتبناه أمريكا في عمليات القتل المُستهدف، أي القتل العمد مع سبق الإصرار لأفراد مختارين من قبل دولة ليسوا رهن الاحتجاز لديها، كما فعلت في باكستان واليمن، وكما يواصل الكيان الصهيوني استهداف قادة المقاومة الفلسطينية في غزة، برعاية الصمت الدولي.
يُعيدنا تصريح وزير الدفاع البريطاني الحالي، إلى الحملة الدعائية المُكثفة التي حَشدّت لها الحكومة البريطانية كل السبل لتشويه صورة المقاومة العراقية حال انطلاقها بعد أيام قليلة من الغزو عام 2003. وهي لا تختلف كثيرا في مضمونها عما تُتهم به حركات المقاومة، في البلدان المحتلة، في أرجاء العالم، فالعمق العنصري الاستعماري واحد. فمن إتهام سكان أمريكا الأصليين بالهمجية إلى إطلاق ألقاب مهينة ضد المقاومة الفيتنامية، ومن إتهام الأفغانيين بالتخلف إلى إتهام المقاومة الفلسطينية والعراقية بالإرهاب. فحيثما يحلُ المُستعمر ويُواجه بمقاومة أهل البلد لسياسته الإمبريالية، يجد في تشويه صورتهم أداة فاعلة لطمأنة الرأي العام في بلده هو بأن كل ما يقوم به هو لصالحه، مهما كانت وحشية الجرائم التي يرتكبها ولم تعد خافية على أحد.
وحين تُطلق على أهل البلد المُحتل ومقاوميه ألقابا تحط من قيمتهم، حينئذ يكون من السهل على قوات الاحتلال أن تُبين للعالم مدى ُنبلها وتضحيتها بنفسها لتُخلص العالم من خطر المجموعات الإرهابية. ففي العراق، واظب المحتل والمجموعات العراقية التي استساغت التعاون معه وتوسل دعمه، على تغييب مفردة المقاومة/ المُقاوم من معجم التداول السياسي والإعلامي لتحل محلها مفردات تحث في مضمونها على شرعنة القتل وتوفير الحصانة للقتلة مثل: أزلام صدام، جيش صدام، القاعدة، جهادي إسلامي، متطوع أجنبي، متمرد سني، من مثلث الموت السني. وكلها مُلحقة بوسم « إرهابي».
وبينما يعمل الاستعمار، بتحويراته الناعمة/ القاتلة الجديدة، بمثابرة لا تكل على تحقيق سياسته في الاستغلال الاقتصادي والهيمنة العسكرية والأيديولوجية، لضمان وجوده، عبر الاتفاقيات ورعايته طبقة الحكام بالنيابة، وصمته المدوي عن جرائمها، سيبقى الأمل في النهوض الجماهيري، ومقاومته، بكافة المستويات. وأن تبقى مقاومة الشعوب حية فليس كل من ناضل من أجل الكرامة والعدالة والوحدة الوطنية ومواجهة خطر الهيمنة وخطط التقسيم والتجزئة، هو إرهابي كما يحاولون تقديم صورته.

كاتبة من العراق

 

 

هيفاء زنكنة

 كاتبة وصحفية وناشطة عراقية تقيم في بريطانيا

 تكتب اسبوعيا في جريدة (القدس العربي(

(مقالات سابقة)

 

الرئيسية || من نحن || الاذاعة الكندية || الصحافة الكندية || اتصل بنا