فكر وفن

شخصيات وشؤون ثقافية عراقية،   في تاريخ  وذاكـرة بـراغ (( 1-3)) رواء الجصاني(*)

  * مقدمة وتمهيــد  

     بهدف الاحتراز، وأثر اشتداد حملات الارهاب والاستبداد في العراق، التي طالت الالوف، وبعد محطات خاطفة في عمان ودمشق والجزائر، راحت عاصمة بلاد التشيك – بــراغ مستقرا لعشرات من النشطاء في العمل الوطني، وكنت من بينهم، وذلك بدءا من ربيع عام 1979 وقد وصلتها حاملا ” أخفّ ما لـمّ من زادٍ اخو سفر” وعلى أمل، وحلم وعمل، ان لا تطول فترة الاغتراب فيها غير فترة وجيزة، ولكنها ما لبثت ان طالت وطالت، وهكذا الى اربعة عقود ونصف، حتى الان، شهدتُ خلالها معايشة ونهوضا بنشاطات عديدة متباينة الاوجه والاشكال، كلّفت، وتكفلت بها، ومن بينها في صميم وقائع ثقافية، واعلامية، ومدنية، وسياسية، مثلما سيأتي التوثيق لها في متن السطور والفقرات القادمات..

   وبهدف التذكير اسجل باني كنت قد نشرت عام 2008 توثيقا شاملا، لجوانب ومحطات مختلفة ومتنوعة عن شؤون عراقية، سياسية وثقافية وسواها، في بـراغ، حدثت في نحو نصف قرن. وقد جاء في التقديم لذلك التوثيق انه تأشيرات وحسب، وعناوين “فرعيـة” لا غير، تحتاج لمزيد من الجهد على طريق اكمالها. ويبدو ان الانشغالات المختلفة حالت دون الايفاء بذلك الوعد، خاصة وقد استجد وتراكم العديد من الشؤون والوقائع، واخذت مناحي ومسارات واسعة جديدة.. وفي محاولة لانجاز بعض ذلك الوعد الذي لم ينفذ، تأتي هذه المادة لتعنى بجانب واحد وحسب، واقصد به ما حمله العنوان ” شخصيات وشؤون ثقافية عراقية في تاريخ وذاكرة براغ”.. وهي – المادة – تأتي ايضا على شكل محطات وخلاصات ليس الا، من، وعن، وقائع وشؤون تحتاج لكثير من التوثيق والوثائق، ولكن شيئا افضل من لاشئ، كما يقال..

  وفي استباق لما قد يشتبه به متابعون ومعنيون افاضل، عليّ ان اقول: ان المادة هذه توثق، وفقــط، لما تـم في براغ من وقائع وشؤون، وعطاءات، للذوات الذين ستأتي الاشارة لاسمائهم .. بمعنى ان التوثيق ليس لما لحق، او تم انجازه لاحقا، اذ من المعلوم ان الكثير من المعنيين راح لامعا متميزا وذا عطاء – كَثـر ام قـلّ – في فترات تالية من الزمان، وكذلك المكان، في بلدانهم، اوعواصم ومدن العالم الاخرى. وبتأكيد ابرز، أوضح: ان المادة تُعنى حصرا بما وقع في براغ طوال أزيد من ستة عقود ونصف، مع بعض الاستثناءات الضرورية طبعا..

   وفي سياق الملاحظة اعلاه يتطلب الامر الاشارة ايضا الى ان سرد هذا التوثيق تقصد ان يخلو من تحديد الالقاب العلمية، او الاكاديمية، وغيرها، مع تأكيد التقدير – طبعا – للمواقع والمكانات، والتميّز لعديــد من المبدعين والمثقفين الذي سترد عنهم الوقفات، وعندهم .. كما ينبغي التأشير ايضا الى ان كثرة المحطات والعطاءات قد حتمّ في بعض الوقفات التي نؤرخ لها، الايجاز، والاختصار، لكن بوضوح جهد الامكان، وباجتهاد ربما يأتي مصيبا او خاطئا ..

 اولا /  لمـاذا بـراغ ؟!

  من المؤكد ان ثمة تساؤلات ستطرح بشأن اسباب اختيار براغ لهذه الشؤون التوثيقية؟! وعليه يتطلب تبيان التسبيب، والدوافع، فنقول: ان براغ – وهي عاصمة الجمهورية التشيكية، السلوفاكية حتى عام 1993 ومن بعد ذلك التاريخ عاصمة تشيكيا الحديثة – متميزة  بموقعها الجغرافي في قلب وسط اوربا، وبواقعها التاريخي، والحضاري، وانها ربما تتفرد من بين عواصم الدنيا – غير العربية على الأقل – مع بعض الاستثناءات، في صلتها مع الأحداث والشخصيات العراقية، وصلاتهم بها، ومنذ عام 1958 على وجه الخصوص، اذ ضمت ورعت المئات من العراقيين،  اكاديميين ومثقفين ولاجئين ومغتربين ودارسين، دعوا عنكم الضيوف والمسؤولين والزوار السياسيين والرسميين، والبارزين منهم بشكل خاص..

    وفضلا عما تقدم راحت براغ منذ اواسط الاربعينات الماضية مقرا لمنظمات واطارات دولية تشكلت، وأقامت، ونشطت فيها، لأزيد من اربعين عاما، وحتى مطلع التسعينات تحديدا، اي مع بدء انهيار نظامها “الاشتراكي” السابق وحلول بديل ” غربي” يعتمد اقتصاد السوق بما فيه، وعليه. ومن بين تلكم المنظمات الدولية المقرات المركزية لـ  “منظمة الصحفيين العالمية” و “اتحاد الطلاب العالمي” و”اتحاد النقابات العالمي” … كما نضيف للتسبيبات السابقة لاختيار براغ لهذه الكتابة التوثيقية، عوامل ودوافع أخرى تحاول هذه التأرخة، الثقافية التخصصية، ان تتوقف عند أكثرها ملموسية، بحسب اجتهادنا، وان بشكل موجز، ربما يحفز المعنيين للكتابة عنها، كل حسب موقعه، ورؤاه، وحتى ظنه، خاصة وان الظن لم يعد بعضه اثماً في عالم اليوم الرحيب بكل “الظنون” بل، والحافل بها !..

 

ثانيا/  البدايـات

    كما سبق وتمت الاشارة اليه فان الفترة التي نتوقف عندها في رصد وتوثيق وقائع وشؤون ثقافية عراقية، وما تشمله من شخصيات، واسماء ذات صلة، تبتدئ بشكل رئيس من بعد عام 1958 وقيام الجمهورية في العراق التي وثقت علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية، وغيرها، مع بلدان شرق اوربا، الاشتراكية، وجمهورية “تشيكو- سلوفاكيا” من بينها.. وفي ضوء ذلك راح العشرات من الطلبة العراقيين يتوافدون الى الاخيرة، ولاسّيما الى العاصمة براغ .. ثم تواتر القدوم اليها، والاقامة فيها من شخصيات فكرية وثقافية بارزة، وذوات واخرين،عراقيين، فضلا عن الطلبة الدارسين، الذين بقي الكثير منهم واقام واستقر فيها لاسباب واخرى ومن بينها الاضطراب السياسي والعنف والحروب التي استمرت في بلادهم لعقـود مديدة كما هو معروف. وقد كان من بين الذين نعنيهم شباب من ذوي المواهب والعطاءات الثقافية، وكذلك ممن تخرج من المعاهد والكليات الادبية والفنية، وعداها، وتمكنوا من تحصيلهم الاكاديمى، وتميزوا فيه..   

 

ثالثا/  الجواهري في عاصمة التشيك

   لا يمكن الحديث والتوثيق عن الشأن الثقافي العراقي في براغ دون ان يقترن ذلك بالحديث عن اقامة الجواهري الكبير في ربوعها لثلاثين عاما بالتمام والكمال (1961-1991) منها سبعة متصلة (1961-1968) وبعدها متقطعة تقاسمتها مع براغ : بغداد ودمشق .. ولأن هناك الكثير الكثير مما كتب، ونشر عن محطات تاريخية وثقافية عن الجواهري في حاضرة بلاد التشيك، وعاصمتهم، فسنكتفي في هذه الفقرة على الاقل للتوثيق بان الشاعر العظيم  كتب خلال اقامته ببراغ نحو 30 قصيدة ومقطوعة، عشر منها، وفيها، عن التشيك وجمال وعطاء بلدهم الذي اطال من عمر الجواهري كما يثبت ذلك في قصيدته عام 1968 وابتدأها بـ:

أطلتِ الشوطَ من عمري، اطالَ الله من عمركْ

ولا  بلّغتُ بالشرّ، ولا بالسوءِ من خبـركْ..

ألا يا مزهرَ الخلــدِ تغنى الدهرُ في وتركْ

  وبالمقابل ثمة الكثير مما اعرب واكد عليه التشيك، ومثقفوهم خاصة، حول تميّز الجواهري، رمزا عراقيا وعربيا، وانسانيا، وجسرا وطيدا بين ثقافتي البلدين، واخر ذلك، وهو ما لم يحدث لاي رمز عراقي او عربي أخر، واهمّ ذلك التفرد: وضع نصب( معلم) استذكاري له جنب شقته التي عاش فيها أزيد من ربع قرن بمنطقة براغ السادسة، بجهود واصلها، واثمر فيها السفير د. فلاح الساعدي، وافتتح في 2024.6.26 بحضور ممثلين ومسؤولين رسميين وثقافيين من بغداد، ومن ابرزهم الذوات: عارف الساعدي، علي الفواز، عمر السراي، وفاضل ثامر .. وقد سبق ذلك بعام ونصف، وبجهود مماثلة للساعدي ايضا، منجز اعادة صورة الشاعر الكبيـر، بشكل رسمي، الى جانب صور مشاهير تشيك واجانب، لتزهو بها جدران مقهى “سلافيا” العريق وسط براغ، والى اليوم..

 

رابعا/ محمود صبري.. ومبدعون  ومثقفون

  احتلت “ايقونات” عراقية عديدة مكاناتها البارزة عند الحديث حول مانحن بصدد التوثيق له، مركزين على الراحلين الاجلاء خاصة. وهكذا كان الفنان والمفكر الرائد محمود صبري، ذو العطاءات التشكيلية وصاحب” نظرية واقعية الكم” الذي اقام في براغ فنانا ومفكرا وطنيا، وباحثا انسانيا نصف قرن (1963-2013) .. وكذلك الباحث والكاتب والمترجم القدير مصطفى عبود منذ اواخر السبعينات وحتى 1985 . والكاتب والصحفي شمران الياسري – ابو كاطع منذ النصف الثاني من السبعينات وحتى عام 1981.. والكاتب والروائي يحيى بابان – جيان، من منتصف الستينات وحتى عام 2023 . والفنان الكردي العراقي البارز قادر ديلان، الذي اقام وعمل في براغ لنحو عقدين وحتى وفاته عام 1999. والباحث الجدير فالح عبد الجبار 1980 الى عام 1982..

   وعلى صعيد ذي صلة نظن بضرورة الاشارة هنا الى ان عدد من الوجوه والشخصيات الثقافية والادبية العراقية قد حفظتها ذاكرة براغ من الذين عملوا او تواجدوا فيها لظروف ودوافع متعددة، لفترات طالت وقصرت، ومن بينهم المثقفون والمبدعون الراحلون النافذون: 1/ بشرى برتو. 2/ صلاح خالص. 3 / ذنون ايوب. 4/ فيصل السامر. 5/ نوري عبد الرزاق. 6/ مجيد الونداوي. 7/ مهدي الحافظ. 8/ نزيهة الدليمي..

 

خامسا/ اذاعـة بـراغ العربية

  في اطار التأثير الاعلامي، والدفع باتجاه توطيد العلاقات مع العالم العربي، انطلق في براغ بث اذاعي رسمي باللغة العربية دام حوالي اربعة عقود وتوقف بعد انهيار النظام “الاشتراكي” السابق عام 1989. وشملت برامج البث الذي غلب عليها الطابع السياسي موادا اخرى ثقافية واخبارية ومنوعات وعداها. وقد كان للاعلاميين والمحررين والمترجمين العراقيين الحصة الاكبر من بينهم، ومنهم: 1/ احمد كريم. 2/ أناهيد بوغوصيان. 3/ حسين العامل. 4/ زاهد محمد. 5/ صادق الصايغ. 6/عادل مصري. 7/ فائزة حلمي. 8/ مفيد الجزائري. 9/ موسى اسـد. 10/ نضال وصفي طاهر..

 

سادسا/ في مجلة قضايا السلم والاشتراكية

   من المؤسسات الاعلامية والفكرية الشهيرة في براغ راحت “مجلة قضايا السلم والاشتراكية” الاصدار النظري للاحزاب الشيوعية والعمالية العالمية بلغات عديدة، والتي استمر لاكثر من اربعة عقود، ولغاية 1990. وكان مجلس وهيئة تحرير المجلة يضمان عشرات المندوبين، الدوريين لعشرات من تلك الاحزاب، اغلبهم من المفكرين والاكاديميين والمنظرين، ومنهم العراقيون: 1/ حميد مجيد موسى. 2/ رحيم عجينة. 3/ زكي خيرى. 4/ عادل حبة. 5/ عزيز الحاج. 6/ كاظم حبيب.. ذلك فضلا لمشاركات غير منتظمة لعبد الرزاق الصافي وفخري كريـم، وشخصيات اخرى نافذة في عدد من فعاليات وندوات المجلة.. 

  كما عمل في المجلة بمجالات الترجمة والتحرير ولفترات متفاوتة: 1/ خالد السلام. 2/ زكي خضر. 3/ عبد الاله النعيمي. 4/ عدنان الاعسم . 5/ عزيز سباهي. 6/ عيسى العزاوي. 7/ غانم حمدون. 8/ فالح عبد الجبار. 9/ مجيد الراضي. 10/ مصطفى عبود. 11/ نزار ناجي. 12/ يحيى علوان.. وكذلك ولفترات محدودة: جلال الماشطة، وغائب طعمة فرمان..

 

سابعا/ رابطة الكتاب والفنانين

    تزامنا مع تطورات الاوضاع السياسية والعامة في العراق، اواخر العام 1978 واشتداد العسف والارهاب، الذي طال الالوف من الوطنيين والديمقراطيين في البلاد العراقية، وترسخ سلطة حزب البعث، بل والحاكم الواحد، صدام حسين، اضطر المئات من المثقفين العراقيين للاغتراب والهجرة، والهروب الى مختلف العواصم والمدن العربية والعالمية.. وقد تنادى لفيف منهم، وخاصة في بيــروت ودمشق عام 1980 لتشكيل “رابطة مركزية للكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقين” تهتم بالتضامن والدفاع عن الحقوق الانسانية وحرية الفكر والابداع، لهم، في الخارج وفي بلادهم..

   ووفق المتطلبات التنظيمية التقليدية، تشكلت للرابطة فروع في عواصم ومدن عربية واوربية وغيرها، ومنها في براغ مطلع الثمانينات الاخيرة،  انضم اليها – لتلك الفروع-  مقيمين وعاملين ونشطاء في المجالات التي تعنى بها الرابطة. وعقد فرع براغ عدة مؤتمرات واخرها عام 1989 انبثقت عنها هيئات ادارية لادارة العمل ترأسها على التوالي، ولسنوات: شمران الياسري، ورواء الجصاني، وعبد الاله النعيمي .. وبسبب وجود واقامة عدد من اداريي السكرتارية العامة للرابطة في براغ فقد كلفوا ايضا بمهام تنسيقية لفروع الرابطة في اوربا، وانعقد لذلك الغرض اكثر من اجتماع، وتحقق اكثر من نشاط  ثقافي وتنظيمي، شارك فيه عدد من ممثلي الفروع المعنية او مندوبين عنها، ومنهم الذوات: 1/ حميد الخاقاني. 2/ زهير الجزائري. 3/ صادق الصايغ. 4/ فائق بطي. 5/ فاضل العزاوي. 6/ فيصل لعيبي. 7/ عبد الحميد برتـو. 8/ عبد المجيد الراضي .. اضافة لكاتب هذا التوثيق، ولنشطاء في فرع الرابطة في براغ، ومنهم بشكل خاص: حسين العامل، يحيى بابان- جيان، وقيس قاسم ..

 

* رواء الجصاني/ براغ- تشرين الاول 2024 – يتبع القسمان الثاني والثالث

———————————————————————————

احــالات .. وتوثيقـــات

* رئيس مركز “الجواهري” الثقافي – رئيس تحرير “بابيلون” للاعلام/ براغ

** جاء توثيق غالبية الوقائع والاسماء، باعتماد الذاكرة والمعايشة اصلا، وايضا التأكد من بعضها عبر معاصرين، واصدقاء معنيين، كما مراجعة نشريات ومصادر محدودة.. ولربما يُلاحظ في التأرخة تكرار لاسماء مبدعين ومثقفين، وقد راح ذلك بسبب تعدد وتداخل النشاطات والمواقع في الاحداث والمشاهد ذات الصلة. ومن الطبيعي انه سيكون هناك – كما سبق القول – ترحيب بالغ لكل من يتفضل بايراد اية ملاحظات واضافات وتصحيحات زمنية – مكانية، لتأخذ محلها في التوسع والنشر مجددا في فترة قادمة، ولجميع من سيتكرم بذلك الامتنان والتقدير سلفا ..

*** لمزيد من التفاصيل يمكن العودة الى ما نشرناه من خلاصات وعلاقات ضمن سلسلة كتابات شملت نحو اربعين شخصية ثقافية وابداعية، وغيرها، ممكن الحصول عليها من شبكة “الانترنيت” بعنوان “عراقيون من هذا الزمان” منشورة في العديد من الصحف والمواقع الاعلامية..

 

زر الذهاب إلى الأعلى